أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 369

جلسة 19 من مارس سنة 1979

برياسة السيد المستشار حسن على المغربى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ عادل برهان نور، وشرف الدين خيرى، ومحمد وهبة، ومصطفى جميل مرسى.

(76)
الطعن رقم 1913 لسنة 48 القضائية

فاعل أصلى. إشتراك. إتفاق. توافق. مسئولية جنائية. ضرب. "توافق على الضرب".
الاتفاق. تطلبه. تقابل إرادات الجناة على ارتكاب الجريمة. توارد خواطرهم على فعل ينتويه كل منهم استقلالا. توافق. لا يرتب تضامنا فى المسئولية. إلا فى الأحوال التى حددها القانون فحسب. كالشأن فى جريمة المادة 243 عقوبات.
مساءلة الشخص عن فعل غيره. إيجابها. أن يكون فاعلاً أو شريكاً فيها.
من المقرر أن الاتفاق يتطلب تقابل الإرادات تقابلاً صريحاً على أركان الواقعة الجنائية التى تكون محلاً له، وهو غير التوافق الذى هو توارد خواطر الجناة على ارتكاب فعل معين ينتويه كل منهم فى نفسه مستقلاً عن الآخرين دون أن يكون بينهم اتفاق سابق ولو كان كل منهم على حدة قاد أصر على ما تواردت الخواطر عليه، وهو ما لا يستوجب مساءلة سائر من توافقوا على فعل ارتكبه بعضهم إلا فى الأحوال المبينة فى القانون على سبيل الحصر - كالشأن فيما نصت عليه المادة 243 من قانون العقوبات - أما فى غير تلك الأحوال فإنه يجب لمعاقبة المتهم عن فعل ارتكبه غيره أن يكون فاعلاً فيه أو شريكاً بالمعنى المحدد فى القانون. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد فى تحصيله لواقعة الدعوى أن الطاعنين دخلا منزل المجنى عليه - وهما يتعقبان الشاهد ..... الذى احتمى به - متوافقين على الاعتداء عليه بسبب الشجار الذى نشب بينهم ولما لم يتمكنا من إدراكه اعتدى على المجنى عليه. ثم عاد الحكم - وهو بصدد إطراح دفاع الطاعنين وإثبات مسئوليتهما معاً عن وفاة المجنى عليه - فقال إنهما اتفقا على ضرب المجنى عليه وأدلى كل منهما بدوره فى الاعتداء عليه حتى بعد سقوطه على الأرض وأن هذا السلوك الإجرامى يكفى لتضامنهما فى المسئولية الجنائية باعتبارهما فاعلين أصليين وأنه ليس بلازم أن تحدد الأفعال التى أتاها كل منهما. لما كان ذلك، فإن الحكم يكون قد أورد واقعة الدعوى على صورتين متعارضتين وأخذ بهما معاً، مما يدل على اختلال فكرته عن عناصرها وعدم استقرارها فى عقيدة المحكمة الاستقرار الذى يجعلها فى حكم الوقائع الثابتة بحيث لا يستطاع إستخلاص مقوماته، سواء ما تعلق منها بتلك الواقعة الثابتة أو بتطبيق القانون عليها. وذكر الحكم لكل هذا الذى ذكره فى أقوال مرسلة يجعله متخاذلاً فى أسبابه متناقضاً بعضه مع بعض بحيث لا يمكن أن يعرف منه إن كانت محكمة الموضوع قد كونت عقيدتها على أساس توافر الإتفاق فى حق الطاعنين أو مجرد التوافق مع ما فى ذلك من أثر فى قيام المسئولية التضامنية بينهم أو عدم قيامها. وهو ما يعجز محكمة النقض عن تفهم مراميه والاستيثاق من أن القانون قد طبق تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوى.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما ضربا عمدا ..... بعصا على رأسه فأحدثا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصدا من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات المنى قضت فى الدعوى حضورى عملا بمادة الاتهام بمعاقبة المتهمين بالسجن مدة ثلاث سنوات بلا مصروفات جنائية، فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه إنه إذ دانهما بجريمة الضرب المفضى إلى الموت قد شابه الخطأ فى تطبيق القانون ذلك بأنه أقام قضاءه بمسئولية الطاعنين عن إحداث الإصابتين اللتين وجدتا برأس المجنى عليه وأودتا بحياته - دون القطع بمن أحدث كل منهما - استناداً إلى ما قال به الحكم من توافق الطاعنين على الاعتداء فى حين أن هذا التوافق - بفرض وجوده - لايرتب تضامناً فى المسؤولية الجنائية ولا يصح فى القانون مؤاخذة الشخص عقابى إلا فى حدود ما اقترفته يداه من النشاط الإجرامى، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه أورد فى تحصيله لواقعة الدعوى قوله: "إنه قبيل غروب يوم ....... حدثت مشاجرة بين المتهم الثانى (الطاعن الثانى) وبين......... لخلاف حدث بين والديهما........ وقد تدخل المتهم الأول (الطاعن الأول) فى هذا الشجار لمناصرة أخيه.. ثم تبادل الأخوان الاعتداء والتضارب مع........ الذى جرى إلى منزل جده....... ودخل هذا المنزل للاحتماء به والمتهمان يجريان خلفه متوافقين على الاعتداء عليه وبيد كل منهما عصا غليظة غير أنهما لم يتمكنا من اللحاق به بسبب صعوده إلى الطابق العلوى...... وتصادف فى هذه الأثناء أن كان المجنى عليه........ فى ردهة المنزل وإلى جواره حفيدته........ بحوش المنزل فاعتدى عليه المتهمان (الطاعنان) بالضرب كل بعصاه على رأسه وفى مواضع أخرى من جسمه فأحدثا جروحاً رضية بمقدم فروة الرأس بالجدارية اليسرى والوجنة اليمنى وكدمين رضيين بأعلا البطن وكدم رضى بأعلا يسار مقدم الصدر ثم توفى المجنى عليه يوم........ نتيجة الكسور التى حدثت من الضرب أيسر مقدم الجبهة والتى امتدت إلى القاعدة وما صاحبها من نزيف ضاغط على سطح المخ وما تضاعفت به الحالة من التهاب رئوى شعبى وكودى مزدوج ولم يقصد المتهمان قتل المجنى عليه ولكن الضرب أفضى إلى موته". وبعد أن أورد الحكم أقوال المجنى عليه وشاهدى الحادث وفحوص الكشف الطبى وتقرير الصفة التشريحية عرض لدفاع الطاعنين ومبناه عدم إمكان نسبة إحداث إصابتى يسار الرأس إلى أى منهما وانتفاء مسئوليتهما عن وفاة المجنى عليه فاطرح هذا الدفاع بقوله: "إن المتهمين قد اتفقا على ضرب المجنى عليه وتواجدا على مسرح الجريمة وقت مقارفتها وأدلى كل منهما بدلوه فى الاعتداء عليه واستمر هذا الاعتداء بعد سقوط المجنى عليه على الأرض وهذا السلوك الإجرامى يكفى لتضامنهما فى المسئولية الجنائية باعتبارهما فاعلين أصليين وليس بلازم أن تحدد الأفعال التى أتاها كل منهما". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاتفاق يتطلب تقابل الإرادات تقابلا صريحا على أركان الواقعة الجنائية التى تكون محلا له، وهو غير التوافق الذى هو توارد خواطر الجناة على ارتكاب فعل معين ينتويه كل واحد منهم فى نفسه مستقلاً عن الآخرين دون أن يكون بينهم اتفاق سابق ولو كان كل منهم على حدة قد أصر على ما تواردت الخواطر عليه، وهو ما لا يستوجب مساءلة سائر من توافقوا على فعل ارتكبه بعضهم إلا فى الأحوال المبينة فى القانون على سبيل الحصر - كالشأن فيما نصت عليه المادة 243 من قانون العقوبات - أما فى غير تلك الأحوال فإنه يجب لمعاقبة المتهم عن فعل ارتكبه غيره أن يكون فاعلاً فيه أو شريكاً بالمعنى المحدد فى القانون. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد فى تحصيله لواقعة الدعوى أن الطاعنين دخلا منزل المجنى عليه - وهما يتعقبان الشاهد....... الذى احتمى به - متوافقين على الاعتداء عليه بسبب الشجار الذى نشب بينهم ولما لم يتمكنا من إدراكه اعتدى على المجنى عليه. ثم عاد الحكم - وهو بصدد إطراح دفاع الطاعنين وإثبات مسئوليتهما معاً عن وفاة المجنى عليه - فقال أنهما اتفقا على ضرب المجنى عليه وأدلى كل منهما بدلوه فى الاعتداء عليه حتى بعد سقوطه على الأرض وأن هذا السلوك الإجرامى يكفى لتضامنهما فى المسؤولية الجنائية باعتبارهما فاعلين أصليين وأنه ليس بلازم أن تحدد الأفعال التى أتاها كل منهما. لما كان ذلك، فإن الحكم يكون قد أورد واقعة الدعوى على صورتين متعارضتين وأخذ بهما معاً - مما يدل على اختلال فكرته عن عناصرها وعدم استقرارها فى عقيدة المحكمة الاستقرار الذى يجعلها فى حكم الوقائع الثابتة، بحيث لا يستطاع استخلاص مقوماته، سواء ما تعلق منها بتلك الواقعة أو بتطبيق القانون عليها. وذكر الحكم لكل هذا الذى ذكره فى أقوال مرسلة يجعله متخاذلاً فى أسبابه متناقضاً بعضه مع بعض بحيث لا يمكن أن يعرف منه إن كانت محكمة الموضوع قد كونت عقيدتها على أساس توافر الإتفاق فى حق الطاعنين أو مجرد التوافق مع ما فى ذلك من أثر فى قيام المسئولية التضامنية بينهم أو عدم قيامها. وهو ما يعجز محكمة النقض عن تفهم مراميه والاستيثاق من أن القانون قد طبق تطبيقاً صحيحا على واقعة الدعوى.
لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم والاحالة بغير حاجة إلى بحث باقى أوجه الطعن.