أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثالث - السنة 22 - صـ 746

جلسة 12 ديسمبر سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين/ سعد الدين عطية، وحسن الشربينى، والدكتور محمد حسنين، وطه دنانة.

(180)
الطعن رقم 1016 سنة 41 القضائية

( أ ) وصف التهمة. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تعديل الوصف". قتل عمد. ضرب. "ضرب بسيط". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إجراءات المحكمة. قدر متيقن.
عدم تقيد محكمة الموضوع بالوصف القانونى الذى تسبغه النيابة على الفعل. حقها فى رد الواقعة إلى الوصف القانونى السليم الذى ترى انطباقه. أخذها الطاعن بالقدر المتيقن فى حقه واعتباره مرتكبا لجريمة الضرب البسيط بدلا من القتل العمد الذى رفعت به الدعوى. لا إخلال بحق الدفاع إذا لم تنبه المحكمة المتهم أو المدافع إلى ما أجرته من تعديل الوصوف فى هذه الحالة.
(ب) محكمة الموضوع. إثبات. "إثبات بوجه عام". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق محكمة الموضوع فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها وإطراح ما يخالفها من صور أخرى. عدم التزامها بالأدلة المباشرة فحسب بل لها استخلاص صورة الواقعة بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية. شرط ذلك؟ المجادلة فى ذلك أمام محكمة النقض غير مقبولة.
(ج) نقض. "الصفة فى الطعن". طعن. "الصفة فى الطعن". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نيابة عامة. "حقها فى الطعن فى الأحكام".
لا صفة للطاعن فى التحدث عن خطأ الحكم فى قضائه ببراءة متهم آخر ما دام قد برئ من عيوب التسبيب فيما قضى به من إدانته. قصر حق الطعن فى هذه الحالة على النيابة وحدها.
1 - الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانونى الذى تسبغه النيابة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائيا بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانونى السليم الذى ترى انطباقه على الواقعة. وإذ كانت الواقعة المبينة بأمر الإحالة والتى كانت مطروحة بالجلسة هى ذاتها الواقعة التى اتخذها الحكم المطعون فيه أساسا للوصف الجديد الذى دان الطاعن به وكان مرد التعديل هو استبعاد نية القتل وعدم اطمئنان المحكمة إلى أن الطاعن هو محدث الطعنة التى أودت بحياة المجنى عليه فأخذت هذا الطاعن بالقدر المتيقن فى حقه دون أن يتضمن التعديل إسناده واقعة مادية أو عناصر جديدة تختلف عن الأولى فإن الوصف المعدل الذى نزلت إليه المحكمة حين اعتبرت الطاعن مرتكبا لجريمة الضرب البسيط بدلا من القتل العمد لا يجافى التطبيق السليم فى شيء ولا يعطى هذا الطاعن حقا فى إثارة دعوى الإخلال بحق الدفاع إذ أن المحكمة لم تكن ملزمة فى ملزمة فى مثل هذه الحالة بتنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى ما أجرته من تعديل الوصف ما دامت قد اقتصرت على استبعاد أحد عناصر الجريمة التى رفعت بها الدعوى وأخذته بالقدر المتيقن فى حقه ومن ثم فقد انحسرت عن الحكم قالة الإخلال بحق الدفاع.
2 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق وهى فى ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت فى وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليما متفقا مع حكم العقل والمنطق ومن ثم فإن منازعة الطاعن فى سلامة استنتاج الحكم لأدلة الإدانة فى الدعوى إنما ينحل إلى جدل موضوعى حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها فى عقيدتها مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض.
3 - من المقرر أن لا صفة للطاعن فى التحدث عن خطأ الحكم - على فرض حصوله - فى قضائه ببراءة المتهم الأخر بل ذلك للنيابة العامة وحدها ما دام الحكم قد برئ من عيوب التسبيب فيما قضى به من إدانته.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما فى يوم 18/ 9/ 1967 بدائرة قسم باب شرقى محافظة الإسكندرية المتهم الأول: قتل على أحمد حسن عمدا بأن طعنه بمطواه ست طعنات فى صدره وبطنه وساعده الأيسر قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. والمتهم الثانى: أحدث بالمجنى عليه سالف الذكر عمدا إصابة الرأس الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على عشرين يوما وطلبت من مستشار الاحالة إحالتهما على محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمادتين 234/ 1 و242/ 1 من قانون العقوبات، فقرر بذلك، وادعت رقية مصيلحى زيدان مدنيا قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات الإسكندرية - بعد أن عدلت وصف التهمة فى حق الطاعنبن إلى ضرب بسيط - قضت حضوريا عملا بالمادة 242/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين الطاعنين بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة مع إلزامهما بأن يدفعا متضامنين للمدعية بالحق المدنى قرشا واحدا على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة الضرب البسيط قد أخل بحق الدفاع وشابه التناقض والقصور فى التسبيب وانطوى على الخطأ فى الإسناد، ذلك بأنه دان الطاعن الأول بجريمة الضرب بمقتضى المادة 242/ 1 من قانون العقوبات فى حين أن أمر الإحالة جاء عن جريمة القتل طبقا للمادة 234/ 1 منه وبذلك تكون المحكمة قد ساءلت هذا الطاعن عن تهمة لم ترد فى أمر الإحالة ولم تلفت نظر الدفاع إلى تعديلها للتهمة خلافا لحكم المادتين 307 و308 من قانون الإجراءات الجنائية، فضلا عن أن الحكم حصل الواقعة فى أن الاعتداء على المجنى عليه حصل عند دخوله منزله الذى يقيم فيه هو والطاعنان ثم انسحب الأخيران إلى غرفة الطاعن الأول فتبعهما فريق المجنى عليه واعتدوا على الطاعنين فى الظلام وبعد أن انقطع التيار الكهربائى عن الغرفة فى حين أن فريق المجنى عليه نفوا اعتداءهم على الطاعنين، كما أن هذين الأخيرين أنكرا اعتداءهما على المجنى عليه كما أن واقعة الاعتداء على الطاعنين فى الظلام لم ترد على لسان أحد ممن سئلوا فى التحقيقات إذ قرروا أن الاعتداء الذى حصل فى غرفة الطاعن الأول حصل قبل انقطاع التيار الكهربائى، يضاف إلى ما تقدم أن المحكمة قضت ببراءة متهمين آخرين من تهمة الاعتداء على الطاعنين تأسيسا على أنهما قررا فى التحقيقات أن الاعتداء عليهما وقع فى الظلام وهو ما لا أصل له فى الأوراق وكان لازمه القضاء أيضا ببراءة الطاعنين وهذا كله مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن نزاعا قام بين الطاعنين والمجنى عليه على أحمد حسن بسبب أمور تفرعت عن استئجار الطاعنين لحجرات بمنزل المجنى عليه وانعقد مجلس صلح بمنزل حسن مصطفى حضره فريق من كلا الطرفين ولم يسفر المجلس عن إنهاء النزاع صلحا وأثناء عودة المجنى عليه إلى منزله وبصحبته زوج ابنته محمد حموده سلامه وما أن اقتربا من المنزل حتى شكت له ابنته من اعتداء زوجتى الطاعنين عليها فأمرها بالتوجه إلى منزله، ولما هم بدخول منزله قابله الطاعنان ومعهما عدد غفير من أتباعهما فعاتبهما المجنى عليه على مسلك زوجتيهما فضربه الطاعن الأول بسكين كما ضربه الطاعن الثانى بعصا على رأسه ثم اعتدى عليه آخرون وبعد ذلك هرع الطاعنان إلى غرفة الطاعن الأول فتبعهما فريق المجنى عليه وحطموا بابها وانقطع التيار الكهربائى فغشى الظلام ثم حصل اعتداء على الطاعنين ومحمد على عبد اللطيف وفوزية سليمان أبو شادى ونوح محمد إبراهيم وعول الحكم فى قضائه بإدانة الطاعنين على أدلة مستمدة من أقوال الأستاذ عبد الحفيظ على أحمد المحامى نجل المجنى عليه ومحمد حموده سلامه زوج ابنته والسيد عبد الصمد على وعرفه مساعد شرطة النجدة ومما ورد بتقريرى الصفة التشريحية والمعمل البكتريوليوجى ومن معاينة النيابة كما انتهى الحكم إلى براءة باقى المتهمين الذين نسب إليهم الاعتداء داخل غرفة الطاعن الأول، تأسيسا على أن هذا الاعتداء الأخير حصل فى الظلام مما لا تطمئن المحكمة معه إلى ثبوت الاتهام. لما كان ذلك، وكان الأصل أن المحكمة لا تتقيد بالوصف القانونى الذى تسبغه النيابة على الفعل المسند إلى المتهم لأن هذا الوصف ليس نهائيا بطبيعته وليس من شأنه أن يمنع المحكمة من تعديله متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف القانونى السليم الذى ترى انطباقه على الواقعة، وإذ كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتى كانت مطروحة بالجلسة هى ذاتها الواقعة التى اتخذها الحكم المطعون فيه أساسا للوصف الجديد الذى دان الطاعن الأول به، وكان مرد التعديل هو استبعاد نية القتل وعدم اطمئنان المحكمة إلى أن الطاعن الأول هو محدث الطعنة التى أودت بحياة المجنى عليه فأخذت هذا الطاعن بالقدر المتيقن فى حقه، دون أن يتضمن التعديل إسناده واقعة مادية أو عناصر جديدة تختلف عن الأولى فإن الوصف المعدل الذى نزلت إليه المحكمة حين اعتبرت الطاعن الأول مرتكبا لجريمة الضرب البسيط بدلا من القتل العمد، لا يجافى التطبيق السليم فى شيء ولا يعطى هذا الطاعن حقا فى إثارة دعوى الإخلال بحق الدفاع إذ أن المحكمة لم تكن ملزمة فى مثل هذه الحالة بتنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى ما أجرته من تعديل الوصف ما دامت قد اقتصرت على استبعاد أحد عناصر الجريمة التى رفعت بها الدعوى وأخذته بالقدر المتيقن فى حقه، ومن ثم فقد انحسرت عن الحكم قالة الإخلال بحق الدفاع . لما كان ذلك، وكان الحكم - على ما سلف بيانه - قد فصل بين واقعة اعتداء الطاعنين على المجنى عليه عند ما هم بدخول منزله وبين واقعة الاعتداء الأخرى التى حصلت بعد ذلك ى غرفة الطاعن الأول وقضى فى الاولى بإدانة الطاعنين تأسيسا على أدلة الثبوت التى عول عليها والتى لم يجادل فيها الطاعنان وقضى فى الثانية بالبراءة تأسيسا على أنها حصلت فى الظلام بسبب انقطاع التيار الكهربائى وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليها اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، وهى فى ذلك ليست مطالبة بألا تأخذ إلا بالأدلة المباشرة بل لها أن تستخلص صورة الدعوى كما ارتسمت فى وجدانها بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليما متفقا مع حكم العقل والمنطق ومن ثم فإن منازعة الطاعنين فى سلامة استنتاج الحكم لأدلة الإدانة فى الدعوى إنما ينحل إلى جدل موضوعى حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرتها فى عقيدتها مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لا صفة للطاعنين فى التحدث عن خطأ الحكم - على فرض حصوله - فى قضائه ببراءة المتهمين الآخرين عن الواقعة الثانية بل ذلك للنيابه العامة وحدها ما دام قد برئ من عيوب التسبيب فيما قضى به من إداننهم، ومن ثم فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم أنه لا تلازم بين ما انتهى إليه من إدانة الطاعنين عن الواقعة الأولى وبراءة باقى المتهمين عن الواقعة الثانية، فإن هذا الوجه من الطعن يكون فى غير محله. لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.