أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 159

جلسة 25 من يناير سنة 1979

برياسة السيد المستشار محمد كمال عباس نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ عثمان الزينى، وعبد الخالق بغدادى، ويعيش رشدى، ومحمد على بليغ.

(30)
الطعن رقم 1625 لسنة 48 القضائية

(1) إثبات. "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
حق محكمة الموضوع فى القضاء بالبراءة. حده؟
(2) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "بوجه عام". استيقاف. نقض. "أسباب الطعن. ما يقبل منها". رجال السلطة القضائية.
تبرئة المتهم لبطلان استيقافه. بقالة أنه تم لمجرد كونه غريباً عن البلدة. على خلاف ما قرره الشاهد من أنه لم يستوقفه إلا بعد محاولته الهرب إثر رؤيته. خطأ فى الإسناد يعيب الحكم.
(3) استيقاف. رجال السلطة العامة. إثبات. "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
الاستيقاف. ماهيته؟ تقدير توافر مبرره. موضوعى.
1 - من المقرر إنه وإن كان من حق محكمة الموضوع أن تقضى بالبراءة - للشك فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت - غير أن ذلك مشروط بأن تكون قد التزمت الحقائق الثابتة بالأوراق وخلا حكمها من عيوب التسبيب.
2 - متى كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قد أقام قضاءه بالبراءة على ما حصله من أقوال الشرطى السرى من أنه استوقف المطعون ضده - أثناء سيره ليلاً - لمجرد كونه غريباً عن البلد، وما رتبه الحكم على ذلك من أن المطعون ضده كان يسير آمناً مطمئناً وقت استيقافه، فى حين أن الثابت على لسان هذا الشرطى أنه لم يستوقف المطعون ضده إلا بعد أن حاول الفرار بمجرد أن وقع بصره عليه مما دعاه إلى ملاحقته والإمساك به، فإن الحكم يكون معيبا بالخطأ فى الإسناد. وإذ كان خطأ الحكم قد حجبه عن بحث واقعة فرار المطعون ضده لدى رؤيته للشرطى السرى، الواردة على لسان هذا الأخير، ليقول كلمته فيما إذا كان هذا الفرار - من جانب المطعون ضده - عن ريبة فيه تسوغ للشرطى ملاحقته واستيقافه لاستكناه أمره أم لم يكن كذلك، ومن ثم فلو سلم الحكم من العوار سالف الذكر لكان من المحتمل أن يتغير وجه الرأى فى الدعوى. لما كان ما تقدم، فإن الحكم يكون معيباً بما يستوجب نقضه والإحالة.
3 - من المقرر أن الاستيقاف هو إجراء يقوم به رجل السلطة العامة فى سبيل التحرى عن الجرائم وكشف مرتكبها ويسوغه اشتباه تبررة الظروف، فهو أمر مباح لرجل السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية منه واختيارا فى موضوع الريب والظن وكان هذا الوضع ينبىء عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحرى وللكشف عن حقيقته - إعمالاً لحكم المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية - والفصل فى قيام المبرر للاستيقاف أو تخلفه من الأمور التى يستقل بتقديرها قاضى الموضوع بغير معقب ما دام لاستنتاجه ما يسوغه. ومتى توافرت مبررات الاستيقاف، حق لرجل السلطة اقتياد المستوقف إلى مأمور الضبط القضائى لاستيضاحه والتحرى عن حقيقة أمره.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أحرز بقصد الاتجار جوهرا مخدرا (حشيشا) فى غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات دمياط قضت غيابى ببراءة المطعون ضده مما أسند إليه ومصادرة المواد المخدرة المضبوطة. فطعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من تهمة إحراز جوهر مخدر، قد شابه خطأ فى الإسناد، ذلك بأنه أقام قضاءه على ما حصله من أقوال الشرطى السرى من أنه استوقف المطعون ضده - أثناء سيره ليلاً - لمجرد كونه غريباً عن البلد، فى حين أن الثابت على لسان هذا الشرطى أنه لم يستوقف المطعون ضده إلا بعد أن حاول الفرار بمجرد أن وقع بصره عليه مما دعاه إلى ملاحقته والأمساد به، ولو سلم الحكم من هذا الخطأ لكان من المحتمل أن يتغير وجه الرأى فى الدعوى.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه حصل شهادة الشرطى السرى فى قوله: "وحيث إنه بسؤال الشرطى السرى ..... قرر أنه كان يسير فى منطقته ليلاً فشاهد المتهم - المطعون ضده - سائراً فاشتبه فى أمره لأن هذه هى المرة الأولى التى يقابله فيها ويعتقد أنه غريب عن البلد فأحضره إلى القسم لعمل محضر إشتباه". ثم أقام الحكم قضاءه ببراءة المطعون ضده - من تهمة إحراز جوهر مخدر - على قوله: "لما كان ذلك، وكان المتهم - المطعون ضده - يسير آمناً مطمئناً ولم يبد عليه ولم يبدر منه ما يبيح استيقافه أو القبض عليه أو تفتيشه حسبما جاء برواية الشرطى السرى الذى استوقفه بحجة أنه غريب عن البلد دون أن يبدو على المتهم ما يثير الشك فى ارتكابه لجريمة ما، ومن ثم يكون الاستيقاف قد وقع باطلاً". ويبين من الأوراق والمفردات المضمومة أن الشرطى السرى المذكور لم يسأل سوى مرتين (أولاهما) فى محضر جمع الاستدلالات والأخرى فى تحقيق النيابة العامة - وقد أبان فى كلتيهما أن المطعون ضده جرى بمجرد أن رآه فجرى خلفه وأمسك به. لما كان ذلك، وكان من المقرر إنه وإن كان من حق محكمة الموضوع أن تقضى بالبراءة - للشك فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت - غير أن ذلك مشروط بأن تكون قد التزمت الحقائق الثابتة بالأوراق وخلا حكمها من عيوب التسبيب، وإذ كان البين مما سبق سرده من مدونات الحكم المطعون فيه أنه قد أقام قضاءه بالبراءة على ما حصله من أقوال الشرطى السرى من أنه استوقف المطعون ضده - أثناء سيره ليلا - لمجرد كونه غريباً عن البلد، وما رتبه الحكم على ذلك من أن المطعون ضده كان يسير آمناً مطمئناً وقت استيقافه، فى حين أن الثابت على لسان هذا الشرطى أنه لم يستوقف المطعون ضده إلا بعد أن حاول الفرار بمجرد أن وقع بصره عليه مما دعاه إلى ملاحقته والإمساك به، ومن ثم يكون الحكم معيباً بالخطأ فى الإسناد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاستيقاف هو إجراء يقوم به رجل السلطة العامة فى سبيل التحرى عن الجرائم وكشف مرتكبيها ويسوغه اشتباه تبررة الظروف، فهو أمر مباح لرجل السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية منه واختيارا فى موضوع الريب والظن وكان هذا الوضع ينبىء عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحرى وللكشف عن حقيقته - إعمالا لحكم المادة 24 من قانون الإجرءت الجنائية - والفصل فى قيام المبرر للاستيقاف أو تخلفه من الأمور التى يستقل بتقديرها قاضى الموضوع بغير معقب ما دام لاستنتاجه ما يسوغه. ومتى توافرت مبررات الاستيقاف، حق لرجل السلطة اقتياد المستوقف إلى مأمور الضبط القضائى لاستيضاحه والتحرى عن حقيقة أمره. وإذ كان خطأ الحكم قد حجبه عن بحث واقعة فرار المطعون ضده لدى رؤيته للشرطى السرى، الواردة على لسان هذا الأخير، ليقول كلمته فيما إذا كان هذا الفرار - من جانب المطعون ضده - عن ريبة فيه تسوغ للشرطى ملاحقته واستيقافه لاستكناة أمره على النحو المتقدم بيانه أم لم يكن كذلك، ومن ثم فلو سلم الحكم من العوار سالف الذكر لكان من المحتمل أن يتغير وجه الرأى فى الدعوى. لما كان ما تقدم، فإن الحكم يكون معيباً بما يستوجب نقضه والاحالة.