أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 258

جلسة 12 من فبراير سنة 1979

برياسة السيد المستشار حسن على المغربى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد عبد الواحد الديب، وعادل برهان نور، ومحمد وهبة، ومصطفى جميل مرسى.

(51)
الطعن رقم 1732 لسنة 48 القضائية

(1) إثبات. "بوجه عام". "قرائن". مواد مخدرة. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقصى العلم بحقيقة المخدر المضبوط من ظروف الدعوى وملابساتها. موضوعى. عدم جواز المجادلة فى ذلك أمام محكمة النقض.
(2) إثبات "قرائن". مواد مخدرة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تحديد القصد من إحراز المخدر. واقعة مادية يستقل قاضى الموضوع. بالفصل فيها.
(3) مصادرة. عقوبة "العقوبة التكميلية". مواد مخدرة. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
المصادرة عقوبة اختيارية تكميلية فى الجنايات والجنح. ما لم ينص القانون على غير ذلك.
تعلق المصادرة بشىء خارج بطبيعته عن دائرة التعامل. يجعلها وجوبية يقتضيها النظام العام. وتكون تدبيراً وقائياً يتخذ فى مواجهة الكافة.
عقوبة المصادرة المقررة بالمادة 42 من القانون 182 لسنة 1960 نطاقها؟ عدم مصادرة نقود ضبطت مع محرز المخدرات. صحيح.
(4) إثبات. "أوراق رسمية". "بوجه عام". "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع فى الالتفات عن دليل النفى. ولو حملته أوراق رسمية. ما دام يصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى اطمأنت إليها من باقى الأدلة القائمة فى الدعوى.
1 - أن تقصى العلم بحقيقة الجواهر المخدرة هو من شئون محكمة الموضوع وإذ كان هذا الذى ساقته المحكمة عن ظروف الدعوى وملابساتها وبررت به اقتناعها بعلم الطاعن بحقيقة الجوهر المخدر المضبوط كافياً فى الرد على دفاعه فى هذا الخصوص وسائغاً فى الدلالة على توافر ذلك العلم فى حقه فلا يجوز مصادرتها فى عقيدتها ولا المجادلة فى تقديرها أمام النقض.
2 - لما كان إحراز المخدر بقصد الاتجار هو واقعة مادية يستقل قاضى الموضوع بالفصل فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها وكانت ضآلة كمية المخدر أو كبرها والموازنة بين قيمتها والثمن المعروض لشرائها هى من الأمور النسبية التى تقع فى تقدير المحكمة وكانت قد اقتنعت فى حدود سلطتها فى تقدير الأدلة - والتى لا تخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى - بأن إحراز كمية المخدر المضبوط كان بقصد الاتجار فإن ما يثيره الطاعن من القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال لا يكون سديداً.
3 - من المقرر أن المصادرة - فى حكم المادة 30 من قانون العقوبات - إجراء الغرض منه تملك الدولة أشياء مضبوطة ذات صلة بجريمة - قهراً عن صاحبها وبغير مقابل - وهى عقوبة اختيارية تكميلية فى الجنايات والجنح إلا إذا نص القانون على غير ذلك. وقد تكون المصادرة وجوبية يقتضيها النظام العام لتعلقها بشئ خارج بطبيعته عن دائرة التعامل وهى على هذا الاعتبار تدبير وقائى لا مفر من اتخاذه فى مواجهة الكافة، ولما كانت المادة 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها - والتى طبقها الحكم سليماً فى حق الطاعن - لا توجب سوى القضاء بمصادرة الجواهر المخدرة والنباتات المضبوطة والادوات ووسائل النقل المضبوطة التى تكون قد استخدمت فى ارتكاب الجريمة، فإن المحكمة إذ لم تقض بمصادرة النقود المضبوطة - والتى تعد حيازتها جريمة فى حد ذاتها - رغم ما أستدلت به من وجودها مع الطاعن على أن الاتفاق كان قد تم على تسليم المخدر له فى مكان الضبط نتيجة تعاقد سابق على شرائه بقصد الاتجار لا تكون قد جانبت التطبيق القانونى الصحيح وينحسر عن حكمها ما نعاه الطاعن من دعوى التناقض.
4 - من المقرر أن الأدلة فى المواد الجنائية اقناعية فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى اطمأنت إليها المحكمة من باقى الأدلة القائمة فى الدعوى، ولما كان الحكم قد أورد الأدلة المنتجة التى صحت لديه على ما استخلصه من مقارفة الطاعن للجريمة المسندة إليه مطرحا للأسباب السائغة التى أوردتها تلك الورقة الرسمية التى قدمها الطاعن وأراد بها التشكيك فى الأدلة المستمدة من أقوال الشهود التى عولت عليها المحكمة فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فى تقدير الأدلة وفى استنباط المحكمة لمعتقدها وهو ما لا يجوز إثارته لدى محكمة النقض.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه وآخرين سبق الحكم عليهم اشترى وحاز بقصد الاتجار جوهراً ومخدراً (حشيشاً) فى غير الأحوال المصرح بها قانوناً. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1/ 1 و2 و7/ 1 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون 40 لسنة 1966 والبند 12 من الجدول رقم 1 الملحق و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وتغريمه خمسة آلاف جنيه وأمرت بمصادرة المواد المخدرة والسيارة المضبوطة. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة شراء وإحراز مخدر الحشيش بقصد الاتجار فى غير الأحوال المصرح بها قانونا ًقد شابه القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال كما انطوى على الخطأ فى الاسناد والتناقض والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعن تمسك بأنه لم يشاهد المواد المخدرة ولم يشتم رائحتها بسبب أنها كانت داخل لفافات من المشمع ولم يشهد أحد أنه قام بفضها وتفحص محتواها بيد أن المحكمة استدانت على علم الطاعن بكنه الجوهر المخدر المضبوط بأدلة غير سائغة كما أنها عولت فى إثبات قصد الاتجار لديه على ما قدرته من ضخامة كمية المخدر المضبوط وكبر المبلغ الذى وجد مع الطاعن رغم أن هذا المبلغ لا يتناسب مع قيمة الكمية، بالإضافة إلى أن الحكم المطعون فيه أسند إلى الضباط ....... و......... و.......... أنهم شهدوا واقعة ضبط مبلغ 4959.300 جنيهاً مع الطاعن عقب مطاردته فى حين أنهم لم يذكروا فى التحقيقات هذه الواقعة التى عول عليها الحكم فى التدليل على توافر قصد الاتجار لدى الطاعن واتفاقه على شراء صفقة المخدر المضبوط، ومن ناحية أخرى فإن المحكمة رغم ما أفصحت عنه اقتناعها بهذه النتيجة فإنها لم تقض بمصادرة المبلغ المضبوط بوصفه قد استخدم فى الجريمة التى دانت الطاعن بها مما يكشف عن التناقض بين أسباب الحكم ومنطوقه وعدم استقرار عناصر الواقعة فى ذهنها، هذا إلى أن الطاعن قدم شهادة رسمية من مصلحة الجوازات تفيد أن المرشد ........ لم يحضر إلى القاهرة إلا فى يوم 4/ 11/ 1972 للتدليل على كذب ما شهد به هو والعقيد.......... من أن الأول أبلغ الثانى فى يوم 25/ 10/ 1972 بواقعة الاتفاق على تسليم المخدرات إلى بعض المتجرين فيها بيد أن الحكم اطرح هذا الدفاع الجوهرى فى قول مرسل لا يصلح رداً عليه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى مما محصله أن المدعو........ أبلغ العقيد........... رئيس قسم التحريات بادارة مكافحة المخدرات أنه اتفق مع بعض المتجرين فى المخدرات على أن يسلمهم كمية من الحشيش وضعت فى حقيبة رمادية وذلك فى منتصف ليلة 11/ 11/ 1972 وأنهم يستخدمون سيارة بيجو لهذا الغرض فعهد لـ........... وبعض معاونيه من ضباط الإدارة بضبط تلك الواقعة فاستقل العقيد......... سيارة مرسيدس بيضاء وبرفقته المبلغ........... واتجها إلى المكان المتفق عليه فى الموعد المحدد للمقابلة ومعهما حقيبة المخدرات التى سيتم تسليمها للأشخاص المذكورة وتبعتها سيارتان آخريان يستقلهما الضابط........ و......... و......... و........... و......... و...........، وحينما بلغوا ذلك المكان شاهدوا السيارة البيجو رقم 4403 ملاكى القاهرة - التى تبين أنها مملوكة للمتهم (الطاعن) - تقف إلى جانب الطريق فتوقفت السيارة الأولى وترجل منها.......... متوجهاً إلى حيث تقف السيارة البيجو وكان يستقلها المتهم (الطاعن) وشخصان آخران - هما.......... و........... - واصطحبهم إلى السيارة المرسيدس البيضاء حيث قام بتفح حقيبتها وأطلعهم على محتويات الحقيبة الرمادية من المخدرات فتناول............ عينة منها عرضها على المتهم (الطاعن) الذى أشار إليه باعادتها إلى الحقيبة ونقلها إلى سيارته البيجو وبعد أن تم وضع حقيبة المخدرات فى حقيبة هذه السيارة ركبا الطاعن وهم رفيقاه بالركوب فيها غير أن ضباط مكافحة المخدرات داهموهم لضبطهم فاندفع المتهم (الطاعن) محاولاً الهرب بالسيارة فطاردها الضباط وأطلقوا النار عليها فأصابت الطلقات هيكلها وإطار عجلاتها الأمامية اليسرى وتمكنوا من إيقافها وضبط الركاب الثلاثة وكان مع المتهم (الطاعن مبلغ 4959.300 جنيهاً وتبين من تقرير التحليل للمخدر المضبوط فى الحقيبة أنه من مادة الحشيش وأنه وزنه 28.330 كيلو جراما وقد أنكر المتهم (الطاعن) الاتهام المسند إليه وإن أقر بأنه كان يستقل سيارته وتم ضبطه بعد إطلاق النار عليها والعثور معه على مبلغ 4900 جنيه وبعد أن ساق الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة فى حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال المبلغ.......... وضباط إدارة مكافحة المخدارت سالفى الذكر ومن تقرير المعامل الكيماوية ومن معاينة السيارة البيجو المضبوطة، عرض الحكم لتوافر علم الطاعن بحقيقة جوهر المخدر المضبوط فاستدل على ذلك من ظروف واقعة الضبط وحصولها على نحو ما تقدم وصدق رواية الشاهد الأول التى تساندت بأقوال باقى الشهود ومن ضبط المخدر فى سيارة الطاعن عقب أن تسلمه وزميلاه ووضعه فى سيارته بعد معاينة محتويات الحقيبة المضبوطة وأن المخدر أصبح إثر ذلك تحت سيطرته وهو عالم بكنهه ثم محاولته الهرب بالسيارة الذى لم يستطع الطاعن أن يدفعه بدفع مقبول، كما استخلص الحكم من تلك الظروف وضخامة كمية المخدر المضبوط وكبر المبلغ الذى وجد مع الطاعن أن إحرازه للمخدر كان بقصد الاتجار وأن الاتفاق كان قد تم على تسليمه فى مكان الضبط نتيجة تعاقد ساق على شرائه لنفس الغرض. لما كان ذلك، وكان تقصى العلم بحقيقة الجواهر المخدرة هو من شئون محكمة الموضوع، وإذ كان هذا الذى ساقته المحكمة عن ظروف الدعوى وملابساتها وبررت به اقتناعها بعلم الطاعن بحقيقة الجوهر المخدر المضبوط كافياً فى الرد على دفاعه فى هذا الخصوص وسائغاً فى الدلالة على توافر ذلك العلم فى حقه فلا يجوز مصارتها فى عقيدتها ولا المجادلة فى تقديرها أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان إحراز المخدر بقصد الاتجار هو واقعة مادية يستقل قاضى الموضوع بالفصل فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها وكانت ضألة كمية المخدر أو كبرها والموازنة بين قيمتها والثمن المعروض لشرائها هى من الأمور النسبية التى تقع فى تقدير المحكمة، وكانت قد اقتنعت فى حدود سلطتها فى تقدير الأدلة - والتى لا تخرج عن الاقتضاء العقلى والمنطقى - بأن إحراز كمية المخدر المضبوط كان بقصد الاتجار فإن ما يثيره الطاعن من القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال لا يكون سديداً. لما كان ذلك، وكان ما حصله الحكم فى خصوص شهادة الضباط........... و.......... و........... بضبط مبلغ 4959 جنيها و 300 مليما مع الطاعن له صداه فى الأوراق حسبما يبين من المفردات المضمومة فضلا عن إقرار الطاعن نفسه فى التحقيقات وتسليم الدفاع عنه أمام المحكمة بضبط المبلغ معه فإن منعى الطاعن بالخطأ فى الإسناد يكون فى غير محله. لما كان ذلك، وكانت المصادرة - فى حكم المادة 30 من قانون العقوبات - إجراء الغرض منه تمليك الدولة أشياء مضبوطة ذات صلة بجريمة - قهراً عن صاحبها وبغير مقابل - وهى عقوبة اختيارية تكميلية فى الجنايات والجنح إلا إذا نص القانون على غير ذلك. وقد تكون المصادرة وجوبية يقتضيها النظام العام لتعلقها بشئ خارج بطبيعته عن دائرة التعامل وهى على هذا الاعتبار تدبير وقائى لا مفر من اتخاذه فى مواجهة الكافة، وكانت المادة 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها - والتى طبقها الحكم سليماً فى حق الطاعن - لا توجب سوى القضاء بمصادرة الجواهر المخدرة والنباتات المضبوطة والادوات ووسائل النقل المضبوطة التى تكون قد استخدمت فى ارتكاب الجريمة. فإن المحكمة إذ لم تقض بمصادرة النقود المضبوطة - والتى تعد حيازتها جريمة فى حد ذاتها - رغم ما أستدلت به من وجودها مع الطاعن على أن الاتفاق كان قد تم على تسليم المخدر له فى مكان الضبط نتيجة تعاقد سابق على شرائه بقصد الاتجار، لا تكون قد جانبت التطبيق القانونى الصحيح وينحسر عن حكمها ما نعاه الطاعن من دعوى التناقض. لما كان ذلك، وكانت الأدلة فى المواد الجنائية اقناعية فللمحكمة أن تلتفت عن دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى اطمأنت إليها المحكمة من باقى الأدلة القائمة فى الدعوى، ولما كان الحكم قد أورد الأدلة المنتجة التى صحت لديه على ما استخلصه من مقارفة الطاعن للجريمة المسندة إليه مطرحا للأسباب السائغة التى أوردتها تلك الورقة الرسمية التى قدمها الطاعن وأراد بها التشكيك فى الأدلة المستمدة من أقوال الشهود التى عولت عليها المحكمة فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فى تقدير الأدلة وفى استنباط المحكمة لمعتقدها وهو ما لا يجوز إثارة لدى محكمة النقض. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة مردودة إلى أصلها الثابت فى الأوراق ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضعاً.