أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 422

جلسة 2 من أبريل سنة 1979

برياسة السيد المستشار عثمان الزينى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ عادل برهان نور، وشرف الدين خيرى، ومحمد وهبة، ومصطفى جميل مرسى.

(89)
الطعن رقم 1999 لسنة 48 القضائية

دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". "إثبات". "خبرة". قتل عمد.
تكذيب أقوال المجنى عليه. تمسكاً بعدم قدرته على الجرى واللحاق بالمتهم عقب إصابته بمقذوف نارى فى بطنه. دفاع جوهرى. وطلب جازم. التعويل على أقواله دون تحقيق عن طريق المختص فنياً. إخلال بحق الدفاع.
متى كان محامى الطاعنين قد تمسك بكذب المجنى عليه فيما قرره من أن الطاعن الأول أطلق عياراً نارياً وأنه عقب إصابته بالمقذوف النارى جرى خلفه وتمكن من اللحاق به، وكان الدفاع الذى أبداه الطاعنون حول قدرة المجنى عليه على الجرى عقب إصابته بالمقذوف النارى الذى أصاب البطن والظهر يعد دفاعاً جوهرياً فى صورة الدعوى ومؤثراً فى مصيرها إذ قد يترتب على تحقيقه تغير وجه الرأى فيها وهو يعد من المسائل الفنية البحت التى لا تستطيع المحكمة أن تشق طريقها إليها بنفسها لإبداء الرأى فيها، فقد كان يتعين عليها أن تتخذ ما تراه من وسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها وذلك عن طريق المختص فنياً، وهو الطبيب الشرعى، أما وهى لم تفعل ذلك فإنها تكون قد أحلت نفسها محل الخبير الفنى فى مسألة فنية. ولما كان الحكم المطعون فيه قد أستند من بين ما استند إليه فى إدانة الطاعنين إلى أقوال المجنى عليه التى يعارضونها بغير أن يعنى بالرد على دفاع الطاعنين الجوهرى أو يعمل على تحقيقه عن طريق المختص فنياً - وهو الطبيب الشرعى - فإن التفات الحكم عن ذلك الاجراء يخل بدفاع الطاعنين - ولا يقدح فى هذا الشأن أن يسكت الدفاع عن طلب دعوة أهل الفن صراحة، ذلك بأن اثارة هذا الدفاع - فى خصوص الواقعة المطروحة - يتضمن فى ذاته المطالبة الجازمة بتحقيقه أو الرد عليه.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخر بأنهم (المتهمون الثلاثة الأول) "الطاعنون" شرعوا فى قتل ..... (المتهم الرابع) عمدا ومع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك أسلحة نارية "فردين ومسدس" وترصدوا له فى المكان الذى أيقنوا مروره فيه وما أن ظفروا به حتى أطلقوا عليه أعيرة نارية من الأسلحة سالفة الذكر قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لارادتهم فيه هو مداركة المجنى عليه بالعلاج. (المتهمان الأول والثالث) أحرز كل منهما سلاحاً نارياً غير مششخناً "فرد" (المتهم الثانى) أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً "مسدس" (المتهمون الثلاثة أيضاً) أحرز كل منهم ذخيرة "طلقات" مما تستعمل فى الأسلحة سالفة الذكر دون أن يكون مرخصا لهم باحراز أو حيازة تلك الأسلحة. (المتهم الرابع) 1 - شرع فى قتل المتهم الأول....... عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً "فرد" قاصداً من ذلك قتله وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو عدم انطلاق العيار. 2 - أحرز سلاحاً غير مششخناً "فرد" بدون ترخيص. 3 - أحرز ذخيرة (طلقة) مما تستعمل فى السلاح النارى سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له فى حيازته أو إحرازه. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للمواد 45 و46 و234/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ 1 - 4 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمى 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والجدول رقم 2 الملحق والمادتين 17 و32 من قانون العقوبات، فقرر ذلك. وادعى المجنى عليه (المتهم الرابع) مدنياً قبل المتهمين الثلاثة متضامنين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات سوهاج قضت فى الدعوى حضورياً (أولاً) بمعاقبة كل من المتهمين الثلاثة الأول "الطاعنين" بالأشغال الشاقة مدة خمس سنوات عن التهم المسندة إليهم. (ثانياً) ببراءة المتهم الرابع من التهم المسندة إليه. (ثالثاً) بالزام المتهمين الثلاثة أن يدفعوا متضامنين للمدعى بالحق المدنى مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. فطعن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض .. إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد قد شابه قصور فى التسبيب وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعنين نفوا صلتهم بالواقعة وأثار الدفاع عنهم أمام محكمة الموضوع أن الحادث لم يقع على الصورة التى رواها المجنى عليه، إذ يكذبه أنه وقد أصابه المقذوف النارى فى البطن والظهر كما أورى التقرير الطبى الشرعى لم يكن فى استطاعته أن يجرى خلف الطاعن الأول حتى يمسك به حسبما شهد بذلك، ورغم جوهرية هذا الدفاع فقد التفتت المحكمة عنه ولم تعن بتحقيقه وسكتت عنه إيراداً له ورداً عليه، مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعنين أنكرو التهمة المسندة إليهم، وأن المدافع عنهم قد أثار عدم قدرة المجنى عليه على الجرى عقب إصابته وتمسك بكذب المجنى عليه فيما قرره من أن الطاعن الأول أطلق عليه عيارا ناريا وأنه عقب إصابته تسنى له الجرى خلف ذلك الطاعن والامساك به، كما يبين من الحكم المطعون فيه أنه أثبت فى بيان لواقعة الدعوى أن الطاعن الأول بادر المجنى عليه بطلق نارى أحدث به إصابته نارية لم تعقه عن الامساك به ومحاولة القبض عليه، فخف إليه الطاعنان الآخران وأطلقا أعيرة نارية على المجنى عليه فأصاباه وتمكن الطاعن الأول بذلك من الافلات منه. ولما كان مفاد ما تقدم أن محامى الطاعنين قد تمسك بكذب المجنى عليه فيما قرره من أن الطاعن الأول أطلق عياراً نارياً وأنه عقب إصابته بالمقذوف النارى جرى خلفه وتمكن من اللحاق به، وكان الدفاع الذى أبداه الطاعنون حول قدرة المجنى عليه على الجرى عقب إصابته بالمقذوف النارى الذى أصاب البطن والظهر يعد دفاعاً جوهرياً فى صورة الدعوى ومؤثراً فى مصيرها إذ قد ينبنى على تحقيقه تغير وجه الرأى فيها، وهو يعد من المسائل الفنية البحت التى لا تستطيع المحكمة أن تشق طريقها إليها بنفسها لإبداء الرأى فيها، فقد كان يتعين عليها أن تتخذ ما تراه من وسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها وذلك عن طريق المختص فنياً وهو الطبيب الشرعى، أما وهى لم تفعل ذلك فإنها تكون قد أحلت نفسها محل الخبير الفنى فى مسألة فنية ولما كان الحكم المطعون فيه قد أستند - من بين ما استند إليه - فى إدانة الطاعنين إلى أقوال المجنى عليه التى يعارضونها بغير أن يعنى بالرد على دفاع الطاعنين الجوهرى أو يعمل على تحقيقه عن طريق المختص فنياً - وهو الطبيب الشرعى - فإن التفات الحكم عن ذلك الاجراء يخل بدفاع الطاعنين - ولا يقدح فى هذا الشأن أن يسكت الدفاع عن طلب دعوة أهل الفن صراحة، ذلك بأن إثارة هذا الدفاع - فى خصوص الواقعة المطروحة - يتضمن فى ذاته المطالبة الجازمة بتحقيقه أو الرد عليه ولا يرفع هذا العوار أن يكون الحكم قد استند فى إدانة الطاعنين إلى أدلة أخرى، ذلك بأن الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها البعض الآخر فتتكون عقيدة القاضى منها مجتمعة بحيث إذا سقط إحداها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذى كان للدليل الباطل فى الرأى الذى انتهت إليه المحكمة أو الوقوف على ما كانت تنهى إليه من نتيجة لو أنها فطنت إلى أن هذا الدليل غير قائم. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والاحالة بغير حاجة إلى بحث سائر ما يثيره الطاعن فى أسباب طعنه.