أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثالث - السنة 22 - صـ 590

جلسة 31 من أكتوبر سنة 1971

برياسة المستشار نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين/ سعد الدين عطية، وحسن الشربينى، والدكتور محمد حسنين، ومحمد عبد المجيد سلامة.

(142)
الطعن رقم 766 لسنة 41 القضائية

( أ ) موانع العقاب. "الجنون والعاهة العقلية". مسؤولية جنائية. قتل عمد.
المرض العقلى الذى تنعدم به المسئولية قانونا وفق المادة 62 عقوبات هو الذى من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك. سائر الأحوال النفسية التى لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه لا تعد سببا لانعدام المسئولية. مرض الشخصية السيكوباتيه لا يؤثر على سلامة العقل وصحة الإدراك وتتوافر معه المسئولية الجنائية عن الفعل.
(ب، جـ) موانع. العقاب. "الجنون والعاهة العقلية." إثبات. "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب" محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير حالة المتهم العقلية".
(ب) المحكمة غير ملزمة بندب خبير فنى فى الدعوى تحديدا لمدى تأثير مرض الطاعن على مسئوليته الجنائية بعد أن وضحت لها الدعوى. تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دام تقيم تقريرها على أسباب سائغة.
(جـ) المحكمة لا تلتزم بالالتجاء إلى أصل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التى يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها.
(د) إثبات. "إثبات بوجه عام. قرائن". موانع العقاب. "الجنون والعاهة العقلية". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
صحة استدلال الحكم بأقوال الطاعن وتصرفاته التى صدرت منه بعد الحادث على سلامة قواه العقلية وقت وقوعه ما دام أنه اتخذ منها قرينة يعزز بها النتيجة التى انتهى إليها.
(هـ) حكم. "تسبيبه. ما لا يعيب الحكم فى نطاق التدليل".
تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه طالما أنه لا أثر له فى منطقة أو فى النتيجة التى انتهى إليها.
(و، ز) سبق إصرار. ترصد. قتل عمد.
(و) البحث فى توافر ظرفى سبق الإصرار والترصد موضوعي.
(ز) حكم ظرف الترصد فى تشديد العقوبة كحكم ظرف سبق الإصرار. إثبات توافر أحدهما يغنى عن إثبات توافر الآخر.
1 - من المقرر أن المرض العقلى الذى يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية قانونا على ما تقضى به المادة 62 من قانون العقوبات هو ذلك المرض الذى من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك، أما سائر الأحوال النفسية التى لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سببا لانعدام المسئولية. ومن ثم فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن مرض الطاعن (الشخصية السيكوباتية) - بفرض صحته - لا يؤثر على سلامة عقليته وصحة ادراكه وتتوافر معه مسئوليته الجنائية عن الفعل الذى وقع منه، صحيح فى القانون.
2 - المحكمة غير ملزمة بندب خبير فنى فى الدعوى تحديدا لمدى تأثير مرض الطاعن على مسئوليته الجنائية بعد أن وضحت لها الدعوى، إذ الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة.
3 - المحكمة لا تلتزم بالالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التى يتعذر عليها أن تشق طريقها فيها.
4 - استدلال الحكم بأقوال الطاعن وتصرفاته التى صدرت منه بعد الحادث على سلامة قواه العقلية وقت وقوعه استدلال سليم لا غبار عليه ما دام يبين من الحكم أنه اتخذ من هذه التصرفات وتلك الأقوال بعد الحادث قرينة يعزز بها النتيجة التى انتهى إليها.
5 - تزيد الحكم فيما استطرد إليه لا يعيبه طالما أنه لا أثر له فى منطقه أو فى النتيجة إليها.
6 - من المقرر أن البحث فى توافر ظرفى سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلا مع ذلك الاستنتاج.
7 - حكم ظرف الترصد فى تشديد العقوبة كحكم ظرف سبق الإصرار وإثبات توافر أحدهما يغنى عن إثبات توافر الآخر.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 19 مايو سنة 1970 بدائرة مركز مغاغة محافظة المنيا: قتل محمد عبد الرحيم أحمد عمدا مع سبق الإصرار والترصد بأن بيت النية على قتله وأعد لذلك سلاحا ناريا وترصده فى الطريق الذى أيقن بمروره فيه حتى إذا ما ظفر به أطلق عليه عيارا ناريا قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر بذلك، وادعت مدنيا زوجة القتيل عن نفسها وبصفتها وصية على أولادها فاطمة وفوزية وأحمد ونور الدين كما ادعى ولداه البالغان عبد الرحيم ونبيلة وطلبوا القضاء لهم قبل المتهم والسيد/ وزير الداخلية متضامنين بمبلغ 20000 جنيها على سبيل التعويض مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات المنيا قضت حضوريا عملا بالمواد 230 و231 و232 و17 من قانون العقوبات (أولا) بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤيدة. (ثانيا) بإلزامه والسيد وزير الداخلية بصفتهما متضامنين بأن يدفعا إلى المدعين بالحق المدنى مبلغ خمسة آلف جنيه على سبيل التعويض النهائى والمصروفات المناسبة وبمبلغ عشرون جنيها مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض .. إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد قد شابه قصور فى التسبيب كما أخطأ فى تطبيق القانون. ذلك بأنه قصرت أسبابه فى الرد على الدفاع الذى أبداه المدافع عن الطاعن من أنه وقت ارتكاب الجريمة كان فاقد الشعور إذ لم تناقش المحكمة هذا الدفاع الجوهرى وتحققه بواسطة خبير فنى واكتفت بالتحدث عن حالة الطاعن بعد ارتكابها. يضاف إلى ذلك أن ما أورده الحكم فى معرض استظهاره لتوافر ظرف سبق الإصرار فى حق الطاعن غير سائغ لأن ظروف الحادث وملابساته واتصاله بالحادث السابق عليه يجعل الأمر كله متصلا فى ثورة غضب يتنافى معها توافر هذا الظرف.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما يتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد التى دين الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن اعتراف الطاعن بالتحقيقات ومن تقرير الصفة التشريحية. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن فى شأن فقدانه لشعوره وقت ارتكاب جريمته ورد عليه فى قوله. "وحيث أن المتهم أنكر بجلسة المحاكمة ما نسب إليه ودفع الحاضر معه بأن المتهم كان فاقد الشعور حين ارتكب جريمته إذ استبد به الغضب وسيطر عليه بسبب قتل ابن عمه فى اليوم السابق وانتابته حالة لا شعورية بسبب الإهانات التى وجهت إليه ممن كانوا بمحل الحادث وهى الحالة المعروفة بالسيكوباتية شلت تفكيره وباعدت بينه وبين الاختيار، الأمر الذى أدى به إلى ارتكاب جريمته وهو فاقد الشعور والاختيار وهى من الحالات التى تعفى من العقاب وفقا لنص المادة 62/ 1 من قانون العقوبات لما تنتجه من عاهة فى العقل، واحتياطيا طلب استعمال الرأفة وأخذه بمسئولية جزئية لظروف الحادث ولانتفاء ركنى سبق الإصرار والترصد ذلك أن نفسه كانت ولا تزال ثائرة..... وحيث إنه عن الدفع المبدى من الدفاع الحاضر مع المتهم فالثابت من التحقيقات أن المتهم لدى سؤاله بمحضر ضبط الواقعة كان طبيعيا ويتكلم بهدوء فى إجاباته وظلت حالته كذلك لدى سؤاله بمعرفة النيابة يعلم عاقبة الأمر فيها بل لقد درأ عن نفسه المسئولية بجلسة المحاكمة بإنكاره ارتكاب الحادث ومن ثم فإن تصرفاته إن دلت على شيء فإنما تدل على جانب كبير من الاستهتار والجرأة وليس معنى ذلك أن يكون مريضا مرضا عقلى، أما إذا كان الدفاع يذهب فى طلبه إلى القول أن النفس شيء آخر يتميز تماما عن العقل وأن أمراضا قد تصيبها فتكون أمراضا نفسية مختلفة عن الأمراض العقلية فإن التشريع الجنائى لا يعرف هذه التفرقة ولم ينص عليها وكل ما فى الأمر أن قانون العقوبات قد نص فى المادة 62/ 1 فى هذا الخصوص على أنه "لا عقاب على من يكون فاقد الشعور والاختيار فى عمله وقت ارتكاب الفعل إما لجنون أو عاهة فى العقل" وعلى ذلك فإن الجنون والعاهة فى العقل اللذين أشارت إليهما المادة 62/ 1 دون غيرهما ورتبت عليهما الإعفاء من العقاب هما اللذان يجعلان الجانى وقت ارتكاب الجريمة فاقد الشعور والاختيار فى عمله، أما المصاب بالحالة المعروفة باسم الشخصية السيكوباتية - بفرض ثبوت وجود هذه الحالة لدى المتهم - وإن عد من الناحية العلمية مريضا نفسيا إلا أنه لا يعتبر فى عرف القانون مصابا بجنون أو عاهة فى العقل مما يصح معه اعتباره فاقدا للشعور أو الاختيار فى عمله، ومن ثم فإن هذه الحالة لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه ولا تعد سببا لانعدام المسؤولية ولا أثر لها من حيث إعفائه من العقاب على ما سلف القول، وليس ينهض دليلا على أنه مصاب بعاهة فى العقل أن يكون المتهم قد ارتكب الحادث وهو حانق لأى سبب من الأسباب فإن هذا هو الشيء الطبيعى والباعث العادى الذى يدفع بكثير من المجرمين على اقتراف جرائمهم، كذلك ليس ينهض مجرد اعتراف المتهم بالواقعة تفصيلا فى أعقابها على ذلك لأن هذا يحدث كثيرا إذا كان التنصل من الفعل مستحيلا - كما هى الحال فى خصوصية الدعوى - بأن يكون المتهم قد ارتكب الحادث بشكل ظاهر ورآه أثناء ارتكابه عدد من الناس". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المرض العقلى الذى يوصف بأنه جنون أو عاهة عقلية وتنعدم به المسئولية قانونا على ما تقضى به المادة 62 من قانون العقوبات هو ذلك المرض الذى من شأنه أن يعدم الشعور والادراك أما سائر الأحوال النفسية التى لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سببا لانعدام المسئولية وكان ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن مرض الطاعن. (الشخصية السيكوباتية) - بفرض صحته - لا يؤثر على سلامة عقله وصحة إدراكه وتتوافر معه مسئوليته الجنائية عن الفعل الذى وقع منه صحيح فى القانون، وكانت المحكمة غير ملزمة بندب خبير فنى فى الدعوى تحديدا لمدى تأثير مرض الطاعن على مسئوليته الجنائية بعد أن وضحت لها الدعوى، إذ الأصل أن تقدير حالة المتهم العقلية من الأمور الموضوعية التى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة كما هى واقع الحال فى الدعوى المطروحة وهى لا تلتزم بالالتجاء إلى أهل الخبرة إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التى يتعذر عليها أن تشق طريقها فيه، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الصدد من دعوى القصور فى التسبيب ومخالفة القانون لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن من خطأ الحكم فى الاستدلال بأقوال الطاعن وتصرفاته التى صدرت منه بعد الحادث على سلامة قواه العقلية وقت وقوعه مردود بأنه استدلال سليم لا غبار عليه ما دام يبين من الحكم أنه اتخذ من هذه التصرفات وتلك الأقوال بعد الحادث قرينة يعزز بها النتيجة التى انتهى إليه، وبفرض تزيد الحكم فيما استطرد إليه من ذلك فإنه لا يعيبه طالما أنه لا أثر له فى منطقه أو فى النتيجة التى انتهى إليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد دلل على توافر ظرفى سبق الإصرار والترصد فى حق الطاعن فى قوله "وحيث إنه عن توفر ركنى سبق الإصرار والترصد فلا شك فى ثبوتهما قبله من ظروف الحادث وملابساته، ذلك أن المتهم قد أثار حفيظته قتل ابن عمه فى اليوم السابق على الواقعة، فانعقد عزمه ووطد النية على تدبير اعتداء مماثل على أى من أقارب المتهم كمال محمد تمام قاتل ابن عمه وذلك أخذا بثأره، وأنه تنفيذ لهذا الغرض أعد لذلك عدته منتهزا فرصة وجود سلاحه الأميرى فى حوزته والمسلم إليه بسبب وظيفته وأنه معه بحكم ذلك فى حفظ الأمن بالبلدة على أثر وقوع حادث مقتل ابن عمه وقام بتجهيزه بأن عمره بالطلقات، وما أن كان اليوم التالى حتى عبر نهر النيل لوقوع بلدته بشرق هذا النهر ومعه سلاحه الحكومى لاستعماله فيما وطد العزم وبيت النية عليه ولعدم تمكنه من تنفيذ ذلك فى أى من أقارب المتهم بالبلدة لحرصهم على الاختفاء عقب الحادث ولوجود قوة من رجال الشرطة للحفاظ على الأمن، وما أن وصل إلى بندر مغاغة حتى اتجه صوب مكان الحادث وذلك سيرا على الأقدام وترصد المجنى عليه فى الطريق الذى اعتاد سلوكه من مقر عمله إلى منزله والذى أيقن بمروره فيه لسبق معرفته به بحكم صلة قرابته بالمجنى عليه وما أن ظفر به حتى انتحى جانبا كى لا يلحظه ثم تعقبه قليلا وأطلق نحوه عيارا ناريا أرداه قتيل، كل ذلك قاطع الدلالة على توفر ظرفى سبق الإصرار والترصد وأن المتهم حينما ارتكب جريمته كان هادئ البال وبعد إعمال فكر وروية". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن البحث فى توافر ظرفى سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلا مع ذلك الاستنتاج. وكان الحكم قد عرض على استقلال لهذين الظرفين وكشف عن توافرهما لدى الطاعن وساق لإثباتهما من الدلائل والقرائن ما يكفى لتحققهما طبقا للقانون، مما تعين عليه الوقائع الثابتة بالأوراق خلافا لما يدعيه الطاعن، فضلا عن ذلك فإنه لما كان
حكم ظرف الترصد فى تشديد العقوبة كحكم ظرف سبق الإصرار وإثبات توافر أحدهما يغنى عن إثبات توافر الآخر فإنه لا يجدى الطاعن ما يثيره عن خطأ الحكم فى إثبات توافر ظرف سبق الإصرار فى حقه بفرض صحته، ومن ثم فإن ما يثيره فى هذا الخصوص لا يكون مقبولا. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.