أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثانى - السنة 22 - صـ 487

جلسة 20 من يونيه سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين/ سعد الدين عطية، ومحمود كامل عطيفة، والدكتور محمد حسنين، وطه دنانة.

(119)
الطعن رقم 517 لسنة 41 القضائية

(أ، ب، ج) إجراءات المحاكمة. "لغة المحاكمة". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
( أ ) الأصل أن تجرى المحاكمة باللغة العربية ما لم يتعذر مباشرة إجراءاتها بهذه اللغة دون الاستعانة بوسيط يقوم بالترجمة، أو يطلب منها المتهم ذلك ويكون طلبه خاضعا لتقديرها.
(ب) ليس للطاعن إثارة بطلان إجراءات التحقيق لأول مرة أمام محكمة النقض.
(ج) للمحكمة الاستناد فى قضائها بالإدانة إلى قرار محرر بخط المتهم باللغة الإنجليزية كان ضمن أوراق الدعوى. طالما أنه لم ينازع فى صحته أو يدفع ببطلان الدليل المستمد منه.
(د) رشوة. جريمة. "أركانها". قصد جنائى. نقض. "حالات الطعن. الخطأ فى تطبيق القانون". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
القصد الجنائى فى جريمة الرشوة. متى يتوافر؟
(هـ) إثبات. "اعتراف". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الاعتراف. استخلاصه موضوعى. مثال لتسبيب غير معيب.
(و) إجراءات المحاكمة. استجواب.
استجواب المتهم محظور. إلا إذا قبل ذلك صراحة أو ضمنا.
1 - الأصل أن تجرى المحاكمة باللغة الرسمية للدولة - وهى اللغة العربية - ما لم يتعذر على إحدى سلطتى التحقيق أو المحاكمة مباشرة إجراءات ذلك التحقيق دون الاستعانة بوسيط يقوم بالترجمة أو يطلب منها المتهم ذلك ويكون طلبه خاضعا لتقديرها، وطالما كان الثابت أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب من المحكمة ذلك وكان مثل هذا الطلب يتعلق بمصلحة خاصة به ولم ينبه إليها فإنه لا يقبل منه النعى على المحكمة أنها سارت فى إجراءات محاكمته دون أن تستعين بوسيط، ما دام أنها لم تر من ناحيتها محلا لذلك، وقد تبينت مدلول رد الطاعن على ما وجهته إليه وهو أمر موضوعى يرجع إليها وحدها فى تقدير الحاجة إليه بلا معقب عليها فى ذلك.
2 - لما كان يبين من الإطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة واجهت الطاعن بالتهمة المسندة إليه فأجاب باللغة العربية ولم يدعِ أنه لم يفهم مضمون ما واجهته به المحكمة، ولم يثر الطاعن أو المدافع عنه شيئا عن صحة أو بطلان إجراءات التحقيق الابتدائى أمام محكمة الموضوع فلا يقبل منه إثارة شيء من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض.
3 - متى كان الإقرار الذى حرره الطاعن بخطه باللغة الإنجليزية كان ضمن أوراق الدعوى المطروحة أمام المحكمة ولم ينازع الطاعن أو محاميه فى صحته أو يدفع ببطلان الدليل المستمد منه - على ما جاء فى وجه النعى - أو يبدى أنه فى حاجة إلى ترجمته إلى اللغة العربية ليعلم فحواه أو يناقشه، فلا تثريب على المحكمة إذا كانت قد استندت إليه فى إدانة الطاعن ولا تأثير لذلك فى سلامة حكمها.
4 - من المقرر أن القصد الجنائى فى الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشى عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو للإخلال بواجباته وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته أو استغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التى صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة. ولما كان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قدمت للطاعن تنفيذا للاتفاق السابق الذى انعقد بينه وبين المجنى عليه مما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائى كما هو معرف به فى القانون، فإن ما يثيره الطاعن من أنه أخذ المبلغ "كوهبة" لا يكون مقبولا ويضحى النعى على الحكم بقاله الخطأ فى تطبيق القانون فى غير محله.
5 - متى كان يبين من محضر جلسة المحاكمة أنّ أقوال الطاعن وإن كانت لا تتفق مع ما وصفت به فى الحكم من أنها اعتراف صريح بصحة ما أسند إليه إلا أنها تحمل هذا المعنى فقد سئل عن التهمة المنسوبة إليه فأنكر وقال: "إن المبلغ الذى أخذته كان هدية من... لأنه صديقى". ولما كان الحكم قد أول هذه الإجابة بما تؤدى إليه من معنى التسليم بوقوع الفعل المسند إلى الطاعن فإنه يكون سليما فى نتيجته ومبينا على فهم صحيح للواقع، ومن ثم فإن النعى على الحكم فى هذه الخصوصية يكون غير سديد.
6 - من المقرر أن القانون وإن كان قد حظر استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك، فإن هذه القاعدة قد وضعت لمصلحته فله أن يتنازل عنها إما بطلبه صراحة من المحكمة أن تستجوبه أو بعدم اعتراضه على استجوابه وإجابته على الأسئلة التى توجهها المحكمة إليه، فإذا ما أجاب المتهم بمحض اختياره على ما توجهه إليه المحكمة من أسئلة دون أن يعترض المدافع فإن ذلك منه يدل على أن مصلحته لم تضار بالاستجواب، وبالتالى فلا يجوز له أن يدعى البطلان فى الإجراءات. ولما كان اعتراض ما سواء كان من الطاعن أو من المدافع الحاضر معه لم يثبت بمحضر الجلسة، فإن ما يثيره الطاعن فى صدد بطلان استجوابه لا يكون له محل.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 15 أكتوبر سنة 1966 بدائرة قسم عابدين محافظة القاهرة وهو مستخدم فى إحدى الشركات المملوكة للدولة (رئيس بيع بشركة الجمهورية للأدوية) طلب وأخذ عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته وذلك بأن طلب وأخذ من ..... مبلغ مائة وخمسة وعشرون جنيها على سبيل الرشوة مقابل تسهيل تسليم مستحقاته من العدسات الخام التى تقوم الشركة سالفة الذكر بتوزيعها. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقا للمواد الواردة بقرار الاتهام. فقرر ذلك، ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا عملا بالمواد 103 و11/ 6 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وتغريمه ألف جنيه. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الارتشاء قد شابه قصور فى التسبيب وبنى على إجراءات باطلة وانطوى على خطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأنه عوّل فى إدانة الطاعن على الاعتراف المعزو إليه فى الأقوال المحرر بخطه باللغة الإنجليزية دون أن يبين فحوى هذا الإقرار وما إذا كان قد ترجم للغة العربية أو لم يترجم، وما كان يجوز للمحكمة أن تعتمد على مثل هذا الإقرار بحالته لأن رجال الرقابة الادارية استغلوا جهل الطاعن باللغة العربية واستكتبوه إياه بطريق الغش متجاوزين فى ذلك حدود الندب الصادر لهم من النيابة العامة بالقبض على الطاعن وتفتيشه. هذا إلى أن التحقيق مع الطاعن جرى باللغة العربية التى يجهلها، وكان من المتعين على كل من النيابة العامة والمحكمة أن تأتى بمترجم يحلف اليمين القانونية ويكون وسيلة الطاعن فى الأداء باللغة التى يفهمها. ثم إن المحكمة استجوبت الطاعن دون أن تحصل على موافقة الدفاع على استجوابه، يضاف إلى ذلك أن الحكم المطعون فيه أسند إلى الطاعن أنه اعترف بجلسة المحاكمة مع أنه اعتصم بالإنكار ولا تنطوى أقواله الثابتة بمحضر الجلسة على ثمة اعتراف صريح بالجريمة المنسوبة إليه. وأخيرا فإن المستفاد من الاعتراف المعزو للطاعن أنه تقاضى المبلغ كمكافأة له بعد إنجاز العمل، ومن ثم فإن ما قارفه - لو صح - يقع تحت طائلة المادة 104 من قانون العقوبات لا المادة 103 التى أدين بمقتضاها، ولا محل للاحتجاج فى هذا الصدد بنظرية العقوبة المبررة، لأن لكل من النصين نطاقه، ومع ذلك فقد تمسك الدفاع عن الطاعن بانتفاء القصد الجنائى لديه تأسيسا على أنه كان يعتقد بمشروعية فعله ولم يتقاض المبلغ إلا بصفة "وهبه" على ما جرى عليه العمل فى الشركة قبل تأميمها مما لا يتحقق به معنى الاتجار بالوظيفة وهو مناط التأثيم فى جريمة الرشوة، غير أن الحكم أطرح هذا الدفاع ورد عليه بما لا يسوغه. وكل ذلك مما يبطل الحكم المطعون فيه ويعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التى دين بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة مستمدة من شهادة كل من...... و....... و....... عضوا الرقابة الإدارية و......... المحرر بأخبار اليوم ومن اعتراف الطاعن بتحقيق النيابة والإقرار الذى حرره وهى أدلة سائغة، من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان يبين من الإطلاع على الحكم المطعون فيه أنه استند ضمن ما استند إليه فى إدانة الطاعن على الإقرار الذى حرره بخطه باللغة الإنجليزية فقال "وحيث إن المتهم اعترف بالتهمة لدى سؤاله عنها فى الجلسة كما كان قد اعترف من قبل فى التحقيق أمام النيابة فقرر أنه تقاضى مبلغ عشرة جنيهات عند استلام الحصتين بمخزن الشركة واحتبس لنفسه منها خمسة جنيهات وترك لأمين المخزن .... خمسة جنيهات، كما اعترف أيضا بأخذ مبلغ مائة وخمسة عشر جنيها بمحل المتهم نظير القيام بالعمل على تسليم الشاهد الأول الحصتين المقررتين له من الشركة. وعزز هذا الاعتراف بالإقرار الذى حرره بخطه باللغة الإنجليزية، وهو الإقرار المرفق بالتحقيقات" ولما كان هذا الإقرار بحالته ضمن أوراق الدعوى المطروحة أمام المحكمة ولم ينازع الطاعن أو محاميه فى صحته أو يدفع ببطلان الدليل المستمد منه - على ما جاء فى وجه النعى - أو يبدى أنه فى حاجة إلى ترجمته إلى اللغة العربية ليعلم فحواه أو يناقشه، فلا تثريب على المحكمة إذا كانت قد استندت إليه فى إدانة الطاعن ولا تأثير لذلك فى سلامة حكمها. لما كان ذلك، وكان يبين من الإطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة واجهت الطاعن بالتهمة المسندة إليه فأجاب باللغة العربية ولم يدع أنه لم يفهم مضمون ما واجهته به المحكمة، ولم يثر الطاعن أو المدافع عنه شيئا عن صحة أو بطلان إجراءات التحقيق الابتدائى أمام محكمة الموضوع فلا يقبل منه إثارة شيء من ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، وإذ كان الأصل أن تجرى المحاكمة باللغة الرسمية للدولة - وهى اللغة العربية - ما لم يتعذر على إحدى سلطتى التحقيق أو المحاكمة مباشرة إجراءات ذلك التحقيق دون الاستعانة بوسيط يقوم بالترجمة أو يطلب منها المتهم ذلك ويكون طلبه خاضعا لتقديرها، وطالما كان الثابت أن الطاعن أو المدافع عنه لم يطلب من المحكمة ذلك، وكان مثل هذا الطلب يتعلق بمصلحة خاصة به ولم ينتبه إليها فإنه لا يقبل منه النعى على المحكمة أنها سارت فى إجراءات محاكمته دون أن تستعين بوسيط ما دام أنها لم تر من ناحيتها محلا لذلك وقد تبينت مدلول رد الطاعن على ما وجهته إليه وهو أمر موضوعى يرجع إليها وحدها فى تقدير الحاجة إليه بلا معقب عليها فى ذلك. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون وإن كان قد حضر استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك، فإن هذه القاعدة قد وضعت لمصلحته فله أن يتنازل عنها إما بطلبه صراحة من المحكمة أن تستجوبه أو بعدم اعتراضه على استجوابه وإجابته على الأسئلة التى توجهها المحكمة إليه، فإذا ما أجاب المتهم بمحض اختياره على ما توجهه إليه المحكمة من أسئلة دون أن يعترض المدافع فإن ذلك منه يدل على أن مصلحته لم تضار بالاستجواب وبالتالى فلا يجوز له أن يدعى البطلان فى الإجراءات. ولما كان اعتراض ما سواء كان من الطاعن أو من المدافع الحاضر معه لم يثبت بمحضر الجلسة، فإن ما يثيره الطاعن فى صدد بطلان استجوابه لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن أقوال الطاعن وإن كانت لا تتفق مع ما وصفت به فى الحكم من أنها اعتراف صريح بصحة ما أسند إليه إلا أنها تحمل هذا المعنى فقد سئل عن التهمة المنسوبة إليه فأنكرها وقال "إن المبلغ الذى أخذته كان هدية من....... لأنه كان صديقى"، ولما كان الحكم قد أوّل هذه الإجابة بما تؤدى إليه من معنى التسليم بوقوع الفعل المسند إلى الطاعن فإنه يكون سليما فى نتيجته ومبنيا على فهم صحيح للواقع، ومن ثم فإن النعى على الحكم فى هذه الخصوصية يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن بما أورده من أدلة لها أصلها الثابت فى الأوراق أنه بصفته رئيسا لإدارة البيع بشركة الجمهورية للأدوية قد طلب وأخذ من....... عميل الشركة مبلغ مائة وخمسة وعشرين جنيها مقابل تسهيل صرف مستحقاته من العدسات الخام التى تقوم الشركة المذكورة بتوزيعها وما أورده الحكم تتوافر به العناصر القانونية لجريمة الرشوة المعاقب عليها بمقتضى المادة 103 من قانون العقوبات على ما هى محددة به فى القانون، وكان من المقرر أن القصد الجنائى فى الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشى عند طلب أو قبول الوعد أو العطيه أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو للإخلال بواجباته وأنه ثمن لاتجاره بوظيفته أو استغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التى صاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قدمت للطاعن تنفيذا للاتفاق السابق الذى انعقد بينه وبين المجنى عليه مما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائى - كما هو معرف به فى القانون - فإن ما يثيره الطاعن من أنه أخذ المبلغ "كوهبة" لا يكون مقبولا، ويضحى النعى على الحكم بقاله الخطأ فى تطبيق القانون فى غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.