أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثالث - السنة 22 - صـ 681

جلسة 5 من ديسمبر سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين/ سعد الدين عطية، وحسن الشربينى، والدكتور محمد حسنين، وطه دنانة.

(166)
الطعن رقم 971 لسنة 41 القضائية

( أ ) إثبات. "إثبات بوجه عام". "شهود". "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تطابق أقوال الشهود مع مضمون الدليل الفنى فى كل جزئيه منه. ليس بلازم. يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
(ب) دفاع. الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره. الدفاع الجوهرى". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
شروط الدفاع الجوهرى الذى تلتزم المحكمة بالتعرض له والرد عليه.
(ج) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره. الدفاع الموضوعى". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفاع الموضوعى الذى يقصد به مجرد التشكيك فى صحة تصوير الشاهد للواقعة حسبما اطمأنت إليها المحكمة والذى ليس من شأنه أن يؤدى بالضرورة إلى نفى وقوع الحادث أو استحالة حصوله وفقا لهذا التصوير. عدم التزام المحكمة بالرد عليه.
(د) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
المحكمة ليست ملزمة بتعقب كل جزئية يثيرها المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى.
1 - الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفنى فى كل جزئيه منه بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملائمة والتوفيق.
2 - من المقرر أنه يشترط فى الدفاع الجوهرى - كيما تلتزم المحكمة بالتعرض له والرد عليه - أن يكون مع جوهريته يشهد له الواقع ويسانده فإذا كان عاريا من دليله، وكان الواقع يدحضه فإن المحكمة تكون فى حل من الالتفات عنه دون أن تتناوله فى حكمها ولا يعتبر سكوتها عنه إخلالا بحق الطاعن فى الدفاع ولا قصورا فى حكمها.
3 - المحكمة ليس ملزمة بالرد على الدفاع الموضوعى الذى يقصد به مجرد التشكيك فى صحة تصوير الشاهد للواقعة حسبما اطمأنت إليها المحكمة والذى ليس من شأنه أن يؤدى بالضرورة إلى نفى وقوع الحادث أو استحالة حصوله وفقا لهذا التصوير.
4 - المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى فى كل جزئية يثيره، واطمئنانها إلى الأدلة التى عولت عليها يدل على إطراحها لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها لها.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما فى يوم 4 يونيه سنة 1965 بزمام المسعودى محافظة أسيوط: (أولا) المتهمان قتلا فاطمة حسين أحمد الديب عمدا مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتا النية على قتلها وأعدا لذلك سلاحين ناريين وتوجها إلى مسكن المجنى عليها ثم أطلق عليها أحدهما عياراً نارياً وضربها الآخر بجسم صلب قاصدين من ذلك قتلها فأحدثا بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياتها (ثانيا) المتهم الأول أيضا حاز بغير ترخيص سلاحا ناريا غير مششخن بندقية خرطوش (ثالثا) المتهم الثانى أيضا: (1) أحرز بغير ترخيص سلاحا ناريا مششخنا بندقية أنفيلد. (2) أحرز ذخائر مما تستعمل فى السلاح النارى سالف الذكر دون أن يكون مرخصا له بحيازته وإحرازه. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 230 و231 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ 1 - 2 و4 و30 من القانون رقم 364 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 546 لسنة 54 و75 لسنة 1958 والجدول/ 2 والبند (ب) من القسم الأول من الجدول رقم (3) المرفق. فقرر بذلك، وادعى مدنيا على محمد أحمد أبو حمزة "ابن القتيلة "وطلب القضاء له قبل المتهمين متضامنين بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة، ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضوريا عملا بالمادة 230 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ - 2، 4، 30 من رقم 394 لسنة 1954 والجدولين 2 و3 المرفقين مع تطبيق المادة 320 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وإلزامهما متضامنين أن يؤديا إلى المدعى بالحق المدنى مائة جنيه والمصاريف المدنية وخمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة، فطعن الطاعنان فى هذا الحكم بطريق النقض، وقضت محكمة النقض بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات أسيوط لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى، والمحكمة المذكورة سمعت الدعوى من جديد وقضت حضوريا عملا بالمادتين 230 و231 من قانون العقوبات والمواد 1/ 1 و6 و26/ 1 - 2 - 4 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 546 لسنة 1954 و75 لسنة 58 والجدول رقم 2 والبند ب من القسم الأول من الجدول رقم 3 المرافق مع تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنوات وإلزامهما بأن يدفعا متضامنين للمدعى بالحق المدنى مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض "للمرة الثانية" ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه القصور فى التسبيب وانطوى على الإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه عول فى قضائه بالإدانة على أقوال الشاهد هاشم محمد أحمد أبو حمزة الذى قرر أنه سمع صوت إطلاق عيارين ناريين ينبعث من داخل مسكنه، بينما أن الثابت من تقرير الصفة التشريحية أن المجنى عليها أصيبت بعيار نارى واحد، وعلى الرغم من تمسك الطاعنين بهذا التناقض بين الدليلين القولى والفنى، فإن الحكم لم يعن بالرد على هذا الدفاع الجوهرى بما يرفع هذا التعارض، هذا فضلا عن أن الحكم أغفل أن يورد مؤدى أقوال الشاهد محمد يوسف حامد عمدة الناحية التى عول عليهما فى الإدانة، كما أن الحكم اتخذ من واقعة العثور على طلقتين فارغتين من طراز لى أنفيلذ بجوار جثة المجنى عليها دليلا مؤيدا لأقوال الشاهد هاشم محمد أحمد، دون أن يعرض بالرد على ما أثاره الدفاع من أن قرره هذا الشاهد من سماعه صوت إطلاق عيارين ناريين ينبعث من داخل مسكنه كاف وحده للقطع بعدم صحة ما شهد به، إذ أن البنادق من نوع لى أنفيلد لا تطرد الأظرف الفارغة إلا مع معاودة الإطلاق، ومن ثم فلو كانت رواية الشاهد صحيحة، لما وجد بمكان الحادث سوى طلقة واحدة، وهذا كله مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه بين واقعة الدعوى بما محصله أنه فى ظهر يوم 4 يونيه سنة 1965 بناحية المسعودى مركز أبو تيج محافظة أسيوط، بينما كان الشاهد هاشم محمد أحمد أبو حمزة فى زراعته أمام منزله حيث تساكنه والدته المجنى عليها فاطمة حسين أحمد الديب، رأى الطاعنين على عبد الحميد يونس وشهرته ماهر وسيد عبد الحميد يونس يدخلان منزله، وكان الأول يحمل بندقية خرطوش والثانى يحمل بندقية هندى، ولم يسترع الأمر دهشته، إذ حسب أنهما حضرا لزيارة شقيقتهما هانم عبد الحميد يونس المتزوجة من شقيقه على محمد أحمد والمقيمة معه أيضا فى ذات المنزل، ثم سمع فى أعقاب دخولهما صوت إطلاق عيارين ينبعث من داخل منزله، وأبصر بالطاعنين يغادرانه وبرفقتهما شقيقتهم، فأسرع بالدخول فوجد والدته المجنى عليها قتيلة، فبادر بإبلاغ عمدة الناحية محمد يوسف حامد الذى حضر وعاين مكان الحادث، وأرجع الشاهد سبب الحادث إلى أن هناك ثمة ضغينة بين الطاعنين وبين حفيدى المجنى عليها سعد محمد حامد وحشمت محمد حامد لنزاع على قطعة أرض زراعية قتلت بسببه والدة الطاعنين برقة حماد عبد النبى، وعول الحكم فى قضائه بالإدانة على أقوال الشاهد هاشم محمد أحمد، وعلى أقوال عمدة الناحية محمد يوسف حماد، وعلى ما ورد بتقرير الصفة التشريحية، وعلى ما ثبت من العثور على طلقتين فارغتين من طراز لى انفيلد بجوار جثة المجنى عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد حصل من أقوال الشاهد هاشم محمد أحمد أنه كان خارج منزله حين سمع صوت الطلقتين الناريين ينبعث من داخل مسكنه إثر ولوج الطاعنين إليه وقتلهما والدته المجنى عليه، كما أورد الحكم ما ثبت من تقرير الصفة التشريحية من أن بالمجنى عليها إصابة رضية بيسار الوجه وإصابة نارية بالعضد الأيسر والصدر تنشأ من عيار نارى واحد أطلق من سلاح نار من ذوات السرعة العالية معمر مقذوف مفرد، ومن ثم فإنه لا تناقض بين ما أخذ به الحكم من أقوال الشاهد المذكور، وبين ما أورده من مؤدى تقرير الصفة التشريحية، ما دام يصح فى العقل أن يكون أحد العيارين اللذين سمعهما الشاهد قد أصاب المجنى عليها وأخطأها الآخر. لما كان ذلك، وكان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفنى فى كل جزئيه منه، بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملائمة والتوفيق، وكان من المقرر أنه يشترط فى الدفاع الجوهرى - كيما تلتزم المحكمة بالتعرض له والرد عليه - أن يكون مع جوهريته جديا يشهد له الواقع ويسانده، فإذا كان عاريا من دليله، وكان الواقع يدحضه - كما هو واقع الحال فى الدعوى المطروحة - فإن المحكمة تكون فى حل من الالتفات عنه، دون أن تتناوله فى حكمه، ولا يعتبر سكوتها عنه إخلالا بحق الطاعن فى الدفاع ولا قصورا فى حكمها. ومن ثم فإن هذا الوجه من الطعن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه أورد مؤدى شهادة محمد يوسف حامد عمدة الناحية - خلافا لما يدعيه الطاعنان - وذلك فى قوله "وشهد محمد يوسف حامد عمدة الناحية أن الشاهد الأول حضر إليه فى حوالى الساعة الواحدة والنصف مساء، وأبلغه أنه بينما كان جالسا أمام منزله بعد ظهر يوم الحادث حضر المتهمان (الطاعنان). وكان المتهم الأول يحمل بندقية خرطوش، والثانى يحمل بندقية هندى وقتلا والدته، وأنه قام على أثر ذلك وعاين الحادث، وأضاف أن سبب الحادث يرجع إلى وجود ثأر بين الطرفين لنزاع على قطعة أرض. ومن ثم فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن ما أثاره المدافع عن الطاعنين فى شأن الطلقتين الفارغتين اللتين عثرا عليهما بجوار جثة المجنى عليها قد قام على أساس أنهما مدسوستان من شاهد الإثبات، بمقولة إن تفريع السلاح من المقذوف الثانى بعد إطلاقه يتطلب سحب "عقلة" البندقية وهو ما لا يتأتى فى تصور الدفاع إلا من إطلاق عيار ثالث، الأمر الذى يتعارض مع شهادة الشاهد، ولما كان هذا الذى قاله به الدفاع لا سند له من الواقع طالما أن عملية تفريغ السلاح من المقذوف الذى جرى إطلاقه يتم بمجرد سحب "عقلة" السلاح وليست مرهونة بمعاودة الإطلاق بالفعل، فإن ما يثيره الطاعنان فى هذا الصدد لا يعدو أن يكون دفاعا موضوعيا قصد به مجرد التشكيك فى صحة تصوير الشاهد للواقعة حسبما اطمأنت إليها المحكمة، وليس من شأنه أن يؤدى بالضرورة إلى نفى وقوع الحادث أو استحالة حصوله وفقا لهذا التصوير، ومن ثم فإن المحكمة لا تكون ملزمة بالرد على هذا الدفاع، لما هو مقرر من أن المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى فى كل جزئية يثيره، واطمئنانها إلى الأدلة التى عولت عليها يدل على إطراحها لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ به، دون أن تكون ملزمة ببيان علة إطراحها له، ومن ثم فإن هذا الوجه من الطعن يكون فى غير محله. لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.