أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثالث - السنة 22 - صـ 788

جلسة 20 من ديسمبر سنة 1971

برياسة السيد المستشار/ محمود عباس العمراوى، وعضوية السادة المستشارين/ محمود عطيفة، وابراهيم الديوانى، وعبد الحميد الشربينى، وحسن المغربى.

(189)
الطعن رقم 1044 لسنة 41 القضائية

(أ، ب) إثبات. "معاينة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع ما لا يوفره". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم. "ما لا يعيب الحكم فى نطاق التدليل".
( أ ) طلب المعاينة الذى لا يتجه إلى نفى الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة يعتبر دفاعا موضوعيا لا تلتزم المحكمة بإجابته. المقصود به إثارة الشبهة فى الدليل الذى اطمأنت إليه.
(ب) تزيد الحكم فيما لا أثر له فى منطقة أو على النتيجة التى انتهى إليها لا ينال من سلامته. مثال فى رد على طلب إجراء معاينة.
(جـ) إثبات. "شهود". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه محكمة الموضوع. أخذها بشهادة شاهد يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
(د) استيقاف. رجال السلطة العامة.
تعريف الاستيقاف. مسوغاته. حق رجل السلطة العامة فى الاستيقاف. سنده. المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية.
(هـ) رجال السلطة العامة. مأمورو الضبط القضائى. تفتيش. "التفتيش بغير إذن". "التفتيش فى حالة التلبس". مواد مخدرة.
تخلى المتهم عما فى حيازته وإنكاره ملكيته. استيقاف رجل السلطة العامة له والتقاطه الشىء المتخلى عنه وتقديمه لمأمور الضبط القضائى الذى فتش ذلك الشىء فوجد به مخدر. صحة الإجراءات.
(و) استيقاف. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
الفصل فى قيام مبرر الاستيقاف يستقل بتقديره قاضى الموضوع لاستنتاجه ما يسوغه.
1 - من المقرر أن طلب المعاينة الذى لا يتجه إلى نفى الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة - كما رواها الشهود - بل كان مقصودا به إثارة الشبهة فى الدليل الذى اطمأنت إليه المحكمة، مثل هذا الطلب يعتبر دفاعا موضوعيا لا تلتزم المحكمة بإجابته.
2 - لا ينال من سلامة الحكم ما استطرد إليه فى الرد على طلب إجراء المعاينة من أنه جد من التحسينات والتنظيمات بمكان الحادث من تاريخ الواقعة حتى تاريخ صدور الحكم بما لا يمكن معه القول بأن الصورة الحالية لمكان الحادث تمثل صورته يوم وقوعه ما دام أن هذا التزيد لا أثر له فى منطق الحكم أو على النتيجة التى انتهى إليها.
3 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه بغير معقب وأنها متى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
4 - الاستيقاف هو إجراء يقوم به رجل السلطة العامة فى سبيل التحرى عن الجرائم وكشف مرتكبيها ويسوغه اشتباه تبرره الظروف وهو أمر مباح لرجال السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية واختيارا فى موضع الريب والظن وكان هذا الوضع ينبئ عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحرى وللكشف عن حقيقته عملا بحكم المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية، ومن ثم فإن ما ذكره الحكم المطعون فيه من أن مشاهدة رجل الشرطة للمتهم يحمل مقطفا ويقف أسفل الكوبرى فى مكان مظلم يبيح للشرطى وهو المكلف بتفقد حالة الأمن أن يذهب إليه ويستوضحه أمره - صحيح فى القانون.
5 - تخلى المتهم عما فى حيازته وإنكاره ملكيته له يخول لرجل السلطة العامة الذى يجد الشىء المتخلى عنه أو يقع بصره عليه أن يستوقف المتهم ويلتقط ما تخلى عنه ويقدمه لمأمور الضبط القضائى. فإذا ما تبين أن ذلك الشىء يحوى ما يعد إحرازه أو حيازته جريمة فإن الإجراءات التى تمت تكون صحيحة ويكون الاستناد إلى الدليل المستمد من هذه الإجراءات هو استناد سليم لا غبار عليه. وإذ كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المتهم قد تخلى عن المقطف الذى كان يحمله وأنكر صلته به فإن أخذ الشرطى المقطف وتسليمه لضابط المحطة الذى قام بتفتيشه وعثر فيه على المخدر لا يكون فيه مخالفة للقانون.
6 - الفصل فى قيام المبرر للاستيقاف أو تخلفه من الأمور التى يستقل بتقديرها قاضى الموضوع بغير معقب ما دام لاستنتاجه ما يسوغه.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 13 أكتوبر سنة 1965 بدائرة الجيزة محافظة الجيزة: أحرز بقصد الاتجار جوهرا مخدرا (أفيونا) فى غير الأحوال المصرح بها قانونا. وطلبت إلى مستشار الاحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الجيزة قضت فى الدعوى حضوريا عملا بالمواد 1 و2 و37 و38 و42 من القانون رقم 182 سنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند واحد من الجدول رقم 1 المرفق مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنتين وتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة المضبوطات. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة احراز مخدر قد شابه الإخلال بحق الدفاع والخطأ فى الإسناد والفساد فى الاستدلال وانطوى على خطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأن المحكمة التفتت عن طلبه إجراء معاينة لمكان الحادث - سيما وأن النيابة قصرت فى إجرائها - ليدلل على كذب شاهد الإثبات الشرطى ...... من أن مكان وقوف الطاعن ساعة الضبط ليس مظلما وغير مطروق. وردت على ذلك بأن التحسينات قد جرت بالمكان بعد الضبط وبما لا سند له بالأوراق، كما ذهب الحكم إلى رئيس المباحث الجنائية أيد الشاهد السابق فى أن مكان وقوف الطاعن كان مظلما فى حين أنه قرر أن الرؤية فيه غير واضحة، واطرح دفعه ببطلان القبض استنادا إلى أن العثور على المخدر لم يكن وليد قبض أو تفتيش فى حين أن تفتيش المقطف والعثور به على المخدر قد تم بمعرفة الضابط بعد أن قبض الشرطى على الطاعن وصحبه إليه بما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أنه أثناء مرور الشرطى السرى ..... من قوة مباحث قسم قضائى محطة الجيزة فى الساعة العاشرة والنصف من مساء يوم الحادث على رصيف محطة سكة حديد الجيزة لتفقد حالة الأمن شاهد الطاعن يقف وحده بعيدا عن الركاب فى الظلام أسفل الكوبرى العلوى ويحمل فى يده "مقطفا" وأنه نظرا لأن هذا المكان غير مخصص للركاب فقد اتجه إليه ولاحظ أنه يحاول التخلص من المقطف بأن وضعه على الأرض وحاول الابتعاد عنه فذهب إليه وسأله عن بطاقته الشخصية وعن سبب تركه "للمقطف" فأنكر صلته به فأمسك "بالمقطف" واقتاد الطاعن إلى قسم قضائى المحطة وقام النقيب.......... معاون مباحث القسم بتفتيش "المقطف" فعثر بين محتوياته على كيسين من النايلون بداخلهما قطعتين تزن إحداهما 475 جراما والأخرى 230 جراما وثبت من تقرير المعامل الكيماوية بمصلحة الطب الشرعى أنهما لجوهر الأفيون، وأورد الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة فى حق الطاعن أدلة مستمدة من أقوال الرائد ....... والشرطى السرى ....... ومن تقرير تحليل المادة المضبوطة، ثم عرض الحكم لطلب الدفاع عن الطاعن إجراء معاينة لمكان الحادث للتدليل على أنه فى الواقع مضاء ومطروق للكثيرين على خلاف ما قرره الشرطى، ورد على هذا الطلب فى قوله "وحيث إن الحادث وقع فى 13 أكتوبر سنة 1965 وجد التحسينات والتنظيمات بين هذا التاريخ واليوم بما لا يمكن معه القول بأن الصورة الحالية لمكان الحادث تمثل هذا المكان فى يوم الحادث. وقد سئل الرائد.......... رئيس المباحث الجنائية بمحطة سكة حديد الجيزة فقرر أمام المحكمة أن الكوبرى الذى كان المتهم (الطاعن) يقف أسفله ليست به إضاءة وأن الإضاءة عند السور الذى يبعد عن الكوبرى بحوالى خمسة عشر مترا وأن تلك الإضاءة لا تصل إلى الكوبرى وقد أجريت مكاتبات كثيرة فى هذا الشأن وهذا يعنى أن ما ورد بأقوال الشرطى السرى قد عبر عن التصوير الصحيح لمكان الحادث وأنه لا يجدى الآن إجراء معاينة لمكان الحادث يرد أثرها إلى وقت وقوعه، ومن ثم فإن المحكمة ترفض طلب الدفاع اجراء معاينة لهذا المكان اكتفاء بما هو وارد فى التحقيق وبأقوال الرائد ........ أمام المحكمة". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن طلب المعاينة الذى لا يتجه إلى نفى الفعل المكون للجريمة ولا إلى استحالة حصول الواقعة كما رواها الشهود - بل كان مقصودا به إثارة الشبهة فى الدليل الذى اطمأنت إليه المحكمة، فإن مثل هذا الطلب يعتبر دفاعا موضوعيا لا تلتزم المحكمة بإجابته، وكان طلب الدفاع عن الطاعن إجراء المعاينة لا يعدو الهدف منه التشكيك فى أقوال الشرطى السرى، وكانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى صحة الواقعة على الصورة التى رواها هذا الشاهد والشاهد الآخر رئيس المباحث فإنه لا يجوز مصادرتها فى عقيدتها. ولما كان ما أورده الحكم فى الرد على طلب إجراء المعاينة كافيا وسائغا فى تبرير رفضه، فإنه لا ينال من سلامته ما استطرد إليه من أنه جد من التحسينات والتنظيمات بمكان الحادث من تاريخ الواقعة فى 13 من أكتوبر سنة 1965 حتى تاريخ صدور الحكم فى 16 من نوفمبر سنة 1970 بما لا يمكن معه القول بأن الصورة الحالية لمكان الحادث تمثل صورته يوم وقوعه، لأن هذا التزيد لا أثر له فى منطق الحكم أو على النتيجة التى انتهى إليها. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن الرائد ........ قرر بأن ضوء لمبات الكهرباء التى بجوار سور السكة الحديد الذى يبعد عن الكوبرى بحوالى خمسة عشر مترا لا تصل إلى الكوبرى وأن المار على الرصيف لا يتيسر له رؤية من يقف فى مكان وجود الطاعن تحت الكوبرى بصورة واضحة، وهو ما يتفق ومؤدى ما شهد به الشرطى السرى فى هذا الشأن. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه بغير معقب، وأنها متى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من قالة الخطأ فى الإسناد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الحكم قد رد على الدفع ببطلان القبض والتفتيش بقوله "وحيث إن الثابت من أقوال شاهد الإثبات أنه شهد المتهم يحمل مقطفا ويقف أسفل الكوبرى فى مكان مظلم فإن من حقه كشرطى يتفقد حالة الأمن فى المحطة أن يذهب إليه ويستوضحه أمره، فإذا حدث بعد ذلك أن تخلى المتهم عن المقطف وأنه قال للشرطى أنه ليس له فإن أخذ الشرطى للمقطف وتسليمه لضابط المحطة لا يكون فيه مخالفة للقانون، وإذ كان الضابط قد فتش المقطف الذى تنصل منه المتهم والذى سبق أن تخلى عنه ووجد به مخدرا فإن العثور على المخدر لم يكن وليد قبض أو تفتيش، وإذا صح أن الشرطى قبض على المتهم وسلمه للضابط فإن هذا القبض لم يولد أى أثر يسىء إلى وضع المتهم لأن تفتيشه اللاحق للقبض لم يسفر عن شىء ولم يسند إليه اتهام بسببه ويكون المخدر الذى عثر عليه بالقفة قد برز وظهر فى نطاق إجراء قانونى صحيح، وإذا كانت سلطة الاتهام قد نسبت حيازة هذا المخدر للمتهم فإن سندها لم يكن مؤسسا على قبض أو تفتيش وقعا باطلين وإنما على أقوال الشرطى السرى وهو ما تقرها عليه هذه المحكمة وترى أن الأمر لا يتصل بقبض أو تفتيش وإنما مرده إلى نسبة الحيازة إلى المتهم، وحيث إن المحكمة قد اطمأنت تمام الاطمئنان إلى أقوال شاهد الاثبات الشرطى السرى ........ واتخذتها أساسا وقواما لحكمه، وكانت هذه الأقوال قاطعة فى أن المقطف المضبوط للمتهم الذى كان يقف وحده بعيدا عن الركاب الذى كان ممسكا به قبل أن يتخلى عنه فإنه يكون من المتعين رفض دفاع المتهم القانونى والموضوعى على سواء". وما انتهى إليه الحكم فيما تقدم صحيح فى القانون، ذلك بأن الاستيقاف هو إجراء يقوم به رجل السلطة العامة فى سبيل التحرى عن الجرائم وكشف مرتكبيها ويسوغه اشتباه تبرره الظروف، وهو أمر مباح لرجال السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية واختيارا فى موضع الريب والظن، وكان هذا الوضع ينبئ عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحرى وللكشف عن حقيقته عملا بحكم المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية، وكان تخلى المتهم عما فى حيازته وإنكاره ملكيته له يخول لرجل السلطة العامة الذى يجد الشىء المتخلى عنه أو يقع بصره عليه أن يستوقف المتهم ويلتقط ما تخلى عنه ويقدمه لمأمور الضبط القضائى، فإذا ما تبين أن ذلك الشىء يحوى ما يعد إحرازه أو حيازته جريمة فإن الإجراءات التى تمت تكون صحيحة ويكون الاستناد إلى الدليل المستمد من هذه الإجراءات هو استناد سليم ولا غبار عليه، وكان الفصل فى قيام المبرر للاستيقاف أو تخلفه من الأمور التى يستقل بتقديرها قاضى الموضوع بغير معقب ما دام لاستنتاجه ما يسوغه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه فى رد الدفع ببطلان القبض والتفتيش على أسباب تحمله ملتزما فى ذلك صحيح القانون، فإن النعى على الحكم فى هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة حيازة جوهر مخدر "أفيون" بغير قصد الاتجار أو التعاطى أو الاستعمال الشخصى التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة - مردودة إلى أصلها الثابت فى الأوراق - من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليه، وكان ما يثيره الطاعن فى طعنه ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه لدى محكمة النقض، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.