أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة 10 - صـ 952

جلسة 23 من نوفمبر سنة 1959

برياسة السيد محمود ابراهيم اسماعيل المستشار, وبحضور السادة: فهيم يسى جندي, ومحمد عطية اسماعيل, ومحمود حلمي خاطر, وعباس حلمي سلطان المستشارين.

(195)
الطعن رقم 1193 لسنة 29 القضائية

(أ, ب) إسقاط الحوامل.
عناصر الواقعة الإجرامية. فعل الإسقاط. وقت حصوله.
جوازه في أي وقت من أوقات الحمل.
الإجهاض في الشريعة الإسلامية. حكمه.
إباحة إسقاط الجنين الذي لم يتجاوز عمره أربعة أشهر مجرد اجتهاد انقسم حوله رأي الفقهاء.
أسباب إباحة الجرائم.
الحق المقرر بمقتضى القانون. ماهيته.
تحريم فعل الإسقاط يحول دون اعتباره مرتبطا بحق.
1 - المادة 60 من قانون العقوبات إنما تبيح الأفعال التي ترتكب عملا بحق قرره القانون بصفة عامة, وتحريم الشارع للإسقاط يحول دون اعتبار هذا الفعل مرتبطا بحق وإنما يجعل منه إذا وقع جريمة يستحق جانيها العقاب الذي فرضه الشارع لفعلته, فلا يكون مقبولا ما عرض إليه المتهم في دفاعه أمام محكمة الموضوع من أن الشريعة الإسلامية تبيح إجهاض الجنين الذي لم يتجاوز عمره أربعة شهور وأن المادة 60 من قانون العقوبات تبيح ما تبيحه الشريعة.
2 - إباحة الشريعة الإسلامية إجهاض الجنين الذي لم يتجاوز عمره أربعة شهور ليس أصلا ثابتا في أدلتها المتفق عليها, وإنما هو اجتهاد للفقهاء انقسم حوله الرأي فيما بينهم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما: المتهم الأول - أولا - بصفته طبيبا أسقط عمدا السيدة......... بأن أعطاها أدوية وأجرى لها عملية إجهاض بطريق الكحت بقصد إفراغ الرحم. ثانيا - أحدث عمدا بالمجني عليها المذكورة جروحا بالرحم وتمزقات بالأمعاء والمساريقا المبينة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتلها ولكن الجروح أفضت إلى موتها. والمتهم الثاني. اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب الجريمتين سالفتى الذكر بأن اتفق معه على إجراء عملية إجهاض للمجني عليها ورافقها حتى عيادة الطبيب حيث أجريت لها عملية إفراغ الرحم فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 261, 263, 236 من قانون العقوبات للأول ونفس المواد والمادتين 40/ 2 - 3 و41 من نفس القانون. بالنسبة للثاني. فقررت الغرفة بذلك. وادعى والدا المجني عليها بحق مدني وطلبا القضاء لهما متضامنين قبل المتهمين بمبلغ عشرين ألف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المواد 32/ 1 و17 و55 و56 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من الدكتور...... و....... بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وأمرت بوقف تنفيذ هذه العقوبة لمدة ثلاث سنين وإلزامهما بأن يدفعا متضامنين للمدعيين بالحق المدني مناصفة مبلغ ألفي جنيه على سبيل التعويض والمصروفات المدنية المناسبة ومقابل أتعاب المحاماه.
فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الثاني قد استوفى الشكل المقرر بالقانون.
وحيث إن محصل هذا الطعن, هو أن الحكم المطعون فيه جاء مشوبا بالقصور وفي ذلك يقول الطاعن إن الدفاع عنه أبدى للمحكمة أن الشريعة الإسلامية تبيح الاجهاض في أحوال معينة منها أن يكون الجنين لم يتجاوز أربعة أشهر, والمادة 60 من قانون العقوبات لا تحرم ما تحله أحكام الشريعة وقد سكتت المحكمة عن الرد على هذا الدفاع, هذا إلى أن المحكمة خلطت بين الاتفاق بمعناه القانوني وبين موافقة الطاعن وزوجته على إجراء عملية الإجهاض وجاء حديثها عن اتفاق الطاعن مع المتهم الأول قاصرا في بيان قصد الاشتراك. ثم إن الأفعال التي استدلت بها المحكمة على قيام الاتفاق لا تتصل بالنتيجة التي حصلت برابطة السببية المباشرة, يضاف إلى ذلك أن الحكم أغفل جزء من شهادة الشاهدة....... من أن المجني عليها أخبرتها بأن زوجها الطاعن لا يوافقها على إسقاط حملها وأنه رغب في الذرية من الذكور والأناث على السواء, كما أخبرتها بذلك مرة ثانية بعد الحادث وهو ما تنتفي به مسئولية الطاعن. وأخيرا فإن الشاهد........ قرر في التحقيق أنه كان يزور المجني عليها في المستشفى بعد العملية فأخبره والدها بأنها كانت اتفقت مع الدكتور......... على أن تجرى عملية الاجهاض فأجراها لها فعلا, فقالت المحكمة إن هذه الشهادة لا تفيد أكثر من أن المجني عليها كانت راضية بالإجهاض, وكان على المحكمة أن تفصل الشهادة ولا تبترها حتى يكون حكمها سليما من شائبة القصور.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فيما قاله من أن المتهم الثاني تزوج بالمجني عليها ورزق منها بثلاث بنات ولما حملت للمرة الرابعة استقرت رغبته ورغبة زوجته عن المزيد من الأطفال, فاتفقا على إجهاضها ولجأ الزوج في ذلك إلى صديقه المتهم الأول وهو طبيب مبتدئ واجتمع رأيهما على أن يحضر المتهم الثاني زوجته في يوم الأحد 4 من ديسمبر سنة 1955 وهو يوم العطلة الأسبوعية حين لا يكون في العيادة أحد من المرضى أو الخدم وغادر الزوجان منزلهما في صباح ذلك اليوم وتوجها إلى تلك العيادة بدائرة قسم بولاق وقام المتهم الأول بتخدير المجني عليها وأجرى لها جراحة كحت لإفراغ محتويات الرحم, ونظرا لقلة خبرته فقد أحدث انثقابا بالرحم وتمزقا في الأمعاء والمساريقا, ونشأ عن ذلك نزيف أدرك منه المتهم الأول سوء ما فعل, فاتصل تليفونيا بزميله الدكتور ضياء سيف الدين بمستشفى عانوس ووصف له الحالة واتفقا على نقل المجني عليها إلى مستشفى عانوس الذي يعمل به الدكتور ضياء فلما فحص هذا الأخير المجني عليها وجد عندها نزيفا نشأ عن تمزق في عنق الرحم ورأى إجراء عملية فتح بطن لاستكشاف الأسباب وليتمكن من إجراء الجراحة الضرورية وأخذ إقرارا كتابيا على الزوج بقبوله إجراء هذه الجراحة وإذ أجراها ظهر له وجود تهتك في الرحم, وفي جزء من مساريقا الأمعاء الدقاق وأن الجنين غير موجود وقد استلزمت الحالة استئصال الرحم والجزء المصاب من الأمعاء وقد ظل الدكتور ضياء يواصل العناية بالمجني عليها حتى لاحظ يوم 8 من ديسمبر أعراضا تدل على حدوث شلل ثانوي في الأمعاء وحاول معالجة هذه الظاهرة ولكن أخذت حالة المجني عليها تسوء حتى توفيت في صباح يوم الجمعة 9 من ديسمبر نتيجة إلتهاب بريتوني حاد مضاعف لانثقاب الرحم وتمزق الأمعاء والمساريقا. ولما كان هذا البيان تتوافر فيه عناصر الجنايتين اللتين دان الحكم الطاعنين بهما, أولهما بوصف كونه فاعلا أصليا في جريمتي الاسقاط عمدا وإحداث جروح وإصابات بالمجني عليها أفضت إلى موتها وثانيهما (وهو الطاعن) وصف كونه شريكا للأول بالاتفاق والمساعدة في ارتكاب هاتين الجريمتين, وكان الحكم قد أورد على ثبوت وقوع ذلك من المتهمين أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها, لما كان ذلك وكان قانون العقوبات قد أورد في الباب الثالث من الكتاب الثالث نصوص جرائم إسقاط الحوامل في المواد 260 إلى 263, فإن ما عرض إليه الطاعن في دفاعه أمام محكمة الموضوع من أن الشريعة الإسلامية تبيح إجهاض الجنين الذي لم يتجاوز عمره أربعة أشهر وأن المادة 60 من قانون العقوبات تبيح ما تبيحه الشريعة - ما عرض إليه الطاعن من ذلك لا يكون مقبولا ما دام القانون يعاقب على الاسقاط ويجعل منه فعلا محرما, ولأن المادة 60 إنما تبيح الأفعال التي ترتكب عملا بحق قرره القانون بصفة عامة, وتحريم الشارع للإسقاط يحول دون اعتبار هذا الفعل مرتبطا بحق وإنما يجعل منه إذا وقع جريمة يستحق جانبها العقاب الذي فرضه الشارع لفعلته, ولا يعيب الحكم أن لا يتناول في أسبابه هذا الدفاع ويرد عليه لأن هذا الرد مستفاد من سياق الحكم وما هو ماثل فيه من الوقائع التي أسندت للمتهمين بوصف كونها جرائم تنطبق عليها المواد 260 و263 و236 و40/ 1 - 2 و41 من قانون العقوبات, إلا أنه بالنظر إلى أن الطاعن قد أورد ما أثاره أمام محكمة الموضوع في خصوص هذا الدفع على الصورة التي ضمنها الوجه الأول من أسباب طعنه, فإن هذه المحكمة لا ترى بدا من أن تشير إلى أن ما يقوله الطاعن من إباحة الشريعة الإسلامية إجهاض الحمل الذي لم يتجاوز أربعة أشهر ليس أصلا ثابتا في أدلتها المتفق عليها وإنما هو اجتهاد للفقهاء انقسم حوله الرأي فيما بينهم, ولا محل للاعتراض بالرأي الذي يظاهر ما يذهب إليه الطاعن تلقاء الوضع القائم في التشريع المعمول به من تحريم هذا الفعل كما سلف القول. لما كان ذلك وكان الحكم قد أثبت على الطاعن الثاني أنه اتفق مع المتهم الأول على إجهاض المجني عليها وصحبها إلى عيادته لإجراء هذا التداخل الجراحي الذي نشأت عنه الوفاة وقال في ذلك إن رضاء المجني عليها بالإجهاض لا ينفي مسئولية من أجهضها ولا من اشترك معه في الاجهاض بل إن رضاء المرأة بالإجهاض هو في حد ذاته عمل مؤثم بحكم المادة 262 من قانون العقوبات - وقد سبق التدليل على أنه إن كانت المجني عليها قد رضيت بالإجهاض إلا أن رغبة زوجها المتهم الثاني قد اتفقت مع رغبتها في هذا الشأن, كما أنه ثابت من الوقائع السابقة أن هذا المتهم لم يقف من رغبة زوجته موقفا سلبيا, بل قام بأعمال إيجابية تدل على اتفاقه معها ومع المتهم الأول على الإجهاض, فقد تخير كما سبق يوم العطلة الأسبوعية لمدرسة بناته ولعيادة صديقه المتهم الأول وأرسل بناته إلى منزل أخته ومعهن رداء المدرسة حتى يذهبن به إليها في اليوم التالي لما يدركه من أن عملية الاجهاض قد تستلزم تغيبه هو وزوجته عن منزلهما ثم صحب زوجته إلى عيادة صديقه المتهم الأول وطلب منه إجهاضها بناء على اتفاق سابق تخيرا فيه يوم عطلة حتى لا يكون في العيادة سوى المتهم الأول ولم يكن من الميسور للمجني عليها أن تذهب إلى عيادة هذا المتهم إلا عن طريق زوجها صديقه الأمر الذي تطمئن معه المحكمة إلى أن المتهم الثاني قد اتفق مع المتهم الأول على إحداث عملية الاجهاض التي سببت وفاة المجني عليها وإلى أنه ساعد المتهم الأول في الأعمال المسهلة لارتكاب الجريمتين مع علمه بهما بتقديم المجني عليها إليه وقد وقعت الجريمتان نتيجة لذلك الاتفاق وهذه المساعدة. ولما كان ما قاله الحكم سديدا في القانون وتتوفر فيه عناصر الاشتراك المعاقب عليه, وكان استدلال الحكم على توافر هذه العناصر هو استدلال سائغ وله أصله الثابت في الأوراق. لما كان ذلك وكان لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في تقدير الدليل المطروح عليها, كما أن لها أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وأن تطرح منها ما لا تثق به - لما كان ذلك فلا محل لما ينعاه الطاعن من أن المحكمة أغفلت جزءا من أقوال أحد الشهود كان صالحا لنفي مسئولية الطاعن ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى أنه ضالع مع المتهم الأول في ارتكاب الجريمتين. لما كان ذلك وكان الحكم لم يستند إلى أقوال الشاهد "عبد الحميد قمر" في قضائه بالإدانة, وإنما تناول هذه الأقوال في معرض الرد على دفاع الطاعن, والمحكمة غير ملزمة باستيعاب هذه الأقوال التي لم تر فيها ما يوجه رأيها إلى غير الوجهة التي انتهت إليها. لما كان جميع ما تقدم فإن الطعن المقدم من الطاعن الثاني يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.