مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والأربعون - الجزء الثانى (من أول مارس سنة 2001 إلى آخر يونيه سنة 2001) - صـ 1389

(165)
جلسة 14 من إبريل سنة 2001

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أمين المهدى - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: د. فاروق عبد البر، وأحمد عبد الفتاح حسن، وأحمد عبد الحميد عبود، وأحمد محمد حسين المقاول - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 114 لسنة 43 القضائية

( أ ) دعوى - دعوى جنائية - انقضاء الدعوى الجنائية بالصلح وفقا لقانون النقد الأجنبى القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبى المعدل بالقانون رقم 67 لسنة 1980.
الصلح بحسبانه سببا لانقضاء الدعوى الجنائية، وفق ما هو مقرر بقانون تنظيم التعامل بالنقد الأجنبى، يتميز عن غيره من الأسباب العامة والخاصة المقررة بحسب الأصل لإنقضاء الدعوى العمومية - وجه التميز يكمن فى كون الصلح لا يتحقق إلا بناء على إرادة صحيحة تتوافر لدى ذوى الشأن لتفيد يقين رضائهم به - الصلح أقرب إلى الإتفاق الرضائى الذى ينعقد بين الجهة الإدارية المختصة ومقترف الفعل المؤثم، تتنازل الأولى بمقتضاه عن طلب إقامة الدعوى ويلتزم الأخر بموجبه بأداء ما تقرر قانوناً فى هذا الشأن من تعويض أو تنازل عن المضبوطات - تطبيق.
(ب) دعوى جنائية - قيود تحريكها - الطلب - مدى جواز إعتبار الطلب قراراً إدارياً.
القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبى المعدل بالقانون رقم 67 لسنة 1980. قيد المشرع سلطة النيابة العامة فى تحرك الدعوى الجنائية عن جرائم النقد الأجنبى بضرورة تقديم طلب بشأنها من وزير الاقتصاد أو من ينيبه - طلب إقامة الدعوى أو التنازل عن إقامتها منوطاً بالجهة الإدارية المختصة تقدره وفق مقتضيات المصلحة العامة - الطلب قيد على إختصاص النيابة - ينصرف الطلب إلى الجريمة ذاتها فينطوى على تصريح اتخاذ إجراءات التحقيق أو رفع الدعوى عنها دون إعتبار لمرتكبها - لطلب إقامة الدعوى فى شأن هذه الجرائم أثرا عينى يتعلق بجرائم يصدق عليها جميعا أنها جرائم مالية تمس ائتمان الدولة - عينية الطلب وإنصرافه إلى الجريمة دون إعتبار لمرتكبها تحول دون أن يكون للطلب أثر فى أحداث مركز قانونى لمرتكب الجريمة - الطلب بهذا الشكل لا يعتبر من قبيل القرارات الإدارية بالمفهوم الاصطلاحى فى القضاء الإدارى - أساس ذلك: أن الطلب ينصرف للجريمة وليس من شأنه إنشاء مركز قانونى جديد لمرتكب الجريمة التى سبق أن تحدد مركزه بإرتكاب الجريمة - التنازل عن هذه الدعوى هو الوجه الآخر لإقامة الدعوى الجنائية ومن ذات طبيعة طلب إقامة تلك الدعوى مما ينتفى معه عن الصلح أو التنازل المعنيين فى هذا الخصوص وصف القرار الإدارى بمفهومه الاصطلاحى - تطبيق.


إجراءات الطعن:

فى يوم الخميس الموافق 10/ 10/ 1996، أودع الأستاذ ..... المحامى نائباً عن الدكتورة ...... المحامية بصفتها وكيلة عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العلى تقريراً بالطعن قيد بجدولها برقم 114 لسنة 43 القضائية عليا، فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى فى الدعوى رقم 5434 لسنة 48 القضائبة بجلسة 13/ 8/ 1996 الذى قضى بعدم قبول الدعوى وإلزام المدعى المصروفات. وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن أن تأمر دائرة فحص الطعون بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العلى لتقضى فيه بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء قرار قبول تصالح الطاعن والتنازل عن السبائك الذهبية المضبوطة لخزانة الدولة مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وتم إعلان تقرير الطعن قانوناً وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا مسببا ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى للفصل فيها بهيئة مغايرة وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 18/ 1/ 1999، حيث تدوول نظره على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 21/ 6/ 1999 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة التى نظرته على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 13/ 1/ 2001 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 14/ 4/ 2001، وبها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل فى أنه بتاريخ 3/ 5/ 1994 أقام السيد/ ...... الدعوى رقم 5434 لسنة 48 القضائية بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار السلبى المطعون عليه بالإمتناع عن رد كمية الذهب المضبوطة والحكم بردها، مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقال شرحاً للدعوى أنه بتاريخ 4/ 1/ 1994 تواجد بساحة إنتظار السيارات لصالة الوصول رقم 2 بمطار القاهرة الدولى منتظراً شقيقه - القادم من دبى الذى كان قد تعرف خلال الرحلة على أحد السوريين - وكان يحمل حقيبة صغيرة من القماش بداخلها 27 سبيكة من الذهب (سبك محلى) حيث كان عائداً من الصاغة لإستقبال شقيقه، وقد فوجئ برجال الشرطة يحيطون به ويسألونه عن محتويات سيارته فابلغهم بأن معه سبائك ذهبية لأنه يمتهن الإتجار فى الذهب بجانب تجارة السيارات فالقى القبض على الجميع وتم ضبط الذهب وإستكتب إقراراً بتنازله عن كمية الذهب المضبوط نظير عدم تحريك الدعوى العمومية قبله، ولوقوعه تحت تأثير الإكراه المعنوى فقد وقع الإقرار صاغراً ثم أعقب ذلك بالتظلم إلى النائب العام طالباً إعادة التحقيق معه، كما تظلم إلى وزير الإقتصاد والتجارة الخارجية بتاريخ 9/ 1/ 1994 طالباً عدم الإعتداد بتنازله عن الذهب المصادر وإعادته إليه إلا أنه لم يتلق رداً على تظلمه، الأمر الذى يعد قراراً سلبى يتيح له الطعن عليه لأسباب حاصلها أن محضر تحقيق شرطة ميناء القاهرة الجوى المؤرخ 15/ 1/ 1994 يكشف عن أنه تم الإستيلاء على الذهب المصادر بمعرفة رجال الشرطة قبل دخول الدائرة الجمركية الأمر الذى يؤكد صحة أقواله بشأن الإكراه الذى وقع عليه، كما أن الدائرة الجمركية تعد هى النطاق الذى يحكم جريمة التهرب الجمركى وفيما عداها يجوز نقل البضائع بحرية تامة. وفضلاً عن ذلك فإن الذهب المصادر سبك محلى وقد تم القبض على المدعى وبحوزته الذهب حال تواجده بجوار سيارته بساحة الإنتظار، ومن ثم فإنه لم يثبت أنه كان مسافراً وعلى ذلك تكون حيازته للذهب حيازة مشروعة. كما أن القول بأن الذهب ضبط بحوزة شخص ثالث سورى الجنسية ففضلاً عن أنه يتنافى مع الحقيقة، فإن مصادرته تخالف القانون لتمام ذلك قبل إجتياز الحدود الجمركية. لكل ذلك فلا وجه للقول بعدم وجود مصلحة له فى المطالبة بالذهب الذى ضبط مع السيد ....... السورى الجنسية بعد أخذه من المدعى، وذلك أن الذهب ملك للمدعى وكان بحوزته حال ضبطه يوم 4/ 1/ 1994، ومن ثم فإن له مصلحة مباشرة وحقيقية للمطالبة باسترداده، فضلاً عن أن القرار المطعون فيه صدر مخالفاً للقانون لقيامه على الإقرار بتنازله عن الذهب الذى وقع باطلاً ولكونه مشوباً بإساءة إستعمال السلطة، الأمر الذى حدا به إلى إقامة الدعوى للحكم له بالطلبات الأنفة الذكر.
وبجلسة 13/ 8/ 1996 قضت محكمة القضاء الإدارى بعدم قبول الدعوى وألزمت المدعى المصروفات. وشيدت المحكمة قضاءها على أساس أن المدعى إستهدف الطعن على قرار الجهة الإدارية بالموافقة على عدم طلب رفع الدعوى الجنائية فى القضية رقم 6 لسنة 1994 حصر وارد مالية ضده مع قبول التصالح مقابل تنازل المخالف عن السبائك الذهبية المضبوطة ومصادرتها والمبلغ إلى نيابة الشئون المالية والتجارية بتاريخ 6/ 1/ 1994، وإن التصالح وعدم طلب تحريك الدعوى الجنائية هو الوجه الآخر لطلب إقامة الدعوى الجنائية والمسقط لها بشروطه المقررة قانوناً وكلاهما لا يصدق عليه وصف القرار الإدارى بالمفهوم الإصلاحى وأن الدعوى والحالة هذه تكون قد أنصبت على غير قرار إدارى، مما يجوز الطعن عليه بدعوى الإلغاء مما يتعين القضاء بعدم قبول الدعوى لإنتفاء القرار الإدارى.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله تأسيساً على أسباب حاصلها أن وزير الإقتصاد أو من ينيبه طالما يتمتع بسلطة تقديرية فإن ما يصدر منه بناء على هذه السلطة التقديرية يعد قراراً إدارى مشتملاً على كل مقومات القرار الإدارى حسب التعريف الذى أستقر عليه قضاء مجلس الدولة، فضلاً عن أنه قد جرى قضاء مجلس الدولة على أن القرار الذى يصدر من الوزير المختص أو من نائبة تطبيقاً لأحكام قوانين النقد الأجنبى أو الجمارك بالتصالح مع المهرب نظير التنازل عن الأشياء المضبوطة فى مقابل عدم تحريك الدعوى العمومية قبله، هو فى حقيقته قرار إدارى يتعين أن يقوم على سببه المبرر له ويختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى بنظر طلب إلغاؤه.
ومن حيث إن المادة 10 من القانون رقم 97 لسنة 1976 بتنظيم التعامل بالنقد الأجنبى المعدل بالقانون رقم 67 لسنة 1980 تنص على أن "يخضع للنظم والأوضاع التى يصدر بها قرار من الوزير المختص تصدير وإستيراد سبائك المعادن الثمينة والمسكوكات والمصوغات ومنها الأحجار الكريمة واللآلى فى أى صورة من صورها أو من أى نوع كانت، وكذلك التحف والأعمال الفنية والأشياء ذات القيمة الثمينة التى يصدر بتحديدها قرار من الوزير المختص". كما تنص المادة 14 من ذات القانون على أن "كل من خالف أحكام هذا القانون أو شرع فى مخالفتها أو خالف القواعد المنفذة لها يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد على ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ولا يجوز الحكم بوقف تنفيذ عقوبة الغرامة وفى حالة العود تضاعف العقوبة وفى جميع الأحوال تضبط البضائع المبالغ والأشياء محل الدعوى ويحكم بمصادرتها، فإن لم تضبط حكم بغرامة إضافية تعادل قيمتها. ولا يجوز رفع الدعوى الجنائية بالنسبة إلى الجرائم التى ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون أو القواعد المنفذة لها أو، أتخاذ إجراء فيها، فيما عدا مخالفة المادة 2 إلا بناء على طلب الوزير المختص أو من ينيبه. وللوزير المختص أو من ينيبه حالة عدم الطلب أو حالة تنازله عن الدعوى إلى ما قبل صدور حكم نهائى فيها أن يتخذ أحد الإجراءات الآتية: ( أ ) أن يصدر قرار بالتصالح مقابل تنازل المخالف عن المبالغ والأشياء موضوع الجريمة إلى خزانة الدولة. (ب) أن يصدر قراراً بعرض الصلح على المخالف مقابل أيلولة المبالغ أو الأشياء المضبوطة إلى خزانة الدولة... ويجوز للوزير المختص أو من ينيبه طلب رفع الدعوى الجنائية أو إستمرار السير فيها بحسب الأحوال وذلك فى حالة رفض التصالح طبقاً للبند (أ) أو فى حالة المعارضة فى قرار عرض الصلح طبقاً للبند (ب)...."
ومن حيث إن الصلح بحسبانه سبباً لإنقضاء الدعوى الجنائية، وفق ما هو مقرر بقانون تنظيم التعامل بالنقد الأجنبى، يتميز عن غيره من الأسباب العامة والخاصة المقررة بحسب الأصل لإنقضاء الدعوى العمومية - ووجه التميز يكمن فى كون الصلح لا يتحقق إلا بناء على إرادة صحيحة وصريحة تتوافر لدى ذوى الشأن لتفيد يقين رضائهم به. وعليه يغدو الصلح بهذه المثابة، أقرب إلى الإتفاق الرضائى الذى ينعقد بين الجهة الإدارية المختصة ومقترف الفعل المؤثم، تتنازل الأولى بمقتضاه عن طلب إقامة الدعوى ويلتزم الأخر بموجبه بأداء ما تقرر قانوناً فى هذا الشأن، من تعويض أو تنازل عن مضبوطات. وعلى ذلك ذهبت محكمة النقض التى إنتهى قضاءها إلى أن الصلح هو فى حقيقته تنازل من الهيئة الإجتماعية عن حقها فى الدعوى الجنائية فى مقابل إقرار مقترف الفعل بالصلح فيترتب على ذلك وبحكم اللزوم، الآثار القانونية المقررة على نحو ما تنتظمه أحكام قانون تنظيم التعامل بالنقد الأجنبى فالصلح إن هو، فى حقيقة تكييفه، إلا تصرف شرطى، لا تتدخل فيه الإرادة إلا بتخيره، فإذا تحقق ذلك، ترتبت عليه الآثار القانونية المبينة بالتشريع (نقض - جلسة 16/ 2/ 1963 - مجموعة أحكام النقض س14 ص 927). وعليه يغدو طلب إقامة الدعوى الجنائية فى جرائم النقد الأجنبى المخول ابتداء لوزير الإقتصاد أو من ينيبه، قيداً يرد على سلطة النيابة العامة فى تحريك هذه الدعاوى العمومية، ويضحى طلب إقامة هذه الدعاوى أو التنازل عن طلب إقامتها منوطاً بالجهة الإدارية المختصة، فتقدره وفق مقتضيات المصلحة العامة وحسبما يتراءى لها وجه هذه المقتضيات فى ضوء أوضاع الواقع الماثل بكل حالة على حدة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن رفع الدعوى بناء على طلب من قبل الجهة الإدارية المعنية بقانون تنظيم التعامل بالنقد الأجنبى، ينصرف إلى الجريمة ذاتها فينطوى على تصريح باتخاذ إجراءات التحقيق أو رفع الدعوى عنها دون إعتبار لمرتكبها، ذلك أن لطلب إقامة الدعوى فى شأن هذه الجرائم، أثراً عينى يتعلق بجرائم يصدق عليها جميعاً أنها جرائم مالية تمس ائتمان الدولة ولا تعلق له باشخاص مرتكبيها وبذات النهج جرى قضاء محكمة النقض (نقض جنائى - جلسة 24/ 4/ 1977 - الطعن رقم 1250 لسنة 42 القضائية). وعلى ذلك فإن طلب رفع الدعوى العمومية بالنسبة للجرائم المقررة فى قانون تنظيم التعامل بالنقد الأجنبى لا يعتبر يقيناً من قبيل القرارات الإدارية، إذ لا يتوافر بالنسبة له مقومات القرار الإدارى الذى هو إفصاح جهة الإدارة فى الشكل الذى يتطلبه القانون عن إرادتها الملزمة بمالها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث مركز قانونى معين يكون ممكناً وجائزا قانونا ابتغاء المصلحة العامة، إذ أن طلب إقامة الدعوى العمومية وإنصرافه المباشر إلى الجريمة ودون ما إعتبار لمرتكبها، تتأبى على أن يكون لهذا الطلب أثر فى إحداث مركز قانونى خاص لمرتكب هذه الجريمة. فالآخير بارتكابه للأعمال المؤثمة يكون قد هى نفسه فى وضع امتلكت فيه الجهة الإدارية زمام أمره كاملا، فتحركه حسبما يتراءى لها مقتضى المصلحة العامة، سواء أكان بإقامة الدعوى العمومية ام بالتصالح فى شأنها مع التنازل عن هذه الدعوى، وفى الحالين ليس للمخالف مرتكب الجريمة من سبيل سوى الموافقة على التنازل عن إقامة الدعوى نظير أدائه الإلتزامات المقررة قانوناً أو الانصياع لمقتضى المشروعية العامة بالخصوع للمحاكمة عن الفعل المؤثم. وعليه يغدو التصالح مع التنازل عن إقامة الدعوى هو الوجه الآخر لإقامة الدعوى الجنائية، فإذا كانت قواعد توازى الإشكال من ضمن ما تقتضيه التسوية فى طبيعة أدوات العمل الشرعى، كان التنازل عن إقامة الدعوى العمومية من ذات طبيعة طلب إقامة تلك الدعوى، مما ينتفى معه عن الصلح مع التنازل المعنيين فى هذا الخصوص، وصف القرار الإدارى بمفهومه الإصطلاحى فالتصالح مع المخالف فى أى من الجرائم المنصوص عليها بقانون تنظيم التعامل بالنقد الأجنبى، إنما هو تصرف شرطى، تتساند إجراءاته لتعيين مصير هذه الجرائم بتحريك الدعوى العمومية فى مواجهتها أو بعدم إقامة الدعوى مع الإلتزام بما هو منصوص عليه قانوناً فى حالة تمامه. الأمر الذى يفيد انجدال الصلح بغيره من التصرفات التى يتكامل بها مصير الدعوى العمومية.
ومن حيث إنه لما كان الثابت من الأوراق أن الطاعن يستهدف الطعن على قرار اللجنة الإدارية بالموافقة على عدم طلب رفع الدعوى الجنائية فى القضية رقم 6 لسنة 1994 حصر وارد مالية ضد الطاعن مع قبول التصالح مقابل تنازل المخالف عن السبائك الذهبية المضبوطة ومصادرتها والُمبلَّغ إلى نيابة الشئون المالية والتجارية بتاريخ 6/ 1/ 1994، وكان التصالح هو الوجه الآخر لطلب الجهة الإدارية إقامة الدعوى الجنائية والمسقط لها وكلاهما لا يصدق عليه وصف القرار الإدارى، فلا يجوز الطعن عليه فى حالتى التصالح أو تحريك الدعوى الجنائية بدعوى الإلغاء، مما يتعين معه القضاء بعدم قبول الدعوى لإنتفاء القرار الإدارى. وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بهذا النظر فإنه يكون قد صادف صحيح حكم القانون، ويكون الطعن عليه غير قائم على سند من القانون أو الواقع جديراً بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملاً بحكم بالمادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعاً، وإلزام الطاعن المصروفات.