أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الأول - السنة 22 - صـ 294

جلسة 28 من مارس سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين/ سعد الدين عطية، ومحمود عطيفة، والدكتور محمد محمد حسنين، وطه دنانة.

(69)
الطعن رقم 1537 لسنة 40 القضائية

( أ ) دعوى مدنيه. "نظرها والحكم فيها". استئناف. "نظره والحكم فيه". محكمة استئنافيه . نقض. "حالات الطعن. الخطأ فى تطبيق القانون".
حق المدعى المدنى فى ترك دعواه فى أية حالة كانت عليها الدعوى. المادة 260 إجراءات.
قضاء المحكمة الاستئنافية بتأييد الحكم الابتدائى فيما قضى به من طلبات فى الدعوى المدنية رغم ثبوت تنازل المدعى المدنى عن دعواه بالجلسة الاستئنافية. خطأ فى القانون.
(ب) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات. "معاينه".
متى يحق للمحكمة أن تعرض عن سماع أوجه دفاع المتهم وتحقيقها؟ عليها أن تبين فى حكمها علة عدم إجابتها هذه الطلبات.
مثال لتسبيب غير معيب فى رفض طلب إجراء معاينة لمكان الحادث.
(ج، د) قتل خطأ. خطأ. حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مسئولية جنائية. مسئولية مدنية.
(ج) شروط انطباق الفقرة الثالثة من المادة 238 عقوبات؟
(د) تقرير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبة مدنى أو جنائيا. موضوعى.
(ه، و) إثبات. "خبره". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل "حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(هـ) تقدير أراء الخبراء. موضوعى.
(و) حق محكمة الموضوع فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة عليها واطراح ما يخالفها من صور أخرى. شرط ذلك؟
(ز) محضر الجلسة حكم. "بياناته".
محضر الجلسة يكمل الحكم فى خصوص بيان المحكمة التى أصدرته.
1 - تبيح المادة 260 من قانون الإجراءات الجنائية للمدعى بالحقوق المدنية أن يترك دعواه فى أية حال كانت عليها الدعوى. ولما كان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة الاستئنافيه أن المدعى بالحق المدنى قرر بتنازله عن دعواه ومع ذلك قضت المحكمة فى حكمها المطعون فيه بتأييد الحكم الابتدائى فيما قضى به من طلبات فى الدعوى المدنية، فإن الحكم المطعون فيه يكون أخطأ فى القانون بما يعيبه ويستوجب نقضه نقضاً جزئى وتصحيحه بإثبات ترك المدعى بالحقوق المدنية لدعواه.
2 - من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقها إلا أن للمحكمة إذا كانت قد وضحت لديها الواقعة أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى أن تعرض عن ذلك بشرط أن تبين علة عدم إجابتها هذا الطلب. ولما كان الحكم المطعون فيه إذ رفض طلب الدفاع إجراء معاينة لمكان الحادث قد أسس هذا الرفض على أن إجراء المعاينة أمر غير منتج فى الدعوى وغير مؤثر فى عقيدة المحكمة للأسباب السائغة التى أورده، فإن النعى على الحكم من هذه الناحية يكون على غير أساس.
3 - لا تتطلب الفقرة الثالثة من المادة 238 من قانون العقوبات لسريانها أكثر من ثبوت وقوع خطأ من جانب المتهم وأن ينجم عن هذا الخطأ وفاة أكثر من ثلاث أشخاص.
4 - تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه مدنى أو جنائى مما يتعلق بموضوع الدعوى.
5 - الأمر فى تقدير آراء الخبراء من إطلاقات قاضى الموضوع.
6 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق.
7 - من المقرر أن محضر الجلسة يكمل الحكم فى خصوص بيان المحكمة التى صدر منها.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما فى يوم 3 مارس سنة 1969 بدائرة قسم أول طنطا محافظة الغربية: تسببا بخطئهما فى موت كل من على أحمد حسن خليل وجمالات حسن عبد الرحيم وعادل عبد الله صادق وعواطف إسماعيل سليمان وإصابة كل من ميرفت نجيب جرجس ونعمات محمد فريد وعبد الناصر حسن عبد الرحيم وماجدة محمد إبراهيم وعادل أحمد شحاته ومجدى نوير عبد المجيد وشريف عبد العزيز عبد الشافى ومجدى السيد سعد ومشيل جرجس مخائيل ووديعة عبد اللطيف السعيد والسيد عبد المجيد السباعى ويسرى عباس مصطفى وهشام أحمد محمد الزهيرى وطارق عبد الله مشرف وليلى عبد السلام على وسليمان ميخائيل سليمان وعبد اللطيف شاكر عبده وكان ذلك ناشئا عن إهمالهما وإخلالا جسيما تفرضه عليهما أصول مهنتهما حالة كون الأول مقاولا للبناء والثانى ملاحظاً للبناء حيث سمحا بتشوين كميات كبيرة من الزلط ارتفاعها ثلاثة أمتار مرتكزة مباشرة على جزء متبق من سور حائط من الطوب سبق إزالته طوله تسعة أمتار دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة ومراعاة الأصول الفنية فى هذا الشأن مما ترتب عليه انهيار هذا السور المتبقى نتيجة لضغط الزلط على المجنى عليهم سالفى الذكر أثناء وقوفهم فى الطريق فحدثت بهم الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية الشرعية والابتدائية والتى أودت بحياة الأربعة الأول منهم. وطلبت عقابهما بالمادتين 238 - 2 - 3 و244 من قانون العقوبات. وادعى نجيب جرجس خليل مدنى بصفته ولى طبيعى على ولديه القاصرين ماهر وميرفت نجيب جرجس خليل وطلب القضاء له قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة قسم أول طنطا الجزئية قضت حضورى عملا بمادتى الاتهام مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات. أولا: بحبس كل من المتهمين سنتين مع الشغل والنفاذ. ثانياً: بإلزامهما متضامنين أن يدفعا للمدعى بالحق المدنى نجيب جرجس خليل بصفته ولى طبيعى على ولديه القاصرين ماهر وميرفت نجيب جرجس خليل قرشا واحدا تعويضا مؤقتا والمصاريف وثلاثة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فاستأنف المتهمان هذا الحكم، ومحكمة طنطا الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورى بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف إلى حبس كل من المتهمين سنة مع الشغل وتأييده فيما عدا ذلك وإلزامهما المصروفات المدنية فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض فى ..... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو بطلان الحكم المطعون فيه الذى أيد الحكم الابتدائى لأسبابه وقد جاء الأخير خلواً من اسم المحكمة التى أصدرته.
وحيث إنه وإن كان حكم محكمة أول درجة قد خلت ديباجته من البيان الذى يشير إليه الطاعن، إلا أنه بمراجعة محاضر جلسات المحاكمة الابتدائية يبين أنها استوفت ذلك البيان. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محضر الجلسة يكمل الحكم فى خصوص بيان المحكمة التى صدر منه، فإن استناد الحكم المطعون فيه - الذى استوفى ذلك البيان ولم تخل منه محاضر جلساته - إلى أسباب الحكم الابتدائى يكون سليما ولا غبار عليه، ويكون هذا الوجه من الطعن فى غير محله.
وحيث إن مبنى الوجه الثانى من الطعن هو الإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن المحكمة رفضت إجابة الدفاع عن الطاعنين إلى طلب معاينة مكان الحادث أو ندب خبير للقيام بذلك لبيان السبب الحقيقى فى انهيار الجدار بما لا يسوغ هذا الرفض.
وحيث إن الحكم المطعون فيه عرض إلى طلب إجراء المعاينة وأطرحه فى قوله: "وحيث إنه عن طلب المتهمين انتقال المحكمة لإجراء المعاينة ومشاهدة ماديات الواقعة فى مكان حدوثها فهو طلب لا جدوى من إجابته لأن أهم شيء أراد المتهمان استخلاصه من هذه المعاينة هو تحقيق كيفية تكويم الزلط ومدى ارتفاعه خلف السور وهذه الماديات عموما من شأنها وطبيعة الظروف المحيطة بها ألا تستقر على ما كانت عليه من حال وأوصاف عند الحادثة خاصة وأنه من نوع الحوادث الكبيرة التى تهرع إليها الجموع الغفيرة من الناس فضلا عما يلازمها ويعاصرها من أعمال الإنقاذ التى قال عنها الخبير المهندس السيد محمود السودانى عضو اللجنة الفنية بجلسة 19 - 4 - 69 أنها كانت تتناول الموقع كله فى صورة شاملة بغير ترتيب وأن كوم الزلط قد انخفض ارتفاعه الأول الذى كان عليه عند وقوع الحادث لتدهوره وانسياقه نتيجة دوس الجماهير عليه وهو ما أكدته أيضا أقوال عضو اللجنة المهندس شعبان عبد المطلب هريدى بجلسة 5/ 4/ 1969 وقد أوجزتها المحكمة فيما تقدم من أسباب حكمها. ولذلك أعرضت عن إجابة هذا الطلب الذى تقدم به دفاع المتهمين معا". ولما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أن للمحكمة - إذا كانت قد وضحت لديها الواقعة أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى أن تعرض عن ذلك، بشرط أن تبين علة عدم إجابتها هذا الطلب. ولما كان الحكم المطعون فيه إذ رفض طلب الدفاع إجراء معاينة لمكان الحادث قد أثبت هذا الرفض على أن إجراء المعاينة أمر غير منتج فى الدعوى وغير مؤثر فى عقيدة المحكمة للأسباب السائغة التى أوردها على ما سلف بيانه، فإن النعى على الحكم من هذه الناحية يكون على غير أساس.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث من الطعن هو القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال ذلك بأن الحكم المطعون فيه قد أقام الخطأ فى حق الطاعنين على أساس إخلالهما إخلالا جسيما بما تفرضه عليهما أصول مهنتهما إذ أنه رغم مزاولتهما نشاط المقاولات فقد وضعا الزلط بجوار السور على ارتفاع مترين أو ثلاثة مخالفين بذلك قواعد التشوين مما أدى إلى انهيار السور ووقوع الحادث، مع أن الثابت من أقوال الخبراء أن القواعد الهندسية للتشوين لا يتسنى لمن تكون مهنته البناء فقط معرفتها لأنها عمل هندسى منوط بالمهندسين هذا فضلا عن أن الثابت بتحقيقات النيابة على لسان خليل دراز مندوب الجمعية القبطية صاحبة الأرض والبناء أن للعملية مهندس يدعى صادق بدوى هو المسئول عن الحادث.
وحيث إن الحكم المطعون فيه طبق على الواقعة كلا من الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 238 من قانون العقوبات، وكانت الفقرة الأخيرة لا تتطلب لسريانها أكثر من ثبوت وقوع خطأ من جانب المتهم وأن ينجم عن هذا الخطأ وفاة أكثر من ثلاث أشخاص وهو ما أثبته الحكم فى حق الطاعنين - فلا مصلحة لهما من بعد فى تعييب الحكم فى هذه الخصوصية. لما كان ذلك، وكان يبين من الإطلاع على المفردات المضمومة أن مهمة المهندس صادق بدوى - على ما ورد بأقوال خليل دراز مندوب الجمعية القبطية صاحبة الأرض فى تحقيق النيابة - قاصرة على تمثيل الجمعية المذكورة فى مراقبة أعمال البناء التى يقوم بها الطاعنان ولا شأن له بتنفيذ العملية أو الإشراف عليه، ومن ثم فإن النعى على الحكم فى هذا الشق من الطعن يكون بدوره غير مقبول.
وحيث إن مبنى الوجهين الرابع والخامس من الطعن هو القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال والخطأ فى الإسناد، ذلك بأن الحكم المطعون فيه انتهى إلى أن انهيار السور كان بسبب تكويم الزلط خلفه بمقدار مترين على الأقل أخذا بأقوال أعضاء اللجنة الفنية مطرحا بذلك أقوال شهود النفى والتقرير الاستشارى دون الرد عليهما استقلالا مخالفاً فى تحصيله لأقوال مالك الأرجوحة الثابت فى الأوراق إذ شهد بأنه عند تشغيلها ترفع عجلاتها وتنزل قوائمها الأربع وتثبت فى الأرض وهو ما يتسق ودفاع الطاعنين من أن قائمتين من قوائم الأرجوحة قد ثبتت فى أسفل الجدار وأن تشغيلها على هذا النحو هو الذى أدى إلى سقوط الجزء الملاصق لها من السور.
وحيث إنه يبين مما أورده الحكم الابتدائى الذى أخذ بأسبابه الحكم المطعون فيه أنه استظهر ركن الخطأ فى حق الطاعنين بما دلل عليه من أقوال الشهود وبما جاء بتقرير اللجنة الفنية من أن سبب الحادث مردود إلى تشوين الزلط بارتفاع مترين على الأقل بجوار السور على النحو الذى وقع من الطاعنين مما أدى إلى انهيار السور دون تدخل من سبب أجنبى. لما كان ذلك، وكان تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه مدنى وجنائى مما يتعلق بموضوع الدعوى، وكان الأمر فى تقدير آراء الخبراء من إطلاقات قاضى الموضوع، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائل العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بحسب ما اطمأنت إليه عقيدة المحكمة واستقر فى وجدانها ودلل على وقع الخطأ فى حق الطاعنين تدليلا سائغاً واستظهر فى منطق سليم رابطة السببية بين هذا الخطأ والضرر الذى أصاب المجنى عليهم وأحاط بعناصر جريمتى القتل والإصابة الخطأ اللتين دان الطاعنين بهم، فإن ما يثيره الطاعنان فى هذين الوجهين من أوجه الطعن لا يكون له محل إذ هو لا يعدو أن يكون مجرد جدل موضوعى فى تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه لدى محكمة النقض.
وحيث إن مبنى الوجه السادس من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه لم يحط بالثابت بالأوراق إذ أيد الحكم الابتدائى فيما قضى به فى الدعوى المدنية رغم تنازل المدعى بالحق المدنى عن دعواه أمام المحكمة الاستئنافية.
وحيث إنه يبين من الإطلاع على محضر جلسة 22/ 6/ 1969 أن المدعى بالحق المدنى قرر بتنازله عن دعواه وقضت المحكمة فى حكمها المطعون فيه بتأييد الحكم الابتدائى فيما قضى به من طلبات فى الدعوى المدنية. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه بقضائه فى هذه الدعوى يكون قد أخطأ فى القانون - بمخالفته نص المادة 260 من قانون الإجراءات الجنائية التى تبيح للمدعى بالحقوق المدنية أن يترك دعواه فى أية حالة كانت عليها الدعوى - خطأ يعيبه ويستوجب نقضه نقضاً جزئى وتصحيحه بإثبات ترك المدعى بالحقوق المدنية لدعواه وإلزامه بمصاريفها.