أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 22 - صـ 264

جلسة 21 من مارس سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين عزام, وعضوية السادة المستشارين: سعد الدين عطية, ومحمود عطيفه، ومحمد السيد الرفاعي, وطه الصديق دنانه.

(64)
الطعن رقم 60 لسنة 41 القضائية

(أ, ب) إحالة. أمر إحالة. غرفة الاتهام. تقادم. "انقطاعة". دعوى جنائية. "انقضاؤها بالتقادم". بطلان. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
(أ) قضاء الحكم المطعون فيه بأن "أمر الإحالة نهائي لا يجوز التعرض لأمر بطلانه لأي سبب كان, لما يؤدي إليه منطق بطلانه من إحالة الدعوى إلى سلطة التحقيق بعد دخولها في حوزة المحكمة, وإلى أن الحكم الغيابي يعتبر قاطعا للتقادم". قضاء صحيح.
(ب) إغفال الرد على الدفاع غير المنتج أو تحقيقة. لا تثريب. مثال.
1 - متى كان الحكم المطعون فيه وهو في معرض التصدي للدفع المبدى من الطاعن بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة قد استند إلى أن "الأمر الصادر من غرفة الاتهام بإحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات, هو أمر نهائي لا يجوز لمحكمة الموضوع أن تتعرض للدفع ببطلانه أيا كان سبب البطلان, لما يؤدي إليه منطق بطلانه من إحالة الدعوى إلى سلطة التحقيق بعد دخولها في حوزة المحكمة, وهو ما لم يسمح به القانون ذاته, وإن كانت هذه الحجية لا تمنع من إثارة أوجه البطلان السابقة على أمر الإحالة ومناقشتها عند الاقتضاء إلا أن هذا لا ينسحب على الأمر ذاته, كما أنه مشروط بإمكان تصحيح الإجراء الباطل بمعرفة محكمة الموضوع, وإلى أن القانون لا يسمح للمتهم بالطعن في الأمر الصادر من غرفة الاتهام بإحالته إلى محكمة الجنايات, وأنه في حالات التي سمح فيها لغير المتهم بالطعن في أوامر الغرفة, قد قصر ذلك على حالة الخطأ في تطبيق نصوص القانون أو في تأويلها, وليس من بينها بطلان الأمر لابتنائه على إجراء باطل بسبب الخطأ في الإجراءات, وإلى أن المحكمة اتصلت بالدعوى اتصالا صحيحا وأن الحكم الغيابي السابق صدوره فيها يعتبر صحيحا منتجا لآثاره وبالتالي يعتبر قاطعا للتقادم بوصفه أخر إجراء صحيح اتخذ في الدعوى وأن مدة التقادم لم تكتمل بعد صدوره....." فإن ما أورده الحكم فيما تقدم صحيح في القانون ويسوغ به الرد على ما يجادل فيه الطاعن حول صحة أمر الإحالة والحكم الغيابي الذي اعتبرته المحكمة قاطعا للتقادم[(1)].
2 - من المقرر أنه إذا كان دفاع المتهم الذي تمسك به أمام محكمة الموضوع غير منتج في الدعوى فلا تثريب على المحكمة إن هي لم تحققه وأغفلت الرد عليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنه في خلال سنتي 1952 و1953 بدائرة بندر أول الجيزة محافظة الجيزة: أولا: ارتكب تزويرا في محرر رسمي هو القسيمة رقم 309459 استمارة 23 ع ح بأن أضاف إليها رقم 12 تحت خانة الجنيه فأصبح المبلغ الثابت بهذه القسيمة 12.600 مغايرا بذلك حقيقة هذا المحرر الذي كان أصلا مستخرجا بستين قرشا. ثانيا: ارتكب تزويرا بالمحررات الرسمية المبينة بالمحضر (قسائم توريد) بأن اصطنع تلك المحررات ونسبها لوزارة المالية وعمل على ملء بياناتها زورا والتوقيع عليها بإمضاء مزور لصراف المدير. ثالثا: استعمل هذه الأوراق المزورة مع علمه بتزويرها بأن قدم صورا منها لأصحاب السيارات الذين دفعوا الرسوم المستحقة على سياراتهم وأرفق صورا أخرى بالملفات الخاصة بهذه السيارات. رابعا: بصفته موظفا عموميا (كاتب بقلم رخص محافظة الجيزة) اختلس مبلغ 661 ج و500 م هي رسوم رخص تجديد السيارات الملاكي المبينة بالمحضر وكانت قد سلمت إليه من أصحاب هذه السيارات بسبب وظيفته. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقا للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام. فقررت بذلك. ومحكمة جنايات الجيزة - بعد أن دفع الحاضر مع المتهم بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة - قضت حضوريا عملا بالمواد 112 و118 و212 و214 و32 من قانون العقوبات أولا: برفض الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة. ثانيا: بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وتغريمه خمسمائة جنيه وإلزامه برد مبلغ 1 جنيه و760 مليم وبعزله من وظيفته مدة أربع سنوات وذلك بعد أن عدلت المحكمة وصف التهمة الثانية إلى أنه اصطنع باقي القسائم وملأ بياناتها بواسطة غيره. فطعن وكيل المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الاختلاس والتزوير واستعمال القسائم المزورة قد شابه مخالفة القانون والخطأ في تأويله وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع, ذلك بأنه قضى برفض الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة دون أن يعرض لبحث مدى توافر الشروط المقررة لصحة أمر الإحالة والحكم الغيابي الذي بنى عليه قبل أن يعمل أثر هذا الحكم في قطع التقادم, كما دلل الحكم - بأسباب غير سائغة - على أن أمر الإحالة الصادر من غرفة الاتهام قد صدر في غير علانية، هذا فضلا عن أنه لا يجوز إثبات عكس ما ورد بالحكم إلا عن طريق الطعن بالتزوير, كما استدل الحكم المطعون فيه على ثبوت الاتهام في حق الطاعن باعترافه مع أن اعترافه جاء مجملا ومجهلا وغير مطابق للحقيقة فضلا عن أنه أنكر في أكثر من موضع من التحقيق ارتكابه للجرائم المسندة إليه, ومع أنه أصر في مرافعته على طلب استكتابه وإحالة الأوراق إلى قسم أبحاث التزييف والتزوير للتدليل على عدم ارتكابه لجريمة التزوير وعدم مطابقة اعترافه للحقيقة, فإن المحكمة لم تجبه إلى هذا الطلب ولم تعن بتحقيقه مع جوهريته, وجزمت في مسألة فنية بحت كان يتعين عليها أن تستعين فيها بأهل الخبرة, مما يعيب حكمها بما يوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أورد واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها, وبعد أن حصل دفاعه القانوني والموضوعي عرض للدفع المبدي منه بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة وانتهى إلى رفضه استنادا إلى أن الأمر الصادر من غرفة الاتهام بإحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات هو أمر نهائي لا يجوز لمحكمة الموضوع أن تتعرض للدفع ببطلانه أيا كان سبب البطلان لما يؤدي إليه منطق بطلانه من إحالة الدعوى إلى سلطة التحقيق بعد دخولها في حوزة المحكمة وهو ما لم يسمح به القانون ذاته وإن كانت هذه الحجية لا تمنع من إثارة أوجه البطلان السابقة على أمر الإحالة ومناقشتها عند الاقتضاء إلا أن هذا لا ينسحب على الأمر ذاته كما أنه مشروط بإمكان تصحيح الإجراء الباطل بمعرفة محكمة الموضوع, وإلى أن القانون لا يسمح للمتهم بالطعن في الأمر الصادر من غرفة الاتهام بإحالته إلى محكمة الجنايات وأنه في الحالات التي سمح فيها لغير المتهم بالطعن في أوامر الغرفة قد قصر ذلك على حالة الخطأ في تطبيق نصوص القانون أو في تأويلها وليس من بينها بطلان الأمر لابتنائه على إجراء باطل بسبب خطأ في الإجراءات, وإلى أن المحكمة قد اتصلت بالدعوى اتصالا صحيحا وأن الحكم الغيابي السابق صدوره فيها بتاريخ 8/ 6/ 1964 يعتبر منتجا لآثاره وبالتالي يعتبر قاطعا للتقادم بوصفه آخر إجراء صحيح اتخذ في الدعوى وأن مدة التقادم لم تكتمل بعد صدوره. وأن الادعاء بأن أمر الإحالة قد صدر علنا لا يسانده الواقع إذ أن محضر الجلسة التي نظرت فيها الدعوى أمام الغرفة ليس من المحاضر التي أعدت خصيصا لجلساتها وإنما هو من المحاضر المطبوعة المخصصة لجلسات محاكم الجنح والمخالفات المستأنفة وقد سجل عليه الكاتب بخطه عبارة "غرفة الاتهام" وغفل عن شطب كلمة "علنا" المطبوعة به ولم يشر أمر الإحالة إلى أن الإجراءات قد تمت في علانية فضلا عن أن المحكمة التي توخاها المشرع من عقد جلسات غرفة الاتهام في غير علانية - وهي الحرص على سرية التحقيق - قد حققها الواقع في الدعوى إذ أن المتهم لم يحضر الجلسة التي صدر فيها ذلك الأمر ولم يواجه بالاتهام ولم تسمع أقواله ولم يحضر عنه محام للدفاع أو المرافعة كما لم يقدم مذكرة أثيرت تفصيلاتها بالجلسة, وأن ذلك يدل على أن الإجراءات قد تمت في واقع الأمر في غير علانية, وما أورده الحكم فيما تقدم صحيح في القانون ويسوغ به الرد على ما يجادل فيه الطاعن حول صحة أمر الإحالة والحكم الغيابي الذي اعتبرته المحكمة قاطعا للتقادم. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد استدل على ثبوت الاتهام في حق الطاعن باعترافه بعد أن ناقشه على وجه مفصل وانتهى إلى أنه اعتراف منتج لأثره كدليل صحيح من أدلة الدعوى كما استند أيضا في إدانة الطاعن إلى تقرير اللجنة التي شكلت تشكيلا صحيحا لفحص أعماله, وأقوال أعضائها وغيرهم من الشهود الذين سمعوا في التحقيق, والقسائم والرخص التي أثبتت النيابة إطلاعها عليها, وهي جميعها أدلة سائغة لها أصولها الثابتة في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما قصده الحكم منها. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحية لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق, ولها أصلها في الأوراق كما هو الشأن في الدعوى المطروحة, لما كان الاعتراف في المسائل الجنائية عنصرا من عناصر الاستدلال التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولو عدل المتهم عنه بعد ذلك, فإن ما يدعيه الطاعن من فساد في استدلال الحكم على صدور أمر الإحالة من غرفة الاتهام في غير علانية وعلى ثبوت الاتهام في حق الطاعن من واقع اعترافه أمام الشرطة والنيابة وعند تجديد أمر حبسه بالإضافة إلى الأدلة الأخرى سالفة البيان, ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض, أما ما يثيره الطاعن من قالة الإخلال بحق الدفاع لعدم استجابة المحكمة لطلب استكتابه وإرسال الأوراق إلى قسم أبحاث التزييف والتزوير لإجراء المضاهاه فمردود بما أورده الحكم المطعون فيه في مدوناته من أن الثابت من أقوال الطاعن أن الإيصالات المزورة التي على أساسها كان يتم اختلاس رسوم السيارات كانت تسلم إليه مكتوبة من آخر وكانت مهمته تنحصر في وضع صورة منها بملف السيارة وتسليم صورة أخرى لصاحب الشأن وأنه في نطاق هذا التصوير لا ترى المحكمة ثمة مبرر يدعو إلى إرسال الأوراق التي تم ضبطها إلى قسم أبحاث التزييف والتزوير لفحصها وأن ما ارتأته النيابة من إرسال تلك الأوراق إلى ذلك القسم كان بسبب اتصالها بمتهم آخر في الدعوى سبق القضاء ببراءته, ومؤدى ما أثبته الحكم في هذا الشأن أن طلب استكتاب الطاعن وإرسال الأوراق إلى قسم أبحاث التزييف والتزوير للمضاهاه هو طلب غير منتج في الدعوى بعد أن أوضح في أقواله بالتحقيق أن الإيصالات المزورة كانت تسلم إليه مكتوبة. ولما كان من المقرر أنه إذا كان دفاع المتهم الذي تمسك به أمام محكمة الموضوع غير منتج في الدعوى فلا تثريب على المحكمة إن هي لم تحققه أو أغفلت الرد عليه. لما كان ذلك. وكان البادي من الحكم المطعون فيه أنه دان الطاعن بجريمة التزوير على أساس اعترافه بأنه هو الذي قام بتغيير تاريخ القسيمة رقم 309459 وتعديل المبالغ الثابتة فيها وعلى أساس ما ثبت للمحكمة من أنه اصطنع باقي القسائم لنفسه وملأ بياناتها بواسطة غيره حسبما هو وارد بالوصف الذي انتهت المحكمة إلى القضاء في الدعوى على أساسه. فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون له محل. ويكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.


[(1)] هذا المبدأ مقرر في الطعن رقم 242 لسنة 41 ق جلسة 17/ 10/ 1971.