أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الأول - السنة 22 - صـ 303

جلسة 28 من مارس سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين/ سعد الدين عطية، والدكتور محمد حسنين، ومحمد السيد الرفاعى، وطه دنانة.

(70)
الطعن رقم 1976 لسنة 40 القضائية

(أ، ب) مواد مخدرة. قصد جنائى. إثبات. "خبرة" محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير توافر القصد الجنائى حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
( أ ) القطع بحقيقة المادة المخدرة. لا يقدح فيه عدم تحديد مشتقها.
(ب) الاتجار فى المواد المخدرة. واقعة مادية. تقدير توافره. موضوعى شرط ذلك؟
مثال لتسبيب غير معيب.
(ج) مواد مخدرة. اتفاقيات دولية. معاهدات. قانون. "تفسيره". "إلغاؤه" الاتفاقية الدولية للمخدرات الصادر بشأنها القرار الجمهورى رقم 764 لسنة 1966. عدم إلغاؤها أو تعديلها قانون المخدرات المصرى.
اختلاف مجال تطبيق أحكام كل من الاتفاقية وقانون المخدرات المعمول به فى الجمهورية.
(د، هـ) إثبات. "إثبات بوجه عام". "معاينة". "شهادة". "قرائن".
دفوع. "الدفع بتلفيق التهمة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
(د) طلب المعاينة الذى لا يتجه إلى نفى الفعل المكون للجريمة ولا إلى إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود. لا يستلزم ردا صريحا. كفاية الحكم بالإدانة ردا عليه.
(هـ) تشكيك الطاعن فى أقوال الشهود واستنباطه قرائن تشير إلى تلفيق التهمة. من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تستوجب ردا صريحا.
1 - متى كان القانون رقم 206 لسنة 1960 قد نص فى البنود أرقام 50، 51، 52 منه على أن المشتقات الثلاثة "الديكسا أو الميثيل أو البنزدرين" هى من المواد المخدرة المؤثم إحرازها قانون، وكان تحديد كنه المادة المضبوطة قد قطع بحقيقته المختص فني، فإن عدم تحديد المشتق لا ينفى عن الطاعن إحرازه المادة المخدرة.
2 - من المقرر أن الاتجار فى المواد المخدرة إنما هو واقعة مادية يستقل قاضى الموضوع بحرية التقدير فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها. ولما كان الحكم قد عرض إلى قصد الاتجار واستظهره لدى الطاعن من حمله للزجاجة المحتوية على سائل الأمفيتامين المخدر وإحرازه للحقن والإبرة التى تستعمل فى الحقن بالمخدر، فضلا عما جاء بأقوال الرائد ........ وتحرياته من أن الطاعن يتجر فى هذا المخدر بحقن عملائه به، فإنه يكون قد دلل على هذا القصد تدليلا سائغا.
3 - إن الاتفاقية الدولية للمخدرات - الموقعة فى نيويورك فى 30 - 3 - 1961 والتى صدر بشأنها القرار الجمهورى رقم 1764 لسنة 1966 بتاريخ 2 - 5 - 1966 والتى نشرت فى الجريدة الرسمية بتاريخ 2 - 2 - 1967 هى مجرد دعوة من الدول بصفتهم أشخاص القانون الدولى العام إلى القيام بعمل منسق لضمان فعالية التدابير المتخذة ضد إساءة استعمال المخدرات ويبين من الإطلاع على نصوصها أنها لم تلغ أو تعدل - صراحة أو ضمنا - أحكام قوانين المخدرات المعمول بها فى الدول الموقعة عليه، إذ نصت المادة 36 منها على الأحوال التى تدعو الدول إلى تجريمها والعقاب عليها دون أن تتعرض إلى تعريف الجرائم وإجراءات المحاكمة وتوقيع العقاب وتركت ذلك كله إلى القوانين المحلية للدول المنضمة إليها يؤكد ذلك ما جرى به نص الفقرة الرابعة من تلك المادة من أنه "لا تتضمن هذه المادة أى حكم يخل بمبدأ الجرائم التى ينص عليها ومحاكمة مرتكبيها ومعاقبتهم وفقا للقوانين المحلية فى الدول الأطراف المعنية". ومن ثم فإن مجال تطبيق أحكام هذه الاتفاقية يختلف عن مجال قانون المخدرات المعمول به فى الجمهورية العربية المتحدة.
4 - من المقرر أن طلب إجراء المعاينة الذى لا يتجه إلى نفى الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود متى كان المقصود به إثارة الشبهة فى أدلة الثبوت التى اطمأنت إليها المحكمة طبقاً للتصوير الذى أخذت به فإنه يعتبر دفاعا موضوعيا لا يستلزم رداً صريحا من المحكمة، بل يكفى أن يكون الرد عليه مستفادا من الحكم بالإدانة.
5 - ما أثاره الطاعن لدى محكمة الموضوع من تشكيك فى أقوال الشهود وما ساقه من قرائن تشير إلى تلفيق التهمة لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تستوجب ردا صريحا من المحكمة بل إن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التى أردها الحكم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أحرز بقصد الاتجار جوهراً مخدراً (ماكس فورت) أحد مشتقات الأمفيتامين فى غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقا للمواد الواردة بأمر الإحالة. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات بنها قضت حضوريا عملا بالمواد 1 و21 و7 - 1 و34 - ا و36 و42 من القانون 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون 206 لسنة 1960 والقانون رقم 40 لسنة 1966 والبنود 50 و51 و52 من الجدول رقم 1 المرافق للقانون مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وتغريمه مبلغ ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المضبوطات. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحراز المخدر بقصد الاتجار قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه القصور فى البيان والفساد فى الاستدلال وانطوى على الإخلال بحق الدفاع والقصور فى التسبيب، ذلك أنه قضى بالإدانة تأسيسا على أن الطاعن أحرز مادة الأمفيتامين نفسه باعتبار أن المشتق هو نفسه مادة الأمفيتامين دون أن يرجع هذا المشتق إلى نوع من المخدرات المحددة فى القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 206 لسنة 1960، كما أن الحكم أورد فى مدوناته أنه لم يصدر قانون لاحق يتضمن إلغاء القانون رقم 206 لسنة 1960 فى حين أن الجمهورية العربية المتحدة قد انضمت بمقتضى القرار الجمهورى رقم 1764 لسنة 1966 إلى الاتفاقية الدولية بشأن تحريم المخدرات والتى تضمنت جدولاً جديداً للمواد المخدرة ليس من بينها مادة الأمفيتامين، وبصدور القرار الجمهورى المشار إليه ونشره فى الجريدة الرسمية فى فبراير سنة 1967 ما يتضمن إلغاء ضمنبا للقانون رقم 206 لسنة 1960 السالف البيان، فضلا عن أن الحكم لم يعن بالتدليل على توافر قصد الاتجار إذ أن ما عول عليه فى ذلك من حيازة الطاعن للزجاجة التى تحوى المادة المخدرة وكذا المحقن وإبرة الحقن لا يصلح أساسا لهذا التقدير، بالإضافة إلى أن المدافع عن الطاعن طلب معاينة مكان الضبط لتحقيق أنه كان فى مكنة الطاعن أن يلقى بالزجاجة خارج المنزل وليس على أرض الحجرة، خصوصا وأن الضبط تم ليل، ولم تستجب المحكمة إلى هذا الطلب وأطرحته بما لا يبرر رفضه، هذا وأن المحكمة استندت فى الإدانة على أقوال شهود الإثبات ولم تتأيد أقوالهم بدليل آخر بل إن الضابط الذى تولى واقعة الضبط لم يسأل الموجودين بالمنزل مع الطاعن مما يقطع بتلفيقه التهمة على الطاعن، وهذا كله مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى بما محصله أن تحريات ....... رئيس قسم مكافحة المخدرات دلت على أن الطاعن يتجر فى المواد المخدرة ويحقن عملاءه به، فانتقل مساء يوم الضبط يرافقه الملازم أول ....... والشرطى السرى ..... إلى مسكن الطاعن لتنفيذ الأمر الصادر من النيابة العامة بتفتيشه وتفتيش مسكنه، وما أن رآهم الطاعن حتى ألقى بزجاجة كانت فى يده على الأرض فتناثرت أجزاؤها وما بها من مادة سائلة تنبعث منها رائحة المخدر على أرض الحجرة وعلق بعض السائل على ورقة من أوراق الصحف، فالتقط الضابط أجزاء الزجاجة وسدادتها وورقة الصحيفة كما ضبط محقنا وإبرة حقن وعثر الطاعن على إبرتين أخرتين وعول الحكم فى الإدانة على أقوال الضابطين والشرطى السري، وما ثبت من تقرير المعمل الكيميائى من أن المادة التى عثر عليها بأجزاء الزجاجة والسدادة وبورقة الصحيفة هى لأحد مشتقات الأمفيتامين المخدرة وما شهدت به بجلسة المحاكمة الطبية الشرعية ....... التى قامت بإجراء التحليل - من أن المادة التى عثر عليها هى نفس مادة الأمفيتامين، وأن كلمة مشتقات تعنى أحد أنواع تلك المادة المنصوص عليه فى القانون رقم 206 لسنة 1960، وهى لا تخرج عن الديكسا أو الميثيل أو البنزدرين وكلها مواد مخدرة، وأنها لم تستطع نظرا لضآلة آثار المادة المضبوطة - القطع بتحدى نوع هذا المشتق. لما كان ذلك، وكان القانون رقم 206 لسنة 1960 قد نص فى البنود أرقام 50 و51 و52 منه على أن هذه المشتقات الثلاثة هى من المواد المخدرة المؤثم إحرازها قانونا - وهى ما أفصح الحكم عن تطبيقها. وكان تحديد كنه المادة المضبوطة قد قطع بحقيقته المختص فني، ومن ثم فإن عدم تحديد المشتق - على ما سلف بيانه - لا ينفى عن الطاعن إحرازه المادة المخدرة، ويكون هذا الوجه من الطعن فى غير محله. لما كان ذلك، وكانت الاتفاقية الدولية للمخدرات - الموقعة فى نيويورك فى 30 - 3 - 1961 والتى صدر بشأنها القرار الجمهورى رقم 1764 لسنة 1966 بتاريخ 2 - 5 - 1966 والتى نشرت فى الجريدة الرسمية بتاريخ 20 - 2 - 1967 هى مجرد دعوة من الدول بصفتهم أشخاص القانون الدولى إلى القيام بعمل منسق لضمان فعالية التدابير المتخذة ضد إساءة استعمال المخدرات ويبين من الإطلاع على نصوصها أنها لم تلغ أو تعدل - صراحة أو ضمنا - أحكام قوانين المخدرات المعمول بها فى الدول الموقعة عليه، إذ نصت المادة 36 منها على الأحوال التى تدعو الدول إلى تجريمها والعقاب عليه، دون أن تتعرض إلى تعريف الجرائم وإجراءات المحاكمة وتوقيع العقاب، وتركت ذلك كله إلى القوانين المحلية فى الدول المنضمة إليه، يؤكد ذلك ما جرى به نص الفقرة الرابعة من تلك المادة من أنه "لا تتضمن هذه المادة أى حكم يخل بمبدأ الجرائم التى ينص عليها ومحاكمة مرتكبيها ومعاقبتهم وفقا للقوانين المحلية فى الدول الأطراف المعنية". ومن ثم فإن مجال تطبيق أحكام هذه الاتفاقية يختلف عن مجال تطبيق أحكام قانون المخدرات المعمول به فى الجمهورية العربية المتحدة، ويكون هذا الوجه من الطعن غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض إلى قصد الاتجار واستظهره لدى الطاعن من حمله للزجاجة المحتوية على سائل الأمفيتامين المخدرة وإحرازه للمحقن والإبرة التى تستعمل فى الحقن بالمخدر، فضلا عما جاء بأقوال الرائد........... وتحرياته من أن الطاعن يتجر فى هذا المخدر بحقن عملائه به، ولما كان الاتجار فى الجواهر المخدرة إنما هو واقعة مادية يستقل قاضى الموضوع بحرية التقدير فيه، طالما أنه يقيمها على ما ينتجه، وكان الحكم قد دلل على هذا القصد تدليلاً سائغ، فإن نعى الطاعن فى هذا الصدد يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان ما قصد إليه الدفاع من طلب إجراء المعاينة هو التشكيك فى أقوال شهود الإثبات، وكان من المقرر أن طلب إجراء المعاينة الذى لا يتجه إلى نفى الفعل المكون للجريمة أو إثبات استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود بل المقصود به إثارة الشبهة فى أدلة الثبوت التى اطمأنت إليها المحكمة طبقاً للتصوير الذى أخذت به يعتبر دفاعا موضوعيا لا يستلزم رداً صريحاً من المحكمة، بل يكفى أن يكون الرد عليه مستفاداً من الحكم بالإدانة - كما هو واقع الحال فى الدعوى المطروحة - ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما أثاره الطاعن لدى محكمة الموضوع من تشكيك فى أقوال الشهود وما ساقه من قرائن تشير إلى تلفيق التهمة لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تستوجب ردا صريحا من المحكمة، بل إن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التى أوردها الحكم. لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.