أحكام النقض - المكتب الفني - جنائى
العدد الثالث - السنة 10 - صـ 1055

جلسة 22 من ديسمبر سنة 1959

برياسة السيد محمود محمد مجاهد المستشار, وبحضور السادة: أحمد زكي كامل, والسيد أحمد عفيفي, ومحمد عطيه اسماعيل, وعادل يونس المستشارين.

(218)
الطعن رقم 1294 لسنة 29 القضائية

قاضي التحقيق.
قواعد ندبه.
ولاية القاضي عينية. تقيده بالجريمة المندوب لها إلا في حالة الارتباط غير القابل للتجزئة.
ما لا يجوز استئنافه من قراراته.
أمره بإحالة الدعوى خطأ إلى غرفة الإتهام. علة ذلك.
دلالة قراره بإحالة الدعوى إلى غرفة الإتهام.
عدم اقتضاء الدعوى - في نظره - إصدار أمر بألا وجه لإقامتها.
نيابة عامة.
خصائصها. حريتها في ممارسة اختصاصاتها. أثر عدم ممارستها رخصة ناطها القانون بها.
عدم جواز الاستناد إلى ذلك لتعييب قرار قاضي التحقيق.
تحقيق.
التصرف فيه. الأمر بإحالة الدعوى من غرفة الإتهام إلى محكمة الجنايات. الدفع ببطلانه أثناء المحاكمة. عدم جوازه. ذلك لا يمنع من مناقشة أوجه البطلان السابقة على أمر الإحالة.
جرائم النشر. قذف الموظف.
المسئولية والعقاب. القصد الجنائي. حسن النية المبيح لإثبات صحة وقائع القذف. ماهيته. أثر تخلفه.
غرفة اتهام. نقض.
مجال حق الطعن بالنقض في أوامر الإحالة الصادرة من غرفة الاتهام.
1 - صدور قرار قاضي التحقيق بإحالة الواقعة إلى غرفة الاتهام باعتبارها من الجنح التي تقع بواسطة الصحف على غير أفراد الناس - وإن جاء على خلاف ما تقضي به المادة 156 من قانون الإجراءات الجنائية من وجوب إحالة الواقعة في هذه الحالة إلى محكمة الجنايات مباشرة - إلا أنه يعد مع ذلك قرارا نهائيا لا يقبل بطبيعته الاستئناف سواء من النيابة العامة, أو غيرها من الخصوم. ولا محل للتحدي بالمادة 161 من قانون الإجراءات الجنائية التي تبيح للنيابة العامة أن تستأنف ولو لمصلحة المتهم جميع الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق سواء من تلقاء نفسها, أو بناء على طلب الخصوم, ذلك أن هذا الحق لا يسري على القرار المذكور, لأنه بحكم إحالة الدعوى على غرفة الاتهام تصبح هذه الهيئة مختصة بنظر الدعوى بحيث يكون التقرير باستئناف القرار المذكور أمامها غير ذي موضوع لأنها الجهة التي تتولى الفصل في استئناف أوامر قاضي التحقيق طبقا للمادة 167 من قانون الاجراءات الجنائية وهو ما لم يتعلق به مراد الشارع الذي يجب أن يتنزه عن هذا اللغو.
2 - لا يجوز إلزام النيابة بممارسة رخصة ناطها القانون بها, فلا محل للقول بأن عدم استئناف النيابة العامة لقرار أصدره قاضي التحقيق قد فوت على الطاعنين درجة من درجات التقاضي, ولا يصح كذلك الاستناد إلى عدم استعمال هذا الحق المخول لها دون الطاعنين للنعي على القرار المذكور.
3 - قرار قاضي التحقيق بإحالة الدعوى إلى غرفة الاتهام مفروض فيه أنه صدر بعد تمحيص الواقعة والتصدي لأدلتها, وأنها في نظر القاضي لا تقتضي إصدار أمر بألا وجه لإقامة الدعوى طبقا للحق المقرر له بالمادة 154 من قانون الاجراءات الجنائية.
4 - جرى قضاء محكمة النقض على أن الحق المخول للنائب العام بالطعن في أوامر الاحالة الصادرة من غرفة الاتهام مقصور على الأوامر التي تصدر منها بإحالة الجناية إلى المحكمة الجزئية, أو بأن الواقعة جنحة أو مخالفة, أما الأمر الصادر منها بإحالة القضية إلى محكمة الجنايات المختصة بالنظر في أصل الدعوى فإن الطعن فيه غير جائز.
5 - أمر غرفة الاتهام بإحالة الدعوى التي من اختصاص محكمة الجنايات إلى المحكمة المذكورة هو أمر نهائي, فلا يجوز لمحكمة الموضوع أن تتعرض للدفع ببطلانه أيا كان سبب البطلان, لأن منطق بطلان هذا الأمر يؤدي إلى إحالة الدعوى إلى سلطة التحقيق بعد دخولها في حوزة المحكمة, وهو ما لم يسمح به القانون, على أن هذه الحجية لا تمنع من إثارة أوجه البطلان السابقة على أمر الاحالة ومناقشتها عند الاقتضاء.
6 - الأصل أن قاضي التحقيق ولايته عينية (in rem), فليس له أن يباشر التحقيق إلا في نطاق الجريمة المعينة التي طلب منه تحقيقها دون أن يتعدى ذلك إلى وقائع أخرى ما لم تكن تلك الوقائع مرتبطة بالفعل المنوط به تحقيقه ارتباطا لا يقبل التجزئة - فإذا كان الحكم قد انتهى - للأسباب السائغة التي أوردها - إلى قيام هذا الارتباط, فلا تجوز المجادلة في هذه النتيجة التي هى من شأن محكمة الموضوع وحدها.
7 - استقر قضاء محكمة النقض على أن كنه حسن النية في جريمة قذف الموظفين هو أن يكون الطعن عليهم صادرا عن حسن نية, أي عن اعتقاد بصحة وقائع القذف ولخدمة المصلحة العامة - لا عن قصد التشهير والتجريح شفاء لضغائن أو دوافع شخصية, ولا يقبل من موجه الطعن في هذه الحال إثبات صحة الوقائع التي أسندها إلى الموظف, بل تجب إدانته حتى ولو كان يستطيع إثبات ما قذف به.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المتهمين بأنهما أولا: قذفا علنا في حق الدكتور......... بأن أسندا إليه بواسطة النشر في جريدة بريد الصباح "أخبار الغربية" أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقابه بالعقوبات المقررة لذلك قانونا مع علمهما بعدم صحة ما نشراه وذلك بأن كتب الأول مقالي العددين العشرين والثاني والعشرين الصادرين في 25 من يناير سنة 1954 و22 من فبراير سنة 1954 وسمح الثاني بنشرهما......... الخ. وثانيا: قذفا علنا في حق الدكتور......... مدير مستشفى...... والدكتور...... الطبيب بها في جريدة "بريد الصباح" أخبار الغربية أمورا لو كانت صادقة لأوجبت عقابهما بالعقوبات المقررة لذلك قانونا مع علمهما بعدم صحة ما نشراه وذلك بأن كتب الأول مقالات الأعداد الرابع والعشرين والخامس والعشرين والسادس والعشرين الصادرة بتواريخ 22 من مارس سنة 1954 و12 من أبريل سنة 1954 و26 من أبريل سنة 1954 وسمح الثاني بنشرها......... الخ. ثالثا: سبا علنا موظفا عاما هو المجني عليه السابق بطريق النشر في الجريدة المذكورة في العددين المشار إليهما وكان ذلك بسبب أدائه وظيفته. رابعا: أهانا وسبا علنا بطريق النشر في الجريدة المذكورة بالعدد الثاني سالف الذكر مصلحة عامة هى مستشفى........., وطلبت من غرفة الاتهام إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالمواد 171 و184 و185 و195 و302/ 1/ 2 و307 من قانون العقوبات فقررت ذلك وقد ادعى المدعيان بالحقوق المدنية قبل المتهمين متضامنين بمبلغ 1000 جنيه. وأمام محكمة الجنايات دفع الحاضر عن المتهمين بدفعين أولهما - بطلان إجراءات الإحالة وعدم قبول الدعوى الجنائية. وثانيهما - بطلان التحقيق والقيد والوصف وعدم جواز المحاكمة الجنائية لانعدام ولاية المحقق فيما يتصل بالوقائع الجديدة والمحكمة المذكورة قضت حضوريا - عملا بالمواد 171 و184 و185 و195 و302/ 1 - 2 و303/ 2 - 3 و307 من قانون العقوبات مع تطبيق المواد 32 و55 و56 من نفس القانون. أولا: بمعاقبة كل من المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وبغرامة مائتي جنيه وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس. وثانيا: بإلزام المتهمين بالتضامن بأن يدفعا إلى كل من المدعيين بالحق المدني مبلغ 100 جنيه والمصروفات المدنية المناسبة ومقابل أتعاب المحاماه ورفضت الدفعين المقدمين من المتهمين. فطعن المتهمان في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجهين الأول والثاني من الطعن, هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون حين انتهى في أسبابه إلى رفض ما أثاره الدفاع عن الطاعنين من بطلان إجراءات الإحالة وعدم قبول الدعوى الجنائية لانعدام ولاية غرفة الاتهام وبطلان التحقيق الذي أجراه قاضي التحقيق فيما يتصل بالوقائع التي تجاوزت ما ورد بالعددين 20 و22 من جريدة بريد الصباح "أخبار الغربية" والتي لم يندب لتحقيقها ندبا صحيحا, وفي تفصيل ذلك بقول الطاعن إن رئيس محكمة طنطا الابتدائية ندب قاضيا لتحقيق البلاغين المقدمين من المدعيين بالحق المدني عن الوقائع التي وردت بالعددين المذكورين وبعد أن أتم القاضي تحقيق الواقعة أرسل الأوراق إلى النيابة العامة لإبداء طلباتها الختامية فأعادتها إليه لاستيفاء تحقيق بلاغات جديدة عما نشر بباقي الأعداد على الرغم من أنه قد استنفذ ولايته في حدود قرار الندب الأول وأصدر قراره بانتهاء التحقيق فيه مما يعيب ما أجراه من تحقيق بعد ذلك خارجا عن نطاق ما ندب إليه أصلا ويبطل تبعا له القيد والوصف المترتبان عليه ويمتد أثر هذا البطلان إلى الحكم المطعون فيه لاعتماده على هذا التحقيق الباطل وتأثره به عند تقدير العقوبة التي دين بها الطاعنان, ولا يصح من ذلك البطلان ما ذكره الحكم من أن البلاغات الجديدة كانت تتصل بمشروع إجرامي واحد, ذلك لأن كل واقعة نشر كانت منفصلة عن الأخرى وقد تناول وصف التهم كل واقعة منها منفردة عن الأخرى, كما لا يرفع هذا البطلان عن الحكم ما أجرته المحكمة من تحقيق لحصوله بعد فوات المدة المسقطة للدعوى الجنائية في الجنح. هذا إلى أن قرار قاضي التحقيق بإحالة الطاعنين إلى غرفة الاتهام لإحالتهما على محكمة الجنايات عملا بالمادة 158/ 1 - 3 من قانون الاجراءات الجنائية وإحالتهما بمعرفة غرفة الاتهام إلى محكمة الجنايات استنادا إلى المادة المذكورة جاء مخالفا للقانون لانعدام اختصاص غرفة الاتهام بإحالة الوقائع موضوع الدعوى المطروحة لكونها جنحا من جنح النشر والتي هى بحكم مساسها بالمدعيين بالحق المدني اللذين هما من أرباب الوظائف العامة لا من أفراد الناس تخضع لحكم المادة 156 من قانون الاجراءات الجنائية فتحال مباشرة من قاضي التحقيق إلى محكمة الجنايات دون تدخل من غرفة الاتهام, التي يقتصر اختصاصها على التصرف في إحالة الجنايات دون الجنح. وقد أكد الشارع هذا الحكم بما أورده في المادة 305 من القانون المذكور حين أعطى المحكمة الجزئية عندما تتبين أن الجريمة المحالة إليها من الجنح التي تقع بواسطة الصحف أو غيرها من طرق النشر على غير الأفراد سلطة إحالتها إلى محكمة الجنايات مباشرة - ومع أن الحكم المطعون فيه قد سلم بوقوع هذا الاجراء الخاطئ فإنه لم يرتب عليه بطلانا تأسيسا على حكم المادتين 164, 191 من قانون الاجراءات الجنائية من جهة, وعلى حضور أحد المدافعين عن الطاعنين أمام غرفة الاتهام وعدم اعتراضه على هذا الاجراء الباطل مما يسقط الحق في الدفع به عملا بالمادة 333 من قانون الاجراءات الجنائية من جهة أخرى. وهذا الذي ذهب إليه الحكم يخالف القانون ذلك أن قاضي التحقيق حين أمر بإحالة الدعوى إلى غرفة الاتهام نتيجة فهمه الخاطئ المدلول نصوص القانون لم يناقش التهم من حيث الثبوت إعتقادا منه أنه مسلوب الحق في إصدار قرار بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى بالتطبيق إلى المادة 154 من قانون الإجراءات الجنائية ففوت بقراره بإحالة الدعوى على غرفة الاتهام حقا على الطاعنين هو حقه في إصدار مثل ذلك القرار وترتب على ذلك تفويته عليهما درجة قضائية استئنافية كان من حق النيابة العامة - بوصف أنها السلطة المختصة باستئناف كل أمر يصدره قاضي التحقيق, ولو لمصلحة المتهم عملا بالمادة 161 من القانون المذكور - أن تستأنف القرار المذكور لأن لها بصفة خاصة استئناف الأمر الصادر بالإحالة أمام المحكمة المختصة بالنظر في أصل الدعوى تطبيقا للمادة 164 التي استند الحكم إليها والتي لا تتعرض لحق المتهم في الطعن على قرار الإحالة أمام محكمة الموضوع بأوجه البطلان أو بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية. أما استناد الحكم إلى المادة 191 فهو في غير محله كذلك لأن المقصود بها حالة ما إذا كان المتهم قد أحيل غيابيا إلى محكمة الجنايات وتمت إحالته صحيحة فيجوز لمحكمة الجنايات عند ذاك أن تنظر الدعوى بحضوره إذا قبض عليه ومع ذلك فإنها لا تسلب المتهم حقه في التمسك ببطلان قرار الاحالة إذا شابة أي بطلان. كما أن استناد الحكم إلى المادة 333 خاطئ كذلك لأن الحكم لم يفرق بين حالة بطلان قرار قاضي التحقيق نفسه بالإحالة إلى غرفة الإتهام وهو ما لم يحضره الخصوم أو المدافعين عنهم وبين حالة بطلان قرار الإحالة الصادر من غرفة الإتهام وهو من الأمور الجوهرية المتعلقة بالولاية والاختصاص والتي يجوز التمسك بها في أية حالة كانت عليها الدعوى وتقضي به المحكمة ولو بغير طلب طبقا للمادة 332 من قانون الاجراءات الجنائية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه تعرض لما يثيره الطاعنان بهذين الوجهين من طعنهما في قوله... "ومن حيث إن الدفع الأول مردود بأن قرار قاضي التحقيق بالإحالة نهائي بالنسبة إلى جميع الخصوم عدا النيابة التي لها وحدها استئناف هذا الأمر طبقا لنص المادة 164 من قانون الاجراءات الجنائية, كما أن قرار الإحالة الصادر من غرفة الاتهام لا يجوز الطعن فيه إلا للنائب العام وبطريق الطعن بالنقض طبقا للمادة 194 من قانون الاجراءات الجنائية ولا يصح قول الدفاع إن سكوت النيابة عن استئناف قرار قاضي التحقيق فوت على المتهمين درجة من درجات التقاضي لأن إحالة المتهمين إلى غرفة الاتهام لم يفوت عليهم هذه الدرجة إذا صح القول (وهو غير صحيح) بأنها درجة من درجات التقاضي لأنهما مثلا أمام الغرفة, كما أنه من المسلمات أن غرفة الاتهام ليست محكمة, وبالتالي ليست درجة من درجات التقاضي بل هى سلطة من سلطات التحقيق إذ عبر الشارع عما تصدره بأنه أوامر ولم يشترط القانون حضور المتهم أمامها كشرط لنظر الدعوى كما أن القانون بالمادة 191 إجراءات جنائية نص على أنه إذا صدر أمر بإحالة متهم بجناية إلى محكمة الجنايات في غيبته ثم حضر أو قبض عليه تنظر الدعوى بحضوره أمام المحكمة, هذا فضلا عن أن المتهمين (الطاعنين) قد مثلا أمام غرفة الاتهام وطلب الدفاع عنهما...... إلى الغرفة إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات ولم يتمسك أمامها ببطلان أمر قاضي التحقيق, ولم يدفع بعدم اختصاصها بالإحالة. ولما كان البطلان في هذه الحالة ليس من النظام العام فإنه يسقط الحق في الدفع به إذا كان المتهم محام وحصل الإجراء بحضوره بدون اعتراض منه طبقا للمادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية, ومتى كان ذلك فإنه يتعين رفض هذا الدفع. ومن حيث إن الدفع الثاني ببطلان تحقيق قاضي التحقيق مردود بأنه طبقا للمادة 67 إجراءات لا يجوز لقاضي التحقيق مباشرة التحقيق في جريمة معينة إلا بناء على طلب من النيابة العامة أو بناء على إحالتها إليه من الجهات الأخرى ومناط إعمال هذه المادة ألا يباشر قاضي التحقيق واقعة جديدة أما في حالتنا فالوقائع مرتبطة ارتباطا وثيقا بل هى مشروع إجرامي واحد قوامه حملة قذف وتشهير ضد المجني عليهما - وقد أوضحت ذلك المذكرة الإيضاحية إذ جاء بها (أن من البديهي أن حكمها - حكم هذه المادة - لا يسري إذ كان الارتباط غير قابل للتجزئة), هذا فضلا عن أن قاضي التحقيق قام بإجراء التحقيق في الوقائع سالفة الذكر ولم يكن قد استنفد ولايته بعد, كما أن المتهمين (الطاعنين) كان يصحبهما محام ولم يتمسك بهذا البطلان إن وجد - وبذلك يسقط حق المتهمين في الدفع به طبقا للمادة 333 من قانون الإجراءات الجنائية, ولذا يتعين رفض هذا الدفع" - لما كان ذلك, وكان ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن قرار قاضي التحقيق بإحالة الواقعة إلى غرفة الإتهام باعتبارها من الجنح التي تقع بواسطة الصحف على غير أفراد الناس هو قرار نهائي لا مطعن عليه صحيحا في القانون, ذلك أنه وإن كان هذا القرار قد جاء على خلاف ما تقضي به المادة 156 من قانون الإجراءات الجنائية من وجوب إحالة الواقعة في هذه الحالة إلى محكمة الجنايات مباشرة دون إحالتها إلى غرفة الاتهام, إلا أنه يعد مع ذلك قرارا نهائيا لا يقبل بطبيعته, الاستئناف سواء من النيابة العامة أو غيرها من الخصوم ولا محل للتحدي بالمادة 161 من قانون الإجراءات الجنائية التي تبيح للنيابة العامة أن تستأنف ولو لمصلحة المتهم جميع الأوامر التي يصدرها قاضي التحقيق سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم ذلك أن هذا الحق لا يسري على القرار المذكور لأنه بحكم إحالة الدعوى على غرفة الاتهام تصبح هذه الهيئة مختصة بنظر الدعوى بحيث يكون التقرير باستئناف القرار المذكور أمامها غير ذي موضوع لأنها الجهة التي تتولى الفصل في استئناف أوامر قاضي التحقيق طبقا للمادة 167 من قانون الإجراءات الجنائية وهو ما لم يتعلق به مراد الشارع الذي يجب أن يتنزه عن هذا اللغو. كما أنه لا محل للقول بأن عدم استئناف النيابة العامة لهذا القرار - على فرض قابليته للاستئناف - قد فوت على الطاعنين درجة من درجات التقاضي ذلك أنه لا يجوز إلزام النيابة العامة بممارسة هذه الرخصة التي ناطها القانون بها ولا يصح الاستناد إلى عدم استعمال هذا الحق المخول لها دون الطاعنين للنعي على القرار المذكور. ولما كان قرار قاضي التحقيق - بإحالة الدعوى إلى غرفة الاتهام مفروضا فيه أنه صدر بعد تمحيص الواقعة والتصدي لأدلتها وأنها في نظر القاضي لا تقتضي إصدار أمر بألا وجه لإقامة الدعوى طبقا للحق المقرر له بالمادة 154 من قانون الإجراءات الجنائية, فلا يقبل من الطاعنين ما أثاراه في طعنهما من أن قاضي التحقيق إذ أحال الواقعة إلى غرفة الاتهام دون إحالتها مباشرة إلى محكمة الجنايات قد حجب نفسه عن مناقشة عناصر الواقعة من حيث الثبوت وإصدار قرار بألا وجه لإقامة الدعوى قبلها. ولما كان أمر غرفة الاتهام بإحالة الدعوى التي من اختصاص محكمة الجنايات إلى المحكمة المذكورة هو بدوره أمر نهائي, ذلك أن الأصل أن سبيل الطعن في أوامر غرفة الاتهام, هو الطعن عليها بطريق النقض, وبالنسبة إلى الأوامر الصادرة منها بالإحالة فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن الحق المخول للنائب العام بالطعن فيها مقصور على الأوامر التي تصدر منها بإحالة الجناية إلى المحكمة الجزئية أو بأن الواقعة جنحة أو مخالفة - أما الأمر الصادر منها بإحالة القضية إلى محكمة الجنايات المختصة بالنظر في أصل الدعوى فإن الطعن فيه غير جائز. ولما كان هذا الأمر نهائيا فلا يجوز لمحكمة الموضوع أن تتعرض للدفع ببطلانه أيا كان سبب البطلان لأن منطق بطلان هذا الأمر يؤدي إلى إحالة الدعوى إلى سلطة التحقيق بعد دخولها في حوزة المحكمة وهو ما لم يسمح به القانون, على أن هذه الحجية لا تمنع من إثارة أوجه البطلان السابقة على أمر الإحالة ومناقشتها عند الاقتضاء. لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذا انتهى إلى صحة الأمر بإحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات, لا يكون قد خالف القانون. ولا يعيب الحكم بعد أن انتهى إلى هذه النتيجة الصحيحة أن يتزيد فيخطئ في ذكر بعض تقريرات قانونية خاطئة لم يكن لها اثر فيما خلص إليه كقوله "إن قرار قاضي التحقيق بالإحالة (إلى غرفة الاتهام) نهائي بالنسبة إلى جميع الخصوم عدا النيابة التي لها وحدها استئناف هذا الأمر طبقا لنص المادة 164 من قانون الإجراءات الجنائية. "وأن قرار الإحالة (إلى محكمة الجنايات) الصادر من غرفة الاتهام لا يجوز الطعن فيه إلا للنائب العام وبطريق النقض طبقا للمادة 194 من قانون الإجراءات الجنائية" - وكاستطراده إلى القول بأن عدم اعتراض محامي الطاعنين على اختصاص غرفة الاتهام بالنظر في الدعوى المحالة إليها من قاضي التحقيق وعدم تمسكه أمامها ببطلان أمر القاضي المذكور يسقط الحق في الدفع به طبقا للمادة 333 من قانون الاجراءات الجنائية مع أن ظاهر هذا القول أن البطلان مرجعه عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بالولاية وهو ما لا يستقيم القول به طبقا للمادة 332 من قانون الاجراءات الجنائية. ولما كان ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من صحة إجراءات التحقيق التي قام بها قاضي التحقيق بناء على طلب النيابة العامة فيما يجاوز الوقائع التي لم ترد في قرار الندب لارتباطها بهذه الوقائع إرتباطا لا يقبل التجزئة, صحيحا في القانون ذلك أن الأصل أن قاضي التحقيق ولايته عينية in rem فليس له أن يباشر التحقيق إلا في نطاق الجريمة المعينة التي طلب منه تحقيقها دون أن يتعدى ذلك إلى وقائع أخرى ما لم تكن تلك الوقائع مرتبطة بالفعل المنوط به تحقيقه إرتباطا لا يقبل التجزئة. ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى للأسباب السائغة التي أوردها إلى قيام هذا الارتباط فلا تجوز المجادلة في هذه النتيجة التي هى من شأن محكمة الموضوع وحدها, لما كان ذلك, فإن ما يثيره الطاعنان في هذين الوجهين من طعنهما لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث من الطعن, هو أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال حين دلل على سوء نية الطاعنين ونفى عنهما حسن النية بأن حمل وقائع الدعوى ما لا تحتمله ذلك أن النشر تم نقلا عن رواية المريضين الزهار والعماري الثابتة بمحاضر التحقيق والجلسات والتي أكدها طول العلاج والمظهر القضائي الذي اتخذته شكاوي المرضى قبل النشر الأمر الذي أشار إليه الحكم المطعون فيه في أسبابه فقد رفع الزهار دعوى مستعجلة أمام محكمة طنطا لإثبات حالته التي ضج منها بالشكوى كما استجار العماري بكافة جهات الاختصاص من المستشفى وأطبائه وأقر المدعيان بالحق المدني بهذه الشكاوي وثبتت واقعة ترك فوطة ببطن أحد المرضى من تحقيق الجناية الخاصة بالمصاب مصطفى عبد العزيز كما أن حادث المرضعة التي أجهضت وماتت اعترف به مدير المستشفى في محاضر التحقيق والجلسة كما أقر المدعيان بالحق المدني بواقعة الاعتداء الجنسي الشاذ الذي وقع من مريض على آخر وإن كانا قد أرجعاه إلى اتساع المستشفى وعدم إحكام الرقابة وأقر مدير المستشفى بأن أمورا كثيرة كانت تنسب إلى المستشفى مما دعا الجمهور إلى الإنصراف عنها وأنه عمل منذ تولى إدارته على إعادة سمعتها إليها وأن وراء هذه الحملة بعض الأطباء من أصحاب المستشفيات - فإذا تجمعت هذه الوقائع المستقاه من مصادرها من أطباء ومرضي ومن تحقيقات رسمية ووصل نبؤها إلى الناشر الذي من واجبه الصحفي أن يذكر هذه الحقائق فلا يمكن أن يوصف في مثل هذه الظروف بسوء النية - وإذا سلم الحكم المطعون فيه بهذه الوقائع جميعها الدالة على حسن نية الطاعنين وعذرهما فيما نشراه واستخلص منها عكس مؤداها, يكون مشوبا بالفساد في الاستدلال. وإذا صح أن بعض الوقائع التي نشرت لم تثبت جميعها من التحقيق الذي أجرته محكمة الموضوع بندبها الطبيب الشرعي, فإنه لم يكن في مكنة الطاعنين أن يسلكا هذا الطريق للتحقق من صحتها, مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية لجرائم القذف والسب في حق موظفين عامين وإهانة مصلحة عامة التي دان الطاعنين بها وعرض إلى ما يثيره الطاعنان في شأن توافر حسن نيتهما عند النشر واعتقادهما صحة الوقائع موضوع الجرائم المذكورة وتدليلهما على قيامها فقال: "ومن حيث إن القانون لا يشترط في جريمة القذف قصدا جنائيا خاصا بل يكتفي بتوافر القصد الجنائي العام الذي يتحقق متى نشر القاذف الأمور المتضمنة للقذف وهو عالم أنها لو كانت صادقة لأوجبت عقاب المقذوف في حقه أو احتقاره عند أهل وطنه. ومن المتفق عليه فقها وقضاء أن القصد الجنائي في جرائم القذف والسب والإهانة يتحقق متى كانت الألفاظ الموجهة إلى المجني عليه شائنة بذاتها ولا حاجة في هذه الحالة إلى الاستدلال عليه بأكثر من ذلك. ومن حيث إن القانون في سبيل تحقيق مصلحة عامة قد استثنى من جرائم القذف الطعن في أعمال الموظف العمومي إذا أثبت القاذف أنه حسن النية وأثبت صحة الوقائع المسندة إلى الموظف وحسن النية ليس معنى باطنيا بقدر ما هو موقف أو حالة يوجد فيها الشخص نتيجة ظروف تشوه حكمه على الأمور رغم تقديره لها تقديرا كافيا واعتماده في تعرفه فيها على أسباب معقولة". ثم أورد الحكم الأمور التي أسندها الطاعن الأول إلى المدعيين بالحق المدني وإلى مستشفى طنطا الأميري والتي نشرها الطاعن الثاني والتي تخلص في أن المدعي بالحق المدني الأول الدكتور............... حاول ضرب أحد المرضى وإرغام مريض على توقيع إقرار وأنه سبه وأقدم على تصرفات طائشة بعيدة عن الإنسانية ووصف المستشفى الذي يديره بأنه مجزرة بشرية وأنه يعج بالفضائح بالجملة كما أسند إلى المدعي بالحق المدني الثاني الدكتور............ أنه ملأ جسم المريض العماري بعمليات خاطئة. وأنه أجرى له عملية جراحية بغير مخدر انتقاما منه, كما تضمنت هذه المقالات إهانة وسبا علنيا لمستشفى......... بأن نسب إليها الإهمال والإجرام وخلص الحكم من ذلك إلى أنه لم يثبت للمحكمة حسن نية الطاعنين فيما قارفاه بل ثبت لديها سوء نيتهما واستعرض الأدلة التي أكدت هذا الرأي وهى جميعها تؤدي إلى ما رتبه عليها. ثم انتهى إلى القول "ومن حيث إن المحكمة رغم ثبوت سوء نية المتهمين (الطاعنين) رغبت في أن تجلو وقائع الدعوى لتبين وجه الحق فيها وصحة الأمور المسندة إلى المجني عليهما فاستمعت إلى أقوال المريضين اللذين أشهدهما المتهمان وكلفت الدكتور صلاح الدين ناصف ببحث حالة المريض العماري وتقديم تقرير عنه, ثم أجرت مناقشته بالجلسة عن حالة المريضين كما ناقشت الدكتور فهمي سليمان الذي اصطحبه الدفاع عن المتهمين بالجلسة وقد ثبت للمحكمة من كل ذلك - وقد سبق تفصيله فيما سلف - أن الوقائع المسندة إلى المجني عليهما غير صحيحة جملة وتفصيلا عدا حالة الفوطة التي تركت سهوا ببطن المصاب............... مما يتعين معه أن تعتبر المحكمة أن هذه الواقعة قد ثبتت صحتها إلا أن المتهمين رغم إثباتهما صحة هذه الواقعة فقد كانا سيئ النية فيما نشراه بصدد هذه الواقعة إذ ينتظمها والوقائع الأخرى قصد واحد وهو التشهير بالمجني عليهما". لما كان ذلك, وكان قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن كنه حسن النية في جريمة قذف الموظفين, هو أن يكون الطعن عليهم صادرا عن حسن نية أي عن اعتقاد بصحة وقائع القذف ولخدمة المصلحة العامة لا عن قصد التشهير والتجريح شفاء لضغائن أو دوافع شخصية ولا يقبل من موجه الطعن في هذه الحال إثبات صحة الوقائع التي أسندها إلى الموظف بل يجب إدانته حتى ولو كان يستطيع إثبات ما قذف به, وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص استخلاصا سائغا من الأدلة التي أوردها ثبوت جرائم القذف والسب والإهانة في حق الطاعنين وأنهما إلى جانب عجزهما عن إثبات وقائع القذف - فيما عدا واقعة واحدة - فإنهما كانا سيئ القصد حين وجها هذه المطاعن جميعا, فإن ما يثيره الطاعنان من مجادلة في العناصر التي كونت المحكمة منها عقيدتها لا يكون له محل. لما كان ما تقدم فإن هذا الوجه من الطعن يكون غير سديد.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.