أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 557

جلسة 14 من مايو سنة 1979

برياسة السيد المستشار حسن على المغربى نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد صلاح الدين الرشيدى، وعادل برهان نور، ومحمد وهبة، ومصطفى جميل مرسى.

(119)
الطعن رقم 1249 لسنة 47 القضائية

(1) إثبات. "بوجه عام". "شهود". نقض. "أسباب الطعن. ما يقبل منها". مواد مخدرة. جلب. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب".
حق محكمة الموضوع فى تقدير أقوال الشاهد وإطراح ما لا تطمئن إليه منها. دون إبداء أسباب ذلك. إفصاحها عن تلك الأسباب. أثره: خضوعها لرقابة محكمة النقض. عدم ثبوت واقعة جلب المتهم للمخدر الذى ضبط داخل البلاد محرزاً له. لا يؤدى بذاته. إلى التشكيك فى صحة التحريات التى أسندت إلى المتهم واقعتى الجلب والاتجار.
(2) وصف التهمة. إثبات. "بوجه عام".
عدم إلتزام محكمة الموضوع بوصف النيابة للواقعة. واجبها تمحيصها وإنزال الوصف القانونى الصحيح عليها.
(3) إثبات. "بوجه عام".
حق محكمة الموضوع فى القضاء بالبراءة. شرطه؟
1 - من المقرر أنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تزن أقوال الشاهد وتقدرها التقدير الذى تطمئن إليه دون أن تكون ملزمة ببيان سبب إطراحها إلا أنه متى أفصحت المحكمة عن الأسباب التى من أجلها لم تعول على أقوال الشاهد فإنه لمحكمة النقض أن تراقب ما إذا كان من شأن هذه الأسباب أن تؤدى إلى النتيجة التى خلصت إليها. ولما كان البين من مراجعة أقوال شاهد الإثبات الأول أمام المحكمة أنها لم تقم على دحض واقعة الإقرار الجمركى والافراج عن المضيفة - على نحو ما حصله الحكم المطعون فيه - وإنما قرر أنه لا يعرف هذا الشخص - حامل الحقيبتين - وأنه ليس لديه معلومات بشأن تلك الواقعة وإذ كانت أقوال مدير الجمارك ومأمورها - حسبما أورده الحكم فى مدوناته - قد خلت مما يفيد أن شاهد الإثبات الأول كان ضالغاً فى واقعة الاقرار الجمركى والافراج عن الحقيبتين لمرشد إدارة مكافحة المخدرات لو كان لديه على الأقل علم بصدورها فإن الحكم إذ حمل أقوال هذا الشاهد على محمل الانكار والكذب ورتب على ذلك تشككه فى صحة الدليل المستمد من أقواله هو والشاهد الثانى يكون قد نحى منحى التعسف فى الاستنتاج وتردى فى حومة الفساد فى الاستدلال. هذا فضلاً عن أن المحكمة لم تكشف عن وجه ما استدلت به على الصلة بين حقيبتى المخدرات اللتين ضبط المطعون ضده وهو يحملها فى شارع عماد الدين بمعرفة شاهدى الإثبات والحقيبتين اللتين سبق الافراج عنهما مع مرشد لإدارة مكافحة المخدرات حتى يسوغ مذهب الحكم فى ترجيح دفاع المطعون ضده بتلفيق الاتهام له، بل إن ذلك كان يتطلب من المحكمة أن تجرى تحقيقاً تقتصى به وجه الحق فى أمر هذا الدفاع لما كان ذلك، وكان عدم توافر الدليل على مصدر المخدرات وكيفية جلبها من الخارج لا يؤدى بالضرورة إلى التشكيك فى جوهر التحريات التى أجراها شاهد الإثبات الأول وحاصلها أن المطعون ضده يحرز كمية من المخدرات ويتردد على شارع عماد الدين لترويجها والاتجار فيها وصدور الإذن بضبطه وتفتيشه بناء على هذه التحريات وما تلى ذلك من واقعة ضبط المطعون ضده فى نطاق ذلك المكان وهو يحمل حقيبتى المخدرات مصداقاً لما جاء فى التحريات، فإن ما جنح إليه من إطراح تلك التحريات وإسقاط أدلة الثبوت المستندة إليها يكون غير سائغ.
2 - ليس لزاماً على محكمة الموضوع أن تتقيد بالوصف القانونى الذى أعطته النيابة العامة للواقعة محل الدعوى بل من واجبها أن تمحص الواقعة المطروحة بجميع كيوفها وأوصافها وصولاً إلى إنزال حكم القانون صحيحاً عليها.
3 - من المقرر أن محكمة الموضوع وإن كان لها أن تقضى بالبراءة متى تشككت فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت وإن ملاك الاذن يرجع إلى وجدان القاضى وما يطمئن إليه، غير أن ذلك مشروط بأن يشتمل الحكم على ما يفيد أن المحكمة محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التى قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة وأن تكون الأسباب التى تستند إليها فى قضائها من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استدل على عدم صحة التحريات وأقوال الضابطين بقرائن لا تظاهر هذا الاستدلال وتجاوز الاقتضاء العقلى والمنطقى، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه والإحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه جلب إلى جمهورية مصر العربية جوهرا مخدرا (حشيشاً) دون الحصول على ترخيص كتابى بذلك من الجهة الإدارية المختصة. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 1/ 1 و2 و3 و33/ 1 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند 12 من الجدول رقم 1 الملحق به، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت فى الدعوى حضوريا عملا بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم مما أسند إليه ومصادرة المخدر المضبوط فطعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض .. إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بتبرئة المطعون ضده من تهمة جلب جوهر مخدر قد شابه فساد فى الاستدلال، ذلك بأن المحكمة أطرحت أقوال شاهدى الإثبات لما ساورها من شك فيها بسبب أن الشاهد الأول نفى علمه بواقعة الاقرار الجمركى والافراج عن حقيبتى مخدرات صحبة مرشد لإدارة مكافحة المخدرات فى اليوم السابق على ضبط المطعون ضده يحمل المخدرات المضبوطة فى حين أن انتفاء علم الشاهد بتلك الواقعة لا يقتضى الاسترابة فيما شهد به هو والشاهد الثانى بشأن ضبطهما الواقعة محل الاتهام، خاصة وأن المحكمة لم تقم باستجلاء العلاقة بين الحقيبتين المضبوطتين مع المطعون ضده والآخريين اللتين سبق الإفراج عنهما، كما أن عدم ثبوت ظرف الجلب من الخارج لا ينال من صحة الدليل على واقعة ضبط المطعون ضده محرزاً المخدرات. وإذ حاد الحكم عن هذا النظر كله يكون معيباً بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى طبقاً لتصوير سلطة الاتهام بما مفاده أن تحريات المقدم.......... دلت على أن المطعون ضده جلب هو وآخر يدعى............ مواد مخدره إلى الجمهورية للاتجار بها وأنهما يترددان على شارع عماد الدين بدائرة قسم الأزبكية لترويجها فاستصدر إذنا من النيابة العامة بضبطهما وتفتيشهما ثم أعد أكثر من كمين لهذا الغرض، وفى يوم الحادث أثناء تواجده بصحبة....... بشارع عماد الدين شاهدا المطعون ضده يحمل حقيبتين بعد مغادرة سيارة أجرة كان يستقلها فبادرا بضبطه وعند فتح الحقيبة الأولى بمفتاح كان مع المطعون ضده وجد بها ستون "طربة" من الحشيش وبفتح الحقيبة الأخرى عنوة عثر بها على كمية مماثلة وقد قرر لهما المطعون ضده أنها تخص شريكه المعنى بالتحريات، واستندت النيابة العامة فى إثبات هذه الواقعة إلى أقوال الضابطين وما أسفر عنه الفحص المعملى من أن المادة المضبوطة من الحشيش. وقد خلص الحكم إلى براءة المطعون ضده استنادا إلى أن الأوراق خلت من الدليل على أن المطعون ضده جلب المخدرات من الخارج قبل ضبطها داخل الجمهورية مما ينتقص من كفاية التحريات وتصبح أقوال الشاهدين ولا سند لها إلا الافتراض. كما أن الحكم تشكك فى صحة هذه الأقوال ورجح دفاع المطعون ضده بالتلفيق لوجود صلة بين المخدرات المضبوطة وتلك التى سبق الافراج عنها بانياً هذا التشكك على أن الشاهد الأول أنكر علمه بواقعة الاقرار الجمركى الخاص بمن يدعى....... عند قدومه من لبنان فى اليوم السابق ومعه حقيبتان تم الافراج عنهما بما يحتويانه من مخدرات بناء على كتاب إدارة مكافحة المخدرات باعتبار وصولهما مع أحد مرشديها وذلك رغم أن مدير الجمارك......... ومأمور الجمرك......... شهدا بحقيقة هذه الواقعة، لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تزن أقوال الشاهد وتقدرها التقدير الذى تطمئن إليه دون أن تكون ملزمة ببيان سبب إطراحها لها، إلا أنه متى أفصحت المحكمة عن الأسباب التى من أجلها لم تعول على أقوال الشاهد، فإنه لمحكمة النقض أن تراقب ما إذا كان من شأن هذه الأسباب أن تؤدى إلى النتيجة التى خلصت إليها. ولما كان البين من مراجعة أقوال شاهد الاثبات الأول أمام المحكمة بجلسة 24/ 4/ 1974 أنها لم تقم على دحض واقعة الإقرار الجمركى الخاص بالمدعو........ والإفراج عن حقيبتين معه - على نحو ما حصله الحكم المطعون فيه - وإنما قرر أنه لا يعرف هذا الشخص وأنه ليس لديه معلومات بشأن تلك الواقعة وإذ كانت أقوال مدير الجمارك ومأموره - حسبما أورده الحكم فى مدوناته - قد خلت مما يفيد أن شاهد الإثبات الأول كان ضالعاً فى واقعة الاقرار الجمركى والافراج عن الحقيبتين لمرشد إدارة مكافحة المخدرات لو كان لديه على الأقل علم بعددها، فإن الحكم إذ حمل أقوال هذا الشاهد على محمل الانكار والكذب ورتب على ذلك تشككه فى صحة الدليل المستمد من أقواله هو والشاهد الثانى يكون قد نحى منحى التعسف فى الاستنتاج وتردى فى حومة الفساد فى الاستدلال، فضلاً عن أن المحكمة لم تكشف عن وجه ما استدلت به على الصلة بين حقييتى المخدرات اللتين ضبط المطعون ضده وهو يحملها فى شارع عماد الدين بمعرفة شاهدى الإثبات والحقيبتين اللتين سبق الافراج عنهما مع مرشد لإدارة مكافحة المخدرات حتى يسوغ مذهب الحكم فى ترجيح دفاع المطعون ضده بتلفيق الاتهام له بل أن ذلك كان يتطلب من المحكمة أن تجرى تحقيقاً تتقصى به وجه الحق فى أمر هذا الدفاع، لما كان ذلك، وكان عدم توافر الدليل على مصدر المخدرات وكيفية جلبها من الخارج لا يؤدى بالضرورة إلى التشكيك فى جوهر التحريات التى أجراها شاهد الإثبات الأول وحاصلها أن المطعون ضده يحرز كمية من المخدرات ويتردد على شارع عماد الدين لترويجها والاتجار فيها وصدور الإذن بضبطه وتفتيشه بناء على هذه التحريات وما تلى ذلك من واقعة ضبط المطعون ضده فى نطاق ذلك المكان وهو يحمل حقيبتى المخدرات مصداقاً لما جاء فى التحريات، فإن ما جنح إليه من إطراح تلك التحريات وإسقاط أدلة الثبوت المستندة إليها يكون غير سائغ، ولا يقدح فى ذلك ما ذهبت إليه النيابة العامة من وصف واقعة الدعوى بأنها جلب للمخدرات من الخارج ذلك أنه ليس لزاماً على محكمة الموضوع أن تتقيد بالوصف القانونى الذى أعطته النيابة العامة للواقعة محل الدعوى بل من واجبها أن تمحص الواقعة المطروحة بجميع كيوفها وأوصافها وصولاً إلى إنزال حكم القانون صحيحاً عليها. لما كان ما تقدم، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع وإن كان لها أن تقضى بالبراءة متى تشككت فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت وأن ملاك الإذن يرجع إلى وجدان القاضى وما يطمئن إليه، غير أن ذلك مشروط بأن يشتمل الحكم على ما يفيد أن المحكمة محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التى قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة وأن تكون الأسباب التى تستند إليها فى قضائها من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استدل على عدم صحة التحريات وأقوال الضابطين بقرائن لا تظاهر هذا الاستدلال وتجاوز الاقتضاء العقلى والمنطقى، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه والاحالة.