مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والأربعون - الجزء الثانى (من أول مارس سنة 2001 إلى آخر يونيه سنة 2001) - صـ 1481

(176)
جلسة 21 من إبريل سنة 2001

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ إسماعيل صديق راشد - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: فريد نزيه تناغو، ومحمد عادل حسيب، ويسرى هاشم الشيخ، ود. عبد الفتاح عبد الحليم عبد البر - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 5712 لسنة 42 القضائية

عاملون مدنيون - تأديب - تقدير الجزاء التأديبى - تناسب الجزاء مع الجريمة التأديبية.
من المبادئ العامة للمسئولية التأديبية تقدير خطورة ما يثبت قبل العامل من مخالفات أو جرائم تأديبية فى الظروف والملابسات الموضوعية التى حدثت فيها سواء تلك المتصلة بذات المتهم ودوافعه فيما فعل أو غيره من العاملين الذين أسهموا فى حدوث الخطأ التأديبيى ومدى الخلل فى المرفق العام الذى قد يكون قد ساعد على وقوع الأفعال المؤثمة أو تجسم آثارها الضارة بالصالح العام - تقدير الجزاء الذى يوقع على ما هو ثابت قبل العامل يتعين أن يراعى فيه التناسب بين جسامة الجرائم التأديبية فى ذاتها وفى الظروف الموضوعية التى حدثت فيها بما يحقق الهدف والغاية من العقاب - تطبيق.


إجراءات الطعن:

بتاريخ 5/ 8/ 1996 أودع الأستاذ/ ....... المحامى بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 5712 لسنة 42 ق فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بطنطا بجلسة 8/ 6/ 1996 فى الطعن رقم 493 لسنة 23 ق والقاضى بقبول الدعوى شكلاً ورفضه موضوعاً.
وطلب الطاعن للأسباب التى تضمنها تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقد تم إعلان تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء القرار المطعون فى شقه الخاص بمجازاة الطاعن، ومجازاته بخصم خمسة عشر يوماً من أجره، وبإلغاء ذلك القرار فى شقه الخاص بنقل الطاعن إلى خارج منطقة القليوبية الأزهرية، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 23/ 2/ 2000 وبجلسة 26/ 7/ 2000 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الرابعة موضوع لنظره بجلسة 2/ 9/ 2000 وفيها نظرت المحكمة الطعن وتداولت نظره بالجلسات على النحو الثابت بمحاضرها وبجلسة 30/ 12/ 2000 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 27/ 1/ 2001 وفيها مدت أجل النطق بالحكم لجلسة 3/ 3/ 2001 لاستمرار المداولة وفيها - مدت أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لاستمرار المداولة. وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه ومنطوقه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن استوفى سائر إجراءاته الشكلية فمن ثم يعد مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - أنه: - بتاريخ 8/ 6/ 1995 أقام الطاعن الطعن رقم 493 لسنة 23 ق ضد المطعون ضدهم بصفاتهم أمام المحكمة التأديبية بطنطا طالباً الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ والغاء القرار المطعون فيه والمتضمن الوقف عن العمل لمدة أربعة أشهر مع صرف نصف الأجر والنقل خارج المحافظة مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقال الطاعن شرحاً لطعنه أنه انتدب للعمل فى معهد فتيات بنها الثانوى ككاتب وأنه تقدم بمذكرات للمطعون ضده الأول يشكو فيها من مخالفات شيخ المعهد ووكيله طالباً التحقيق فيها إلا أنه جوزى بسبب ذلك بالقرار المطعون فيه، وأنه تظلم من هذا القرار بالتظلم رقم 1833 فى 13/ 3/ 1995 (إلا أن الإدارة لم تستجب لتظلمه، ونعى على القرار الطعين بأن:
1 - سلطة التحقيق لم تسمع شهوده فى تلك الوقائع ونسب إليه القرار الطعين أفعالاً لم يرتكبها بل استغاث منها، وصدر القرار مشوباً بالتعسف فى استعمال السلطة إذ أن قرار نقله نوعياً ومكانياً يقصد به العقاب وليس تحقيقاً للغاية التى توخاها المشرع من النقل وقد أصابه القرار الطعين بأضرار مادية وأدبية وانتهى إلى طلباته آنفة الذكر.
وبجلسة 8/ 6/ 1996 أصدرت المحكمة التأديبية حكمها المطعون فيه وشيدت قضاءها على أن - القرار المطعون فيه استند فى أسبابه إلى ما نسب إلى الطاعن من أنه:
1 - لم يقم بإنشاء دفتر الإيرادات والمصروفات والأمانات بالمخالفة للتعليمات.
2 - لم يستوف بعض مستندات الصرف بتوقيع أمين مجلس الأباء بالمخالفة للتعليمات.
3 - لم يقم بإضافة بعض مستندات الصرف بدفاتر العهدة 112، 118 ع. ج بالمخالفة للتعليمات.
4 - لم يضع خطة مجلس الآباء عن أوجه الصرف من حساب مجلس الآباء بالمعهد بالمخالفة للتعليمات.
5 - استولى لنفسه على مبلغ 31.800 جنيهاً دون وجه حق متحصلات دمغة الإيصال ولم يقم بتوريدها إلى مصلحة الضرائب حتى تاريخ الفحص بالإضافة إلى استيلائه على مبلغ 151.800 جنيها قيمة رسوم استلام كتب قام بتحصيلها من الطالبات ولم يوردها لحساب المعهد فى العام الدراسى 92/ 1993 وقد ثبت ذلك بشهادة........ - المحامى بالإدارة المركزية للشئون القانونية فرع القليوبية و....... شيخ المعهد المذكور.
ومن حيث إن مبنى الطعن يقوم على أن الحكم الطعين صدر باطلاً لعدم قيامه على أدلة مستمدة من أصول ثابتة فى الأوراق ومستخلصة من وقائع تنتجها فضلا عن مخالفته للقانون، حيث إن الطاعن تمسك فى دفاعه أمام المحكمة التأديبية وبتحقيقات النيابة الإدارية بأنه لم يخالف القوانين واللوائح ولم يرتكب ذنباً يحاسب عليه ذلك أن القرار الطعين استند إلى أفعال لم يرتكبها بل أنه شكى من وقوعها وذلك لقيام شيخ المعهد..... ووكيله..... بجمع المصروفات من طالبات المعهد وتوريدها عن الأعوام 91/ 92، 92/ 1993 مخالفين بذلك التعليمات الواردة باللائحة رقم 651 لسنة 1987 لائحة النظام الأساسى لمجالس آباء المعلمين بالمعاهد الأزهرية، وقد اعترض الطاعن على هذه المخالفات إذ قام شيخ المعهد ووكيله بجمع المصروفات من عدد 506 طالبة عام 92/ 1993 والدليل على ذلك الخطاب المرسل من معهد فتيات بنها الثانوى إلى وكيل المعهد ويفيد قيام شيخ المعهد ووكيله بجمع المصروفات دون انتظار صدور منشور إدارة رعاية الشباب وعدم تقدمه بالمستندات الدالة على توريد هذه المبالغ أو تسليمها للطاعن بصفته المسئول المالى بموجب إيصالات توريد خزنية 33 ع ج ولم يتم تقديم المستندات الدالة على توريد المبالغ أو الرد على الخطاب، وبالنسبة لعام 91/ 1992 فقد تم بذات الطريقة علاوة على أن الطاعن لم يستلم عمله فى المعهد إلا فى 20/ 10/ 1991 كذلك فإن المادة 32 من لائحة النظام الأساسى لمجالس الآباء بالمعاهد الأزهرية رقم 651 لسنة 1987 تنص على أن " تنشأ السجلات التالية وتمسك بواسطة أمين الصندوق بمجالس الآباء والمعلمين على مستوى المعهد أو المنطقة " سجل الإيرادات - سجل المصروفات " - دفتر الأمانات والعهد " ويبين من هذه المادة إنها لم تلزم الطاعن بصفته كاتب، بل تلزم المختص وهو أمين الصندوق، كما تنص المادة 31/ 1 من اللائحة المذكورة على أن " توقع أذون الصرف والشيكات من حصيلة مجالس الآباء من رئيس المجلس توقيعاً أول وأمين الصندوق توقيع ثان ومؤدى ذلك أن الموقع على أذون الصرف والشيكات هما رئيس المجلس و أمين الصندوق أما بالنسبة لمخالفة عدم إضافة مستندات الصرف بدفاتر العهدة 112، 118 ع. ج فإنه طبقاً للائحة المخازن والمشتريات للأزهر الشريف فإن أمناء المخازن بالمعاهد والمدارس الأزهرية هم المسئولين دون غيرهم عن الإضافة لجميع دفاتر العهدة 112، 118 ع. ج لأن هذه الدفاتر عهدتهم وليست عهدة الطاعن، أما بشأن خطة الانفاق فانه بالرجوع إلى قرار شيخ الأزهر الشريف رقم 933/ 1991 يبين أنه قد ألزم شيخ المعهد وأعضاء مجلس الآباء بهذه الخطة وهى تحرر بمعرفة الإخصائية الاجتماعية بالمعهد طبقاً للمنشورات الواردة إليهم من رعاية الشباب وأن الثابت من أقوال محقق الشؤون القانونية لمنطقة القليوبية الأزهرية أنها مسؤولية شيخ المعهد فى حين أن الأخير قرر بأنها مسئولية الإخصائية الاجتماعية وبالنسبة لما تضمنه البند الخامس من قرار الجزاء الطعين بشأن الاختلاس فإنه نظرا لعدم تشكيل لجنة لجمع المصروفات كما ينص قرار شيخ الأزهر رقم 651 لسنة 1987 ولعدم وجود منشور وارد من رعاية الشباب بتحديد قيمة هذه المصروفات، فإن الطاعن لم يقم بهذا العمل ولم يشارك فيه لمخالفته لقرار شيخ الأزهر رقم 651 لسنة 1987، كما شاب القرار الطعين التعسف فى استعمال السلطة وذلك بنقل الطالب نقلا مكانيا ونوعيا، إذ أنه بذلك ستر جزاءاً تأديبياً مقنعاً وغير مشروع وإذ ذهب الحكم الطعين إلى رفض الطعن المقام من الطاعن فى قرار الجزاء المطعون عليه فإنه يكون قد استند إلى أدلة غير مستمدة من أصول ثابتة فى الأوراق ويكون بالتالى واجب الإلغاء.
ومن حيث إنه من المبادئ العامة للمسئولية التأديبية تقدير خطوره ما يثبت قبل العامل من مخالفات أو جرائم تأديبية فى الظروف والملابسات الموضوعية التى حدثت فيها سواء تلك المتصلة بذات المتهم ودوافعه فيما فعل أو غيره من العاملين الذين أسهموا فى حدوث الخطأ التأديبيى ومدى الخلل فى المرفق العام الذى قد يكون قد ساعد على وقوع الأفعال المؤثمة أو تجسم آثارها الضارة بالصالح العام، كما أن تقدير الجزاء الذى يوقع على ما هو ثابت قبل العامل يتعين أن يراعى فيه التناسب بين جسامة الجرائم التأديبية فى ذاتها وفى الظروف الموضوعية التى حدثت فيها بما يحقق الهدف والغاية من العقاب.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه رقم 305 لسنة 1995 قد صدر متضمناً مجازاة الطاعن بالوقف عن العمل لمدة أربعة أشهر مع صرف نصف الأجر ونقله خارج منطقة القليوبية الأزهرية لما نسب له بالتحقيقات التى أجرتها الشئون القانونية بالجهة الإدارية والنيابة الإدارية بقضيتها رقم 568 لسنة 1994 والتى تضمنها القرار الطعين.
ومن حيث إن الثابت من مطالعة التحقيقات التى أجرتها النيابة الإدارية فى القضية رقم 568 لسنة 1994 بها أن الطاعن دفع مسؤوليته عما نسب إليه من مخالفات بإبعاد إدارة المعهد له من جميع مهام وظيفته كمسئول مالى وإدارى وقد تأيد ما ذكره بما قرره...... شيخ معهد فتيات بنها التانوى من أنه هو الذى كان يقوم بالتحصيل والاخصائيات الإجتماعية بالمعهد، وأنه كان مستبعداً للكاتب الأول....... (الطاعن) المسئول المالى من هذه الأعمال مطلقاً خوفاً من الخطأ ونظراً لظروفه وقد تأيد ذلك بما قررته كل من....... و....... الأخصائيتان الاجتماعيتان بالمعهد، إذ قررت الأولى بأنها هى المسئولة عن سجل الإيرادات والمصروفات لأموال الاتحاد، وأن الذى كان يقوم بتحصيل أموال الاتحاد هى لجنة مشكلة بمعرفة شيخ المعهد، كما قررت الثانية بأن شيخ المعهد هو الذى كان يقوم بتحصيل كافة الرسوم من الطلبات سواء رسوم تمغات أو رسوم كتب أو مجلس أباء أو أموال الاتحاد، وأضافت بأن مستندات الصرف لمجلس الآباء بحوزتها، وأنها قامت باستيفاء مستندات الصرف لمجلس الآباء من المختصين بعد زيارة المفتش المالى والإدارى للمعهد وبناء على توجيهاته.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن ما وقع من الطاعن من مخالفات تأديبية قد ساهم فى وقوعه عدم تمكين إدارة المعهد له من مباشرة مهام وظيفته كتاب أول بالمعهد ومسئول عن النواحى المالية والإدارية فيه ومن ثم فإن ما أتاه الطاعن من مخالفات لا يكشف فى ذاته من سياق الأحداث الملابسة التى أنتجتها عن تعمد أو استهتار جسيم من جانب الطاعن بواجبات الوظيفة العامة ومقتضياتها.
ومن حيث إنه بناء على ذلك فإن القرار المطعون عليه إذ قضى بمجازاة الطاعن بالوقف عن العمل لمدة أربعة أشهر مع صرف نصف الأجر دون تقدير للظروف والملابسات التى وقعت فيها المخالفات على النحو السالف بيانه فإنه يكون قد شابه غلو فى تقدير الجزاء مما يقتضى معه الحكم بإلغائه والاكتفاء بمجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إنه بالنسبة للشق الثانى من القرار الطعين والخاص بنقل الطاعن خارج منطقة القليوبية الأزهرية، فإنه لما كان نقل الطاعن قد صدر قرين الجزاء التأديبى من جهة الاختصاص بتوقيعه استناداً إلى نتيجة التحقيق التى صدر من أجلها الجزاء مدونا على ذات المذكرة التى حملت النتيجة فإنه لا يعد نقلا مكانيا وإنما يستر فى الواقع جزاءاً تأديبياً غير مشروع، مما يتعين معه إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من نقل الطاعن خارج منطقة القليوبية الأزهرية.
ومن حيث إن الحكم الطعين قد قضى بخلاف ما تقدم فإنه يكون متعين الالغاء.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء القرار رقم 305 لسنة 1995 فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بالوقف عن العمل لمدة أربعة أشهر مع صرف نصف الأجر ونقله خارج منطقة القليوبية الأزهرية وما يترتب على ذلك من آثار، ومجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من راتبه.