مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والأربعون - الجزء الثانى (من أول مارس سنة 2001 إلى آخر يونيه سنة 2001) - صـ 2001

(234)
جلسة 2 من يونيه سنة 2001

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أمين المهدى نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ د. فاروق عبد البر، وأحمد عبد الفتاح حسن، وأحمد عبد الحميد عبود، وأحمد محمد المقاول نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 881 لسنة 46 القضائية

( أ ) دعوى - دعوى البطلان الأصلية - شروطها - آثارها.
الحكم القضائى متى صدر صحيحا يظل منتجاً لآثاره - لا سبيل لإهداره بدعوى بطلان أصلية لمساس ذلك بحجيته - أجيز استثناءً من هذا الأصل - الطعن بدعوى بطلان أصلية فى الأحكام الصادرة بصفة انتهائية - شرط هذا الاستثناء - عيب جوهرى جسيم يصيب كيان الحكم ويفقده صفته - قيام هذه الدعوى على أسباب موضوعية تندرج تحت احتمالات الخطأ والصواب فى تفسير القانون وتأويله - لا تمثل إهداراً للعدالة ولا تصمه بعيب ينحدر به إلى درجة الانعدام وهى مناط قبول دعوى البطلان الأصلية - تطبيق.
(ب) جنسية - طلب التجنس - السلطة التقديرية لجهة الإدارة - حدود رقابة قاضى المشروعية.
إذا كان موضوع المنازعة هو طلب التجنس بالجنسية المصرية وكان شأن استجابة الجهة الإدارية لهذا فى اعتبارات المصلحة العامة للجماعة، هو أمر متاح دائما ولا يستغلق، لا بالنسبة لطالب التجنس ولا بالنسبة للجهة الإدارية صاحبة الاختصاص بتقرير ذلك حسبما ينص القانون - فيكون تقدير ملاءمة الاستجابة أو عدم الاستجابة للطلب إنما يرتبط حتماً، وبحكم اللزوم القانون بالواقع، ويكون ذلك تقديره للجهة الإدارية فلا يحد اختصاصها إلا حد الانحراف بالسلطة - نتيجة ذلك تكون رقابة قاضى المشروعية منصرفة وحسب إلى استكناه توافر حقيق ركن الغاية فيما يصدر من الجهة الإدارية فى هذا الشأن - تطبيق.


إجراءات الطعن:

فى يوم الثلاثاء الموافق 9/ 11/ 1999 أودع الأستاذ/ ..... المحامى بصفته وكيلاً عن السيد/ .......، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بدعوى البطلان الأصلية، قيد بجدول المحكمة برقم 881 لسنة 46 القضائية. عليا، فى الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا (دائرة منازعات الأفراد والهيئات والتعويضات) فى الطعن رقم 5567 لسنة 43 القضائية. عليا بجلسة 22/ 8/ 1999، والقاضى فى منطوقه " حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا وألزمت الطاعن المصروفات ". وطلب الطاعن - للأسباب الواردة فى تقرير دعوى البطلان الأصلية - الحكم ببطلان الحكم المطعون فيه، وإعادة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا. للفصل فيه مجدداً من دائرة أخرى، مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
وتم إعلان تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق. وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى فى الطعن الماثل، طلبت فى ختامه، الحكم بعدم قبول دعوى البطلان الأصلية، وإلزام الطاعن المصروفات.
وعين لنظر الطعن جلسة 10/ 12/ 2001 أمام هذه الدائرة، وتداولت نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات، وبجلسة 17/ 3/ 2001 قررت حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم، مع التصريح بمذكرات لمن يشاء خلال ثلاثة أسابيع، حيث أودع وكيل الطاعن مذكرة بدفاعه صممم فيها على طلباته الواردة بتقرير طعنه. وبجلسة اليوم صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة قانوناً.
ومن حيث إن الطاعن يطلب الحكم ببطلان حكم المحكمة الإدارية العليا، وقد خلا القانون من تحديد ميعاد لاقامة دعوى البطلان الأصلية بالطعن فى أحكام المحكمة الإدارية، ومن ثم يكون الطعن مقبولا شكلا، إذ استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إنه عن عناصر المنازعة، فإنها تخلص - حسبما يبين من الأوراق - فى أن الطاعن كان قد أقام الدعوى رقم 2065 لسنة 47 القضائية أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية بتاريخ 8/ 12/ 1993، طالباً الحكم بإلغاء قرار المدعى عليهما السلبى بالامتناع عن منحه الجنسية المصرية، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام جهة الإدارية المصروفات. وذكر - شرحاً لدعواه - أنه ولد فى القاهرة بتاريخ 4/ 5/ 1944 من أب سورى وأم مصرية وتلقى دراسته فى مصر حتى تخرج من كلية العلوم بجامعة عين شمس عام 1968، وبتاريخ 7/ 7/ 1977 تزوج من مصرية، ورخص له فى الإقامة فى مصر عدة مرات آخرها فى 19/ 3/ 1989، كما حصل شقيقه/ ...... على الجنسية المصرية عام 1978، وحصلت شقيقتاه ..... و.... على هذه الجنسية بالزواج من مصريين، وقد ساهم (المدعى) فى العديد من الأنشطة الإقتصادية بصفته أحد المؤسسين لبعض الشركات الاستثمارية، كما أنه يتمتع بحسن السير والسلوك، وينتمى إلى مصر انتماء كاملاً، ولهذا بادر بتقديم طلبه إلى وزارة الداخلية لمنحه الجنسية المصرية، لاستيفائه جميع الشروط المقررة، إلا أنه فوجئ برفض طلبه دون مبرر أو سبب ظاهر سوى القول بوجود تعليمات بحفظ طلبات منح الجنسية المصرية لأى أجنبى. وبجلسة 2/ 6/ 1997 أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً، وإلزام المدعى المصروفات. وذلك تأسيساً على أن المشرع جعل منح الجنسية المصرية عن طريق التجنس أمرا جوازيا لوزير الداخلية على نحو يخوله سلطة تقديرية فى منحها أو فى منعها، وأن جهة الإدارة لم توافق على طلب المدعى منحه الجنسية المصرية، عملاً بالتوجهات التى تسير عليها فى الوقت الحالى بالنسبة إلى منح الجنسية المصرية للأجانب وهى الحد من منح هذه الجنسية نظراً للزيادة المطردة فى عدد السكان والظروف الاجتماعية والاقتصادية التى تمر بها البلاد، وقد أجدبت الأوراق مما يفيد أن ثمة تعسفاً أو انحرافاً بالسلطة شاب تصرف جهة الإدارة فى رفض طلب المدعى، ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون قد صدر مطابقاً لأحكام القانون.
بيد أن الطاعن لم يرتض هذا الحكم فطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا بدعوى مخالفته للقانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله، وبجلسة 22/ 8/ 1999 أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمها المطعون فيه مؤيداً فى ذلك الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى، وزاد عليه الرد على ما أثاره الطاعن من مطاعن، حيث أورد فى أسبابه أنه " لا وجه للنعى على توجيهات جهة الإدارة بوقف منح الجنسية المصرية للأجانب مؤقتاً بمخالفته للقانون وتعطيل أحكامه، ذلك أن مجال السلطة التقديرية لجهة الإدارة لا يقف عند منح أو حجب الجنسية المصرية عن طالب التجنس، بل يمتد إلى ملاءمة إصدار القرار فى تاريخ معين أو تاريخ آخر، كما أن لجهة الإدارة أن تقيد ممارستها لسلطتها التقديرية بما تراه من قواعد ما دام أنه لم يثبت أن قرارها مشوب بعيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها عن غايتها "، كما أضافت المحكمة " كما أنه لا وجه لاحتجاج الطاعن بما ذهب إليه فى حافظة المستندات المقدمة بجلسة 27/ 12/ 1998 بأن جهة الإدارة قد عدلت عن تعليماتها التى تقضى بوقف منح الجنسية المصرية للأجانب، وأنها قامت بمنحها لبعض اليونانيين - حسبما ورد بصحيفة الأهرام بتاريخ 13/ 1/ 1998 - ذلك أنه وإن صح عدول جهة الإدارة عن هذه التعليمات، فإن ذلك لا يؤدى بالضرورة إلى أحقية المدعى فى اكتساب الجنسية المصرية، بل يظل الأمر محض سلطة تقديرية لجهة الإدارة فى منحه إياها أو منعها عنه، وفقاً لما يتراءى لها تحقيقاً للصالح العام، مادام أن قرارها فى هذا الشأن لم يثبت أنه مشوب بعيب الانحراف أو إساءة استعمال السلطة، الأمر الذى لم يثبت فى الحالة المعروضة ".
ومن حيث إن مبنى الطعن على حكم المحكمة الإدارية العليا - المطعون عليه بدعوى البطلان الأصلية - أنه أخطأ خطأ جسيماً غير مستور، وكاشف بذاته عن أمر قوامه تقويض الأصول الأساسية فى القضاء الإدارى، يتمثل فى أنه لم يورد الثابت بالأوراق، ولم يرد عليه، والتمس سبباً لا وجود له واقعاً وقانوناً، وذلك فيما قرره من توجيهات جهة الإدارة بوقف منح الجنسية المصرية للأجانب بصفة مؤقتة، خلافا للثابت بأن هذه التوجيهات لم تتضمن ما يفيد التأقيت، مما يثير تساؤلا أساسيا حول الأساس الذى استقى منه الحكم المطعون فيه تأقيت تلك التوجيهات، كما وأن هناك فرقاً بين الوقف المؤقت والوقف الدائم، وإذ اعتبر الحكم المطعون فيه تلك التوجيهات الدائمة سبباً صحيحاً يبرر رفض منح الجنسية المصرية للطاعن، وأن ذلك ينطوى تحت رواق السلطة التقديرية المقررة لجهة الإدارة فى المنح أو المنع، فإن مؤدى ما ذهب إليه الحكم المذكور أن السلطة التقديرية لجهة الإدارة تمتد وتتسع إلى حد مصادرة حقوق مصدرها الدستور والقانون، وتقويض الرقابة القضائية للمشروعية، وهدم الدولة القانونية، وأن ما افتعله الحكم الطعين من إضافة يجعله منعدماً ويفقده وظيفته مما يعد إهدارا للعدالة.
ومن حيث إنه من المسلم به أن الحكم القضائى متى صدر صحيحاً يظل منتجاً لآثاره، فيمتنع بحث أسباب العوار التى تلحقه إلا عن طريق الطعن فيه بطرق الطعن التى حددها القانون على سبيل الحصر، فإذا كان الطعن غير جائز أو كان قد استغلق، فلا سبيل لإهداره بدعوى بطلان أصلية لمساس ذلك بحجيته، وأنه وإن كان قد أجيز - استثناءً من هذا الأصل - الطعن بدعوى بطلان أصلية فى الأحكام الصادرة بصفة انتهائية، إلا أن هذا الاستثناء - فى غير الحالات التى نص عليها المشرع، كما فعل فى المادة 147 - مرافعات - يقف عند الحالات التى تنطوى على عيب جوهرى جسيم، يصيب كيانه، ويفقده صفته كحكم، وذلك بفقدان أحد أركانه الأساسية والتى حاصلها أن يصدر من محكمة تتبع جهة قضائية، وأن يصدر بمالها من سلطة قضائية فى خصومة وأن يكون مكتوباً.
ومن حيث إنه من المستقر عليه أن المحكمة الإدارية العليا - بما وسد لها من اختصاص فى الرقابة على أحكام مجلس الدولة تحقيقاً للشرعية وسيادة القانون، وبما تحمله من أمانة القضاء وعظيم رسالته بغير معقب على أحكامها - تستوى على القمة فى مدارج التنظيم القضائى لمجلس الدولة، فلا يكون من سبيل إلى إهدار أحكامها إلا استثناء محضاً بدعوى البطلان الأصلية، وهى دعوى لها طبيعة خاصة توجه إلى الأحكام الصادرة بصفة انتهائية، وطريق طعن استثنائى، وفى غير حالات البطلان المنصوص عليا فى قانون المرافعات المدنية والتجارية يجب أن تقف هذه الدعوى عند الحالات التى تنطوى على عيب جسيم يمثل إهداراً للعدالة على نحو يفقد معها الحكم وظيفته، وبه تتزعزع قرينة الصحة التى تلازمه. أما إذا قام الطعن على أسباب موضوعية تندرج كلها تحت احتمالات الخطأ والصواب فى تفسير القانون وتأويله، فإن هذه الأسباب لا تمثل إهداراً للعدالة يفقد معها الحكم وظيفته، وبالتالى لا تصمه بأى عيب ينحدر به إلى درجة الانعدام وهى مناط قبول دعوى البطلان الأصلية.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم وكان الحكم المطعون عليه قد صدر صحيحاً ومطابقاً للأوضاع والإجراءات الشكلية الجوهرية والموضوعية المنصوص عليها قانوناً ولم يعتوره أى سبب يفقده صفته كحكم، أو يفقده أحد أركانه الأساسية، ومن ثم يكون ذلك الحكم صحيحا، ومطابقا للقانون، ولامحل للطعن فيه بدعوى البطلان الأصلية.
ومن حيث إنه لا وجه لما أثاره الطاعن - كسبب لدعواه وأساس لنعيه - من أن الحكم المطعون فيه لم يورد الثابت بالأوراق، والتمس سبباً لا وجود له واقعاً وقانوناً وذلك فيما قرره ذلك الحكم من أن توجيهات جهة الإدارة بوقف منح الجنسية للأجانب مؤقتة، خلافاً للثابت بأن هذه التوجيهات لم تتضمن ما يفيد التأقيت، ذلك أن هذا السبب لا يصلح فى ذاته سبباً وأساساً لدعوى البطلان الأصلية، لكونه، إن صح جدلاً، من الأسباب الموضوعية التى تندرج تحت احتمالات الخطأ والصواب فى تحصيل الواقع وتفسير القانون وتأويله، وهو ما لا يشكل، بذاته، إهداراً للعدالة من شأنه أن يفقد معه الحكم وظيفته. كما لا يصم الحكم المطعون فيه بالانعدام الذى هو مناط قبول دعوى البطلان الأصلية. فمن المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة أن دعوى البطلان الأصلية ليست، ولا يجب أن تكون، مجالاً أو مناسبة لمعاودة المجادلة فيما قضى فيه الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا التى تستوى على القمة فى مدارج التنظيم القضائى لمجلس الدولة باعتباره قاضى المشروعية الناطق بكلمة الحق والقانون، ولا يفوت هذه المحكمة، فى هذا الصدد، أن تنوه إلى أنه متى كان موضوع المنازعة هو طلب الطاعن التجنس بالجنسية المصرية وكان شأن استجابة الجهة الإدارية له، فى إطار من اعتبارات المصلحة العامة للجماعة، هو أمر متاح دائما ولا يستعلق، لا بالنسبة لطالب التجنس ولا بالنسبة للجهة الإدارية صاحبة الاختصاص بتقرير ذلك حسبما ينص القانون، ذلك أن إعمال الاختصاص التقديرى بالاستجابة لطلب التجنس إنما يكون استعماله دائماً، كأصل، فى ضوء اعتبارات المصلحة العامة النابعة عن الواقع المعاش، فيكون تقدير ملاءمة الاستجابة أو عدم الاستجابة للطلب إنما يرتبط حتماً، وبحكم اللزوم القانون بالواقع سواء قام هذا الواقع وتمثل فى شخص طالب التجنس، من ناحية استحقاقه لنيل شرف الجنسية المصرية، أو قام الواقع على الظروف العامة التى تختلف باختلاف الظروف الآتية والأوضاع المتغيرة التى يمر بها المجتمع وتعايشها الدولة، وكل ذلك يكون تقديره للجهة الإدارية فلا يحد اختصاصها إلا حد الانحراف بالسلطة. وعلى ذلك تكون رقابة قاضى المشروعية منصرفة وحسب إلى استكناه توافر حقيق ركن الغاية فيما يصدر من الجهة الإدارية فى هذا الشأن.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم، يكون النعى على الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 5567 لسنة 43 القضائية. عليا بالبطلان، غير مستند إلى أساس سليم من الواقع والقانون، وتكون الأسباب التى أبداها الطاعن مما لا تستقيم أساسا صحيحا وسندا قانونيا لقيام دعوى البطلان الأصلية، ويتعين من ثم القضاء برفضها.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته عملاً بحكم المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة برفض الطعن ببطلان الحكم الصادر فى الطعن رقم 5567 لسنة 43 القضائية. عليا، وألزمت الطاعن المصروفات.