أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 106

جلسة 15 من يناير سنة 1979

برياسة السيد المستشار حسن على المغربى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمد عبد الواحد الديب، ومحمد صلاح الدين الرشيدى، وعادل برهان نور، وشرف الدين خيرى.

(18)
الطعن رقم 1566 لسنة 48 القضائية

1 - محكمة الموضوع. "سلطتها فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات. "بوجه عام". "شهادة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من سائر العناصر المطروحة على بساط البحث. موضوعى.
عدم التزام المحكمة بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم عليه قضاءها. حق محكمة الموضوع فى تجزئة أقوال الشاهد والأخذ بما تطمئن إليه منها.
2 - إثبات. "بوجه عام". حكم "ما لا يعيبه فى نطاق التدليل". ضرب. "أفضى إلى موت".
البيان المعول عليه فى الحكم؟
تزيد الحكم فيما لا يؤثر فى منطقه أو نتيجته. لا يعيبه. أساس ذلك ؟
سرد الحكم اعتداءات غير تلك التى ساءل الطاعن عنها. دون تأثر بها. لا يعيبه.
3 - ضرب. "أفضى إلى موت". إثبات "شهود ""خبرة". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
المنازعة فى سلامة ما استخلصته المحكمة من أوراق الدعوى. جدل موضوعى. عدم جواز إثارته أمام النقض.
4 - إثبات. "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة باجابة طلب مناقشة الخبير ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر من جانبها إتخاذ هذا الإجراء. رفض طلب مناقشة الطبيب الشرعى عن قدرة المجنى عليه على الحديث. سائغ. متى كانت المحكمة لم تعول على دليل نقلى عنه.
1 - من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها الثابت فى الأوراق - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - وكانت المحكمة لا تلزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه إذ لها فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى أن تجزئ أقوالهم فتأخذ بما تطمئن إليه منها وتطرح ما عداه دون بيان العلة.
2 - من المقرر أن البيان المعول عليه فى الحكم هو ذلك الجزء الذى يبدو فيه اقتناع القاضى دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع، وأن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه طالما أنه غير مؤثر فى منطقه أو فى النتيجة التى انتهى إليها، ومن ثم فإنه لا يعيب الحكم المطعون فيه تزيده فيما استطرد إليه من تصوير ما حدث عقب اعتداء الطاعن على المجنى عليه بطعنه بالمطواه فى مقدم يسار صدره وحدوث اصابته التى أودت بحياته، ما دام أن الثابت من مطالعة الحكم أن ما تزيد إليه فى هذا الصدد وهو ذكر الاعتداءات الأخرى التى وقعت على المجنى عليه لم يكن له من أثر فى منطقه أو النتيجة التى انتهى إليها، وأنه لم يورده إلا بعد أن كان قد فرغ وخلص - فى منطق سائغ واستناداً إلى دليل فنى يكفى وحده لحمل قضائه - إلى مسئولية الطاعن عن الإصابة التى أودت بحياة المجنى عليه.
3 - لما كان الطاعن لا ينازع فى صحة ما نقله الحكم المطعون فيه من أقوال شهود الاثبات وعن تقرير الصفة التشريحية، وكان ما أورده الحكم ودلل به فى مقارفه الطاعن لجريمة الضرب المفضى إلى الموت التى دين الطاعن بها كانت سائغة ولا يتنافر مع الاقتضاء العقلى والمنطقى، فان ما يثيره الطاعن من منازعة فى سلامة ما استخلصته المحكمة من أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعى فى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا يجوز إثارته أمام النقض.
4 - لما كان الثابت أن الحكم عرض لطلب المدافع عن الطاعن دعوة كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته ورد عليه فى قوله: "وأما عن طلب الدفاع عن المتهم استدعاء كبير الأطباء الشرعيين فلم يفصح الدفاع عن وجه محدد لهذا الاستدعاء أو تجريح محدد لتقرير الطبيب الشرعى المرفق بملف الدعوى إلا بخصوص ما ذكره الطبيب الشرعى من إمكان تحدث المجنى عليه بعد إصابته، وطالما لم تعول المحكمة بشئ على أى دليل نقلى عن المجنى عليه عن كيفية اصابته ومحدثها فلا محل بالتالى لتحرى مدى السلامة الفنية لقول الطبيب الشرعى فى امكان تحدث المجنى عليه بشئ بعد إصابته"، وإذ كان هذا الذى رد به الحكم كافى ويسوغ به رفض طلب مناقشة كبير الأطباء الشرعيين، لما هو مقرر من أن المحكمة لا تلتزم بإجابته طلب استدعاء الخبير لمناقشته مادامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هى من جابنها اتخاذ هذا الإجراء.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه ضرب ....... بأن طعنه بمطواه فأحدث بمقدم يسار صدره الإصابة الطعنية النافذة إلى القلب والمبينة بتقرير الصفة التشريحية ولم يكن يقصد من ذلك قتل المجنى عليه ولكن هذه الطعنة العمدية أودت بحياته. وطلبت من مستشار الإحالة احالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الإتهام. فقرر ذلك، وادعت أرملة المجنى عليه عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه قبل المتهم. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورى عملاً بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات والزامه أن يدفع للمدعية بالحق المدنى عن نفسها وبصفتها مبلغ ألفى جنيه والمصاريف المدنية وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن الاستاذ ..... وكيلاً عن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضى إلى الموت قد شابه فساد فى الاستدلال وقصور فى التسبيب واخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه اعتنق صورة لواقعة الدعوى تخالف ما شهد به شهود الإثبات وما ثبت من تقرير الصفة التشريحية والتقارير الطبية. إذ أورد الحكم أن اعتداءات أخرى وقعت على المجنى عليه عقب سقوطه على الأرض أثر ضربه بمطواه من الطاعن فى حين أن أحداً من الشهود لم يشهد بوقوع أية اعتداءات أخرى كما أن الاصابات التى وجدت به غير الاصابة التى نسب إلى الطاعن إحداثها به لا يمكن حدوثها بالصورة التى اعتنقها الحكم، وكذلك إصابات الشهود..... و...... و....... وما حصله الحكم المطعون فيه من أقوالهم فى عبارات مجملة ومقتضية من أن سبب إصابتهم لا يرجع إلى اعتداء من الطاعن أو المجنى عليه، يؤيد أن مشاجرة قد نشبت واصيب خلالها المجنى عليه. هذا إلى أن الحكم اطرح بأسباب غير سائغة طلب المدافع عن الطاعن مناقشة كبير الأطباء الشرعيين فى امكانية تحدث المجنى عليه عقب إصابته، مما يعيبه ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مؤداه أنه فى يوم 29 من مايو سنة 1974 وبينما كان المجنى عليه يحرث أرضاً فى بلدته مع........ أقبل عليه (الطاعن) ووقعت مشاحنة بينهما وانصرف هذا الأخير ثم قفل راجعاً وبصحبته نفر من أقربائه وطعن المجنى عليه بمطواة طعنة واحدة بمقام يسار صدره فسقط مصاباً، وأثر ذلك نشبت مشاجرة بين الطاعن ومن معه وبين من هرع لنجدة المجنى عليه أصيب خلالها المجنى عليه من اعتداءات أخرى أحدثت به جرحا طعنى بأعلى الكتف الأيمن وكدماً بخلفية هذا الكتف وبالوجنة اليسرى ويمين الصدر مع كسر رضى بالضلع الثالث الأيمن، ثم توفى المجنى عليه بسبب اصابته بالجراح الطعنى النافذ بمقدم يسار الصدر - والذى أحدثه به الطاعن - وحده، وذلك لما أحدثه هذا الجرح من قطع بغضروف الضلع السادس الأيسر وبنسيج الرئة اليسرى والقامور وعضلة القلب ومن نزيف غزير بالصدر، وقد أورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة - فى حق الطاعن - أدلة مستمدة من أقوال الشاهدين....... و.......، وبما ثبت من تقرير الصفة التشريحية وسائر التقارير الطبية، ومما جاء على ألسنة الشهود ...... و.... بصدد إصاباتهم وسبب حدوثها، وهى أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها الثابت فى الأوراق - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - وكانت المحكمة لا تلزم بحسب الأصل بأن تورد من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه إذ لها فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى أن تجزئ أقوالهم فتأخذ بما تطمئن إليه منها وتطرح ما عداه دون بيان العلة. لما كان ذلك وكان من المقرر أن البيان المعول عليه فى الحكم هو ذلك الجزء الذى يبدو فيه اقتناع القاضى دون غيره من الأجزاء الخارجة عن سياق هذا الاقتناع، وأن تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه طالما أنه غير مؤثر فى منطقه أو فى النتيجة التى انتهى إليها، ومن ثم فإنه لا يعيب الحكم المطعون فيه تزيده فيما استطرد إليه من تصوير ما حدث عقب اعتداء الطاعن على المجنى عليه بطعنه بالمطواة فى مقدم يسار صدره وحدوث اصابته التى أودت بحياته، ما دام أن الثابت من مطالعة الحكم أن ما تزيد إليه فى هذا الصدد وهو ذكر الاعتداءات الأخرى التى وقعت على المجنى عليه لم يكن له من أثر فى منطقه أو النتيجة التى انتهى إليها، وأنه لم يورده إلا بعد أن كان قد فرغ وخلص - فى منطق سائغ واستناداً إلى دليل فنى يكفى وحده لحمل قضائه - إلى مسئولية الطاعن عن الإصابة التى أودت بحياة المجنى عليه. لما كان ذلك، وكان الطاعن لا ينازع فى صحة ما نقله الحكم المطعون فيه من أقوال شهود الإثبات وعن تقرير الصفة التشريحية، وكان ما أورده الحكم ودلل به فى مقارفه الطاعن لجريمة الضرب المفضى إلى الموت التى دين الطاعن بها كانت سائغة ولا يتنافر مع الاقتضاء العقلى والمنطقى، فان ما يثيره الطاعن من منازعة فى سلامة ما استخلصته المحكمة من أوراق الدعوى وما تم فيها من تحقيقات لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعى فى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا يجوز إثارته أمام النقض. لما كان ذلك وكان الثابت أن الحكم عرض لطلب المدافع عن الطاعن دعوة كبير الأطباء الشرعيين لمناقشته ورد عليه فى قوله: "وأما عن طلب الدفاع عن المتهم استدعاء كبير الأطباء الشرعين فلم يفصح الدفاع عن وجه محدد لهذا الاستدعاء أو تجريح محدد لتقرير الطبيب الشرعى المرفق بملف الدعوى إلا بخصوص ما ذكره الطبيب الشرعى من إمكان تحدث المجنى عليه بعد إصابته، وطالما لم تعول المحكمة بشئ على أى دليل نقلى عن المجنى عليه عن كيفية اصابته ومحدثها فلا محل بالتالى لتحرى مدى السلامة الفنية لقول الطبيب الشرعى فى امكان تحدث المجنى عليه بشئ بعد إصابته". وإذ كان هذا الذى رد به الحكم كافى ويسوغ به رفض طلب مناقشة كبير الأطباء الشرعيين، لما هو مقرر من أن المحكمة لا تلتزم بإجابة طلب استدعاء الخبير لمناقشته ما دامت الواقعة قد وضحت لديها ولم تر هى من جابنها اتخاذ هذا الإجراء. لما كان ما تقدم، فان الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.