أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 381

جلسة 26 من مارس سنة 1979

برياسة السيد المستشار/ عثمان مهران الزينى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ عادل برهان نور، وشرف الدين خيرى، ومحمد وهبة، ومصطفى جميل مرسى.

(79)
الطعن رقم 1949 لسنة 48 القضائية

(1) محكمة الموضوع. "سلطتها فى تفسير العقود". صلح. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تفسير العقد المقدم لمحكمة الموضوع وتقديره. حق لها. متى كان سائغاً لا يتنافى ونصوص العقد.
(2) إثبات. "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". تناقض الشهود لا يعيب الحكم. متى استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً.
(3) إثبات. "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود وتقدير ظروف الادلاء بها. موضوعى.
أخذ المحكمة بأقوال شاهد. مفاده إطراح جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لعدم الأخذ بها. المجادلة فى ذلك أمام محكمة النقض. غير جائزة.
(4) إثبات. "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إختلاف الشهود فى بعض التفصيلات. لا يعيب الحكم. متى حصل أقوالهم بما لا تناقض فيه. عدم إيراد الحكم لهذه التفصيلات. مفاده إطراحها.
(5) ضرب أفضى إلى موت. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". رابطة السببية. مسئولية جنائية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
رابطة السببية فى المواد الجنائية. علاقة مادية. تبدأ بالفعل الذى اقترفه الجانى. وترتبط به من الناحية المعنوية مما يجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً.
مسئولية الفاعل عن جميع النتائج المحتملة ما لم يثبت أن المجنى عليه تعمد تجسيم المسئولية.
(6) إجراءات. "إجراءات المحاكمة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محضر الجلسة. إثبات "شهود". "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. غير جائز.
(7) إثبات. "شهود". "خبرة". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
كفاية أن يكون الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
1 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل السلطة فى تقدير ما ينطوى عليه العقد المقدم لها صلحاً كان أو سواه، كما أن لها حق تفسير العقود بما لا يخرج عما تحتمله عباراتها وتفهم نية العقدين لإستنباط حقيقة الواقع منها وتكييفها التكييف الصحيح، ولا رقابة لمحكمة النقض فيما تراه سائغاً ولا يتنافى مع نصوص العقد، ولما كانت محكمة الموضوع قد فسرت ما جاء بعقد الصلح بأن الزوجة قد اقتضت بمقتضاه التعويض بصفتها الشخصية فحسب وليس بصفتها وصية على القصر بما لا يخرج فيه عما تحتمله عباراته وبما له مأخذه الصحيح من مدوناته التى لم يرد فيها ما يشير من قريب أو بعيد بأن الزوجة قد اقتضت تعويضاً لصالح القصر بموجب ذلك الصلح، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى مخالفة الثابت بالأوراق لا يكون له من وجه ولا يعتد به.
2 - من المقرر أن التناقض بين أقوال الشهود بفرض قيامه - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم بما لا تناقض فيه.
3 - إن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التى يؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء على قوله مهما وجه إليه من مطاعن وحام حوله من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها ومتى أخذت بشهادة شاهد، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ولا يجوز الجدل فى ذلك أمام محكمة النقض لكونه من الأمور الموضوعية.
4 - لا يعيب الحكم اختلاف الشهود فى تفصيلات معينة ما دام قد حصل أقوالهم بما لا تناقض فيه ولم يورد هذه التفصيلات ولم يستند إليها فى تكوين عقيدته، ذلك أن لمحكمة الموضوع فى سبيل تكوين عقيدتها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وأن تطرح ما عداها وفى عدم إيراد الحكم لهذه التفصيلات ما يفيد اطراحها، وإذ كانت المحكمة قد أقامت قضاءها على عناصر سائغة اقتنع بها وجدانها، وأطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات المؤيدة بما أوردته من أدلة أخرى من بينها اعتراف الطاعن بضربه المجنى عليه بعصا فى رأسه، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة الفساد فى الاستدلال بدعوى أخذه أقوال شهود اختفت أقوالهم فى تصوير التعدى لا يعدو أن يكون محاولة لإعادة الجدل فى تقدير أدلة الدعوى بما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
5 - من المقرر أن علاقة السببية فى المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذى اقترفه الجانى وترتبط من الناحية المعنوية بما يوجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، ولما كانت هذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضى الموضوع لفعله بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً ونفياً، فلا رقابة لمحكمة النقض ما دام قد أقام قضاءه فى ذلك على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه، وإذ ما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن أنه أحدث بالمجنى عليه عمداً إصابة برأسه بأن ضربه بعصا، ودلل على توافر رابطة السببية بين الإصابة والوفاة بما حصله من تقرير الصفة التشريحية من أن إصابة المجنى عليه برأسه عبارة عن جرح رضى بأيسر قمة الرأس تحدث من مثل الاعتداء عليه بعصا وأن الوفاة أصابته نتيجة الإصابة المذكورة وما نشأ عنها من كسر بالجمجمة ونزيف دماغى وتكدم بجوهر المخ وما ضوعفت به من التهاب حاد رسوبى بالرئتين وهيوط فى القلب، فإن الطاعن يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها عن الإصابة التى أحدثها ولو كانت بطريق غير مباشر كالتراخى فى العلاج أو الإهمال فيه، ما لم يثبت أن المجنى عليه كان يتعمد التجسيم فى المسئولية، وهو ما لم يقل به الطاعن ولا سند له فى الأوراق، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الصدد يكون غير سديد.
6 - من المقرر أنه ليس للطاعن أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها أو الرد على دفاع لم يثره أمامها، ولا يقبل منه التحدى بالدفاع الموضوعى لأول مرة أمام محكمة النقض، لما كان ذلك وكان الثابت من الرجوع إلى محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب مناقشة الطبيب الشرعى ولم يوجه أى اعتراض على تقريره، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشهود وإلى التقرير الطبى الشرعى للأسانيد الفنية التى بنى عليها، وحصل الحكم مؤدى الأدلة التى أقام عليها قضاءه قولية أو فنية بما لا تناقض فيه، وكان الحكم لم يورد فيما حصله من أقوال الشهود أن اعتداء الطاعن على المجنى عليه قد تعددت فيه الضربات، وكان قول الشهود - بفرض صحة ما يدعيه الطاعن - أن ضربات الطاعن على رأس المجنى عليه قد تعددت - وهو قول لم يأخذ به الحكم - لا يستتبع بالضرورة أن تترك كل ضربة إصابة متميزة إذ يصح أن تقع ضربتان أو أكثر فى مكان واحد من الرأس، كما أنه ليس بلازم أن يتخلف عن كل اعتداء إصابة إذ يصح فى العقل أن ضربة قد تحدث إصابة وأخرى قد لا يتخلف عنها أثر مما لا يحتاج تقريره أو استنباطه إلى خبرة فنية خاصة يتعين على القاضى الالتجاء إليها، وكان الدفاع عن الطاعن لم يطلب سماع الطبيب الشرعى لتحقيق ما يدعيه بخلاف ذلك، فليس له أن يعيب على المحكمة سكوتها عن إجابته إلى طلب لم يجده أو الرد على دفاع لم يثيره أمامها.
7 - لا يلزم لصحة الحكم بالإدانة أن تكون رواية الشهود مطابقة للدليل الفنى مطابقة تامة، بل يكفى ألا يكون بينهما تناقض يستعصى على الملاءمة والتوفيق.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه ضرب عمدا ...... بعصا على رأسه فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يكن يقصد من ذلك قتلا ولكن الضرب أفضى إلى موته، وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقاً للقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام، فقرر ذلك. وادعت زوجة المجنى عليه - بصفتها وصية على أولادها القصر - مدنيا بمبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض، ومحكمة جنايات طنطا قضت حضوريا عملا بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وإلزامه أن يدفع للمدعية بالحقوق المدنية بصفتها تعويضاً نهائياً قدره ألفان من الجنيهات والمصروفات المدنية وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماه، فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ.


المحكمة

حيث إن حاصل ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة الضرب المفضى إلى الموت وألزامه بالتعويض فى الدعوى المدنية قد شابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال وخالف الثابت فى الأوراق وانطوى على الإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الحكم لم يضمن منطوقه ما يفيد قبول أو رفض الدفع المبدى من الطاعن بعدم قبول الدعوى المدنية، كما أن الثابت بمحضر الصلح أن المدعية بالحق المدنى تصالحت مع الطاعن عن الحقوق المدنية عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها القصر، غير أن الحكم استخلص أن هذا الصلح كان بصفتها الشخصية فحسب على خلاف الثابت بالأوراق، هذا إلى أن الحكم عول فى قضائه بالإدانة على أقوال شهود الإثبات دون أن يفطن إلى التناقض بين أقوالهم وانتهى إلى مساءلة الطاعن عن جريمة الضرب المفضى إلى الموت رغم خلو تقرير الطبيب الشرعى من بيان رابطة السببية بين الحادث ووفاة المجنى عليه. كما أن المحكمة لم تناقش الطبيب الشرعى فى شأن اختلاف أقوال الشهود عما تضمنه تقريره وعول على هذه الأقوال رغم عدم اتساقها مع الدليل الفنى اعتباراً بأن أقوال الشهود جرت على تعدد الضرب بعصا فى رأس المجنى عليه بينما أثبت التقرير الطبى أن برأس المجنى عليه إصابة واحدة مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه عرض للدفع المبدى من الطاعن بعدم قبول الدعوى المدنية واطرحه فى قوله: "وحيث إن.......... زوجة المجنى عليه بصفتها وصية على أولادها القصر......... و.......... و......... وعلى قصر زوجها المذكور قد ادعت مدنياً قبل المتهم بهذه الصفة بمبلغ خمسة آلاف من الجنيهات على سبيل التعويض النهائى. وحيث إنه لا ريب فى أن فى ادعاء المدعية بصفتها المتقدمة لا ينال منه سابقة اقتضائها بصفتها الشخصية تعويضاً من المتهم أشير إليه بالتحقيقات، لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم فى تقدم يكفى للرد على الدفع المبدى من الطاعن بما يفيد عدم قبوله وليس لزاماً على المحكمة أن تضمن ذلك منطوق حكمها، فإن ما يثيره الطاعن فى شأن قصور منطوق الحكم لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم رداً على هذا الدفع وما استخلصه من أن اقتضاء زوجة المجنى عليه التعويض من الطاعن كان بصفتها الشخصية له صداه بالأوراق ومأخذه الصحيح من محضر الصلح المرفق بالمفردات المضمومة، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل السلطة فى تقدير ما ينطوى عليه العقد المقدم لها صلحا كان أو سواه، كما أن لها حق تفسير العقود بما لا يخرج عما تحتمله عباراتها وتفهم نية العقدين لإستنباط حقيقة الواقع منها وتكييفها التكييف الصحيح، ولا رقابة لمحكمة النقض فيما تراه سائغاً ولا يتنافى مع نصوص العقد، ولما كانت محكمة الموضوع قد فسرت ما جاء بعقد الصلح بأن الزوجة قد اقتضت بمقتضاه التعويض بصفتها الشخصية فحسب وليس بصفتها وصية على القصر بما لا يخرج فيه عما تحتمله عباراته وبما له مأخذه الصحيح من مدوناته التى لم يرد فيها ما يشير من قريب أو بعيد بأن الزوجة قد اقتضت تعويضاً لصالح القصر بموجب ذلك الصلح، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم بدعوى مخالفة الثابت بالأوراق لا يكون له من وجه ولا يعتد به. لما كان ذلك، وكان التناقض بين أقوال الشهود - بفرض قيامه - لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الإدانة من أقوالهم بما لا تناقض فيه. وكان وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التى يؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء على قوله مهما وجه إليه من مطاعن وحام حوله من الشبهات كل ذلك مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه دون رقابة لمحكمة النقض عليها ومتى أخذت بشهادة شاهد، فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ولا يجوز الجدل فى ذلك أمام محكمة النقض لكونه من الأمور الموضوعية. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن خلافا دب بين المجنى عليه وبين الطاعن بسبب الصبيه، وعندئذ ضرب الطاعن المجنى عليه بعصا على رأسه فأحدث به الاصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يكن يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته، وأورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة فى حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات وهى أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، وقد أوردها فى تطابق تام بما لا أثر فيه للخلاف الذى يدعيه الطاعن، وكان ما أورده الحكم فى هذا الشأن سائغاً وسليماً، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم اختلاف الشهود فى تفصيلات معينة ما دام قد حصل أقوالهم بما لا تناقض فيه ولم يورد هذه الفصيلات ولم يستند إليها فى تكوين عقيدته، ذلك أن لمحكمة الموضوع فى سبيل تكوين عقيدتها أن تعتمد على ما تطمئن إليه من أقوال الشاهد وأن تطرح ما عداها وفى عدم إيراد الحكم لهذه التفصيلات ما يفيد اطراحها، وإذ كانت المحكمة قد أقامت قضاءها على عناصر سائغة اقتنع بها وجدانها، وأطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات المؤيدة بما أوردته من أدلة أخرى من بينها اعتراف الطاعن بضربه المجنى عليه بعصا فى رأسه، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم من قالة الفساد فى الاستدلال بدعوى أخذه بأقوال شهود اختلفت أقوالهم فى تصوير التعدى لا يعدو أن يكون محاولة الجدل فى تقدير أدلة الدعوى بما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن علاقة السببية فى المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذى اقترفه الجانى وترتبط من الناحية المعنوية بما يوجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً، ولما كانت هذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضى الموضوع لفعله بتقديرها ومتى فصل فيها اثباتا ونفيا، فلا رقابة لمحكمة النقض ما دام قد أقام قضاءه فى ذلك على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه، وإذ ما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن أنه أحدث بالمجنى عليه عمداً إصابة برأسه بأن ضربه بعصا، ودلل على توافر رابطة السببية بين الإصابة والوفاة بما حصله من تقرير الصفة التشريحية من أن إصابة المجنى عليه برأسه عبارة عن جرح رضى بأيسر قمة الرأس تحدث من مثل الاعتداء عليه بعصا وأن الوفاة أصابته نتيجة الإصابة المذكورة وما نشأ عنها من كسر بالجمجمة ونزيف دماغى وتكدم بجوهر المخ وما ضوعفت به من التهاب حاد رسوبى بالرئتين وهبوط بالقلب، فإن الطاعن يكون مسئولاً عن جميع النتائج المحتمل حصولها عن الإصابة التى أحدثها ولو كانت بطريق غير مباشر كالتراخى فى العلاج أو الإهمال فيه، ما لم يثبت أن المجنى عليه كان يتعمد التجسيم فى المسئولية، وهو ما لم يقل به الطاعن ولا سند له فى الأوراق، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس للطاعن أن ينعى على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها أو الرد على دفاع لم يثره أمامها، ولا يقبل منه التحدى بالدفاع الموضوعى لأول مرة أمام محكمة النقض، وكان الثابت من الرجوع إلى محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب مناقشة الطبيب الشرعى ولم يوجه أى اعتراض على تقريره، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشهود وإلى التقرير الطبى الشرعى للأسانيد الفنية التى بنى عليها، وحصل الحكم مؤدى الأدلة التى أقام عليها قضاءه قولية أو فنية بما لا تناقض فيه، وكان الحكم لم يورد فيما حصله من أقوال الشهود أن اعتداء الطاعن على المجنى عليه قد تعددت فيه الضربات، وكان قول الشهود، بفرض صحة ما يدعيه الطاعن، أن ضربات الطاعن على رأس المجنى عليه قد تعددت - وهو قول لم يأخذ به الحكم - لا يستتبع بالضرورة أن تترك كل ضربة إصابة متميزة إذ يصح أن تقع ضربتان أو أكثر فى مكان واحد من الرأس، كما أنه ليس بلازم أن يتخلف عن كل اعتداء إصابة إذ يصح فى العقل أن ضربة قد تحدث إصابة وأخرى قد لا يتخلف عنها أثر مما لا يحتاج تقريره أو استنباطه إلى خبرة فنية خاصة يتعين على القاضى الالتجاء إليها، وكان الدفاع عن الطاعن لم يطلب سماع الطبيب الشرعى لتحقيق ما يدعيه بخلاف ذلك، فليس له أن يعيب على المحكمة وسكوتها عن إجابته إلى طلب لم يجده أو الرد على دفاع لم يثيره أمامها، وكان ما حصله الحكم من أقوال الشهود والتقرير الطبى مما يتلاءم به فحوى الدليلين بغير تناقض، وكان لا يلزم لصحة الحكم بالإدانة أن تقع رواية الشهود مطابقة للدليل الفنى مطابقة تامة، بل يكفى ألا يكون بينهما تناقض يستعصى على الملاءمة والتوفيق، فإن دعوى التناقض بين الدليلين القولى والفنى تكون غير مقبولة. وإذ ما كانت المحكمة قد اطمأنت إلى التقرير الطبى الشرعى ورأت التعويل عليه فإنه لا يقبل من الطاعن ما ينعاه من التفاتها عن مناقشة الطبيب الشرعى طالما أنه لم يطلب إليها مناقشته ولم تر هى من جانبها محلا لاجراء هذه المناقشة اكتفاء منها بما أثبته فى تقريره وقدرت - بغير معقب عليها فى ذلك - صلاحية الدعوى للفصل فيها بحالتها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.