أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثانى - السنة 22 - صـ 321

جلسة 4 من أبريل سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين/ سعد الدين عطية، ومحمود عطيفة، والدكتور محمد محمد حسنين، وطه الصديق دنانة.

(80)
الطعن رقم 1903 لسنة 40 القضائية

(أ، ب، ج) مواد مخدرة. جلب. قانون. "تفسيره". "تطبيقه" قصد جنائى. جمارك. مسئولية جنائية. "الإعفاء منها". أسباب الإباحة وموانع العقاب. "موانع العقاب". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
( أ ) جلب المواد المخدرة. متى يتم؟
(ب) المراد بجلب المواد المخدرة المعاقب عليه بالمادة 33 من القانون رقم 182 لسنة 1960؟ القصد الجنائى فى جريمة الجلب. متى يتوافر؟
(ج) التفرقة بين حالتى الإعفاء المقررتين فى المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960. تقدير توافر شروط انطباق أى منهما. موضوعى.
(د، ه، و) دفوع. "الدفع ببطلان إجراءات التحريز". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". "سلطتها فى تكوين عقيدتها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". "ما لا يعيب الحكم فى نطاق التدليل". نقض "أسباب الطعن بالنقض. ما لا يقبل منها".
(د) إجراءات التحريز. تنظيمية. لم يرتب القانون البطلان جزاء على مخالفتها. تقدير سلامتها. موضوعى.
(هـ) الخطأ فى الإسناد الذى يعيب الحكم. هو الذى يؤثر فى عقيدة المحكمة. مثال. الخطأ فى الإسناد مما لا يعيب الحكم.
(و) التناقض الذى يعيب الحكم. ماهيته. مثال لتسبيب غير معيب.
1 - من المقرر أن الجلب فى حكم القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها ليس مقصورا على استيراد الجواهر المخدرة من خارج الجمهورية العربية المتحدة وإدخالها المجال الخاضع لاختصاصها الإقليمى كما هو محدد دولى، بل أنه يمتد أيضا إلى كل واقعة يتحقق بها نقل الجواهر المخدرة على خلاف الأحكام المنظمة لجلبها المنصوص عليها فى الفصل الثانى من القانون المذكور فى المواد من 3 إلى 6، إذ يبين من استقراء هذه النصوص أن الشارع اشترط لجلب الجواهر المخدرة أو تصديرها الحصول على ترخيص كتابى من الجهة الإدارية المختصة ولا يمنح إلا للفئات المبينة بالمادة الرابعة ولا تسلم الجواهر المخدة التى تصل إلى الجمارك إلا بموجب إذن سحب كتابى تعطيه الجهة الإدارية المختصة للمرخص له بالجلب أو لمن يحل محله فى عمله، وأوجب على مصلحة الجمارك فى حالتى الجلب والتصدير تسلم إذن السحب أو التصدير من صاحب الشأن وإعادته إلى الجهة الإدارية المختصة. كما أن مفاد نصوص المواد الثلاث الأولى من قانون الجمارك الصادر به القانون رقم 66 لسنة 1963 فى 13 يونيه سنة 1966 أن تخطى الحدود الجمركية أو الخط الجمركى بغير استيفاء الشروط التى نص عليها القانون رقم 182 لسنة 1960 والحصول على الترخيص المطلوب من الجهة الإدارية المنوط بها منحه يعد جلبا محظورا. ولما الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الطاعن قد اجتاز بالمخدرات الخط الجمركى وذلك بنقلها إلى الشاطئ الغربى لخليج السويس، فإن فعل الجلب يكون قد تم فعلا وحق العقاب عليه. ولا وجه للتحدى بما خاض فيه الطاعن من جدل حول منطقة عيون موسى التى جلب منها المخدر وكونها داخلة فى المياه الإقليمية للجمهورية ما دام أن الحكم قد استخلص من عناصر الدعوى السائغة التى أوردها أن الفعل تم باجتياز الخلط الجمركى على خلاف الأحكام المنظمة لجلب المخدرات(1).
2 - إن القانون رقم 182 لسنة 1960 إذ عاقب فى المادة 33 منه على جلب المواد المخدرة، فقد دل على أن المراد بجلب المخدر استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظا فى ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجلب استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركى قصدا من الشارع القضاء على انتشار المخدرات فى المجتمع الدولى. وهذا المعنى يلابس الفعل المادى المكون للجريمة ولا يحتاج فى تقريره إلى بيان ولا يلزم الحكم أن يتحدث عنه على استقلال إلا إذا كان الجوهر المجلوب لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله الشخصى أو دفع المتهم بقيام قصد التعاطى لديه أو لدى من نقل المخدر لحسابه وكان ظاهر الحال من ظروف الدعوى وملابساتها يشهد له. يدل على ذلك على فوق دلاله المعنى اللغوى والاصطلاحى للفظ الجلب أن المشرع نفسه لم يحفل فى نصه عن الجلب بالإشارة إلى القصد منه بعكس ما استنه فى الحيازة أو الإحراز. ولما كان ما أثبته الحكم من ضخامة كمية المخدرات التى أدخلت البلاد والتى بلغت 702445 كيلو حشيش و153700 كيلو أفيون كافيا فى حد ذاته لأنه ينطبق على الفعل الذى قارفه الطاعن لفظ "الجلب" كما هو معرف به فى القانون بما يتضمنه من طرح الجوهر المخدر فى التعامل بغير حاجة إلى استظهار القصد الخاص لهذا الفعل صراحة ولو دفع بانتفائه، فإن الطعن يكون على غير أساس.
3 - فرق القانون رقم 182 لسنة 1960 بين حالتين للإعفاء فى المادة 48 منه تتميز كل منهما بعناصر مستقلة وأفرد لكل حالة فقرة خاصة واشترط فى الحالة الأولى فضلا عن المبادرة بالإخطار أن يصدر الإخبار قبل علم السلطات العامة بالجريمة. أما الحالة الثانية من حالتى الإعفاء فهى لم تستلزم المبادرة بالإخبار بل اشترط القانون فى مقابل الفسحة التى منحها للجانى فى الإخبار أن يكون إخباره هو الذى مكن السلطات من ضبط باقى الجناة مرتكبى الجريمة. لما كان ذلك. وكان مؤدى ما حصله الحكم المطعون فيه سرده لوقائع الدعوى ورده على دفاع المتهمين - مما يستند إلى أصول ثابتة فى التحقيقات كما يبين من المفردات التى أمرت المحكمة بضمها تحقيقا للطعن - أن الطاعن لم يدل بأية معلومات جديدة أدت بذاتها إلى ضبط المتهمين الثلاثة الأول الذين قبض عليهم فى وقت معاصر للوقت الذى قبض فيه على الطاعن وبادروا جميعا بالاعتراف بالجريمة المنسوبة إليهم وكان أولهما وثانيهما فى حالة تلبس، كما أنه لم يكن هو الذى كشف اللثام عن المتهم الخامس الذى كان أمر اشتراكه فى الجريمة معروفا للسلطات مما أدلى به باقى المتهمين من أقوال لم يضف إليها الطاعن جديدا مكنها من القبض عليه. وكان الفصل فى كل ذلك من خصائص قاضى الموضوع ما دام يقيمه على ما ينتجه من عناصر الدعوى - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - فإن الحكم يكون قد أصاب صحيح القانون فى رفض طلب الدفاع الانتفاع بالإعفاء المقرر فى المادة 48 من قانون المخدرات.
4 - من المقرر أن إجراءات التحرز إنما هى إجراءات قصد بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه، ولم يرتب القانون على مخالفتها أى بطلان وترك الأمر فى ذلك إلى اطمئنان المحكمة إلى سلامة الدليل وأن الإحراز المضبوطة لم يصل إليها العبث. وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى عدم حصول عبث بالمخدر المضبوط وإلى سلامة إجراءات التحريز فإنه لا يقبل من الطاعن ما يثيره فى هذا الصدد إذ لا يعدو فى حقيقته أن يكون جدلا موضوعيا مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
5 - من المقرر أن الخطأ فى الإسناد الذى يعيب الحكم هو الذى يقع فيما هو مؤثر فى عقيدة المحكمة التى خلصت إليها. ولما كان البين من مراجعة الحكم المطعون فيه أن الصورة التى اعتنقها للحادث هى أنه عثر بالمركب على ثلاثة عشر جوالا بينما عثر على جوالين آخرين فى مكانين قريبين من الشاطئ مما يقطع بأن ما حصلته المحكمة خطأ من أقوال الشاهد لا يعدو أن يكون مجرد سهو لم يؤثر فيما خلصت إليه من عقيده، فإن دعوى الخطأ فى الإسناد لا يكون لها من وجه.
6 - من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة، والذى من شأنه أن يجعل الدليل متهادما متساقطا لا شيء فيه باقيا يمكن أن يعتبر قواما لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها، وهو ما خلا الحكم منه، إذ أن الصورة التى اعتنقها دواما للواقعة ولم يحد عنها أنه وإن كانت المركب هى مصدر الجوالات الخمسة عشر، إلا أنه لم يعثر بها إلا على ثلاثة عشر جوالا بينما عثر على الجوالين الباقيين على مقربة من الشاطئ، ومن ثم فقد انحسر عن الحكم قالة التناقض فى التسبيب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم فى يوم 23/ 12/ 1967 بدائرة قسم عتاقه محافظة السويس: جلبوا إلى أراضى الجمهورية العربية المتحدة جواهر مخدرة "حشيشا وأفيونا" بدون ترخيص من الجهة الإدارية المختصة. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 1 و2 و33/ 1 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبندين 1 و12 من الجدول الملحق. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات السويس قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام. والمادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين - الطاعنين - بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريم كل منهم ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المخدرات المضبوطة ووسيلة النقل. فطعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعنين الثلاثة الأول وإن قرروا بالطعن فى الميعاد إلا أنهم لم يقدموا أسبابا ومن ثم يكون طعنهم غير مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الرابع قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
(أولا) تقرير الأسباب المودع بتاريخ 23 مايو سنة 1970:
حيث إن مبنى الوجه الأول من هذا الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة جلب مخدرات إلى الجمهورية العربية بغير ترخيص قد أخطأ فى تطبيق القانون. ذلك بأنه اعتبر الواقعة المنسوبة للطاعن جلبا للمخدر بحسبان أن منطقة عيون موسى التى جئ بالمخدر منها تقع خارج حدود الجمهورية فى حين أنها تدخل فى نطاق المياه الإقليمية ولا يمكن بالتالى اعتبار أن المخدر تخطى الحدود الجمركية للبلاد بمجرد نقله منها إلى الشاطئ الغربى لخليج السويس.
وحيث إنه لما كان الجلب فى حكم القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها ليس مقصورا على استيراد الجواهر المخدرة من خارج الجمهورية العربية المتحدة وإدخالها المجال الخاضع لاختصاصها الإقليمى كما هو محدد دوليا، بل إنه يمتد أيضا إلى كل واقعة يتحقق بها نقل الجواهر المخدرة على خلاف الأحكام المنظمة لجلبها المنصوص عليها فى الفصل الثانى من القانون المذكور فى المواد من 3 إلى 6 إذ يبين من استقراء هذه النصوص أن الشارع اشترط لجلب الجواهر المخدرة أو تصديرها الحصول على ترخيص كتابى من الجهة الإدارية المختصة ولا يمنح إلا للفئات المبينة بالمادة الرابعة ولا تسلم الجواهر المخدرة التى تصل إلى الجمارك إلا بموجب إذن سحب كتابى تعطيه الجهة الإدارية المختصة للمرخص له بالجلب أو لمن يحل محله فى عمله. وأوجب على مصلحة الجمارك فى حالتى الجلب والتصدير تسلم إذن السحب أو التصدير من صاحب الشأن وإعادته إلى الجهة الإدارية المختصة، كما يبين من نصوص المواد الثلاث الأولى من قانون الجمارك الصادر به القانون رقم 66 لسنة 1963 الصادر فى 13 يونيه سنة 1963 أنه: - "يقصد بالإقليم الجمركى الأراضى والمياه الإقليمية الخاضعة لسيادة الدولة" وأن "الخط الجمركى هو الحدود السياسية الفاصلة بين الجمهورية العربية المتحدة والدول المتاخمة وكذلك شواطئ البحار المحيطة بالجمهورية ومع ذلك تعتبر خطا جمركيا ضفتا قناة السويس وشواطئ البحيرات التى تمر بها هذه القناة "وأنه "يمتد نطاق الرقابة الجمركية البحرى من الخط الجمركى إلى مسافة ثمانية عشر ميلا بحريا فى البحار المحيطة به. أما النطاق البرى فيحدد بقرار من وزير الخزانة وفقا لمقتضيات الرقابة ويجوز أن تتخذ داخل النطاق تدابير خاصة لمراقبة بعض البضائع التى تحدد بقرار منه". ومفاد ذلك أن تخطى الحدود الجمركية أو الخط الجمركى بغير استيفاء الشروط التى نص عليها القانون رقم 182 لسنة 1960 والحصول على الترخيص المطلوب من الجهة الإدارية المنوط بها منحه يعد جلبا محظورا. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن الطاعن قد اجتاز بالمخدرات الخط الجمركى، وذلك بنقلها إلى الشاطئ الغربى لخليج السويس، فإن فعل الجلب يكون قد تم فعلا، وحق العقاب عليه، ولا وجه للتحدى بما خاض فيه الطاعن من جدل حول منطقة عيون موسى التى جلب منها المخدر وكونها داخلة فى المياه الإقليمية للجمهورية، ما دام الحكم قد استخلص من عناصر الدعوى سائغة التى اوردها أن النقل تم باجتياز الخط الجمركى على خلاف الأحكام المنظمة لجلب المخدرات، ويكون بذلك قد طبق القانون تطبيقا سليما ويضحى هذا الوجه فى الطعن على غير سند.
وحيث إن مبنى الوجه الثانى من هذا الطعن هو أن الطاعن دفع ببطلان إجراءات التحريز استنادا إلى أن المخدرات نقلت من مكان ضبطها إلى مبنى قطاع خليج السويس قبل أن تعاينها النيابة العامة وإلى أن المركب كان يحتوى على ثلاثة عشر جوالا فقط وأن الجوالين الآخرين عثر عليهما فى أماكن أخرى، مما مؤداه أن الحيازات قد تعددت وأنه كان يتعين تحريز كل كمية على حدة، غير أن الحكم المطعون فيه رد على هذا الدفع الجوهرى ردا غير سائغ.
وحيث إن الحكم المطعون فيه رد على هذا الدفع بقوله: "وحيث إنه عما دفع به الدفاع عن المتهم الرابع (الطاعن) بشأن بطلان تحريز المواد المخدرة المضبوطة فإن المحكمة لا تسايره فيه مطمئنة إلى أن الإحراز لم يصل إليها عبث كما أن الكمية المضبوطة وقدرها خمسة عشر جوالا هى بذاتها التى جلبت من البر الشرقى إلى البر الغربى لخليج السويس إذ أن الثابت من الإطلاع على الأوراق والتحقيقات أن المركب ضبطت وبها المخدرات بمعرفة بعض أفراد الكتيبة 461 مدفعية ساحلية، وأن أحدهم وهو عريف توجه إلى قسم شرطة عتاقة وأبلغ بأن القبض تم على المتهمين وأن كمبة كبيرة من المخدرات قد ضبطت جنوب رأس الحجرة وأن هذه المخدرات موجودة على الشاطئ فى حراسة قائد الكتيبة انتظارا لاتخاذ الإجراءات بمعرفة المختصين ثم نقلت إلى مبنى قطاع خليج السويس بعد أن تحرر محضر بإثبات الحالة ضمنه أنه وجد 15 جوالا من المخدرات مشونة على ساحل الخليج، وقد أجرت النيابة العامة عد ووزن المخدرات بمبنى القطاع فى 24/ 12/ 1967، وكانت المخدرات طوال الفترة السابقة على ذلك متحفظا عليها - ويكفى للتدليل على ذلك ما جاء فى أقوال المتهم الأول........... فى التحقيقات من أن من قاموا بإنزال المخدرات كانوا يقومون بعدها وأنهم مكثوا يعدون حتى وصل العدد إلى 15 جوالا وأن الذى نطق بهذا العدد هو الشخص الذى أمر بإنزالها من المركب. ولا يقدح فى سلامة ما تم من إجراءات أن بعضها اتخذ بمعرفة بعض رجال القوات المسلحة التى تسيطر على المنطقة التى تم فيها الضبط سيما وأن الواقعة فى بدايتها كانت ظنا بأن هناك مركبا بها متسللون إلى البلاد مما حدا بالقوات المختلفة الموجودة على الشاطئ الغربى للخليج إلى إطلاق النيران صوبها". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن إجراءات التحريز إنما هى إجراءات قصد بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه وكان القانون لم يرتب على مخالفتها أى بطلان وترك الأمر فى ذلك إلى اطمئنان المحكمة إلى سلامة الدليل وأن الأحراز المضبوطة لم يصل إليها العبث. وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى عدم حصول عبث بالمخدر المضبوط وإلى سلامة إجراءات التحريز فإنه لا يقبل من الطاعن ما يثيره فى هذا الصدد إذ لا يعدو فى حقيقته أن يكون جدلا موضوعيا مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث أن الوجه الثالث من هذا الطعن هو الخطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأن الدفاع عن الطاعن طلب إعفاءه. من العقاب إعمالا لنص القفرة الثانية من المادة 48 من القانون رقم 182 لسنة 1960 مستندا إلى أن أقواله أدت إلى توافر الأدلة قبل المتهمين الثلاثة الأول وتضمنت الإبلاغ عن المتهم الخامس، غير أن المحكمة اطرحت هذا الدفاع بما لا يسيغه وتناقضت فى ذلك إذ بينما تقرر أن أقوال الطاعن لم تضف دليلا جديدا إلى الأدلة قبل المتهمين الثلاثة الأول إذا بها تعول على هذه الأقوال فى إدانتهم كما أنها قالت فى حكمها أن الطاعن لم يدل بمعلومات تؤدى إلى القبض على المتهم الخامس حال أن كل ما تتطلبه المادة 48 هو أن يكون من شأن الأقوال التى يبديها المتهم هو التمكين من ضبط باقى الجناة وليس الضبط فى ذاته كواقعة مادية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة جلب المخدر بدون ترخيص التى دين الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها مستقاة من أقوال الشهود واعتراف الطاعن والمتهمين الثلاثة الأول وتقرير التحليل - عرض لما أثاره الدفاع فى شأن إعفاء الطاعن من العقاب ورد عليه فى قوله "وحيث إنه عما ادعاه المتهم الرابع من أنه أضاف دليلا جديدا قبل المتهمين الثلاثة الأول ليس صحيحا فقد ضبط المركب وبه المخدرات والمتهمين الأول والثانى متلبسين بالجريمة، وذكر الشاهد الثانى بالتحقيقات أن المركب بعد أن اقتربت من الشاطئ وأصبحت على بعد نحو سبعين مترا حاولت العودة إلى البحر مرة أخرى مما يستفاد منه بوضوح عدم صحة ما ادعاه أولئك المتهمون من أن إكراها وقع عليهم. كما أنه لم يكن هو الذى كشف اللثام عن المتهم الخامس، ولم يدل بعد أن بلغ السلطات أن المتهم المذكور ضالع فى الجريمة بأية معلومات تؤدى إلى القبض عليه، ومن ثم فإنه لا يكون مستحقا للإعفاء المنصوص عليه فى المادة 48/ 2 من القانون رقم 182 لسنة 1960". لما كان ذلك، وكان القانون قد فرق بين حالتين للإعفاء فى المادة 38 من القانون سالف البيان تتميز كل منها بعناصر مستقلة وأفرد لكل حالة فقرة خاصة واشترط فى الحالة الأولى فضلا عن المبادرة بالإخبار أن يصدر الإخبار قبل علم السلطات العامة بالجريمة أما الحالة الثانية من حالتى الإعفاء فهى لم تستلزم المبادرة بالإخبار بل اشترط القانون فى مقابل الفسحة التى منحها للجانى فى الإخبار أن يكون إخباره هو الذى مكن السلطات من ضبط باقى الجناة مرتكبى الجريمة. لما كان ذلك، وكان مؤدى ما حصله الحكم المطعون فيه فى سرده لوقائع الدعوى ورده على دفاع المتهمين - مما يمتد إلى أصول ثابتة فى التحقيقات كما يبين من المفردات التى أمرت المحكمة بضمها تحقيقا للطعن - أن الطاعن لم يدل بأية معلومات جديدة أدت بذاتها إلى ضبط المتهمين الثلاثة الأول الذين قبض عليهم فى وقت معاصر للوقت الذى قبض فيه على الطاعن وبادروا جميعا بالاعتراف بالجريمة المنسوبة إليهم وكان أولهما وثانيهما فى حالة تلبس، كما أنه لم يكن هو الذى كشف اللثام عن المتهم الخامس الذى كان أمر اشتراكه فى الجريمة معلوما للسلطات مما أدلى به باقى المتهمين من أقوال لم يضف إليها الطاعن جديدا مكنها من القبض عليه. وكان الفصل فى كل ذلك من خصائص قاضى الموضوع ما دام يقيمه على ما ينتجه من عناصر الدعوى - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - فإن الحكم يكون قد أصاب صحيح القانون فى رفض مطلب الطاعن الانتفاع بالإعفاء المقرر فى المادة 48 من قانون المخدرات ويكون النعى عليه بدعوى الخطأ فى تطبيق القانون غير سديد.
ثانيا: تقرير الأسباب المودع بتاريخ 24 مايو سنة 1970:
وحيث إن مبنى الوجه الأول من هذا الطعن هو الخطأ فى الإسناد، ذلك بأن الحكم المطعون فيه أورد أن النقيب.......... شهد بأنه بتفتيش المركب وجد بها أجولة المخدرات المضبوطة مع أن مؤدى شهادته أن مجموع عدد الأجولة المضبوطة خمسة عشر جوالا ضبط منها بالمركب ثلاثة عشر جوالا فقط وضبط الجوالين الباقيين فى مكانيين آخرين.
وحيث إنه من المقرر أن الخطأ فى الإسناد الذى يعيب الحكم هو الذى يقع فيما هو مؤثر فى عقيدة المحكمة التى خلصت إليه، وكان يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أن الصورة التى اعتنقها للحادث هى أنه عثر بالمركب على ثلاثة عشر جوالا بينما عثر على جوالين آخرين فى مكانين قريبين من الشاطئ مما يقطع بأن ما حصلته المحكمة خطأ من أقوال الشاهد لا يعدو أن يكون مجرد سهو مادى لم يؤثر فيما خلصت إليه من عقيدة، ومن ثم فإن دعوى الخطأ فى الإسناد لا يكون لها من وجه.
وحيث إن مبنى الوجه الثانى من هذا الطعن هو التناقض فى التسبيب، إذ بينما أورد الحكم فى تحصيله لواقعة الدعوى أن عدد الأجولة التى ضبطت بالمركب ثلاثة عشر وأن الجوالين الآخرين ضبطا بمكانين آخرين إذا به يقول فى معرض رده على دفاع الطاعن إن المخدرات جميعا ضبطت فى المركب مما ينبئ عن عدم استقرار الواقعة فى فهم المحكمة.
وحيث إنه من المقرر أن التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة، والذى من شأنه أن يجعل الدليل متهادما متساقطا لا شيء فيه باقيا يمكن أن يعتبر قواما لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليه، وهو ما خلا الحكم منه إذ أن الصورة التى اعتنقها دواما للواقعة ولم يحد عنها - على ما سلف إيراده - هى أنه وإن كانت المركب هى مصدر الجوالات الخمسة عشر إلا أنه لم يعثر بها إلا على ثلاثة عشر جوالا بينما عثر على الجوالين الباقيين على مقربة من الشاطئ، ومن ثم فقد انحصر على الحكم قالة التناقض فى التسبيب.
وحيث أن مبنى الوجهين الثالث والرابع من هذا الطعن هو بمعنى ما جاء بالوجهين الثانى والثالث من تقرير الأسباب الأول وقد سبق الرد عليه بما لا محل لتكراره.
وحيث إن مبنى الوجه الخامس من هذا الطعن هو القصور فى التسبيب، ذلك بأن الحكم المطعون فيه اعتبر الواقعة جلبا للمخدر لمجرد عبور الطاعن بالمخدر الخط الجمركى وفاته أن يدلل على القصد الجنائى فى جريمة الجلب وهو أن يكون هذا الفعل مصحوبا بقصد الاتجار، واطرح دفاع الطاعن فى هذا الشأن الذى يتحصل فى أن الواقعة لا تعدو مجرد إحراز للمخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطى المنطبقة على المادة 38 من قانون المخدرات.
وحيث إن القانون رقم 182 لسنة 1960 إذ عاقب فى المادة 33 منه على جلب المواد المخدرة، فقد دل على أن المراد بجلب المخدر استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظا فى ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركى قصدا من الشارع إلى القضاء على انتشار المخدرات فى المجتمع الدولى. وهذا المعنى يلابس الفعل المادى المكون للجريمة ولا يحتاج فى تقريره إلى بيان ولا يلزم الحكم أن يتحدث عنه على استقلال، إلا إذا كان الجوهر المجلوب لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله الشخصى أو دفع المتهم بقيام قصد التعاطى لديه أو لدى من نقل المخدر لحسابه وكان ظاهر الحال من ظروف الدعوى وملابساتها يشهد له، يدل على ذلك فوق دلالة المعنى اللغوى والاصطلاحى للفظ الجلب أن المشرع نفسه لم يحفل فى نصه عن الجلب بالإشارة إلى القصد منه بعكس ما استنه فى الحيازة أو الإحراز. لما كان ذلك، وكان ما أثبته الحكم من ضخامة كمية المخدرات التى أدخلت البلاد والتى بلغت 702445 كيلوا حشيش و153700 كيلوا أفيون كافيا فى حد ذاته لأن ينطبق على الفعل الذى قارفه الطاعن لفظ "الجلب" كما هو معرف به فى القانون بما يتضمنه من طرح الجوهر المخدر فى التعامل بغير حاجة إلى استظهار القصد الخاص لهذا الفعل صراحة ولو دفع بانتفائه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.


(1) السنة 14 صـ 370 والسنة 17 صـ 1140، والسنة 19 صـ 47.