أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 333

جلسة 11 من مارس سنة 1979

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ دكتور أحمد رفعت خفاجى، وأحمد طاهر خليل، وصلاح نصار؛ وجمال منصور.

(69)
الطعن رقم 1840 لسنة 48 القضائية

خلول رجل. إيجار أماكن. إثبات. "بوجه عام". قانون "تفسيره".
(1) استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من سائر أدلتها وعناصرها. موضوعى.
العبرة فى الإثبات فى المواد الجنائية. باقتناع قاضى الموضوع من أى دليل أو قرينة يرتاح إليها. ما لم يفيده القانون بدليل معين.
الجرائم التى ترتكب بالمخالفة لأحكام القانون 52 لسنة 1969. عدم تطلبها طريقاً خاصاً لإثباتها.
(2) إثبات. "أوراق". "شهود". حكم "حجيته". نقض. "أسباب الطعن. ما يقبل منها". إيجار أماكن.
حق المحكمة الجنائية إطراح دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية أو حكم فى دعوى مدنية. أساس ذلك؟
إطراح الحكم أقوال شهود النفى بعد إيراده مؤداها. أخذاً بدليل الثبوت. لا عيب.
1 - من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، ولما كانت العبرة فى الاثبات فى المواد الجنائية هى باقتناع القاضى واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه، وقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ بأى دليل أو قرينة يرتاح إليها ولا يصح مصادرته فى شئ من ذلك إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه. لما كان ذلك، وكان القانون رقم 52 لسنة 1969 لم يجعل لإثبات العناصر القانونية للجرائم التى ترتكب بالمخالفة لأحكامه طريقاً خاصاً، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه فى تبرير رفض الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل سائغة فى المنطق لا يجادل الطاعن فى أن لها أصلها فى الأوراق، فإن ما يثيره من منازعة فى هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها فى شأنه أمام محكمة النقض.
2 - من المقرر أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى اطمأنت إليها، وأن المحاكمة الجنائية غير مقيدة بالأحكام الصادرة من المحاكم المدنية لأن وظيفتها والسلطة الواسعة التى خولها القانون أياها للقيام بهذه الوظيفة بما يكفل لها كشف الواقعة على حقيقتها كيلا يعاقب برىء أو يفلت مجرم يقتضى ألا تكون هذه المحاكم مقيدة فى أداء وظيفتها بأى قيد لم يرد به نص فى القانون مما يلزم عنه ألا يكون للأوراق الرسمية أو للاحكام الصادرة من المحاكم المدنية أى شأن فى الحد من سلطة المحاكم الجنائية التى مأموريتها السعى للكشف عن الحقائق كما هى فى الواقع لا كما تقرره جهات أخرى مقيدة بقيود لايعرفها قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك فإنه لا يعيب الحكم أنه اطرح شهادة رسمية والتفت عما ورد بمنطوق حكم فى دعوى مدنية، كما لا ينال من صحة الحكم اعراضه عن أقوال شهود النفى بعد أن أوردها لأن مفاد ذلك أن المحكمة لم تطمئن إلى صحتها فأطرحتها عندما أخذت بدليل الثبوت.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه تقاضى خلواً ومقدم إيجار من ..... وطلبت معاقبته بالمادتين 18/ 1 و25/ 1 من القانون رقم 52 لسنة 1969. وادعى كل من المجنى عليهم مدنياً قبل المتهم بمبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح اللبان الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادتى الاتهام بتغريم المتهم مائة جنيه وإلزامه بأن يدفع لكل من المدعين بالحقوق المدنية مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. فاستأنف، ومحكمة الاسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض .. إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة اقتضاء مبالغ زيادة عن التأمين والأجرة القانونية قد شابه فساد فى الاستدلال وقصور فى التسبيب وخطأ فى القانون، ذلك بأن الطاعن دفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة تأسيساً على أن واقعة التأخير قد تمت فى سنة 1969، واستدل على ذلك بأقوال شاهدى النفى وما ورد بكتاب محافظة الاسكندرية فى شأن تاريخ عقد إيجار أولهما، وما ثبت من تاريخ صدور الترخيص بالبناء، وما جرى به منطوق الحكم الصادر فى الدعوى رقم 390 لسنة 1973 مدنى مستأنف الاسكندرية بطرد المطعون ضده الأول من عين النزاع الموضحة بعقد الإجار المؤرخ 1/ 5/ 1969، إلا أن الحكم رفض الدفع بما لا يسوغه، والتفت عن دلالة تلك المستندات وأعرض عن أقوال شهود النفى، هذا إلى أنه قضى بما لم يطلبه الخصوم إذ ألزم الطاعن بأن يؤدى لكل من المدعين بالحق المدنى واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت، حين أنهم طلبوا جميعاً إلزامه بدفع هذا المبلغ، وكل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الإبتدائى - المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه - بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التى دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها. واستند فى رفض الدفع المبدى من الطاعن بإنقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم إلى أن المدة المقررة لإنقضائها لم تكتمل قبل رفع الدعوى تأسيساً على اطمئنان المحكمة لما قرره شهود الإثبات من أن عقود الإيجار وإن كانت مؤرخة فى أول مايو سنة 1969 إلا أنها محررة فى تاريخ لاحق خلال عام 1971 ولما ورد بالشهادة المقدمة فى الدعوى والمستخرجة من قسم الاسكان والمرافق بمحافظة الاسكندرية من أن العقار من مستجدات سنة 1971/ 1972. ولما كان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، وكانت العبرة فى الاثبات فى المواد الجنائية هى باقتناع القاضى واطمئنانه إلى الأدلة المطروحة عليه، وقد جعل القانون من سلطته أن يأخذ بأى دليل أو قرينة يرتاح إليها ولا يصح مصادرته فى شئ من ذلك إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه. لما كان ذلك، وكان القانون رقم 52 لسنة 1969 لم يجعل لإثبات العناصر القانونية للجرائم التى ترتكب بالمخالفة لأحكامه طريقاً خاصاً، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه فى تبرير رفض الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة مستنداً إلى أدلة مقبولة فى العقل سائغة فى المنطق لا يجادل الطاعن فى أن لها أصلها فى الأوراق، فإن ما يثيره من منازعة فى هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها فى شأنه أمام محكمة النقض. ولا يعيب الحكم أنه اطرح شهادة رسمية والتفت عما ورد بمنطوق حكم فى دعوى مدنية لما هو مقرر من أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفى ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح فى العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التى اطمأنت إليها، وأن المحاكمة الجنائية غير مقيدة بالأحكام الصادرة من المحاكم المدنية لأن وظيفتها والسلطة الواسعة التى خولها القانون إياها للقيام بهذه الوظيفة بما يكفل لها كشف الواقعة على حقيقتها كيلا يعاقب برىء أو يفلت مجرم يقتضى ألا تكون هذه المحاكم مقيدة فى أداء وظيفتها بأى قيد لم يرد به نص فى القانون مما يلزم عنه ألا يكون للأوراق الرسمية أو للاحكام الصادرة من المحاكم المدنية أى شأن فى الحد من سلطة المحاكم الجنائية التى مأموريتها السعى للكشف عن الحقائق كما هى فى الواقع لا كما تقرره وجهات أخرى مقيدة بقيود لايعرفها قانون الإجراءات الجنائية. كما لا ينال من صحة الحكم اعراضه عن أقوال شهود النفى بعد أن أوردها لأن مفاد ذلك أن المحكمة لم تطمئن إلى صحتها فأطرحتها عندما أخذت بدليل الثبوت. لما كان ذلك، وكان الثابت بمحاضر جلسات المحاكمة الابتدائية أن أربعة أشخاص رفعوا دعواهم المدنية أمام المحكمة عند نظر الدعوى الجنائية بجلسة 30 مارس سنة 1974 مطالبين الطاعن بتعويض مؤقت قدره واحد وخمسون جنيها، وبجلسة 4 يناير سنة 1975 ادعى آخران قبله بحقوق مدنية وطلبا إلزامه بأن يدفع واحد وخمسين جنيها لكل منهما، تعويضا مؤقتا كذلك، بما يدل على أكثر من مدع بالحقوق المدنية أقام دعواه بالتبعية للدعوى الجنائية مطالبا بتعويض مؤقت - ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى لكل منهم بالتعويض المؤقت الذى طلبه فإنه يكون قد التزم حكم القانون، وفصل فى الدعاوى المدنية المطروحة أمام المحكمة فى حدود ما قدم لها من طلبات، ويكون النعى عليه بالقضاء بما لم يطلبه الخصوم غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً، ومصادرة الكفالة.