أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثالث - السنة 22 - صـ 584

جلسة 31 من أكتوبر سنة 1971

برياسة السيد المستشار نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين سعد الدين عطية، وحسن الشربينى، والدكتور محمد حسنين، وطه دنانة.

(141)
الطعن رقم 555 لسنة 41 القضائية

( أ ) امتناع عن الاتجار. توقف عن الإنتاج. تموين. خبز. جريمة. "أركانها" محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير العذر". إثبات "إثبات بوجه عام". عذر. قانون. تجارة
يبين من المقارنة بين نص المادة 3 مكرر من المرسوم بقانون 95 سنة 1945 ونصها المستبدل بالقانون 250 سنة 1952. أن المشرع قصد بمعاقبة الامتناع عن التجارة تقييد حرية من يمارسها وليس القضاء على حرية التجارة.
المشرع كان يستلزم فى النص القديم أن يكون مقصودا بالامتناع عرقلة التموين. عبء إثبات هذا القصد كان يقع على سلطة الاتهام.
نص القانون 250 سنة 1952 أوجب أن يثبت التاجر قيام العذر الجدى أو المبرر المشروع للتوقف عن الاتجار. أمثلة للعذر.
العذر الجدى لا يرقى إلى قوة القاهرة.
قيام العذر الجدى يجعل الامتناع عن الاتجار بعيدا عن دائرة التجريم.
تقديم العذر الجدى إلى وزارة التموين. عليها قبوله إذا انتهت إلى سلامته.
الدفع بقيام العذر أمام محكمة الموضوع يوجب عليها تحقيقه. وجوب تبرئة المتهم إذا صح قيامه.
(ب) امتناع عن الاتجار. توقف عن الإنتاج. تموين. خبز. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
دفع الطاعن - فى جريمة توقف عن إنتاج خبز - بعدم كفاية طاقة مخبزه لإنتاج خبز المدارس - المتعاقد على إنتاجه مع مديرية التربية والتعليم - والخبز العادى. دفاع جوهرى تندفع به التهمة. على المحكمة تحقيقه. عدم تفطنها لدلالته وردها عليه بما لا ينفيه. عيب.
1 - الواضح من المقارنة بين نص المادة 3 مكرر من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 المضافة إليه بمقتضى القانون 139 لسنة 1951 وبين نصها المستبدل بالقانون 250 لسنة 1952 ومن الأعمال التشريعية والمذكرات التفسيرية المصاحبة للنصين، أن الشارع قصد بمعاقبة الامتناع عن التجارة على الوجه المعتاد تقييد حرية من يمارسها من التجار، أيما كانت الطائفة التى ينتمى إليها، وذلك توفيرا للاحتياجات الأساسية للجمهور من المواد التموينية، ومحاربة الغلاء المصطنع ومنع اتخاذ الامتناع وسيلة إلى تحقيق أرباح غير مشروعة مما يعرقل التموين، وأن الشارع لم يقصد إلى القضاء على حرية التجارة وإنما قصد تحقيق غايات مشروعة من تقييدها، وأنه كان يستلزم فى الامتناع كيما يكون صاحبه مستأهلا للعقاب أن يكون مقصودا به عرقلة التموين، ثم وجد أن هذا القصد يقع على عاتق سلطة الاتهام مؤونة إثباته، وهو أمر فضلا عن صعوبته لم تنسد به ذرائع من أراد مخالفة القانون من التجار، فأوجب فى نص القانون رقم 250 لسنة 1952 أن يثبت التاجر قيام العذر الجدى أو المبرر المشروع لتوقفه عن الاتجار على الوجه المعتاد وضرب مثلا لهذا العذر قيام العجز الشخصى بالتاجر أو لخسارة تصيبه من الاستمرار فى عمله. ومن البين أن ما أشار إليه الشارع بخاصة وما أوجبه بعامة من الأعذار الجدية لا يرقى إلى مرتبة القوة القاهرة، لأن القانون أوجب ممارسة التجارة على الوجه المعتاد لا الوجه الشاذ الذى يضحى فيه التاجر بمصلحته لخسارة تصيبه من الاستمرار فى عمله، ولأن الشارع عبر عن إفساحه فى مجال العذر مما يتسع لغير القوة القاهرة من الأعذار أو المبررات أو المواقف المشروعة، ومتى وجد إحداها بصورة جدية كان الامتناع عن الاتجار بعيداً عن دائرة التجريم. وإذا قدم العذر الجدى إلى وزارة التموين وانتهت إلى سلامته تعين عليها قبوله وإذا دفع به أمام محكمة الموضوع تعين عليها النظر فيه وتحقيقه حتى إذا صح لديها قيامه وجب عليها تبرئة الممتنع لأن عمله يكون قد توافر له المبرر الذى يجعله خارج نطاق التأثيم والعقاب.
2 - إذا كان الطاعن قد دفع التهمة المسندة إليه - من توقفه عن إنتاج الخبز البلدى قبل الحصول على ترخيص - بعدم كفاية طاقة مخبزه لإنتاج خبز المدارس - تنفيذا لتعهده مع مديرية التربية والتعليم - والخبز العادى، ولكن المحكمة المطعون فى حكمها لم تفطن إلى دلالة دفاعه ولم تقسطه حقه وردت عليه بما لا ينفيه وكان عليها أن تتولى تحقيقه بلوغا لغاية الأمر فيه، إذ هو دفاع جوهرى تندفع به التهمة المسندة إليه، أما وأنها لم تفعل فإن الحكم يكون معيبا بما يوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 25 أكتوبر سنة 1966 بدائرة مركز نجع حمادى محافظة قنا: (أولا) أنتج خبزا للمدارس بغير ترخيص خاص من مراقبة التموين (ثانيا) توقف عن إنتاج الخبز البلدى قبل الحصول على ترخيص. وطلبت عقابه بالمواد 25 و38/ 3 من القرار الوزارى رقم 90 لسن 1957 و3 مكرر و56 و57 و58 من المرسوم بقانون 95 لسنة 1945. ومحكمة نجع حمادى الجزئية قضت حضوريا بمواد الاتهام بحبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وكفالة 500 قرش لوقف التنفيذ وتغريمه مائة جنيه عن التهمة الأولى وحبسه ستة أشهر وكفالة 500 قرش لوقف التنفيذ وتغريمه مائة جنيه وشهر ملخص الحكم على واجهة مخبز المتهم لمدة سنة عن التهمة الثانية والمصادرة بلا مصاريف جنائية. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة قنا الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف إلى حبس المتهم ستة أشهر مع الشغل وتغريمه مائة جنيه وشهر ملخص الحكم على واجهة المحل لمدة ستة أشهر والمصادرة عن التهمتين. فطعن الوكيل عن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض. قضت هذه المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة قنا الابتدائية لتفصل فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى. والمحكمة المذكورة سمعت الدعوى من جديد وقضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف والحكم (أولا) ببراءة المتهم عن التهمة الأولى (ثانيا) بحبسه ستة شهور وبتغريمه 100 ج وشهر ملخص الحكم على واجهة مخبزه لمدة ستة شهور عن التهمة الثانية (ثالثا) بإعفاء المتهم من المصروفات الجنائية، فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية.... الخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة التوقف عن إنتاج الخبز البلدى بغير ترخيص، قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه الفساد فى الاستدلال وانطوى على الإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن دفاع الطاعن قام على أن مخبزه كان يعمل بكافة طاقته الانتاجية فى إنتاج خبز المدارس تنفيذا لتعهده مع مديرية التربية والتعليم، إلا أن الحكم اتخذ خطأ من تحديد ساعات إنتاج خبز المدارس فى التصريح الصادر بذلك من مديرية التموين دليلا على قيام جريمة التوقف، سندا منه إلى أن الطاعن كان فى مكنته إنتاج الخبز البلدى فى غير تلك الأوقات، وكان على المحكمة أن تتولى تحقيق هذا العذر بلوغا لغاية الأمر فيه، إذ تندفع بثبوته التهمة المسندة إليه، مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة المفردات المنضمة ومحاضر جلسات المحاكمة أمام محكمة الدرجة الثانية ومذكرة الطاعن المقدمة له، أن دفاع الطاعن قام على أن مخبزه كان يعمل بكافة طاقته الإنتاجية فى إنتاج خبز المدارس تنفيذا لتعهده مع مديرية التربية والتعليم وطلب تحقيق ذلك، وعرض الحكم لهذا الدفاع ورد عليه فى قوله "إن طلب تحقيق دفاع المتهم - الطاعن - من عدم كفاية طاقة مخبزه، فإنه لا داعى له إذ أن التصريح حدد له ساعات العمل والإنتاج اللازمة لإنتاج خبز المدارس، وكان فى إمكانه إنتاج الخبز العادى فى غير تلك الأوقات". لما كان ذلك، وكانت المادة 3 مكرر من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين قد أضيفت إلى المرسوم بمقتضى القانون 139 لسنة 1951 الصادر فى 18 من سبتمبر سنة 1951 وجرى نصها كالآتى "يحظر على تاجر الجملة أو التجزئة أن يترك عمله أو يمتنع عن ممارسة تجارته على الوجه المعتاد فى السلع التى يحددها وزير التموين بقرار منه، قاصدا بذلك عرقلة التموين" ثم استبدل بهذا النص القانون رقم 250 لسنة 1952 الصادر فى 21/ 10/ 1952 فأصبح على الوجه الآتى "يحظر على أصحاب المصانع والتجار الذين ينتجون أو يتجرون فى السلعة التموينية التى يصدر بتعيينها قرار من وزير التموين أن يوقفوا العمل فى مصانعهم أو يمتنعوا عن ممارسة تجارتهم على الوجه المعتاد إلا بترخيص من وزير التموين ويعطى هذا الترخيص لكل شخص يثبت أنه لا يستطيع الاستمرار فى العمل إما لعجز شخصى أو لخسارة تصيبه من الاستمرار فى عمله، أو لأى عذر آخر يقبله وزير التموين ويفصل وزير التموين فى طلب الترخيص خلال شهر من تاريخ تقديمه، ويكون قراره فى حالة الرفض مسبب، فإذا لم يصدر الوزير قرارا مسببا بالرفض خلال المدة المذكورة واعتبر ذلك ترخيصا". لما كان ذلك، وكان الواضح من المقارنة بين النصين ومن الأعمال التشريعية والمذكرات التفسيرية المصاحبة لهما أن الشارع قصد بمعاقبة الامتناع عن التجارة على الوجه المعتاد تقييد حرية من يمارسها من التجار، أيما كانت الطائفة التى ينتمى إليه، وذلك توفيرا للاحتياجات الأساسية للجمهور من المواد التموينية، ومحاربة الغلاء المصطتع، ومنع اتخاذ الامتناع وسيلة إلى تحقيق أرباح غير مشروعة مما يعرقل التموين، وأن الشارع لم يقصد إلى القضاء على حرية التجارة، وإنما قصد تحقيق غايات مشروعة من تقييدها، وأنه كان يستلزم فى الامتناع كيما يكون صاحبه مستأهلا للعقاب أن يكون مقصودا به عرقلة التموين، ثم وجد أن هذا القصد يقع على عاتق سلطة الاتهام مؤونة إثباته، وهو أمر فضلا عن صعوبته لم تنسد به ذرائع من أراد مخالفة القانون من التجار، فأوجب فى نص القانون رقم 250 لسنة 1952 أن يثبت التاجر قيام العذر الجدى أو المبرر المشروع لتوقفه عن الاتجار على الوجه المعتاد، وضرب مثلا لهذا العذر قيام العجز الشخصى بالتاجر، أو لخسارة تصيبه من الاستمرار فى عمله، ومن البين أن ما أشار إليه الشارع بخاصة أو ما أوجبه بعامة من الأعذار الجدية لا يرقى إلى مرتبة القوة القاهرة، لأن القانون أوجب ممارسة التجارة على الوجه المعتاد، لا الوجه الشاذ الذى يضحى فيه التاجر بمصلحته لخسارة تصيبه من الاستمرار فى عمله، ولأن الشارع عبر عن إفساحه فى مجال العذر مما يتسع لغير القوة القاهرة من الأعذار أو المبررات أو المواقف المشروعة، ومتى وجد إحداها بصورة جدية، كان الامتناع عن الاتجار بعيد عن دائرة التجريم، وإذا قدم العذر الجدى إلى وزارة التموين وانتهت إلى سلامته تعين عليها قبوله، وإذا دفع به أمام محكمة الموضوع تعين عليها النظر فيه وتحقيقه حتى إذا صح لديها قيامه وجب عليها تبرئة الممتنع، لأن عمله يكون قد توافر له المبرر الذى يجعله خارج نطاق التأثيم والعقاب. لما كان ما تقدم، وكان الطاعن قد دفع التهمة المسندة إليه بعدم كفاية طاقة مخبزه إنتاج خبز مدارس - تنفيذا لتعهده مع مديرية التربية والتعليم - والخبز العادى، ولكن المحكمة المطعون فى حكمها لم تفطن إلى دلالة دفاعه ولم تقسطه حقه وردت عليه بما لا ينفيه، وكان عليها أن تتولى تحقيقه بلوغا لغاية الأمر فيه، إذ هو دفاع جوهرى تندفع به التهمة المسندة إليه، أما وأنها لم تفعل فإن الحكم يكون معيبا بما يوجب نقضه، بغير حاجة إلى بحث سائر ما يثيره الطاعن فى تقرير أسباب طعنه، وإذ ما كان الطعن لثانى مرة، فإنه يتعين تحديد جلسة لنظر الموضوع.