أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثانى - السنة 22 - صـ 384

جلسة 2 من مايو سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ محمود عطيفة، وعضوية السادة المستشارين/ الدكتور محمد محمد حسنين، ومحمد السيد الرفاعى، وطه الصديق دنانة، وعبد الحميد الشربينى.

(94)
الطعن رقم 142 لسنة 41 القضائية

( أ ) دعوى جنائية. "قبولها". "نظرها والحكم فيها". سب. قذف. بدء سريان مدة الثلاثة أشهر المنصوص عليها فى المادة 3/ 2 إجراءات. من تاريخ علم المجنى عليه بالجريمة ومرتكبيها. فحسب.
(ب) شهادة زور. جريمة. "أركانها". قصد جنائى.
مناط العقاب على شهادة الزور: كون الشهادة قد أديت أمام قضاء الحكم بعد حلف اليمين. وبقصد تضليله.
(ج) بلاغ كاذب. جريمة. "أركانها". قصد جنائى. إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير توافر أركان الجريمة".
القصد الجنائى فى جريمة البلاغ الكاذب. توافره. ثبوته؟
البحث فى كذب البلاغ أو صحته. موكول إلى محكمة الموضوع.
1 - مفاد ما ورد بالمادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية فى فقرتها الثانية أن الثلاثة أشهر المنصوص عليها فيه، إنما تبدأ من تاريخ علم المجنى عليه بالجريمة ومرتكبها وليس من تاريخ التصرف فى الشكوى موضوع الجريمة.
2 - إن ما يتطلبه القانون للعقاب على شهادة الزور، هو أن يقرر الشاهد أمام المحكمة بعد حلف اليمين أقوالا يعلم أنها تخالف الحقيقة، بقصد تضليل القضاء. وإذا كان ذلك، وكان الثابت أن الشهادة المسندة إلى المطعون ضده لم تحصل أمام القضاء، وإنما أدلى بها فى تحقيقات النيابة، فإن الواقعة لا تتوافر بها العناصر القانونية لجريمة شهادة الزور(1).
3 - يجب لتوافر القصد الجنائى فى جريمة البلاغ الكاذب، أن يكون المبلغ قد أقدم على التبليغ مع علمه بأن الوقائع التى أبلغ عنها مكذوبة، وأن الشخص المبلغ عنه بريء مما أسند إليه، وأن يكون ذلك بنية الإضرار بالمبلغ ضده، وثبوت توافر هذا الركن من شأن محكمة الموضوع التى لها الحق المطلق فى استظهاره من الوقائع المطروحة عليه، كما أن البحث فى كذب البلاغ أو صحته أمر موكول إليها تفصل فيه حسبما يتكون به اقتناعها.


الوقائع

أقام المدعى بالحق المدنى (الطاعن) هذه الدعوى بالطريق المباشر أمام محكمة جنح أبشواى الجزئية ضد المطعون ضدهما بوصف أنهما فى يوم 27/ 10/ 1962 دائرة مركز أبشواى: المتهم الأول: (أولا) أبلغ كذبا وبتحريض المتهم الثانى وبالاتفاق معه نيابة أبشواى ضد المدعى المدنى متهمين إياه بأنه حاول توليد زوجة المتهم الأول بالإكراه عن طريق استعمال العدة والتخدير ببنج نصفى مخالفا فى ذلك الأصول الفنية للتوليد وأنه تسبب عن ذلك إصابة الزوجة المذكورة بعد بنزيف وصدمة عصبية كادت تؤدى بحياتها فضلا عن وفاة الجنين الذى لم يعمر ولادته أكثر من 36 ساعة. (ثانيا) قذف فى حق المدعى المدنى بأن نسب إليه الجهل بأصول مهنة الطب التى ينتسب إليها والتى لا عمل له سواها بأن نسب إليه فى شكوى ضده أنه تجاهل قانون الإنسانية وأرواح الناس التى أصبحت ضحية له والتى ماتت أكثر من امرأة بيده وسوف يذكر أسماءهم فى التحقيق مما ينزل بالمدعى المدنى إلى مستوى القصابين وقد أرسل تسع شكاوى لجهات مختلفة عن ذات الواقعة فى فترة وجيزة دون أن يكون هناك ثمة ضرورة لإرسالها فضلا عما تضمنته عن تصوير فيه بالغ الأمر الذى يكشف عن تهوره فى مسلكه وتسرعه فى ذلك وعدم تبصره وما يكشف عن سوء قصده وهو التشهير بالمدعى المدنى المذكور وما أصاب سمعته ومكانته كطبيب من أضرار مادية وأدبية لحقت به نتيجة لذلك، المتهم الثانى: (أولا) اشترك مع المتهم الأول فى التبليغ كذبا ضد المدعى المدنى المذكور بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة، فراح يكيل الاتهامات التى ساقها المتهم الأول فى بلاغه فى صورة حقائق علمية متخذا من تخصصه فى طب أمراض النساء سندا لها (ثانيا) قذف فى حق المدعى المدنى المذكور، إذ رماه مرة بالجهل وأخرى بتصويره له بالطبيب المبتدئ فى حين أن الطبيب المدعى له خبرة 28 عاما فى خدمة الطب (ثالثا) شهد زورا ضد المدعى المدنى المذكور فى تحقيقات الشكوى رقم 2584 إدارى سنة 1964 نيابة أبشواى وطلب عقابهما بالمواد 302 و303 و305 و40/ 1 - 2 - 3 و296 من قانون العقوبات وإلزامهما بأن يدفعا له مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة أبشواى الجزئية قضت حضوريا بالنسبة للأول وحضوريا اعتباريا بالنسبة للثانى (أولا) بعدم قبول الدعوى الجنائية بالنسبة لتهمة القذف المنسوبة للمتهمين وعدم قبول الدعوى المدنية الناشئة عنها (ثانيا) ببراءة المتهم الثانى من تهمة الشهادة الزور ورفض الدعوى المدنية الناشئة عنها (ثالثا) ببراءة المتهمين من تهمة البلاغ الكاذب وإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعى المدنى 300 ج وإلزامهما بالمصاريف المناسبة للمبلغ المحكوم به ومبلغ خمس مائة قرش مقابل أتعاب المحاماة وشملت الحكم بالنفاذ المعجل مع شرط الكفالة. فاستأنف المتهمان والمدعى بالحق المدنى هذا الحكم ومحكمة الفيوم الابتدائية - بهيئة استئنافية - بعد أن دفع الحاضر مع المتهمين 1 - بعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى. 2 - بعدم قبول الدعوى. 3 - بطلان الحكم المستأنف، قضت حضوريا. (أولا) بقبول الاستئنافين شكلا. (ثانيا) برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية. (ثالثا) برفض الدفع بعدم قبول الدعوى. (رابعا) برفض الدفع ببطلان الحكم المستأنف. (خامسا) وفى موضوع الاستئنافين بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة لما قضى به من تعويض للمدعى بالحق المدنى وبرفض الدعوى الناشئة عن واقعة التبليغ وتأييده فيما عدا ذلك. فطعن المدعى بالحق المدنى فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم قبول الدعوى الجنائية بالنسبة إلى جريمة القذف، ورتب على ذلك قضاءه بعدم قبول الدعوى المدنية الناشئة عنه، وبرفض الدعوى المدنية عن جريمة شهادة الزور والبلاغ الكاذب قد أخطأ فى تطبيق القانون وفى تحصيل واقعة الدعوى، ذلك بأن المقصود بالعلم المشار إليه فى المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى جريمة القذف هو العلم اليقينى بقيام الجريمة وبمرتكبها وهذا العلم لم يثبت فى حق الطاعن إلا من تاريخ علمه بحفظ الشكوى المقدمة ضده لعدم الجناية والحاصل فى ديسمبر سنة 1967 وهو إذ أقام دعواه بالطريق المباشر بصحيفة أعلنت فى 31 يناير سنة 1968 وأول فبراير سنة 1968، فإنها تكون مقبولة لرفعها فى الميعاد المقرر فى القانون. كما أن بناء الحكم - بالنسبة لجريمة شهادة الزور - على أن تلك الشهادة قد جرت فى تحقيقات النيابة ولم تجر فى مجلس القضاء هو تخصيص بغير مخصص ذلك أن قانون الإجراءات الجنائية قد أفرد الفصل السادس من الباب الثالث منه لسماع الشهود أمام قاضى التحقيق ثم نص فى المادة 208 على أنه يسرى فى التحقيق الذى تجريه النيابة الأحكام المقررة أمام قاضى التحقيق وهى ذات القواعد المقررة فى المادة 227 فى شأن سماعهم أمام المحكمة، هذا إلى أن الحكم المطعون فيه قد نفى بأسباب غير سائغة توافر القصد الجنائى لدى المطعون ضدهما فى جريمة البلاغ الكاذب بما ينبئ عن تحصيله لواقعة الدعوى على وجه خاطئ.
وحيث إن الحكم الابتدائى - الذى اعتنق الحكم المطعون فيه أسبابه فيما قضى به فى جريمة القذف - بعد أن أورد أن المطعون ضده الأول قدم شكواه فى 17 أكتوبر سنة 1962 وأنه سئل بتحقيقات النيابة فى 28 أكتوبر سنة 1962، وأن المطعون ضده الثانى قدم تقريره إلى سكرتير محافظة الفيوم فى 2 نوفمبر سنة 1962، وأنه لما أن سئل أمام النيابة فى 2 يناير سنة 1963 ردد مضمون ما جاء بتقريره برر قضاءه بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية بالنسبة إلى جريمة القذف بقوله "إن المدعى المدنى (الطاعن) ووجه بالشكوى المقدمة من المتهم الأول وأفهم مضمونها عند سؤاله بتحقيقات النيابة فى 29/ 10/ 1962 كما ووجه بتقرير المتهم الثانى وأطلعه وكيل النيابة عليه فى 17/ 11/ 1962 وأبدى أقواله بشأنه، كما قدم مذكرة مؤرخة 26/ 11/ 1962 رد فيها على ما جاء بالتقرير المذكور، وقد أقام المدعى المدنى هذه الدعوى بصحيفة معلنة للمتهمين فى 31/ 1/ 1968، 1/ 2/ 1968 ولم يبين ذلك، ثم شكوى فى خلال مدة الثلاثة شهور اللاحقة لإطلاع المدعى المدنى على شكوى المتهم الأول بالنيابة وأقواله بها وعلى تقرير المتهم الثانى والذى ورد به الوقائع التى عليها يدور الاتهام فى الدعوى الحالية لجريمة القذف والاشتراك فيها والمنسوبة للمتهمين الأول والثانى وكان المدعى المدنى بإطلاع ذلك قد علم بما نسب إليه من أفعال وأسماء المتهمين، ومن ثم كان يتعين عليه أن يقدم شكواه ويرفع دعواه فى خلال ثلاثة شهور من تاريخ علمه، وذلك عملا بالمادة الثالثة إجراءت، وإذ لم يفعل فإن الدعوى الجنائية بالنسبة لتهمة القذف تكون غير مقبولة وتبعا لها الدعوى المدنية الخاصة بهذا الاتهام" - فإن هذا الذى ذهب إليه الحكم صحيح فى القانون ذلك بأن المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية وقد جرى نصها بأنه "لا يجوز أن ترفع الدعوى الجنائية إلا بناء على شكوى شفهية أو كتابية من المجنى عليه أو من وكيله الخاص إلى النيابة العامة أو إلى أحد مأمورى الضبط القضائى فى الجرائم المنصوص عليها فى المواد 185 و274 و277 و279 و292 و293 و303 و306 و307 و308 من قانون العقوبات، وكذلك فى الأحوال الأخرى التى ينص عليها القانون ولا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجنى عليه بالجريمة وبمرتكبها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك" - فإن مفاد ما ورد بالفقرة الثانية من هذه المادة أن مدة الثلاثة أشهر إنما تبدأ من تاريخ علم المجنى عليه بالجريمة وبمرتكبها وليس من تاريخ التصرف فى الشكوى موضوع الجريمة، وإذ اعتنق الحكم المطعون فيه هذا النظر ودلل بما لم يجادل فيه الطاعن على أنه قد مضى أكثر من ثلاثة شهور بين علم الطاعن بالجريمة وبمرتكبها وبين إقامة دعواه المباشرة، فإنه يكون قد أصاب محجة الصواب وأعمل حكم القانون على الوجه الصحيح. لما كان ذلك، وكان ما يتطلبه القانون للعقاب على شهادة الزور هو أن يقرر الشاهد أمام المحكمة بعد حلف اليمين أقوالا يعلم أنها تخالف الحقيقة بقصد تضليل القضاء، وكان الثابت أن الشهادة المسندة إلى المطعون ضده الثانى لم تحصل أمام القضاء وإنما أدلى بها فى تحقيقات النيابة، فإن الواقعة لا تتوافر بها العناصر القانونية لجريمة شهادة الزور ويضحى ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن على غير سند من القانون. لما كان ذلك، وكان يجب لتوافر القصد الجنائى فى جريمة البلاغ الكاذب أن يكون المبلغ قد أقدم على التبليغ مع علمه بأن الوقائع التى أبلغ عنها مكذوبة وأن الشخص المبلغ عنه بريء مما اسند إليه، وأن يكون ذلك بنية الإضرار بالمبلغ ضده وثبوت توافر هذا الركن من شأن محكمة الموضوع التى لها الحق المطلق فى استظهاره من الوقائع المطروحة عليها، كما أن البحث فى كذب البلاغ أو صحته أمر موكول إليها تفصل فيه حسبما يتكون به اقتناعها، فإن باقى ما يثيره الطاعن من منازعة فى سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع الدعوى والتحقيقات التى تمت فيها لا يخرج عن كونه جدلا موضوعيا فى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا ومصادرة الكفالة مع إلزام الطاعن المصاريف.


(1) راجع أيضاً نقض جنائى السنة 10 صـ 612.