مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والأربعون - الجزء الثانى (من أول مارس سنة 2001 إلى آخر يونيه سنة 2001) - صـ 1669

(194)
جلسة 5 من مايو سنة 2001

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أمين المهدى - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: د. فاروق عبد البر، وأحمد عبد الفتاح حسن، ومصطفى سعيد حنفى، وأحمد عبد الحيمد عبود - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2474 لسنة 44 القضائية

اعتقال - قرار الاعتقال غير المشروع - التعويض عن الأضرار الناجمة عنه.
المواد 41، 50، 5، 47، 62 من الدستور.
قرار الاعتقال يرتب واقعاً مادياً يتحصل فى تقييد حرية المواطن فإذا ثبت عدم مشروعية القرار أصبح القرار متصادما مع أصل المبدأ المقرر بالمادتين 41، 50 من الدستور الذى يفيد بأن الحرية الشخصية حق طبيعى فلا يجوز تقييد حرية المواطن أو منعه من التنقل أو إلزامه بالإقامة فى مكان معين إلا بالشروط والأوضاع والضوابط المقررة بهاتين المادتين - قرار الاعتقال يرتب افتئاتاً على حق دستورى آخر يتمثل فى حق الاشتراك والاسهام فى الحياة العامة سواء بممارسة حقوق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأى فى الاستفتاء أو الاشتراك فى تأسيس أحزاب سياسية أو الانضمام إليها وغير ذلك من الحقوق الدستورية - نتيجة لذلك: كلاً من الحقين الدستوريين اللذين تطاول عليهما قرار الاعتقال غير المشروع يقتضى تعويضاً منفرداً حقيقة الأضرار المترتبة على التعدى على كل منهما - تطبيق.


إجراءات الطعن:

فى يوم الأحد الموافق 8/ 2/ 1998 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة - بصفتها نائبة عن الطاعنين - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن - قيد بجدولها برقم 2474 لسنة 44 قضائية عليا - فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة فى الدعوى رقم 714 لسنة 45 قضائبة بجلسة 14/ 12/ 1997 والقاضى فى منطوقه " بقبول الدعوى شكلاً، وفى الموضوع بإلزام المدعى عليهما بصفتهما متضامنين بأن يؤديا للمدعى مبلغا مقداره ألف جنيه والمصروفات". وطلبت الهيئة الطاعنة - للأسباب الواردة فى تقرير الطعن - تحديد أقرب جلسة بصفة مستعجلة أمام دائرة فحص الطعون لتأمر بوقف تنفيذ الحكم وبإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضى بقبوله شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم أصلياً بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى المطعون فى حكمها، واحتياطياً برفض الدعوى المطعون فى حكمها، واحتياطياً برفض الدعوى، مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتى التقاضى.
وتم إعلان الطعن قانونا. وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونوى طلبت فى ختامه - للأسباب الواردة فيه - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 8/ 10/ 1999 وتداولت نظره على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 4/ 9/ 2000 قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى - موضوع) لنظره بجلسة 3/ 12/ 2000 حيث نظرته هذه الدائرة، وبجلسة 27/ 1/ 2000 قررت حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم، مع التصريح بمذكرات لمن يشاء خلال ثلاثة أسابيع. وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - فى أن السيد ...... (المطعون ضده) كان قد أقام الدعوى رقم 714 لسنة 45 قضائية، طالباً الحكم بإلزام المدعى عليهما (الطاعنين) بصفتيهما متضامنين بأن يؤديا له تعويضاً مناسباً جبراً للأضرار المادية والأدبية التى لحقت به من جراء حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية، وذكر شرحاً لدعواه " أن المدعى عليهما (الطاعنين) قام بحرمانه من مباشرة حقوقه السياسية اعتباراً من عام 1963 وذلك استناداً إلى أحكام القانون رقم 34 لسنة 1962 وذلك بمقولة انتمائه السياسى وذلك بمقولة انتمائه السياسى وذلك بعد اعتقاله وتعذيبه، واستمر الحال على ذلك حتى رفع عنه هذا الحظر السياسى بقرار المدعى عليه الأول رقم 2210 لسنة 1967، وأن قرار عزله آنف الذكر صدر معيباً بأكثر من عيب، وعلى الأخص مخالفة القانون، وتخلف ركن السبب والانحراف بالسلطة، وأنه قد أصيب بأضرار مادية وأدبية ".
وبجلسة 14/ 12/ 1997 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه وذلك تأسيساً على أن " قرار حرمان المدعى من مباشرة حقوقه السياسية انما إستند إلى سابقة اعتقاله، وقد قضت هذه المحكمة بهيئة مغايرة بجلسة 23/ 12/ 1984 فى الدعوى رقم 565 لسنة 38 قضائية بتعويض المدعى بمبلغ مقداره خمسة آلاف جنيه جبراً للأضرار التى أصابته من جراء اعتقاله، على سند من أن قرار الاعتقال قد صدر فاقداً سببه، ومن ثم يغدو السببه، ومن ثم يغدو السبب الذى ابتنى عليه قرار حرمان المدعى من مباشرة حقوقه السياسية غير قائم، وهو ما يكون معه هذا القرار فاقدا لسببه على النحو الذى يتحقق به ركن الخطأ فى جانب الجهة الإدارية وأن حرمان المدعى من مباشرة تلك الحقوق لا يرتب بذاته ضرراً مادياً يصلح سنداً للتعويض عنه، ذلك أنه فضلاً عن أن أوراق الدعوى قد خلت من بيان الجهات التى لم يتمكن المدعى من مباشرة حقوقه السياسية تجاهها خلال فترة عزله سياسياً، والمناسبات التى لم يتمكن فيها من مباشرة تلك الحقوق، وأنه قد حيل بينه وبين مباشرتها أمام تلك الجهات على النحو الذى كفله المشرع لجميع المواطنين، فإنه من المسلم به أن سعى المواطن لعضوية المجالس النياببة والمجالس المحلية وغيرها للفوز بالعضوية ليس مجالاً للكسب المادى وإنما هو مقصود لذاته للتمتع بشرف النيابة عن الشعب وعليه يكون ادعاء المدعى إصابته بأضرار مادية لا سند له الأمر الذى تلتفت معه المحكمة عن هذا الطلب. إلا أن المدعى ولاشك قد أصيب بأضرار أدبية تمثلت فى شعوره بالظلم، وبأنه أدنى من سائر المواطنين والنيل من سمعته".
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله حيث إن رقابة محاكم مجلس الدولة تنصب - طبقاً لقانونه الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 - على الأعمال الإدارية، أما القوانين التى تصدر من السلطة التشريعية فقد استقرت أحكام القضاء الإدارى على أنها لا تعتبر من القرارات الإدارية التى تختص بها هذه المحمكة، ولما كان المطعون ضده يطلب التعويض عن القرار بقانون رقم 34 لسنة 1962 فإن طلبه يخرج عن ولاية مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى، ومن ثم تكون المحكمة غير مختصة ولائياً بنظر الدعوى المطعون على حكمها.
ومن حيث إنه لا مراء فى أن لمحكمة الموضوع فى كل حال أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانونى الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفى دعوى التعويض، وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها، باعتبار أن ما يتولد للمضرور من حق فى التعويض عما أصابه من ضرر هو السبب المباشر المولد لدعوى التعويض، وبغض النظر عن الأسباب التى يستند إليها المضرور فى تأييد طلبه، لأن هذا الاستناد يعتبر من وسائل الدفاع فى دعوى التعويض، التى يتعين على محكمة الموضوع أن تأخذ منها ما يتفق وطبيعة النزاع المطروح عليها، وأن تنزل حكم الموضوع على واقعة الدعوى، ولا يعد ذلك منها تغييراً لسبب الدعوى أو موضوعها مما لا تملكه من تلقاء نفسها، وعلى ذلك فإن حقيقة طلب المطعون ضده فى الدعوى التى أقامها أمام محكمة القضاء الإدارى هى التعويض عن الأضرار الأدبية التى أصابته من جراء حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية، كأثر من آثار قرار اعتقاله غير المشروع.
ومن حيث إن قرار الاعتقال الذى كان قد صدر فى شأن المطعون ضده إنما تطاول مساساً بحريتين وانتقاصاً من حقين دستوريين يتساميان قدراً، باعتبارهما من الحريات والحقوق الدستورية العامة وإن تمايزا واستقل كل منهما إحكاماً وتنظيماً. بيان ذلك أن قرار الاعتقال يرتب واقعاً مادياً يتحصل فى تقييد حرية المواطن فإذا ثبت عدم مشروعية القرار أصبح القرار متصادماً مع أصل المبدأ المقرر بالمادتين 41، 50 من الدستور الذى يفيد بأن الحرية الشخصية حق طبيعى فلا يجوز تقييد حرية المواطن أو منعه من التنقل أو إلزامه بالإقامة فى مكان معين إلا بالشروط والأوضاع والضوابط المقررة بهاتين المادتين. كما أن قرار الاعتقال، سواء باعتبارة واقعة مادية أو بحسبانه يحدد مركزاً قانونياً للشخص المعنى، قد يرتب بالإضافة إلى ما سبق، مساساً وافتئاتاً على حق دستورى آخر يتمثل فى حق الاشتراك والاسهام فى الحياة العامة سواء بممارسة حقوق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأى فى الاستفتاء أو الاشتراك فى تأسيس أو الإنضمام إلى الأحزاب سياسية، وغير ذلك من الحقوق الدستورية المترتبة على هذا الجنس من الحقوق التى تتحصل فى حرية الرأى والتعبير والإسهام فى الحياة العامة على نحو ما تنظمه أساساً أحكام المواد 5 و 47 و 62 من الدستور. وكل من الحقين الدستوريين اللذين تطاول عليهما القرار غير المشروع بالاعتقال يقتضى تعويضاً منفردا لاختلاف حقيقة الأضرار المترتبة على التعدى على كل منهما.
ومن حيث إنه بالترتيب على ما سبق فإنه لا يكون صحيحاً دفع المنازعة الماثلة بقوة الشئ المقضى على سند من أن المطعون ضده قد عوض فى الدعوى رقم 565 لسنة 38 قضائية عن الأضرار التى أستند إليها من جراء صدور قرار اعتقاله، وذلك أن البين من الحكم الصادر فى الدعوى المشار إليها أن الضرر الناشئ عن حرمان المطعون ضده من مباشرة الحقوق السياسية لم يقض فيه، ولم يدخل فى حساب المحكمة عند تقدير التعويض فى الحكم الذى أصدرته. فإذا كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه، بالطعن الماثل، وقد قضى للمطعون ضده بتعويض مقداره ألف جنيه عن الضرر الأدبى الناشئ عن حرمانه من مباشرة الحقوق السياسية، وهى تعد من الحقوق العلى التى تلتحم فى شخص المواطن، فيكون المساس بها أو الانتقاص منها، دون سند، مما يستوى واستقطاع صفة والمساس بمركز، يكسبه المواطن بحق المواطنة. وتكون حمايته ورعايته وصونه من أولى ما يلزم قاضى المشروعية بشموله برقابته واختصاصه بالذود عنه إذا ما بدرت بادرة مساس به أو انتقاص منه دون سند من صحيح حكم التشريع. وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب، وجه الحق فيما انتهى إليه من تعويض ترى هذه المحكمة أنه يجبر كافة الأضرار التى لحقت بالمطعون ضده عن حرمانه من مباشرة حقوقه السياسية ويكون الطعن عليه خليقاً بالرفض.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم مصروفاته عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة: بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزامت الطاعنين المصروفات.