أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 360

جلسة 18 من مارس سنة 1979

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: الدكتور/ أحمد رفعت خفاجى، وأحمد طاهر خليل، وصلاح محمد نصار، ومحمد حلمى راغب.

(74)
الطعن رقم 1885 لسنة 48 القضائية

(1، 2) ضرب أفضى إلى موت. أسباب الإباحة وموانع العقاب. "الدفاع الشرعى". دفوع. "الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعى". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". سبق إصرار. إثبات. "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(1) الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعى. موضوعى. إثارته لأول مرة أمام النقض مشروطة بأن ترشح مدونات الحكم لقيامه.
الدفع الذى تلتزم المحكمة بالرد عليه. هو الدفع الجازم الذى يصر مقدمه عليه. عدم جواز النعى على المحكمة التفاتها عن دفع أبدى أمام هيئة سابقة.
إثبات الحكم توافر سبق الإصرار فى حق الطاعن. أثره: إنتفاء موجب الدفاع الشرعى فى جانبه. أساس ذلك؟
(2) إحالة الحكم فى بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال أحدهم لا يعيبه. ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
حسب المحكمة أن تورد من أقوال الشهود ما تطمئن إليه.
(3) سبق إصرار. ترصد. ضرب أفضى إلى موت.
سبق الإصرار. حالة ذهنية. إستخلاصها من المظاهر الخارجية. موضوعى.
تربص الجانى للمجنى عليه مدة من الزمن. طالت أو قصرت. من مكان يتوقع قدومه إليه توصلاً إلى مفاجأته بالإعتداء عليه. كفايته لتحقق ظرف الترصد.
1 - الأصل فى الدفاع الشرعى أنه من الدفوع الموضوعية التى يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع ولا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض إلا إذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحقق حالة الدفاع الشرعى كما عرفه القانون أو ترشح لقيامها. ولما كانت الواقعة كما أثبتها الحكم المطعون فيه لا تتوافر فيها تلك الحالة أو ترشح لقيامها، وكان يبين من محضر الجلسة الأخيرة للمحاكمة أن الطاعنين لم يتمسكا صراحة بقيام حالة الدفاع الشرعى فإنه لا يقبل منهما إثارة هذا الدفاع أمام محكمة النقض. ولا يغير من ذلك ما ورد على لسان المدافع عن الطاعن الأول بجلسة 29/ 4/ 1974 أمام هيئة أخرى من أنه: "ضربه لرد الاعتداء الواقع عليه" لما هو مقرر من أن المحكمة لا تكون ملزمة بالرد على الدفع إلا إذا كان من قدمه قد أصر عليه، وإذ كان الطاعنان لم يتمسكا أمام الهيئة الجديدة التى نظرت الدعوى وأصدرت الحكم المطعون فيه بقيام حالة الدفاع الشرعى فلا يكون لهما أن يطالبا هذه الهيئة بالرد على دفاع لم يبد أمامها، هذا فضلاً عما أثبته الحكم المطعون فيه فى حق الطاعنين من التدبير للجريمة بتوفر سبق الإصرار لديهما عل إيقاعهما مما ينتفى معه حتماً موجب الدفاع الشرعى الذى يفترض رداً حالاً لعدوان حال دون الإسلاس له وإعمال الخطة فى إنفاذه، هذا ولأن الدفاع الشرعى لم يشرع للانتقام من الغرماء بل لكف الاعتداء ومن ثم يكون منعى الطاعنين فى هذا الصدد لا محل له.
2 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل فى بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وكان من المقرر كذلك أن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود - إن تعددت - وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به، بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، وإذ كان الطاعنان لا يجادلان فى أن ما نقله الحكم عن أقوال الشاهدين ..... و..... له أصله الثابت فى الأوراق ولم يخرج الحكم عن مدلول شهادتهما بل إن البين مما أورده الطاعنان فى أسباب طعنهما نقلاً عن أقوالهما أنها تتفق فى جملتها مع ما استند إليه الحكم منها فلا ضير على الحكم من بعد إحالته فى بيان أقوال الشاهدة الثانية إلى ما أورده من أقوال الشاهد الأول ولا يؤثر فيه أن يكون للشاهدة الثانية قول آخر أضافت فيه أن حديثا دار بين الطاعنين والمجنى عليه - على فرض صحة ذلك - إذ أن مفاد إحالة الحكم فى بيان أقوالها إلى ما حصله من أقوال الشاهد الأول فيما اتفقا فيه أنه لم يستند فى قضائه إلى ما زادت فيه هذه الشاهدة من أقوال وطالما أن من حق محكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه دون أن يعد هذا تناقضاً فى حكمها.
3 - سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجانى فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضى منها استخلاصا، لما كان ذلك وكان يكفى لتحقق ظرف الترصد مجرد تربص الجانى للمجنى عليه مدة من الزمن طالت أو قصرت من مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء عليه، وكان البحث فى توافر ظرفى سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، ولما كان ما قاله الحكم فى تدليله على توافر ظرفى سبق الإصرار والترصد فى حق الطاعنين من أن مشاجرة حدثت فى صباح يوم الحادث بين عمهما وبين شقيق المجنى عليه واعتداء هذا الأخير على الأول بالسب والتماسك مما أثار حفيظة الطاعنين فأعدا عصياً وكمنا بجوار منزل المجنى عليه وما أن خرج منه حتى انهالا عليه ضرباً دون أن يصدر منه أى استفزاز يدعوهما إلى ذلك، وكان لهذا الذى قاله الحكم مأخذه الصحيح من أوراق الدعوى ومستمداً من شهادة الشاهدين التى لا يجادل الطاعنان فى صحة ما حصله الحكم من أقوالهما، وكان ما استظهره الحكم للاستدلال على ثبوت هذين الظرفين من وقائع وأمارات كشفت عنهما هو مما يسوغ به هذا الاستخلاص فإن ما يثيره الطاعنان فى هذا الصدد يكون غير سديد.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر (حكم ببراءته) بأنهم ضربوا عمدا ......... مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية وعقدوا العزم وأعدوا لذلك عصيا وكمنوا له فى الطريق المعتاد بالقرب من منزله وما أن ظفروا به حتى انهالوا عليه بالضرب فأحدثوا به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية ولم يكونوا قاصدين من ذلك قتله إلا أن الضرب أفضى إلى موته، وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك، ومحكمة جنايات الفيوم قضت حضورياً عملاً بالمادة 236 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثانى بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاما، فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة الضرب المفضى إلى الموت قد شابه فساد فى الاستدلال وقصور فى التسبيب، ذلك بأنه عول فى قضائه على ما أسماه اعتراف الطاعنين فى حق أن أقوالهما تفيد أن المجنى عليه ومن معه قد اعترضوا طريقهما وبادرهما بالاعتداء مما اضطرهما إلى دفع هذا الاعتداء بضرب المجنى عليه مما يرشح لقيام حالة الدفاع الشرعى ومع ذلك فقد التفت الحكم عن هذا الدفاع الجوهرى. كما قصر الحكم فى بيان أقوال الشاهدة......... واكتفى بقوله أنها شهدت بمضمون ما شهد به............ على الرغم من اختلاف روايتمها فى شأن كيفية الاعتداء إذ ذكرت هذه الشاهدة أن حديثاً جرى بين الطاعنين والمجنى عليه ولهذا القول دلالته على انتفاء ظرفى سبق الإصرار والترصد إلا أن المحكمة لم تفطن لذلك وفاتها أن منزل الطاعنين يقع إلى الناحية الجنوبية لمنزل المجنى عليه وأن مكان الحادث هو طريقهما المعتاد، وكل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضى إلى الموت التى دان الطاعنين بها، وأورد على ثبوتها فى حقهما أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه عليها مستمدة من أقوال شاهدى الإثبات ومما ثبت من التقرير الطبى الشرعى ومن اعتراف الطاعنين. لما كان ذلك، وكان الأصل فى الدفاع الشرعى أنه من الدفوع الموضوعية التى يجب التمسك بها لدى محكمة الموضوع ولا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض إلا إذا كانت الوقائع الثابتة بالحكم دالة بذاتها على تحقق حالة الدفاع الشرعى كما عرفه القانون أو ترشح لقيامها. ولما كانت الواقعة كما أثبتها الحكم المطعون فيه لا تتوافر فيها تلك الحالة أو ترشح لقيامها، وكان يبين من محضر الجلسة الأخيرة للمحاكمة أن الطاعنين لم يتمسكا صراحة بقيام حالة الدفاع الشرعى فإنه لا يقبل منهما إثارة هذا الدفاع أمام محكمة النقض. ولا يغير من ذلك ما ورد على لسان المدافع عن الطاعن الأول بجلسة 29/ 4/ 1974 أمام هيئة أخرى من أنه: "ضربه لرد الاعتداء الواقع عليه" لما هو مقرر من أن المحكمة لا تكون ملزمة بالرد على الدفع إلا إذا كان من قدمه قد أصر عليه، وإذ كان الطاعنان لم يتمسكا أمام الهيئة الجديدة التى نظرت الدعوى وأصدرت الحكم المطعون فيه بقيام حالة الدفاع الشرعى فلا يكون لهما أن يطالبا هذه الهيئة بالرد على دفاع لم يبد أمامها، هذا فضلاً عما أثبته الحكم المطعون فيه فى حق الطاعنين من التدبير للجريمة بتوفر سبق الإصرار لديهما عل إيقاعهما مما ينتفى معه حتماً موجب الدفاع الشرعى الذى يفترض رداً حالاً لعدوان حال دون الإسلاس له وإعمال الخطة فى إنفاذه، لهذا ولأن الدفاع الشرعى لم يشرع للانتقام من الغرماء بل لكف الاعتداء ومن ثم يكون منعى الطاعنين فى هذا الصدد لا محل له. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل فى بيان شهادة الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهم متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وكان من المقرر كذلك أن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل الشهود - إن تعددت - وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به، بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، وإذ كان الطاعنان لا يجادلان فى أن ما نقله الحكم عن أقوال الشاهدين ..... و...... له أصله الثابت فى الأوراق ولم يخرج الحكم عن مدلول شهادتهما بل إن البين مما أورده الطاعنان فى أسباب طعنهما نقلاً عن أقوالهما أنها تتفق فى جملتها مع ما استند إليه الحكم منها فلا ضير على الحكم من بعد إحالته فى بيان أقوال الشاهدة الثانية إلى ما أورده من أقوال الشاهد الأول ولا يؤثر فيه أن يكون للشاهدة الثانية قول آخر أضافت فيه أن حديثاً دار بين الطاعنين والمجنى عليه - على فرض صحة ذلك - إذ أن مفاد إحالة الحكم فى بيان أقوالها إلى ما حصله من أقوال الشاهد الأول فيما اتفقا فيه أنه لم يستند فى قضائه إلى ما زادت فيه هذه الشاهدة من أقوال وطالما أن من حق محكمة الموضوع تجزئة أقوال الشاهد والأخذ منها بما تطمئن إليه وإطراح ما عداه دون أن يعد هذا تناقضاً فى حكمها. لما كان ذلك، وكان سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجانى فلا يستطيع أحد أن يشهد بها مباشرة بل تستفاد من وقائع خارجية يستخلصها القاضى منها استخلاصا، وكان يكفى لتحقق ظرف الترصد مجرد تربص الجانى للمجنى عليه مدة من الزمن طالت أو قصرت من مكان يتوقع قدومه إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأته بالاعتداء عليه، وكان البحث فى توافر ظرفى سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، ولما كان ما قاله الحكم فى تدليله على توافر ظرفى سبق الإصرار والترصد فى حق الطاعنين من أن مشاجرة حدثت فى صباح يوم الحادث بين عمهما وبين شقيق المجنى عليه واعتداء هذا الأخير على الأول بالسب والتماسك مما أثار حفيظة الطاعنين فأعدا عصياً وكمنا بجوار منزل المجنى عليه وما أن خرج منه حتى انهالا عليه ضرباً دون أن يصدر منه أى استفزاز يدعوهما إلى ذلك، وكان لهذا الذى قاله الحكم مأخذه الصحيح من أوراق الدعوى ومستمداً من شهادة الشاهدين التى لا يجادل الطاعنان فى صحة ما حصله الحكم من أقوالهما، وكان ما استظهره الحكم للاستدلال على ثبوت هذين الظرفين من وقائع وأمارات كشفت عنهما هو مما يسوغ به هذا الاستخلاص فإن ما يثيره الطاعنان فى هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.