أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 651

جلسة 10 من يونيه سنة 1979

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ الدكتور أحمد رفعت خفاجى، وصلاح محمد نصار، ومحمد حلمى راغب، وجمال الدين منصور.

(139)
الطعن رقم 1887 لسنة 48 القضائية

(1) قتل عمد. إثبات. "بوجه عام". "خبرة". "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تطابق الدليل القولى مع الدليل الفنى. غير لازم. كفاية أن يكونا غير متناقضين تناقضا يستعصى على المواءمة والتوفيق. مثال.
(2) إثبات. "شهود".
وزن أقوال الشهود وتقديرها. موضوعى. الأخذ بشهادة شاهد مفاده إطراح جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لعدم الأخذ بها.
(3) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الدفع بتعذر الرؤية. موضوعى. كفاية الرد عليه أخذا بأدلة الثبوت فى الدعوى.
(4) دفوع. "الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعى". دفاع شرعى. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير الوقائع التى يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعى من عدمه. موضوعى.
حق الدفاع الشرعى. قوامه. رد اعتداء المعتدى. التصدى لغيره بالإيذاء. غير جائز.
تعقب المجنى عليه قاتلى والده إلى زراعة المتهم الذى ما أن شاهده حتى بادره بالاعتداء المتواصل إلى أن أجهز عليه. دون أن يصدر منه ما يحل الدفاع الشرعى. كفاية ذلك نفيا لهذه الحالة.
1 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشاهد مضمون الدليل الفنى بل يكفى أن يكون جمع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق - وإذ كان ذلك، وكان البين من المفردات التى أمرت المحكمة بضمها - تحقيقاً لوجه الطعن - أن الشاهد لم يجزم بأن العيارين الناريين أصابا المجنى عليه بل رجع أن أحدهما لم يصبه، وكان مفاد ما أورده الحكم فيما تقدم أن المحكمة قد تفطنت إلى ما أثاره الدفاع فى هذا الشأن ومحصته بعد أن استعرضت أقوال الشاهد وما جاء فى تقرير الصفة التشريحية فلم تر بين هذين الدليلين القولى والفنى تناقضاً ما، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان الأولان فى هذا الصدد يكون فى غير محله.
2 - من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه وهى متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشاهد........ فإن النعى على الحكم فى شأن استدلاله بها يكون جدلاً موضوعياً فى تقدير الدليل مما لا شأن لمحكمة النقض به.
3 - الأصل أن الدفاع المبنى على تعذر الرؤية بسبب الظلام هو من أوجه الدفاع الموضوعية التى بحسب الحكم رداً عليها أخذه بأدلة الثبوت فى الدعوى، وإذ كان البين من المفردات أن ما رد به الحكم على هذا الدفاع من وضوح الرؤية وقت الحادث له سند من أقوال الشاهد المذكور التى اطمأن إليها فإن منعى الطاعنين الأولين على الحكم فى هذا الخصوص يكون غير سديد.
4 - من المقرر أن تقدير الوقائع التى يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعى أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى وللمحكمة الفصل فيه بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التى رتبت عليها - لما كان ذلك - وكان حق الدفاع الشرعى لم يشرع إلا لرد الاعتداء عن طريق الحيلولة بين ما يباشر الاعتداء وبين الاستمرار فيه فلا يسوغ التعرض بفعل القتل أو الضرب لمن لم يثبت أنه كان يعتدى أو يحاول الاعتداء فعلاً على نفس المدافع أو غيره، وكان البين مما اثبته الحكم المطعون فيه بمدوناته أن المجنى عليه الثانى بعد أن علم بمقتل والده تعقب قاتليه - الطاعنين الأول والثانى - إلى زراعة والدهما الطاعن الثالث وما أن شاهده الأخير حتى تصدى له وعاجله بضربه عصا على جبهته لاعاقته وشل حركته ثم واصل الاعتداء عليه بآلة صلبة ذات طرف مدبب فطعنه فى مقدم صدره وظهره ووجهه، ليقتله ولم يتركه إلا بعد أن أجهز عليه محققاً ما استهدفه من اعتدائه، وكان مؤدى ما أورده الحكم فيما تقدم أن الطاعن الثالث هو الذى بادر بالاعتداء على المجنى عليه الثانى بقصد قتله دون أن يصدر من الأخير أى فعل يستوجب الدفاع، فإن هذا الذى أورده الحكم سائغ ويكفى لتبرير ما انتهى إليه من نفى حالة الدفاع الشرعى، ولا تثريب على الحكم إن هو قد رد على دفاع الطاعن بقيام حالة الدفاع الشرعى فنفاها فى مساق تدليله على توافر قصد القتل لديه ذلك بأن القانون لم يرسم شكلا خاصا تصوغ به المحكمة بيان الواقعة وظروفها ولم يتطلب الرد على هذا الدفاع استقلالا.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم (المتهمان الأول والثانى) قتلا ...... عمدا مع سبق الاصرار والترصد بأن بيتا النية وعقدا العزم المصمم على قتله وأعدا لهذا الغرض سلاحاً نارياً حمله أولهما وفأساً حمله ثانيهما وترصداه فى المكان الذى أيقنا أن سيسير فيه وما أن ظفرا به حتى أطلق عليه الأول عياراً نارياً وانهال الثانى عليه ضرباً بالفأس قاصدين قتله فأحدثاً به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. (المتهم الأول أيضاً) 1 - أحرز سلاحاً نارياً ذا ماسورة مصقولة من الداخل بندقية خرطوش بغير ترخيص من وزير الداخلية. 2 - أحرز ذخيرة طلقة مما تستعمل فى السلاح النارى آنف البيان دون أن يكون مرخصاً له فى حيازة السلاح وإحرازه. (المتهم الثالث) قتل ....... عمداً بأن انهال عليه ضرباً وطعناً بآلتين راضة وأخرى حادة قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك. وادعى مدنياً ورثة المجنى عليهما قبل المتهمين بمبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات الفيوم قضت حضورياً عملاً بالمواد 230، 231، 232، 234/ 1 من قانون العقوبات والمواد 394 لسنة 1954 مع تطبيق المادتين 32، 17 من قانون العقوبات (أولاً) بمعاقبة المتهمين الأول والثانى بالأشغال الشاقة المؤبدة. (ثانياً) بمعاقبة المتهم الثالث بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة. (ثالثاً) بإلزام المتهمين الأول والثانى بأن يدفعا متضامنين إلى المدعيين بالحق المدنى ورثة المرحوم...... مبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض. (رابعاً) إلزام المتهم الثالث بأن يدفع للمدعيين بالحق المدنى ورثة المرحوم ..... مبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض. فطعن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض .. إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين الأولين بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وإحراز أولهما سلاح نارى وذخيرة بغير ترخيص والطاعن الثالث بجريمة القتل العمد قد خالف الثابت بالأوراق وشابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال، ذلك بأن الحكم تساند فى قضائه بإدانة الطاعنين الأولين إلى أقوال الشاهد....... وإلى تقرير الصفة التشريحية مع تعارض الدليلين لأنه قالة الشاهد بأن الطاعن الأول أطلق على المجنى عليه عيارين ناريين بما مؤداه إصابته بهما يتعارض مع ما أثبته التقرير الفنى من إصابته بإصابة نارية واحدة، وفى معرض رفع هذا التعارض قال الحكم بأن أحد العيارين قد طاش دون أن يكون لذلك سند من التحقيقات، وعول على أقوال الشاهد المذكور مع كذبه لاستحالة رؤياه الجانى حال إطلاقه النار من زراعة الأذرة، ورد الحكم على ما أثاره الدفاع من تعذر الرؤية بسبب الظلام بقول مرسل بوضوح الرؤيا وهو ما لا أصل له بالأوراق، كما أطرح دفاع الطاعن الثالث بقيام حالة الدفاع الشرعى عن النفس برد غير سائغ فى مساق تدليله على نية القتل، وكل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التى دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها فى حقهم أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها عرض لما أثاره الدفاع عن الطاعنين الأولين من قيام التعارض بين الدليلين القولى والفنى وأطرحه فى قوله أن الطاعن الأول أطلق عيارين ناريين أصاب أحدهما المجنى عليه وطاش الثانى، وإذ كان البين من المفردات التى أمرت المحكمة بضمها - تحقيقا لوجه الطعن - أن الشاهد ...... لم يجزم بأن العيارين الناريين أصابا المجنى عليه بل رجح أن أحدهما لم يصبه، وكان من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشاهد مضمون الدليل الفنى بل يكفى أن يكون جمع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان مفاد ما أورده الحكم فيما تقدم أن المحكمة قد فطنت إلى ما أثاره الدفاع فى هذا الشأن ومحصته بعد أن استعرضت أقوال الشاهد وما جاء فى تقرير الصفة التشريحية فلم تر بين هذين الدليلين القولى والفنى تناقضاً ما، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان الأولان فى هذا الصدد يكون فى غير محله. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه وهى متى أخذت بشهادته فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشاهد...... فإن النعى على الحكم فى شأن استدلاله يكون جدلاً موضوعياً فى تقدير الدلبل مما لا شأن لمحكمة النقض به. لما كان ذلك، وكان الأصل أن الدفاع المبنى على تعذر الرؤية بسبب الظلام هو من أوجه الدفاع الموضوعية التى بحسب الحكم رداً عليها أخذه بأدلة الثبوت فى الدعوى، وإذ كان البين من المفردات أن ما رد به الحكم على هذا الدفاع من وضوح الرؤية وقت الحادث له سنده من أقوال الشاهد المذكور التى اطمأن إليها فإن منعى الطاعنين الأولين على الحكم فى هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التى يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعى أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى وللمحكمة الفصل فيه بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التى رتبت عليها، وكان حق الدفاع الشرعى لم يشرع إلا لرد الاعتداء عن طريق الحيلولة بين من يباشر الاعتداء وبين الاستمرار فيه فلا يسوغ التعرض بفعل القتل أو الضرب لمن لم يثبت أنه كان يعتدى أو يحاول الاعتداء فعلاً على نفس المدافع أو غيره، وكان البين مما أثبته الحكم المطعون فيه بمدوناته أن المجنى عليه الثانى بعد أن علم بمقتل والده تعقب قاتليه - الطاعنين الأول والثانى - إلى زراعة والدهما الطاعن الثالث وما أن شاهده الأخير حتى تصدى له وعاجله بضربه عصا على جبهته لاعاقته وشل حركته ثم واصل الاعتداء عليه بآلة صلبة ذات طرف مدبب فطعنه فى مقدم صدره وظهره ووجهه، ليقتله ولم يتركه إلا بعد أن أجهز عليه محققاً ما استهدفه من اعتدائه، وكان مؤدى ما أورده الحكم فيما تقدم أن الطاعن الثالث هو الذى بادر بالاعتداء على المجنى عليه الثانى بقصد قتله دون أن يصدر من الأخير أى فعل يستوجب الدفاع، فإن هذا الذى أورده الحكم سائغ ويكفى لتبرير ما انتهى إليه من نفى حالة الدفاع الشرعى، ولا تثريب على الحكم إن هو قد رد على دفاع الطاعن بقيام حالة الدفاع الشرعى فنفاها فى مساق تدليله على توافر قصد القتل لديه ذلك بأن القانون لم يرسم شكلاً خاص تصوغ به المحكمة بيان الواقعة وظروفها ولم يتطلب الرد على هذا الدفاع استقلالاً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.