أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 79

جلسة 11 من يناير سنة 1979

برياسة السيد المستشار محمد كمال عباس نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ عثمان الزينى، ويعيش رشدى، ومحمد على بليغ، وحسن جمعة.

(12)
الطعن رقم 1543 لسنة 48 القضائية

( أ ) حكم. "إصداره". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محضر الجلسة.
النعى بصدور الحكم فى جلسة غير علنية. على خلاف ما أثبت به وبمحضر الجلسة. عدم قبوله. ما دام الطاعن لم يسلك طريق الطعن بالتزوير. أساس ذلك؟
(ب) إثبات. "بوجه عام". "أوراق رسمية". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". مسؤولية جنائية. إصابة خطأ. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
إطراح الحكم التحقيق الادارى الذى تمسك به الطاعن تدليلا على انتفاء مسئوليته. لا عيب. علة ذلك؟ مثال.
(ج) إثبات. "بوجه عام". "شهود".
حق محكمة الموضوع فى الأخذ بما ترتاح إليه من الأدلة. حقها فى الأخذ بقول الشاهد فى أية مرحلة.
عدم التزامها ببيان موضوع الدليل. ما دام له أساس فى الأوراق.
(د) مسئولية جنائية. رابطة السببية. خطأ إثبات. "بوجه عام". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مسئولية المتهم عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه. ما لم تنقطع رابطة السببية بعوامل أجنبية غير مألوفة.
تقدير توافر السببية بين الفعل والنتيجة. موضوعى.
تعدد الأخطاء. يوجب مساءلة كل من أسهم فيها.أيا كان قدر خطئه ولو كان سببا غير مباشر فى وقوع الحادث.
(هـ) جريمة. "أركانها". خطأ. إصابة خطأ. قانون. "تفسيره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". سكك حديد.
نعى الطاعن، بوجوب ثبوت الخطأ فى حقه. وفق لائحة السكك الحديدية. لكونه سائق قطار. عدم قبوله. ما دام الحكم قد أثبت توافر إحدى صور الخطأ المبينة بالمادة 244 عقوبات. مثال.
(و) أمر بألا وجه. نيابة عامة. دفوع "الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها".
تأشيرة وكيل النيابة. على محضر جمع الاستدلالات. بقيد الأوراق بدفتر العوارض. ليست أمرا بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية. مما يمنع العودة إلى رفع الدعوى. أساس ذلك؟
1 - من المقرر أن الأصل فى الإجراءات الصحة ولا يجوز الادعاء بما يخالف ما يثبت منها سواء فى محضر الجلسة أو الحكم إلا بالطعن بالتزوير ومن ثم فإنه لا يقبل من الطاعن قوله أن الحكم صدر بجلسة غير علنية ما دام لم يتخذ من جانبه إجراء الطعن بالتزوير فيما دون بالحكم ومحضر الجلسة ويكون ما ردده فى طعنه فى هذا الصدد غير سديد.
2 - من المقرر أن الأدلة فى المواد الجنائية اقناعية وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى اطمأنت إليها من باقى الأدلة القائمة فى الدعوى. ولما كان بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التى صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسند إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه فى كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنها اطرحها، ومن ثم فأنه لا ينال من سلامة الحكم إطراحه التحقيقات الإدارية التى تمسك الطاعن بها للتدليل على انتفاء مسئوليته عن الحادث.
3 - إن من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بما ترتاح إليه من الأدلة وأن تأخذ بقول الشاهد فى أية مرحلة وأن تلتفت عما عداه دون أن تبين العلة فى ذلك ودون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من الأوراق ما دام له أساس فيها.
4 - الأصل أن المتهم يسأل عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامى ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعل الجانى والنتيجة، ولما كان تقدير توافر السببية بين الفعل والنتيجة أو عدم توافره هو من المسائل الموضوعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة لها أصلها فى الأوراق، وكان من المقرر أيضاً أن تعدد الأخطاء الموجبة لوقوع الحادث يوجب مساءلة كل من أسهم فيها أياً كان قدر الخطأ المنسوب إليه، يستوى فى ذلك أن يكون سبباً مباشرا أو غير مباشر فى حصوله، وكانت المحكمة قد عرضت إلى ما دفع به الطاعن نفياً للتهمة المسندة إليه من التزامه بإشارة مساعد الكمسارى وأن خطأ المجنى عليها هو السبب المباشر للحادث ثم أقامت قضائها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح فى الأوراق واستخلصت فى منطق سائغ خطأ الطاعن والمتهم الآخر واتصال خطأ كل منهما بالنتيجة اتصال السبب بالمسبب، فإن الحكم بذلك يكون قد أصاب الحق فى تقرير مسئولية الطاعن وما يثيره فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيا فى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
5 - من المقرر أنه لا يلزم للعقاب أن يقع الخطأ الذى يتسبب عنه الإصابة بجميع صورة التى أوردتها المادة 244 من قانون العقوبات بل يكفى لتحقق الجريمة أن تتوفر صورة واحدة منها، لما كان ذلك، وكان ما قاله الحكم تبريراً لقضائه بإدانة الطاعن مؤداه أنه لم يكن يقظاً وحذراً عند قيامه بالقطار فتحرك به قبل إتمام غلق الأبواب ولم يتوقف فور سماعه الاستغاثة وأنه لو كان يقظاً وتنبه للحادث لتوقف فى الحال وهو فى بدء حركته وتفادى الحادث الذى وقوع بجوار مقدم القطار حيث مكان وجود السائق، يسوغ به القول بتوافر ركن الخطأ - ومن ثم فلا جدوى للطاعن من التحدى بأن الخطأ لا يثبت فى حقه إلا إذا كان ما صدر عنه مخالفاً للائحة السكة الحديد فحسب ما دام أن الحكم قد أثبت توافر ركن الخطأ فى حقه استناداً إلى الصور التى أوردها والتى منها عدم الاحتراز وعدم الانتباة على الوجه بادى الذكر وهو ما يكفى وحده لإقامة الحكم.
6 - من المقرر أن الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الصادر من النيابة بوصفها إحدى سلطات التحقيق بعد أن تجرى تحقيق الواقعة بنفسها أو يقوم به أحد رجال الضبط القضائى بناء على انتداب منها على ما تقضى به المادة 209 من قانون الإجراءات الجنائية هو وحده الذى يمنع من رفع الدعوى، وكانت النيابة لا تجر تحقيقاً فى الدعوى أو تندب لذلك أحد رجال الضبط القضائى ولم تصدر فيها أمراً بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية، وكان مجرد تأشير وكيل النيابة فى بادئ الأمر على محضر جمع الاستدلالات بقيده برقم عوارض لا يستفاد منه استنتاجاً الأمر بعدم وجود وجه. إذ لا يترتب على هذه التأشيرة حتما - وبطريق اللزوم العقلى - ذلك الأمر. ومن ثم فإن الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى يكون قد أصاب صحيح القانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما (أولاً) تسبباً خطأ فى إصابة ...... وكان ذلك عن إهمالهما وعدم احترازهما وعدم مراعاتهما القوانين واللوائح بأن قاما بتحريك قطار السكة الحديد دون أن يتأكدان نزول الركاب وصعودهم، فسقطت المجنى عليها واصطدم بها القطار مما أدى إلى حدوث إصاباتها الموصوفة بالتقرير الطبى. (ثانياً) المتهم الأول (الطاعن) أيضاً: قاد القطار دون أن يتأكد من نزول الركاب وصعودهم. (ثالثاً) المتهم الثانى أيضاً أعطى إشارة القيام للقطار دون أن يتأكد من نزول الركاب وصعودهم. وطلبت عقابهما بالمادة 244/1 - 2 من قانون العقوبات والمواد 18، 155/ 1، 177/ 2 من اللائحة العمومية للسكة الحديد. وادعى مدنياً والد المجنى عليها عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً عليها قبل المتهمين والمسئول عن الحقوق المدنية متضامنين بمبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنح الزيتون الجزئية قضت حضورياً بحبس كل من المتهمين شهرين مع الشغل وكفالة خمسمائة قرش لإيقاف التنفيذ وإلزامهما والمسئول عن الحقوق المدنية متضامنين بأن يؤدوا للمدعى بالحق المدنى عن نفسه وبصفته مبلغ خمسة ألاف وخمسمائة جنيه. فاستأنف المتهمان والمسئول عن الحقوق المدنية، ومحكمة القاهرة الإبتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع ببطلان الحكم المستأنف وبعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية لرفع الدعوى الجنائية بغير الطريق القانونى وبتاريخ ...... أمر رئيس النيابة برفع الدعوى قبل المتهمين. ومحكمة جنح الزيتون نظرت الدعوى من جديد، وقضت عملاً بمواد الاتهام والمادة 32 من قانون العقوبات: (أولاً) برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لصدور أمر بألا وجه وبقبولها. (ثانياً) بتغريم كل من المتهمين ثلاثين جنيها (ثالثاً) بإلزام المتهمين والمسئول عن الحقوق المدنية متضامنين بأن يدفعوا للمدعى بالحق المدنى بصفته ولياً طبيعياً على المجنى عليها مبلغ خمسة آلاف جنيه وأن يدفعوا له عنه نفسه مبلغ خمسمائة جنيه ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فاستأنف المتهمان والمسئول عن الحقوق المدنية، ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الإستئناف شكلاً وفى الموضوع (أولاً) برفض الدفع بانقضاء الدعوى المدنية بمضى المدة (ثانياً) برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها. (ثالثاً) برفض الإستئنافين موضوعاً وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به فى الدعوى الجنائية والمدنية. فطعن المحكوم عليه الأول فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الإصابة الخطأ قد جاء باطلاً وشابه قصور فى التسبيب وخطأ فى تطبيق القانون. ذلك بأن المحكمة الاستئنافية نطقت بالحكم فى جلسة غير علنية واطرح الحكم التحقيقات الإدارية - التى أجرتها هيئة السكة الحديد عن الحادث وتمسك الطاعن بدلالة ما انتهت إليه من عدم مسئوليته عنه - دون التعرض لمضمون تلك التحقيقات وتمحيص الحقيقة الثابتة فيها كما أن الطاعن قد أثار فى دفاعه أن سقوط المجنى عليها من الرصيف كان سابقاً على تحرك القطار على ما شهد به........ فى إحدى مراحل التحقيق وبأنه بفرض صحة التصوير الذى اعتنقه الحكم للواقعة وعول عليه فى ادانة الطاعن وهو سقوط المجنى عليها نتيجة تحرك القطار قبل أن تستكمل صعودها إليه، فإنه ما كان فى استطاعة الطاعن تفادى وقوع الحادث، إذ أن استجابته لصيحات الركاب مهما عجل بها ما كانت لتحول بين إصابة المجنى عليها نتيجة دورة واحدة لعجلات القطار مما تنقطع به رابطة السببية ومع جوهرية هذا الدفاع فقد أغفل الحكم الرد عليه. هذا إلى أن الحكم قد أخطأ حين اعتبر الطاعن مسئولاً عن الحادث استناداً إلى المواد 18/2، 155/ 17، 179/ 1 من لائحة السكة الحديد رغم خلو هذه المواد وباقى مواد اللائحة من نص يوجب على قائد القطار مراقبة صعود ونزول الركاب بالمحطات وإنما أنيط هذا الالتزام بغيره من موظفى الهيئة بالمحطة وخاصة مساعد الكمسارى المكلف بغلق أبواب العربات واطلاق صفارة القيام وفقاً لما نصت عليه المادتان 155/ 9 و177/ 2 من اللائحة. وأخيراً فإن الطاعن دفع أمام محكمة أول درجة بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية حين أمرت بتاريخ ....... بقيده الأوراق برقم عوارض وقد رفض الحكم هذا الدفع بمقولة أنه لم يصدر من النيابة أمر بهذا المعنى رغم أنه لا يلزم أن يكون الأمر صريحاً ومدوناً بالكتابة وإنما يصح أن يستفاد استنتاجاً من تصرف أو إجراء آخر مثل الأمر بالقيد برقم عوارض.
وحيث إنه لما كان الثابت من الحكم المطعون فيه ومن محضر جلسته أنه صدر علناً، وكان الأصل فى الإجراءات الصحة ولا يجوز الادعاء بما يخالف ما يثبت منها سواء فى محضر الجلسة أو الحكم إلا بالطعن بالتزير ومن ثم فإنه لا يقبل من الطاعن قوله أن الحكم صدر بجلسة غير علنية ما دام لم يتخذ من جانبه إجراء الطعن بالتزوير فما دون بالحكم ومحضر الجلسة ويكون ما ردده فى طعنه فى هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الإصابة الخطأ التى دان الطاعن والمتهم الآخر بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائعة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، وعرض للتحقيقات الإدارية المقدمة واطرحها فى قوله "وحيث إن الحاضر عن الحكومة المسئول عن الحقوق المدنية قدم حافظة مستندات طويت على التحقيقات الإدارية التى أجريت بمعرفة السكة الحديد وثابت من أقوال المتهمين و.......... قد جاءت أقوالهم مطابقة لما قرره بمحضر ضبط الواقعة" ثم خلص الحكم إلى تبرير قضائه بقوله "وحيث إن المحكمة تستبين من جماع ما تقدم أن المتهم الثانى........... أعطى إشارة التحرك قبل تمام نزول وصعود الركاب وأن المتهم الأول.......... - الطاعن - لم يكن يقظاً وحذراً فى قيامه بالقطار فتحرك به قبل إتمام غلق الأبواب بدون التأكد من تمام نزول وصعود الركاب وعدم توقفه فور الاستغاثة وذلك بين من أقوال الشاهدين ........ والمجنى عليها وما اتضح من المعاينة ذلك أن المجنى عليها قررت أن القطار تحرك قبل تمام ركوبها مما أدى إلى سقوطها أسفله ثم استمر فى التحرك رغم استغاثهم واستغاثة آخرين كما قرر الشاهد أن المتهم (الطاعن) لم يتوقف إلا بعد أن غادر الرصيف بأكمله بحوالى بعضة أمتار رغم الإستغاثة ولو كان يقظاً وتنبه للحادث وللاستغاثة لتوقف فى الحال وهو فى بدء حركته وتفادى الحادث كما يبين من المعاينة أن الحادث وقع بجوار مقدم القطار حيث يتواجد السائق إذ أن آثار الدماء تبتعد عن نهاية الرصيف حيث تكون نهاية مقدمة القطار بحوالى المتر - ولما كان ما تقدم وكان لائحة السكة الحديدية التى يلتزم بها المتهمان ومسلم لكل منهما نسخة منها تلزمهم بعدم تحرك القطار قبل اتمام ركوب الركاب ونزولهم مادة 18/ ب كما أنها تفرض على السائق أن يكون حذراً ويقظاً ولا يجعل كل اعتماده على الإشارات وحدها - مادة 155/ 17 - وكان المتهم الثانى....... أعطى اشارة القيام قبل تمام ركوب الركاب ونزولهم وكان المتهم الأول لم يكن يقظاً أو حذراً عند التحرك بالقطار أو استمراره بالسير به رغم استغاثة الجمهور وعدم محاولة التأكد من تمام ركوب الركاب بالباب المجاور له إذ ثبت أن الحادث وقع بجوار المقدمة التى يتواجد هو بها ومن ثم فإنه يكون قد ثبت فى حق المتهمين ارتكاب الخطأ وعدم التبصر والحذر الذى تفرضه عليهما لائحة السكة الحديدية. ولما كان هذا الخطأ قد تسبب مباشرة فى احداث اصابة المجنى عليها ومن ثم تكون أركان الجريمة قد توافرت فى حقهما وثبتت ثبوتاً كافياً ويتعين لذلك أخذهما بالمادة 244/1و 2 عقوبات والمواد 18 و155 و117 من لائحة السكة الحديدية مع إعمال المادة 32 عقوبات". لما كان ذلك، وكان لا ينال من سلامة الحكم اطراحه التحقيقات الإدارية التى تمسك الطاعن بها للتدليل على انتفاء مسئوليته عن الحادث، ذلك بأن الادلة فى المواد الجنائية اقناعية وللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى اطمأنت إليها من باقى الأدلة القائمة فى الدعوى. وكان بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التى صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسند إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه فى كل جزئية من جزئيات دفاعه لأن مفاد التفاته عنها أنها اطرحها، فإن النعى على الحكم بأنه أغفل التعرض لمضمون التحقيقات الإدارية يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا يجادل فى أن ما حصله الحكم من شهادة.......... له أصله الثابت فى الأوراق، وكان من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بما ترتاح إليه من الأدلة وأن تأخذ بقول الشاهد فى أية مرحلة وأن تلتفت عما عداه دون أن تبين العلة فى ذلك ودون أن تلتزم بتحديد موضع الدليل من الأوراق ما دام له أساس فيها، ومن يضحى نعى الطاعن فى هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان الأصل أن المتهم يسأل عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامى ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعل الجانى والنتيجة، وكان تقدير توافر السببية بين الفعل والنتيجة أو عدم توافره هو من المسائل الموضوعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة لها أصلها فى الأوراق، وكان من المقرر أيضاً أن تعدد الأخطاء الموجبة لوقوع الحادث يوجب مساءلة كل من أسهم فيها أياً كان قدر الخطأ المنسوب إليه، يستوى فى ذلك أن يكون سبباً مباشرا أو غير مباشر فى حصوله، وكانت المحكمة قد عرضت إلى ما دفع به الطاعن نفياً للتهمة المسندة إليه من التزامه بإشارة مساعد الكمسارى وأن خطأ المجنى عليها هو السبب المباشر للحادث ثم أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح فى الأوراق واستخلصت فى منطق سائغ خطأ الطاعن والمتهم الآخر واتصال خطأ كل منهما بالنتيجة اتصال السبب بالمسبب، فإن الحكم بذلك يكون قد أصاب الحق فى تقرير مسئولية الطاعن وما يثيره فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعيا فى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض، لما كان ذلك، وكان ما قاله الحكم تبرراً لقضائه بإدانة الطاعن مؤداه أنه لم يكن يقظاً وحذراً عند قيامه بالقطار فتحرك به قبل إتمام غلق الأبواب ولم يتوقف فور سماعه الاستغاثة وأنه لو كان يقظاً وتنبه للحادث لتوقف فى الحال وهو فى بدء حركته وتفادى الحادث الذى وقع بجوار مقدم القطار حيث مكان وجود السائق، ويسوغ به القول بتوافر ركن الخطأ. ولما كان لا يلزم للعقاب أن يقع الخطأ الذى يتسبب عنه الإصابة بجميع صوره التى أوردتها المادة 244 من قانون العقوبات بل يكفى لتحقيق الجريمة أن تتوفر صورة واحدة منها، ومن ثم فلا جدوى للطاعن من التحدى بأن الخطأ لا يثبت فى حقه إلا إذا كان ما صدر عنه مخالفاً للائحة السكة الحديد فحسب ما دام أن الحكم قد أثبت توافر ركن الخطأ فى حقه استناداً إلى الصور التى أوردها والتى منها عدم الاحتراز وعدم الانتباه على الوجه بادى الذكر وهو ما يكفى وحده لإقامة الحكم. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد عرض للدفع المبدى من الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسبق صدور أمر من النيابة العامة بقيد الأوراق برقم عوارض واطرحه بقوله "وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لسابقة التقرير بألا وجه فيها فإن الثابت من مطالعة الأوراق، أن السيد وكيل النيابة قيد الأوراق فى......... بدفتر العوارض وأشر باستيفاء الأوراق لتحقيق ما جاء بالتماس والد المجنى عليها ولم يقرر حفظها وبتاريخ ...... أمر بقيدها برقم جنحة ثم قدمها للجلسة ومن ثم فلم يصدر من النيابة أمر بالحفظ أو بألا وجه فى الأوراق قبل تقديمها للجلسة وبذلك يكون الدفع بعدم قبول الدعوى على غير أساس متعين الرفض وذلك دون حاجة لبحث ما إذا كان اتخذ فى الأوراق إجراء من إجراءات التحقيق حسبما هى معرفة فى القانون من عدمه "وكان الحكم المطعون فيه قد أضاف قوله "ولا تلتفت المحكمة لما قال به الحاضر عن المتهم الأول (الطاعن) من أن قراراً صدر من النيابة العامة بحفظ الواقعة لأنها عوارض مما يمنع إعادة نظرها من جديد. وهذا الذى أثاره الحاضر عن المتهم لا يمثل الحقيقة فى شئ لأنه لا أثر فى الأوراق لمثل ذلك القرار وأن الصحيح هو أن النيابة العامة كانت قد أمرت بداءة بقيد الأوراق بدفتر العوارض إلا أنها لم تنته إلى حفظها بهذه الصفة باستيفاء التحقيق.... ثم عدلت بعد ذلك عن هذا القرار إلى قيد الأوراق برقم جنحة وقد تكفل الحكم المستأنف بالرد على هذا الدفع بما يكفل واده فى حينه" لما كان ذلك، وكان الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الصادر من النيابة بوصفها إحدى سلطات التحقيق بعد أن تجرى تحقيق الواقعة بنفسها أو يقوم به أحد رجال الضبط القضائى بناء على انتداب منها، على ما تقضى به المادة 209 من قانون الإجراءات الجنائية هو وحده الذى يمنع من رفع الدعوى، وكانت النيابة لا تجر تحقيقاً فى الدعوى أو تندب لذلك أحد رجال الضبط القضائى ولم تصدر فيها أمراً بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية، وكان مجرد تأشير وكيل النيابة فى بادئ الأمر على محضر جمع الاستدلات بقيده برقم عوارض لا يستفاد منه استنتاجاً الأمر بعدم وجود وجه. إذ لا يترتب على هذه التأشيرة حتما - وبطريق اللزوم العقلى - ذلك الأمر، ومن ثم فإن الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى يكون قد أصاب صحيح القانون بما يضحى معه نعى الطاعن فى هذا الصدد غير سديد. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون فى غير محله متعيناً رفضه موضوعاً مع مصادرة الكفالة.