أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 32

جلسة 8 من يناير سنة 1979

برياسة السيد المستشار حسن على المغربى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد الواحد الديب، ومحمد صلاح الدين الرشيدى، ومحمد وهبه، ومصطفى جميل مرسى.

(5)
الطعن رقم 1522 لسنة 48 القضائية

(1) ضرب. "إحداث عاهة". إثبات. "خبرة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير مدى العاهة ليس بلازم. كفاية اطمئنان المحكمة إلى ثبوت إصابة المجنى عليه بعاهة نتيجة اعتداء مباشر عليه.
متى يكون للمحكمة الإعراض عما يبديه المتهم من أوجه الدفاع؟
(2) محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". إثبات. "خبرة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع أن تجزم بما لا يجزم به الخبير. مناطه؟
(3) إثبات. "خبرة". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير. موضوعى.
(4) إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
التناقض الذى يعيب الحكم. صوره؟
(5) محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". إثبات. "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تراخى المجنى عليه فى الإبلاغ. لا يفيد كذب شهادته.
(6) محكمة الموضوع. "سلطتها فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وإطراح ما يخالفها.
(7) إثبات. "شهود". "خبرة". حكم. "تسبيبه تسبيب غير معيب".
وزن أقوال الشهود. موضوعى.
أخذ المحكمة بأقوال شاهد. مفاده إطراح جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
1 - من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أن للمحكمة إذا كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى، أن تعرض عن ذلك، بشرط أن تبين علة عدم إجابتها هذا الطلب، لما كان ذلك - وكان الحكم إذ رفض طلب الطاعن قد أسس هذا الرفض على أنه غير منتج فى الدعوى بعد أن اطمأن لأقوال المجنى عليها المؤيدة بالتقرير الطبى الشرعى الذى أثبت أن العاهة المستديمة لدى المجنى عليها - وهى فقد إبصار العين اليسرى - كانت نتيجة الإصابة التى أحدثها بها الطاعن مما مؤداه أن العين كانت مبصره قبل الإصابة وأن قوة الإبصار قد فقدت كلية على أثرها، فإن هذا حسبه ليبرأ من دعوى الإخلال بحق الدفاع. لما كان ذلك - وكان من المقرر أن تقدير مدى العاهة ليس بلازم طالما أن المحكمة اطمأنت إلى ثبوت إصابة المجنى عليها بعاهة نتجت مباشرة من اعتداء وقع عليها وعليه فإن طلب الدفاع يكون غير منتج فى الدعوى حرياً بالرفض.
2 - من المقرر أنه لا يصح أن يعاب على المحكمة عدم إجابتها الطاعن إلى طلب مناقشة الطبيب الشرعى ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر من جانبها ضرورة اتخاذ هذا الإجراء وكان ما يثيره الطاعن من أن الطبيب الشرعى قد أجاز حدوث الإصابة من سيخ حديد دون أن يقطع بذلك - مردوداً بما هو مقرر لمحكمة الموضوع من سلطة الجزم بما لم يجزم به الخبير فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها وهو ما لم يخطئ الحكم فى تقديره.
3- متى كان الحكم قد أثبت أن إصابة المجنى عليها قد حدثت من الاعتداء عليها بالضرب بسيخ حديد أخذاً بما جاء بالتقرير الطبى الشرعى الذى اطمأن إليه فى حدود سلطته التقديرية وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها، وما دامت قد اطمأنت إلى ما جاء به فلا يجوز مجادلتها فى ذلك، وكان ما يسوقه الطاعن من مطاعن فى تقرير الطبيب الشرعى ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير هذا الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مصادرة عقيدتها فى شأنه.
4 - لما كان الضرب بالسيخ لا يستتبع حتما أن تكون الإصابة الناتجة عنه وخزية أو قطعية، بل يصح أن تكون رضية إذ هو فى واقع الأمر جسم صلب راض وكان التقرير الطبى قد خلا من شبهة التناقض الذى يسقطه، ومن ثم فإن استناد الحكم إليه كدليل فى الدعوى يشهد على إدانة الطاعن لا يعيبه، لما هو مقرر من أن التناقض الذى يبطل الحكم هو الذى يكون واقعاً فى الدليل الذى تأخذ به المحكمة فيجعله متهادماً متساقطاً لا شيء منه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح مع الاعتماد عليها والأخذ بها. أما النعى على الحكم بالتناقض تأسيساً على أنه بعد أن أورد أن الإصابة رضية تحدث من جسم صلب راض على وجه الجزم عاد بعد ذلك وأخذ بالرأى الجوازى الذى ضمنه الطبيب الشرعى تقريره - فمردود بأن التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة. وهو ما برئ منه الحكم، إذ البين من مدوناته أنه انتهى إلى بناء الإدانة على يقين ثبت لا على افتراض لم يصح.
5 - لما كان الحكم قد اطرح تصوير الطاعن للحادث فى قوله: "وحيث إن المحكمة لا تعول على إنكار المتهم بعد أن طمأنت تمام الاطمئنان إلى أدلة الثبوت سالفة البيان المستمدة من أقوال المجنى عليها فى جميع مراحل التحقيق من أن المتهم هو الذى اعتدى عليها بسيخ حديد وأحدث إصابة عينها اليسرى ولا يقدح فى ذلك تأخر المجنى عليها فى الإبلاغ مدة أربع ساعات إذ أن هذا التأخير لا يؤخذ منه أن المجنى عليها كاذبة فى شهادتها خاصة وأن الدفاع لم يقدم دليلاً مقنعاً يجرح به أقوالها التى تأيدت بالتقرير الطبى الشرعى على النحو السابق إيضاحه.
6- من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق.
7 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه بغير معقب. ومتى أخذت بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحلها على عدم الأخذ بها ولما كان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال المجنى عليها واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التى شهدت بها، وكان ما أورده سائغا فى العقل ومقبولاً فى بيان كيفية حدوث الإصابة، فلا تثريب على المحكمة فيما اقتنعت به من إمكان حدوثه على الصورة التى قررتها المجنى عليها والتى تأيدت بالتقرير الطبى الشرعى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم (المتهم الأول) الطاعن ضرب ........... عمدا بسيخ حديدى فأحدث بها الاصابة الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى والتى نشأ عنها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هى فقد كامل لإبصار هذه العين (المتهم الثانى) أحدث بالمتهم الأول عمداً الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبى والتى تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوماً. (المتهم الثالث) أحدث بالمتهم الثانى عمداً الإصابة الموصوفة بالتقرير الطبى والتى تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوماً. وطلبت إلى مستشار الاحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً للمواد 240/1، 242/1 من قانون العقوبات، فقرر ذلك. وادعت مدنياً المجنى عليها قبل المتهم الأول والثالث متضامنين بمبلغ مائتين وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية. ومحكمة جنايات أسيوط قضت فى الدعوى حضورياً للأول وغيابياً للثانى والثالث (أولاً) بمعاقبة المتهم الأول "الطاعن" بالحبس مع الشغل مدة ستة أشهر وإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحق المدنى مبلغ مائتى وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف. (ثانياً) بمعاقبة المتهم الثانى بالحبس مع الشغل مدة أسبوعين لما نسب إليه. ( ثالثاً ) بمعاقبة المتهم الثالث بالحبس مع الشغل مدة أسبوع لما نسب إليه. فطعن المحكوم عليه الأول فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة العاهة المستديمة قد شابه إخلال بحق الدفاع وتناقض فى التسبيب وفساد فى الاستدلال ذلك بأن الطاعن طلب من المحكمة استئجال الدعوى والتصريح له باستحضار شهادة من مستشفى الرمد بصدفا وأخرى من مستشفى الرمد بأسيوط تفيد إجراء جراحة للمجنى عليها فى عينيها الأثنين للتدليل على وجود عتامة بهما، غير أن المحكمة لم تستجب لهذا الطلب وبررت رفضه بأسباب غير سائغة، كما أن المدافع عنه أثار فى مرافعته باحتمال إصابة المجنى عليها من الطوب الذى كان يلقى فى المشاجرة، وليس من اعتداء الطاعن عليها بسيخ حديد كما ادعت مستدلاً بما جاء فى التقرير الطبى عن وصف الإصابة من أنها رضية تحدث من جسم صلب راض، وأشار فى مرافعته إلى أن السيخ لا يحدث هذه الإصابة الرضية، وإنما يحدث إصابة قطعية أو وخذية، وطلب استدعاء الطبيب الشرعى لمناقشته فى إمكان حدوث الاصابة من قذف الطوب، ولكن المحكمة - وعلى الرغم من تسجيلها فى حكمها أن الاصابة رضية - رفضت الاستجابة لهذا الطلب، وعولت فى ذلك على التقرير الطبى الشرعى الذى انتهى إلى جواز حدوث الاصابة من سيخ حديد كما ذكرت المجنى عليها، مع أن الرأى الذى اشتمل عليه التقرير جاء على وجه الجواز والاحتمال وتناقض مع ما تضمنه ذات التقرير من أن الاصابة رضية، هذا إلى أن الحكم بعد أن أورد أن الاصابة رضية تحدث من جسم صلب راض بطريق الجزم، عاد بعد ذلك وأخذ بالرأى الجوازى الذى ضمنه الطبيب الشرعى تقريره. وفضلاً عن ذلك فقد دلل الدفاع على كذب أقوال المجنى عليها بتراخيها فى التبليغ عن الحادث قرابة أربع ساعات مما يسر لها تلفيق الاتهام - غير أن المحكمة ضربت صفحا على هذا الدفاع واعتمدت فى الإدانة على أقوال المجنى عليها، وراحت تبرر ذلك بأنها قد تأيدت بالتقرير الطبى الشرعى مع أن هذا التقرير ناقضها فى أقوالها بما أثبته من أن الاصابة تحدث من جسم صلب راض، فى حين أنها قالت أن الاعتداء وقع عليها بسيخ حديد.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة العاهة المستديمة التى دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة مستمدة من أقوال المجنى عليها ومن التقريرين الطبيين الشرعى والرمدى، وهى أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. وقد عرض الحكم لما أثاره الطاعن فى وجه الطعن بشأن طلب التصريح له باستحضار شهادة من مستشفى الرمد بصدفا وأخرى من مستشفى الرمد بأسيوط للتدليل على إجراء جراحة للمجنى عليها فى كلتا عينيها لوجود عتامة عليهما ورد عليه مبدياً أسباب عدم استجابته لهذا الطلب فى قوله: (أولاً) الثابت من أقوال المجنى عليها......... أمام المحكمة والتى تطمئن إليها المحكمة أنها لم تجر عملية جراحية فى عينها اليسرى قبل الحادث وأن العملية التى أجرتها فى عينها اليمنى. (ثانياً) الثابت من التقرير الطبى الشرعى أن العين اليمنى بها أثر عملية اندغام القزحية الأمر الذى يؤيد أقوال المجنى عليها سالفة الذكر. (ثالثاً) الثابت من التقرير السالف أن إخصائى الرمد الاستشارى الدكتور....... أوقع الكشف على المجنى عليها وتبين له أن العين اليسرى أصيبت بجسم صلب أدى إلى تمدد الحدقة وانخلاع وإعتام العدسة وفقد إبصار العين اليسرى تماماً ونهائياً، وقد انتهى الطبيب الشرعى فى تقريره إلى أن إصابة المجنى عليها فى عينها اليسرى حدثت نتيجة المصادمة بجسم صلب راض ويمكن حدوثها نتيجة الاعتداء عليها بسيخ حديد كما تقرر، وأزاء هذه النتيجة الصريحة التى أوردها الطبيب الشرعى فى تقريره من أن إصابة العين أدت إلى تمدد الحدقة وانخلاع وإعتام العدسة وفقد إبصار العين اليسرى تماماً، ولما كان من المقرر أن تقدير مدى العاهة ليس بلازم طالما أن المحكمة اطمأنت إلى ثبوت إصابة المجنى عليها بعاهة نتجت مباشرة من اعتداء وقع عليها وعليه فإن طلب الدفاع يكون غير منتج فى الدعوى حرياً بالرفض. لما كان ذلك، وكان الحكم إذ رفض طلب الطاعن قد أسس هذا الرفض على أنه غير منتج فى الدعوى بعد أن اطمأن لأقوال المجنى عليها المؤيدة بالتقرير الطبى الشرعى الذى أثبت أن العاهة المستديمة لدى المجنى عليها - وهى فقد قوة إبصار العين اليسرى - كانت نتيجة الإصابة التى أحدثها بها الطاعن مما مؤداه أن العين كانت مبصرة قبل الإصابة وأن قوة الأبصار قد فقدت كلية على أثرها، فإن هذا حسبه ليبرأ من دعوى الإخلال بحق الدفاع لما هو مقرر من أنه وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أن للمحكمة إذا كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى، أن تعرض عن ذلك، بشرط أن تبين علة عدم إجابتها هذا الطلب وهو ما أوضحه الحكم بما يستقيم به قضاءه. لما كان ذلك، وكان لا يصح أن يعاب على المحكمة عدم إجابتها الطاعن إلى طلب مناقشة الطبيب الشرعى ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر من جانبها ضرورة اتخاذ هذا الإجراء وكان ما يثيره الطاعن من أن الطبيب الشرعى قد أجاز حدوث الإصابة من سيخ حديد دون أن يقطع بذلك - مردوداً بما هو مقرر لمحكمة الموضوع من سلطة الجزم بما لم يجزم به الخبير فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها وهو ما لم يخطئ الحكم فى تقديره، هذا فضلاً عن أن أخذ الحكم بدليل احتمالى غير قادح فيه ما دام قد أسس الإدانة على اليقين - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة، لما كان ذلك، وكان الحكم قد أثبت أن إصابة المجنى عليها قد حدثت من الاعتداء عليها بالضرب بسيخ حديد أخذاً بما جاء بالتقرير الطبى الشرعى الذى اطمأن إليه فى حدود سلطته التقديرية وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها، وما دامت قد اطمأنت إلى ما جاء به فلا يجوز مجادلتها فى ذلك، وكان ما يسوقه الطاعن من مطاعن فى تقرير الطبيب الشرعى ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير هذا الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مصادرة عقيدتها فى شأنه أمام محكمة القض، لما كان ذلك، وكان الضرب بالسيخ لا يستتبع حتما أن تكون الإصابة الناتجة عنه وخرية أو قطعية، بل يصح أن تكون رضية إذ هو فى واقع الأمر جسم صلب راض وكان التقرير الطبى قد خلا من شبهة الناقض الذى يسقطه، ومن ثم فإن استناد الحكم إليه كدليل فى الدعوى يشهد على إدانة الطاعن لا يعيبه، لما هو مقرر من أن التناقض الذى يبطل الحكم هو الذى يكون واقعاً فى الدليل الذى تأخذ به المحكمة فيجعله متهادماً متساقطاً لا شيء منه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح مع الاعتماد عليها والأخذ بها. أما النعى على الحكم بالتناقض تأسيساً على أنه بعد أن أورد أن الإصابة رضية تحدث من جسم صلب راض على وجه الجزم عاد بعد ذلك وأخذ بالرأى الجوازى الذى ضمنه الطبيب الشرعى تقريره - فمردود بأن التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة. وهو ما برئ منه الحكم، إذ البين من مدوناته أنه انتهى إلى بناء الإدانة على يقين ثبت لا على افتراض لم يصح - لما كان ذلك، وكان الحكم قد اطرح تصوير الطاعن للحادث فى قوله: "وحيث إن المحكمة لا تعول على إنكار المتهم بعد أن طمأنت تمام الاطمئنان إلى أدلة الثبوت سالفة البيان المستمدة من أقوال المجنى عليها فى جميع مراحل التحقيق من أن المتهم هو الذى اعتدى عليها بسيخ حديد وأحدث إصابة عينها اليسرى ولا يقدح فى ذلك تأخر المجنى عليها فى الإبلاغ مدة أربع ساعات إذ أن هذا التأخير لا يؤخذ منه أن المجنى عليها كاذبة فى شهادتها خاصة وأن الدفاع لم يقدم دليلاً مقنعاً يجرح به أقوالها التى تأيدت بالتقرير الطبى الشرعى على النحو السابق إيضاحه"، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه بغير معقب. ومتى أخذت بأقوال الشهود فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحلها على عدم الأخذ بها ولما كان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال المجنى عليها واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التى شهدت بها، وكان ما أورده سائغا فى العقل ومقبولاً فى بيان كيفية حدوث الإصابة، ولا تثريب على المحكمة فيما اقتنعت به من إمكان حدوثه على الصورة التى قررتها المجنى عليها والتى تأيدت بالتقرير الطبى الشرعى، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو فى تصديقها لأقوال الشهود به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها فى شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.