أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 60

جلسة 11 من يناير سنة 1979

برياسة السيد المستشار محمد كمال عباس نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ عثمان الزينى، ويعيش رشدى، ومحمد على بليغ، وحسن جمعه.

(9)
الطعن رقم 1534 لسنة 48 القضائية

(1) بلاغ كاذب. دعوى جنائية. "تحريكها". دعوى مباشرة. دعوى مدنية. دفوع "الدفع بعدم جواز تحريك الدعوى بالطريق المباشر". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". نيابة عامة.
دعوى البلاغ الكاذب. جواز تحريكها بالطريق المباشر. المادة 232 إجراءات. انتظار تصرف النيابة العامة فى البلاغ. غير لازم. أساس ذلك؟
(2) حكم. "حجيته". "تسبيبه. تسبيب غير معيب". بلاغ كاذب. دعوى مدنية. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل" إثبات "بوجه عام". نقض. "أسباب الطعن ما لا يقبل منها".
عدم تقيد القاضى الجنائى. بالأحكام المدنية.
انتهاء الحكم إلى ثبوت كذب واقعة السرقة التى تضمنها البلاغ. بغض النظر عن ملكية المسروقات. كفايته ردا على دفاع المتهم بصدور حكم مدنى بملكيته لها.
(3) بلاغ كاذب. إثبات. "بوجه عام". "شهود". دفوع. "الدفع بعدم جواز الاثبات بالبينة". حكم "ما لا يعيبه فى نطاق التدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بعدم جواز الاثبات بالبينة، فى جريمة البلاغ الكاذب. ظاهر البطلان. إغفال الرد عليه. لا يعيب الحكم. علة ذلك: عدم رسم القانون طريقاً خاصاً لإثبات كذب الوقائع المبلغ عنها.
(4) إثبات. "شهود" نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود. موضوعى.
(5) عقوبة. "العقوبة المبررة". بلاغ كاذب. قذف. اتفاق جنائى. إزعاج سلطات. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". "المصلحة فى الطعن" حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
انتفاء مصلحة الطاعن فى تعييبه الحكم. فى خصوص جرائم القذف والاتفاق الجنائى وإزعاج السلطات. ما دام الحكم قد دانه. كذلك بجريمة البلاغ الكاذب وأوقع عليه عقوبة تدخل فى نطاق تلك المقررة لها عملاً بالمادة 32 عقوبات.
1 - من المقرر أن للمدعى بالحقوق المدنية أن يرفع دعوى البلاغ الكاذب إلى محكمة الجنح بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها - عملاً بالحق المخول له بموجب المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية - دون انتظار تصرف النيابة العامة فى هذا البلاغ، لأن البحث فى كذب البلاغ أو صحته وتحقيق ذلك إنما هو أمر موكول إلى تلك المحكمة تفصل فيه حسبما يؤدى إليه اقتناعها. وإذ كان ذلك فإن دفع الطاعن بعدم جواز إقامة الدعوى بالطريق المباشر، يضحى دفعاً قانونياً ظاهر البطلان بعيداً عن محجة الصواب، وإذ انتهى الحكم إلى رفضه فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ومن ثم فلا جدوى للطاعن من منعاه على تقريرات الحكم مقام رده على هذا الدفع.
2 - من المقرر وفق المادتين 221 و457 من قانون الإجراءات الجنائية، أن الحكم الصادر فى دعوى مدنية لا تأثير له على الدعوى الجنائية ولا يقيد القاضى الجنائى عند نظره الدعوى. لما كان ذلك وكان الحكم قد رد على دفاع الطاعن القائم على صدور حكم من المحكمة المدنية بشأن ملكية جهاز التلفزيون المبلغ بسرقته بقوله: "ومن جماع ما سبق تستبين كذب تلك الرواية ولا يقدح فى ذلك ما ذهب إليه المتهم - الطاعن - وهو بصدد الدفاع عن نفسه من صدور حكم القضاء بملكيته لجهاز التلفزيون بعد ما اطمأنت المحكمة من شهادة الشهود إلى أنه هو الذى نقله إلى المكان الذى ضبط فيه". وإذ كان مفاد هذا الذى رد به الحكم ثبوت كذب واقعة السرقة التى تضمنها البلاغ بغض النظر عن ملكية الجهاز المذكور - التى يتحدى بها الطاعن - فإن الحكم يكون بمنأى عما يعيبه عليه الطاعن فى هذا الصدد.
3- لم يجعل القانون لإثبات كذب الوقائع المبلغ عنها طريقا خاصا، ومن ثم - وبفرض دفع الطاعن فى مذكرته المصرح له بتقديمها - بعدم جواز الاثبات بشهادة الشهود - فإنه لا يعيب الحكم اغفاله الرد على هذا الدفع لظهور بطلانه.
4 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم - مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات - كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه، ومن ثم فإن محكمة الموضوع - وقد أخذت بشهادة الشهود - تكون قد اطرحت ما عسى أن يكون الدفاع قد ساقه من الاعتبارات حملها على عدم الأخذ بها.
5- حسب الحكم ما أثبته من قيام جريمة البلاغ الكاذب فى حق الطاعن، كى يستقيم قضاؤه عليه بالغرامة والتعويض المؤقت الذى قضى به - فى منطوقه - للمدعى بالحقوق المدنية دون أن يدخل فى تقديره سوى ما لحقه من تشهير وإساءة نتيجة اتهامه بالسرقة - ومن ثم فلا مصلحة للطاعن مما ينعاه على الحكم بالنسبة لجرائم القذف والاتفاق الجنائى وإزعاج السلطات ما دام البين من مدوناته أنه طبق نص المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع على الطاعن عقوبة واحدة - عن كافة الجرائم التى دانه بها - تدخل فى حدود العقوبة المقررة لجريمة البلاغ الكاذب التى هى أشد من عقوبة إزعاج السلطات ولا تغاير العقوبة المقررة لأى من جريمتى البلاغ الكاذب والاتفاق الجنائى.


الوقائع

أقام المدعيان بالحقوق المدنية دعواهما بالطريق المباشر أمام محكمة جنح الخليفة الجزئية ضد الطاعن وآخرين بوصف أنهم: المتهم الأول (الطاعن) بالاتفاق مع المتهمين الثانى والثالث، أبلغوا الشرطة كذباً مع سوء القصد أن المدعى بالحقوق المدنية الأول سرق من مسكنه جهاز التلفزيون المملوك له وكذا مبلغ ثلاثمائة جنيه وأوراقاً خاصة بتحاليل طبية. وطلبا عقابهم بالمواد 302/ 3 و303/5 و304 و 296 من قانون العقوبات وإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا لهما مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً للأول وغيابياً للثانى والثالث عملاً بمواد الاتهام بحبس المتهم الأول (الطاعن) ثلاثة شهور مع الشغل وكفالة ثلاثمائة قرش لايقاف التنفيذ؛ وبتغريم كل من المتهمين الثانى والثالث عشرة جنيهات عن التهم المسندة إليهما وإلزامهما بأن يدفعا للمدعيين بالحق المدنى مبلغ واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت. فاستأنف المتهم الأول، ومحكمة جنوب القاهرة الإبتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع (أولاً) بالنسبة للدعوى الجنائية بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بتغريم المتهم عشرين جنيهاً لما أسند إليه. (ثانياً) فى الدعى المدنية بتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة البلاغ الكاذب والقذف والاتفاق الجنائى - مع المحكوم عليهما الآخرين - على ارتكاب هاتين الجنحتين وازعاج السلطات، قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال، ذلك بأن الطاعن دفع بعدم جواز إقامة الدعوى بالطريق المباشر لأن النيابة العامة لم تكن - وقت تحريكها - قد أصدرت بعد أمرها بحفظ البلاغ المقدم منه ضد المدعى بالحقوق المدنية، الذى اتهمه فيه بالسرقة، بيد أن الحكم رد على هذا الدفع بقالة أن الوقائع التى حركت بشأنها الدعوى تغاير تلك التى تناولها تحقيق البلاغ وهو رد غير صحيح - إذ لولا البلاغ لما رفعت الدعوى بالجرائم المشار إليها - ومن ثم فما كان للمدعى بالحقوق المدنية أن يرفع دعواه مباشرة من قبل تصرف النيابة فى البلاغ. هذا إلى أن الحكم لم يرد على دفاع الطاعن - الذى ضمنه مذكرته - والقائم على أن المحكمة المدنية قد أصدرت حكمها برفض ادعاء المدعى بالحقوق المدنية ملكيته لجهاز التلفزيون المبلغ بسرقته، وأنه لا يجوز إثبات شراء المدعى لهذا الجهاز ولا إثبات كذب الوقائع المبلغ عنها بشهادة الشهود. كما أنه لم يستظهر عناصر جريمة البلاغ الكاذب - وأخصها سوء القصد ونية الإضرار بالمبلغ ضده - واتخذ من هذه الجريمة أساساً للقول بثبوت باقى الجرائم مع أن المفروض أن يكون الاتفاق الجنائى على ارتكاب جريمة البلاغ الكاذب سابقاً على وقوعها.
وحيث إن الحكم الابتدائى - المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما موجزه أنه بدافع الحقد من جانب الطاعن على المدعى بالحقوق المدنية - إزاء الخلافات المحتدمة بينهما بسبب فشل العلاقة الزوجية التى تربط الطاعن بأبنة المدعى وامتناعها عن العودة إلى منزل الزوجية - فقد أبلغ الطاعن على غير الحقيقة بأن المدعى حضر إلى منزله وسرق منه جهاز تليفزيون ومظروفاً يحوى ثلاثمائة جنيه وأوراقاً، مع أن الطاعن سبق أن نقل بنفسه الجهاز المذكور إلى مسكن المدعى، الأمر الذى أدى إلى اقتحام رجال الشرطة لهذا المسكن وقيامهم بتفتيشه بناء على أمر من النيابة العامة - وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة فى حق الطاعن أدلة سائغة مستمدة من شهادة الشهود. لما كان ذلك، وكان للمدعى بالحقوق المدنية أن يرفع دعوى البلاغ الكاذب إلى محكمة الجنح بتكليف خصمه مباشرة بالحضور أمامها - عملاً بالحق المخول له بموجب المادة 232 من قانون الإجراءات الجنائية - دون انتظار تصرف النيابة العامة فى هذا البلاغ، لأن البحث فى كذب البلاغ أو صحته وتحقيق ذلك إنما هو أمر موكول إلى تلك المحكمة تفصل فيه حسبما يؤدى إليه اقتناعها. وإذ كان ذلك فإن دفع الطاعن بعدم جواز إقامة الدعوى بالطريق المباشر، يضحى دفعاً قانونياً ظاهر البطلان بعيداً عن محجة الصواب، وإذ انتهى الحكم إلى رفضه فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ومن ثم فلا جدوى للطاعن من منعاه على تقريرات الحكم فى مقام رده على هذا الدفع. لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على دفاع الطاعن القائم على صدور حكم من المحكمة المدنية بشأن ملكية جهاز التليفزيون المبلغ بسرقته بقوله: "ومن جماع ما سبق تستبين المحكمة كذب تلك الرواية ولا يقدح فى ذلك ما ذهب إليه المتهم - الطاعن - وهو بصدد الدفاع عن نفسه من صدور حكم القضاء بملكيته لجهاز التليفزيون بعد ما اطمأنت المحكمة من شهادة الشهود إلى أنه هو الذى نقله إلى المكان الذى ضبط فيه" وإذ كان مفاد هذا الذى رد به الحكم ثبوت كذب واقعة السرقة التى تضمنها البلاغ بغض النظر عن ملكية الجهاز المذكور - التى يتحدى بها الطاعن - فإن الحكم يكون بمنأى عما يعيبه عليه الطاعن فى هذا الصدد هذا إلى ما هو مقرر - وفق المادتين 221 و457 من قانون الإجراءات الجنائية - من أن الحكم الصادر فى دعوى مدنية لا تأثير له على الدعوى الجنائية ولا يقيد القاضى الجنائى عند نظره الدعوى، لما كان ذلك، وكان الثابت أن واقعة شراء المدعى بالحقوق المدنية للجهاز المشار إليه ليست هى دعامة الحكم التى قام عليها قضاؤه - على ما سلف بيانه - وكان القانون لم يجعل لإثبات كذب الوقائع المبلغ عنها طريقا خاصاً ومن ثم - وبفرض دفع الطاعن فى مذكرته المصرح له بتقديمها بعدم جواز الإثبات بشهادة الشهود - فإنه لا يعيب الحكم إغفاله الرد على هذا الدفع لظهور بطلانه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم - مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات - كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه، ومن ثم فإن محكمة الموضوع - وقد أخذت بشهادة الشهود - تكون قد اطرحت ما عسى أن يكون الدفاع قد ساقه من الاعتبارات لحملها على عدم الأخذ بها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة البلاغ الكاذب التى دان بها الطاعن - بما فى ذلك علمه بكذب الوقائع التى أبلغ عنها وانتواؤه السوء والاضرار بالمبلغ ضده وكان حسب الحكم ما أثبته من قيام جريمة البلاغ الكاذب فى حق الطاعن، كى يستقيم قضاؤه عليه بالغرامة والتعويض المؤقت الذى قضى به - فى منطوقه - للمدعى بالحقوق المدنية دون أن يدخل فى تقديره سوى ما لحقه من تشهير وإساءة نتيجة اتهامه بالسرقة، ومن ثم فلا مصلحة للطاعن فما ينعاه على الحكم بالنسبة لجرائم القذف والاتفاق الجنائى وإزعاج السلطات ما دام البين من مدوناته أنه طبق نص المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع على الطاعن عقوبة واحدة - عن كافة الجرائم التى دانه بها - تدخل فى حدود العقوبة المقررة لجريمة البلاغ الكاذب، التى هى أشد من عقوبة إزعاج السلطات ولا تغاير العقوبة المقررة لأى من جريمتى البلاغ الكاذب والاتفاق الجنائى. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً ومصادرة الكفالة.


راجع أيضاً السنة 28 صـ 818 والطعن 16 لسنة 47.