أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 669

جلسة 11 من يونيه سنة 1979

برياسة السيد المستشار حسن على المغربى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد صلاح الدين الرشيدى، وعادل برهان نور، ومحمد وهبة، ومصطفى جميل مرسى.

(143)
الطعن رقم 2082 لسنة 48 القضائية

(1) تقليد. جريمة "أركانها". مسئولية جنائية. قصد جنائى. "القصد الخاص". إثبات. "بوجه عام".
القصد الجنائى فى جريمة المادة 206 من قانون العقوبات. قصد خاص. استفادة توافره من ارتكاب التقليد. مثال.
(2) إجراءات. "إجراءات التحقيق". "استجواب". بطلان. نيابة عامة. دفوع. "الدفع ببطلان إجراءات التحقيق". محاماة.
التفات المحكمة عن الدفع ببطلان استجواب المتهم لتمامه فى غيبة محاميه. لا عيب. ما دام الطاعن لا يدعى بأنه عين محاميا لحضور الاستجواب أو أن محاميا عنه طلب حضوره.
(3) نيابة عامة. إجراءات. "إجراءات التحقيق".
اختيار مكان التحقيق أمر متروك لتقدير وكيل النيابة المحقق.
(4) إثبات. "خبرة". "شهادة". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
تطابق أقوال الشهود ومضمون الدليل الفنى. غير لازم. كفاية أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
(5) تقليد جريمة "أركانها". إثبات. "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
العبرة فى جرائم التقليد بأوجه الشبه لا بأوجه الخلاف.
لا يشترط لتحقيق جريمة التقليد أن يكون متقنا ما دام من شأنه أن يخدع الناس.
1 - من المقرر أنه لما كانت المادة 206 من قانون العقوبات تشترط توافر قصد خاص هو نية استعمال الشىء المقلد أو المزور استعمالا ضارا بمصلحة الحكومة والأفراد الأمر الذى يستفاد من ارتكاب التقليد أو التزوير ويكون على المتهم فى هذه الحالة عبء نفى توافره.
2 - لما كان الطاعن لا يزعم أنه عين محامياً عنه وقت استجوابه أو أن محاميه تقدم للمحقق مقرراً الحضور معه وقت هذا الاستجواب فإن ما ينعاه بشقيه فى هذا الصدد يكون على غير أساس فى القانون ولا تلتزم المحكمة بالرد عليه لما هو مقرر من أن المحكمة لا تلتزم بالرد على دفاع قانونى ظاهر البطلان.
3 - لما كان الطاعن الثالث لا ينازع فى أن وكيل النيابة المختص هو الذى أجرى التحقيق فلا يهم بعد ذلك المكان الذى اختاره المحقق لإجراء التحقيق والذى يترك حق اختياره لتقديره حرصاً على صالح التحقيق وسرعة إجرائه.
4 - من المقرر أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفنى، بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق - لما كان ذلك - وكان مؤدى أقوال شهود الإثبات واعترافات المتهمين وما أورده الحكم عن ضبط عدد الكيلشهات لا يتعارض مع ما نقله عن التقرير الفنى من أن اثنين فقط من هذه الكيلشهات هى التى استعملت فى عمليات الطبع فإن منعى الطاعن الثالث بوجود تعارض من الدليل الفنى والدليل القولى يكون ولا محل له.
5 - من المقرر فى جرائم التقليد أن العبرة بأوجه الشبه لا بأوجه الخلاف، وأن جناية تقليد ختم أو علامة إحدى المصالح أو إحدى جهات الحكومة المنصوص عليها بالمادة 206 من قانون العقوبات تتحقق متى كان التقليد من شأنه خدع الجمهور فى المعاملات ولا يشترط القانون أن يكون التقليد متقناً بحيث ينخدع به الفاحص الدقيق بل يكفى أن يكون بين الختمين أو العلامتين المقلدة والصحيحة تشابه قد يسمح بالتعامل بها، ولا يقدح فى ذلك كون التقليد ظاهراً، ما دام من شأنه أن يخدع الناس.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم (أولاً) قلدوا خاتماً لإحدى المصالح الحكومية خاتم هيئة البريد للطابع فئة ثلاثين مليما. (ثانيا) استعملوا الخاتم المقلد السالف الذكر مع علمهم بذلك بأن وضعوا بصمته على أوراق طبعت وأعدت لهذا الغرض فأخذت شكلاً مقلدا لطابع البريد سالف الذكر. (ثالثاً) صنعوا مطبوعات تشابه بهيئتها الظاهرة طوابع هيئة البريد فئة الثلاثين مليماً مشابهة تسهل قبولها بدلاً منها. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للمواد 206، 219 من قانون العقوبات، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الجيزة قضت فى الدعوى حضورياً بمعاقبة كل من الطاعنين بالسجن لمدة ثلاث سنوات عما أسند إليه والمصادرة. فطعن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض .. إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعنين الأول والثانى والرابع هو أن الحكم المطعون فيه إذ دانهم بجرائم تقليد خاتم لإحدى المصالح الحكومية واستعماله وصنع مطبوعات تشابه فى مظهرها طوابع هيئة البريد فئة الثلاثين مليماً قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه الإخلال بحق الدفاع والقصور فى التسبيب. ذلك بأنه لم يرد رداً كافياً على دفاعهم القائم على أن الواقعة المسندة إليهم تكون الجنحة المنصوص عليها فى المادة 229 من قانون العقوبات ولا تندرج تحت نص المادة 206 من القانون المذكور التى دانهم بها كما أنه لم يبين أوجه الشبه بين الطوابع المضبوطة والطوابع الصخيحة ولم يبين ما إذا كان تقليد الطوابع المضبوطة من شأنه أن ينخدع به الجمهور فى المعاملات أم لا كذلك جاء الحكم قاصراً فى الرد على دفاعهم بانتفاء القصد الجنائى لديهم لأن الجريمة تمت بتحريض من رجال الضبط ولم يثبت أنهم عرضوا الطوابع المضبوطة للتداول أو استمروا فى عملية التقليد مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن الثالث هو القصور فى التسبيب والخطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم لم يرد رداً وافياً على دفاعه القائم على أو الواقعة المسندة إليه تشكل جنحة طبقاً للمادة 229 من قانون العقوبات ولا تندرج تحت نص المادة 206 من القانون المذكور التى دانه بها كما أنه لم يرد على دفاعه ببطلان الاعتراف المنسوب إليه لإجراء التحقيق فى مقر شرطة السكك الحديدية ولأن وكيل النيابة المحقق لم يسأله عن اسم محاميه حتى يتم الاستجواب فى حضوره وكذا دفاعه بأن التقرير الفنى أثبت عدم استعمال الاكلشيهات الثلاثة التى عليها رسم (القلة) مما يشكل تعارضاً مع الأدلة القولية فى تحريات المباحث والاعتراف المنسوب إلى الطاعن وبالرغم من تمسكه بهذا التعارض بين الدليلين القولى والفنى فإن الحكم لم يتعرض لهذا الدفاع إيراداً ورداً ودانه بالتهم الثلاث رغم نفى التقرير الفنى وجود أية أختام مزورة كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مجمله أن المتهمين الأربعة - الطاعنين - اتفقوا مع ....... المساعد بمكتب بريد العمرانية على تقليد ختم لهيئة البريد خاص بالطوابع من فئة الثلاثين مليماً وعلى اصطناع هذه الطوابع فتظاهر بالقبول وأبلغ الشرطة المختصة ومكن النقيب ........ بمباحث السكة الحديد من الالتقاء بالمتهمين حتى عرضوا عليه بعض الطوابع المصطنعة ثم وبعد استصدر إذن النيابة بالتفتيش تمكنت قوة من رجال الشرطة من ضبط المتهمين فى مسكن رابعهم وأمامهم الآلة المخصصة للطبع وبعض الطوابع المصطنعة وكليشيهات من بينها ثلاثة عليها رسم "قلة" والأدوات والأحبار والأوراق المستعملة فى عملية التقليد ثم أورد الحكم على ثبوت الواقعة فى حق المتهمين أدلة سائغة مسمتدة من أقوال رجال مباحث هيئتى البريد والسكة الحديد ومن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير لمصلحة الطب الشرعى ومن اعتراف المتهمين الأول والثالث والرابع ثم دان الطاعنين عن الجرائم المسندة إليهم مطبقاً عليهم عقوبة الجريمة الأشد عملاً بالمادتين 32، 206 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكانت المادة 206 من قانون العقوبات تشترط توافر قصد خاص هو نية استعمال الشىء المقلد أو المزور استعمالاً ضاراً بمصلحة الحكومة أو الأفراد الأمر الذى يستفاد من ارتكاب التقليد أو التزوير ويكون على المتهم فى هذه الحالة عبء نفى توافره وأن المادة 229 لا تتطلب إلا القصد العام وهو مجرد العلم بالتقليد أو التزوير دون إذن الجهات المختصة، ولو كان ذلك لأغراض ثقافية أو علمية أو فنية أو صناعية، مما لا يتوافر به القصد الجنائى المنصوص عليه فى المادة 206 من قانون العقوبات، وكان المشرع قد أضاف المادة 229 من قانون العقوبات لمواجهة حالة خاصة لا تدخل فى نطاق المادة 206 عقوبات وهى تداول تلك الطوابع حتى ولو لم يكن صنع نماذجها مقصوداً به اسنعمالها استعمالا ضارا بمصلحة الحكومة أو الأفراد. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعنين أنهم قلدوا أختام هيئة البريد وطوابع الهيئة فئة الثلاثين مليماً ليجروها مجرى الطوابع الصحيحة فى التعامل، وكان ذلك بنية الغش الذى يعتبر مستفاداً لا بينة استعمالها نموذجاً فنياً أو صناعياً أو تجاريا أو غير ذلك من الأغراض البريئة فى الأصل والتى توجب تطبيق عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى المادة 229 من قانون العقوبات، وكان الطاعنون لم يدفعوا أمام محكمة الموضوع بإن قصدهم فى التزوير كان شيئاً مما ذكر، وإنما قالوا قولاً عاماً عارياً عن دليله بعدم انطباق المادة 206 من قانون العقوبات على واقعة الدعوى مع أنها هى الأصل المنطبق، فإن الحكم إذ أعمل المادة المذكورة فى حق الطاعنين يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً. وما يثيره الطاعنون فى هذا الخصوص غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع المتهمين بأن الجريمة تمت بتحريض من رجال الشرطة فى قوله: "إن الجريمة تمت من المتهمين بمحض إرادتهم وإتفاقهم على ذلك....... وأن تدخل الضابط لم يكن إلا من قبيل الإجراءات الموجبة لضبط الجريمة متلبساً بها ذلك أن المتهمين كانوا قد "قطعوا شوطا بعيداً فى ارتكاب الجريمة قبل تدخله، وهو ما يسوغ به الرد على هذا الدفاع فإن منعى الطاعنين - الأول والثانى والرابع - فى هذا الشأن يكون بعيداً عن محجة الصواب. لما كان ذلك، وكان الثابت - من المفردات التى أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لأوجه الطعن - وبما لم ينازع فيه الطاعن الثالث أن وكيل النيابة المختص هو الذى أجرى التحقيق فلا يهم بعد ذلك المكان الذى اختاره المحقق لإجراء التحقيق والذى يترك لتقديره حق اختياره حرصاً على صالح التحقيق وسرعة إجرائه، كما أنه وإذ لم يزعم الطاعن أنه عين محامياً عنه وقت استجوابه أو أن محاميه تقدم للتحقيق مقرراً الحضور معه وقت هذا الاستجواب فإن ما ينعاه بشقيه فى هذا الصدد يكون على غير أساس من القانون ولا تلتزم المحكمة بالرد عليه لما هو مقرر من أن المحكمة لا تلتزم بالرد على دفاع قانونى ظاهر البطلان. لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة الحكم فيما أورده نقلاً عن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعى "أن طوابع البريد المضبوطة والمودعة بالحرز رقم 1 هى" طوابع مزيفة بدرجة لا بأس بها وذلك بواسطة الأكليشهين المضبوطين" وكان الثابت بما أورده الحكم فى وصف المضبوطات وبما هو مدون بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير المرفق بالمفردات أن ما استعمل فى طبع الطوابع المضبوطة هو اكليشهين فقط من بين الكليشهات المضبوطة والتى وجدت ثلاثة كليشهات أخرى برسم "الفلة" لم تستعمل فى طباعة أى من طوابع البريد المضبوطة - وكان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفنى، بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق، وكان مؤدى أقوال شهود الإثبات واعتراضات المتهمين كما أوردها الحكم عن ضبط عدد الكيلشهات لا يتعارض مع ما نقله عن التقرير الفنى من أن اثنين فقط من هذه الكليشهات هى التى استعملت فى عمليات الطبع فإن منعى الطاعن الثالث بوجود تعارض من الدليل الفنى والدليل القولى يكون ولا محل له. لما كان ذلك، وكانت القاعدة المقررة فى جرائم التقليد تقضى بأن العبرة بأوجه الشبه لا بأوجه الخلاف، وأن جناية تقليد ختم أو علامة إحدى المصالح أو إحدى جهات الحكومة المنصوص عليها بالمادة 206 من قانون العقوبات تتحقق متى كان التقليد من شأنه خدع الجمهور فى المعاملات ولا يشترط القانون أن يكون التقليد متقناً بحيث ينخدع به الفاحص المدقق بل يكفى أن يكون بين الختمين أو العلامتين المقلدة والصحيحة تشابه قد يسمح بالتعامل بها، ولا يقدح فى ذلك كون التقليد ظاهراً، ما دام من شأنه أن يخدع الناس وكان الحكم قد عول فى قضائه على ما حصله تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن طوابع البريد المضبوطة مزيفة بدرجة لا بأس بها، وأضاف "أنه بمقارنة هذه الطوابع بطابع" صحيح من ذات الفئة والطبعة وجد أنها تتخذ فى مظهرها العام مظهر الطابع الصحيح فإن ما أورده الحكم فى ذلك يتوافر به هذا العنصر من عناصر الجريمة بما تنتفى به دعوى القصور. لما كان ذلك وكان ما حصله الحكم عن الواقعة وأثبته فى حق المتهمين من اتفاقهم على التقليد وقيامهم بطبع الطوابع المزيفة وضبطهم جميعاً وفى حوزتهم جميع أدوات الجريمة هو ما تتوافر به أركان الجريمة التى دانهم بها دون حاجة إلى إثبات قيامهم بعرض الطوابع المقلدة للبيع أو استمرارهم فى عملية الطبع فإن منعى الطاعنين الأول والثانى والرابع فى هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن طعن الطاعنين برمته يكون قائما على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.