أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الأول - السنة 22 - صـ 321

جلسة 29 من مارس سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ محمود عباس العمراوى، وعضوية السادة المستشارين/ انور أحمد خلف، وإبراهيم الديوانى، ومصطفى الأسيوطى، وحسن المغربى.

(74)
الطعن رقم 1860 لسنة 40 القضائية

إثبات. "شهادة". "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الأدلة" قتل عمد.
تدخل المحكمة فى رواية الشاهد. غير جائز. مثال.
حق محكمة الموضوع فى الأخذ بأقوال الشاهد أو اطراحها.
إقامة الحكم قضاءه على افتراض لم يقل به الشاهد. خطأ.
تساند الأدلة فى المواد الجنائية.
لا يجوز للمحكمة أن تتدخل فى رواية الشاهد ذاتها وتأخذها على وجه خاص يخالف صريح عباراتها أو تقيم قضاءها على فروض تناقض صريح روايته، بل كل ما له، أن تأخذ بها إذا هى اطمأنت إليه، أو تطرحها إذا لم تثق به، وإذ كان ذلك، وكان الحكم قد أقام قضاءه بإدانة الطاعن على افتراض أن شاهد الإثبات لم يستطع لهول الحادث إدراك العيار الثالث الذى أطلقه المتهمان، على المجنى عليه، وهو ما لم يقل به الشاهد نفسه، بل على العكس أصر فى التحقيقات وأكد بجلسة المحاكمة، على أن كلا من المتهمين لم يطلق على المجنى عليه إلا عيارا واحد، فإنه يكون قد تدخل فى رواية الشاهد وأخذها على وجه يخالف صريح عبارتها وهو ما لا يجوز له، ويبقى التعارض بعد ذلك قائما بين الدليلين القولى والفنى لما يرفع، وإذ كان لهذه الواقعة أثرها فى منطق الحكم واستدلاله، بحيث إذا سقطت تهاوت باقى الأدلة، لما هو مقرر من تساند الأدلة فى المواد الجنائية، فإن الحكم يكون معيبا بما يستوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما فى يوم 24 - 12 - 1966 بدائرة مركز دشنا محافظة قنا: قتلا ..... عمدا مع سبق الإصرار بأن عقدا العزم على قتله وأعدا لذلك سلاحين ناريين معمرين "بندقتين" وتوجها إلى منزله وما أن شاهداه حتى أطلقا عليه عدة أعيرة نارية من السلاحين سالفى الذكر قاصدين من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى والتى أودت بحياته. وطلبت من مستشار الإحالة احالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بمواد الاتهام، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات قنا قضت حضورى بالنسبة للطاعن عملا بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبته بالأشغال لمدة خمس عشرة سنة وببراءة المتهم الآخر، فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القتل العمد قد ران عليه التناقض فى التسبيب ذلك بأنه اعتد بالدليلين القولى والفنى معا رغم تعارضهما إذ أخذ بأقوال شاهد الإثبات........ شقيق المجنى عليه والتى حصلها بأن الطاعن وآخر أطلقا على المجنى عليه عيارين ناريين من مسافة خمسة أمتار كما استند إلى التقرير الطبى الشرعى وحصل مؤداه بأن المجنى عليه أصيب من ثلاثة اعيرة نارية من بينها عيار أصابه فى رأسه من مسافة نصف متر تقريب، وهو ما يتعارض مع أقوال شاهد الإثبات وإذ عرض الحكم لرفع هذا التناقض استند إلى فروض ووقائع لم يقل بها الشاهد نفسه بل أصر بجلسة المحاكمة على نقيضها بما لا يرتفع به التناقض بين الدليلين القولى والفنى وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى على النحو الذى استقر لديه وأورد الأدلة على ثبوتها فى حق الطاعن مستمدة من أقوال عبد الله شحات على شاهد الرؤية الوحيد وحصل مؤداها بأن الطاعن وعلى مصطفى إبراهيم - المحكوم ببراءته - أطلقا على أخيه عيارين ناريين وأن المسافة بين المجنى عليه والمتهمين حين إطلاقهما النار عليه كانت حوالى الخمسة أو الستة أمتار ثم نقل الحكم عن تقرير الصفة التشريحية أن إصابات المجنى عليه نشأت من ثلاثة أعيرة نارية على الأقل من بينها عيار أصاب المجنى عليه فى رأسه من مسافة نصف متر تقريبا. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للمواءمة بين أقوال الشاهد وبين ما أورده تقرير الصفة التشريحية فى شأن عدد الأعيرة النارية التى أصابت المجنى عليه ومسافة الاطلاق بقوله "ترى المحكمة أنه لا يجدى الدفاع عن المتهم تعلقه بما جاء بالتقرير الطبى الشرعى من أن إصابات المجنى عليه قد حدثت من ثلاثة أعيرة نارية على الأقل لأن عدم تمكن الشاهد فى مفاجأة الحادث وهو له من إدراك العيار الثالث الزائد هو أمر جد طبيعى لا ينال البتة من صحة شهادته، كما لا يجدى الدفاع تعلقه بما تبين من التقرير الطبى الشرعى من أن إصابة رأس المجنى عليه قد حدثت من مسافة حوالى نصف متر لأن الشاهد قرر منذ بدء سؤاله فى تحقيق النيابة ومن قبل لرجال الشرطة الذين قابلوه بأنه تمكن من الاستتار بعيداً عن متناول الرصاص الذى أردى أخاه". لما كان ذلك، وكان لا يجوز للمحكمة أن تتدخل فى رواية الشاهد ذاتها وتأخذها على وجه خاص يخالف صريح عبارته، أو تقيم قضاءها على فروض تناقض صريح روايته، بل كل ما لها أن تأخذ بها إذا هى اطمأنت إليها أو تطرحها إن لم تثق به، وكان الحكم قد أقام قضائه بإدانة الطاعن على افتراض أن شاهد الإثبات لم يستطع لهول الحادث إدراك العيار الثالث الذى أطلقه المتهمان على المجنى عليه، وهو ما لم يقل به الشاهد نفسه بل على العكس أصر فى التحقيقات وأكد بجلسة المحاكمة على أن كلا من المتهمين لم يطلق على المجنى عليه إلا عياراً واحداً فإنه يكون قد تدخل فى رواية الشاهد وأخذها على وجه يخالف صريح عبارتها وهو ما لا يجوز له ويبقى التعارض بعد ذلك قائما بين الدليلين القولى والفنى لما يرفع. لما كان ذلك، وكانت هذه الواقعة لها أثرها فى منطق الحكم واستدلاله بحيث إذا سقطت تهاوت باقى الأدلة لما هو مقرر من تساند الأدلة فى المواد الجنائية. لما كان ما تقدم، فإن الحكم يكون معيبا بما يستوجب نقضه والإحالة بغير حاجة إلى بحث باقى أوجه الطعن الأخرى.