أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 10 - صـ 948

جلسة 23 من نوفمبر سنة 1959

برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل المستشار وبحضور السادة: فهيم يسى جندي, ومحمد عطية اسماعيل, ومحمود حلمي خاطر, وعباس حلمي سلطان المستشارين.

(194)
الطعن رقم 1190 لسنة 29 القضائية

(أ) نقض. أسباب موضوعية. إثبات. تقدير رأي الخبير. مثال في شهادة مرضية.
استئناف. تسبيب الأحكام بشأن عدم قبوله شكلا. الشهادة الطبية المقدمة لتبرير العذر في التخلف عن الاستئناف في الميعاد. سلطة محكمة الموضوع في عدم التعويل عليها لأسباب سائغة. مثال.
(ب) حكم. ما لا يعيب التدليل. الاستغناء ببعض الأدلة عن بعضها الآخر. مناطه.
عند بقاء الحكم صحيحا بما بقى من أدلة أخرى.
1 - لا تعدو الشهادة المرضية أن تكون دليلا من أدلة الدعوى تخضع في تقديرها لمحكمة الموضوع كسائر الأدلة - فإذا كانت المحكمة قد تحدثت في حكمها عن الشهادة الطبية التي استند إليها المتهم في تبرير عذره في التخلف عن الاستئناف في الميعاد - ولم تعول عليها للأسباب السائغة التي أوردتها في حدود سلطتها التقديرية - فالجدل في هذا الخصوص يرد في حقيقته على مسائل موضوعية لا شأن لمحكمة النقض بها.
2 - لا يعيب الحكم تعويله على واقعة خاطئة متى كان مشتملا على أدلة أخرى كافية بذاتها لإقامة الحكم في شأن عدم اطمئنانه للشهادة المرضية التي قدمها المتهم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من: 1 - حسن نصر رفاعي و2 - حسن فوزي نصر بأنهما بقسم عابدين اشتركا بطريق الاتفاق والمساعدة مع موظف عمومي حسن النية وعامل البصمة بإدارة تحقيق الشخصية في ارتكاب تزوير في ورقة رسمية وشهادة تحقيق شخصية نموذج رقم 4 داخلية حال تحريرها المختص بوظيفته وذلك بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمهما بتزويرها بأن اتفقا معا على أن ينتحل الأول شخصية المتهم الثاني أمام عامل البصمة ليأخذ بصماته فلا تظهر سوابقه, وذهب إلى إدارة تحقيق الشخصية وتقدم المتهم الأول فعلا إلى الموظف العمومي سالف الذكر منتحلا شخصية أخيه المتهم الثاني فأخذ العامل بصماته على هذا الاعتبار وأثبتها في شهادة تحقيق الشخصية آنفة الذكر, فوقعت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة, وطلبت عقابهما بالمواد 40 فقرة 2 و41 و213 من قانون العقوبات ومحكمة جنح عابدين الجزئية قضت غيابيا عملا بمواد الاتهام بحبس كل من المتهمين سنة مع الشغل وكفالة 20 جنيها لكل منهما لوقف التنفيذ واعفتهما من المصاريف الجنائية, فعارض المحكوم عليه الأول وفي أثناء نظر معارضته دفع الحاضر عنه بالتقادم الطويل - والمحكمة قضت فيها بقبولها شكلا وفي الموضوع برفض الدفع بالتقادم الطويل وتعديل الحكم الغيابي المعارض فيه والاكتفاء بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وكفالة لوقف التنفيذ. فاستأنف المتهم هذا الحكم (بعد الميعاد) - ومحكمة القاهرة الابتدائية قضت حضوريا بعدم قبوله شكلا للتقرير به بعد الميعاد. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض, وقضى فيه بقبوله شكلا وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة مصر الابتدائية لتحكم فيها دائرة استئنافية أخرى. أعيدت الدعوى ثانية إلى المحكمة المشار إليها وقضى فيها غيابيا بعدم قبول الاستئناف شكلا لرفعه بعد الميعاد. فعارض وقضى في معارضته بقبولها شكلا وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم الغيابي المعارض فيه.
فطعن الطاعن للمرة الثانية في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه القصور والإخلال بحق الدفاع ذلك أن الحكم لم يعوّل على الشهادة المرضية المقدمة من الطاعن لإثبات عذره في عدم التقرير بالاستئناف في الميعاد القانوني واعتمد في ذلك على أن تاريخ هذه الشهادة تال لتاريخ التقرير بالاستئناف وأنها لم تقدم إلا في جلسة 10/ 6/ 1956 وأن الأمراض المبينة بها ليس من شأنها أن تلزم الطاعن الفراش وأنه - أي الطاعن - يعمل صولا في مخازن الجيش ولو صح أنه كان مريضا لامتنع عن عمله وترخص له بأجازة رسمية - وهذا الذي ذهب إليه الحكم غير سديد ولا يتفق مع الوقائع الثابتة في الأوراق إذ لا يشترط للإطمئنان للشهادة الطبية أن تكون في بدء المرض وأن من شأن الأمراض التي ذكرت بها أن تلزم المريض الفراش حقا, كما أن الطاعن قد ترك خدمة الجيش من مدة بعيدة - وقد طلب الطاعن من المحكمة تحقيق هذا الدفاع فأطرحه.
وحيث إنه يبين من الحكم الغيابي الاستئنافي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه أنه عرض للشهادة المرضية المقدمة من الطاعن واطرحها في قوله: "ومن حيث إن المحكمة لا تطمئن إلى الشهادة الطبية بادية الذكر إذ أن تاريخها 12/ 11/ 1955 بعد تاريخ التقرير بالاستئناف كما أنها لم تقدم إلى المحكمة إلا بجلسة 10/ 6/ 1956 مع أن الدعوى نظرت قبل ذلك بجلسات 13/ 11/ 1955 و5/ 2/ 1956 و8/ 4/ 1956 وكانت تؤجل للإطلاع والاستعداد وأخيرا لحضور المحامي الأصلي عن المتهم, وفضلا عن ذلك فإن الأمراض الواردة بها وهى إلتهاب الحويصلة الصفراء مع دوار في الرأس وروماتزم في المفاصل ليس من شأنها أن تلزم المتهم الفراش أو تمنعه من تركه, دليل ذلك أن الشهادة المذكورة نفسها لم يأت بها أن المتهم كان ملازما الفراش بسبب هذه الأمراض طيلة مدة مرضه..." لما كان ذلك وكانت المحكمة قد تحدثت في حكمها عن الشهادة الطبية التي استند إليها الطاعن في تبرير عذره في التخلف عن الاستئناف في الميعاد ولم تعوّل عليها للأسباب السائغة التي أوردتها في حدود سلطتها التقديرية والجدل في هذا الخصوص يرد في حقيقته على مسائل موضوعية لا شأن لمحكمة النقض بها إذ من المقرر أن الشهادة المرضية لا تعدو أن تكون دليلا من أدلة الدعوى تخضع في تقديرها لمحكمة الموضوع كسائر الأدلة - لما كان ذلك وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من أنه لم يحقق ما دفع به من أنه ترك خدمة الجيش من مدة بعيدة خلافا لما استند إليه الحكم الغيابي الاستئنافي من أنه أي - الطاعن - يعمل صولا في خدمة الجيش - ولو صح أنه كان مريضا لامتنع عن عمله وترخص له بأجازة رسمية فقد تناوله الحكم المطعون فيه في قوله "ومن حيث إن ما جاء بأسباب المعارضة فيه خاصا بهذه المسألة لم يأت باعتباره دليلا وإنما جاء بوصفه قرينة استنتاجية لم تكن عماد الحكم ولا أساسه فإذا سايرت المحكمة دفاع المتهم واستبعدتها يظل الحكم الغيابي الاستئنافي المعارض فيه سليما في أسبابه التي أقيم عليها في خصوص عدم الاطمئنان إلى الشهادة الطبية". ولما كان هذا الرد مقبولا وكان لا يعيب الحكم - بفرض ثبوت أن الطاعن قد ترك خدمة الجيش من مدة بعيدة - تعويله على واقعة خاطئة متى كان مشتملا على أدلة أخرى كافية بذاتها لإقامة الحكم في شان عدم اطمئنانه للشهادة المرضية التي قدمها الطاعن, لما كان ما تقدم فإن الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.