أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 685

جلسة 14 من يونيه سنة 1979

برياسة السيد المستشار محمد كمال عباس نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ أحمد رفعت خفاجى، ومحمد على بليغ، وحسن جمعة، وأبو بكر الديب.

(146)
الطعن رقم 294 لسنة 49 القضائية

1 - إجراءات. "إجراءات التحقيق". نيابة عامة. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
النعى بأن تحقيقات النيابة تمت فى غيبة المتهمة. تعييب للاجراءات السابقة على المحاكمة. إبداؤه. لأول مرة أمام محكمة النقض. غير مقبول.
- حق النيابة فى إجراء التحقيق فى غيبة المتهم. إذا رأت. موجباً لذلك.
2 - إجراءات. "إجراءات المحاكمة". استجواب. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الاستجواب معناه. مناقشة المتهم تفصيلياً فى أدلة الدعوى. إثباتاً أو نفياً. صحة استجواب المحكمة للمتهم. رهن بقبوله المادة 274 إجراءات.
3 - إجراءات. "إجراءات المحاكمة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما لا يوفره".
استهلال الدفاع مرافعته بطلب سماع الشهود الغائبين. تنازله. عن طلبه. أثره: صحة القضاء فى الدعوى دون سماعهم.
4 - تزوير. "أوراق رسمية". إثبات. "بوجه عام".
إثبات التزوير بطريق الإثبات كافة. اعتماد المحكمة فى إثبات التزوير على ما شهد به الشهود. وما أسفر عنه إطلاعها على المحرر المزور، متعلق بتقديرها للدليل. عدم جواز الجدل فى ذلك أمام النقض.
تساند الأدلة فى المواد الجنائية. معناه.
5 - دفاع. "الإخلال بحق الدفاع - ما لا يوفره"؟ حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تمسك الطاعن بأن ذراعه كان مصاباً فى تاريخ معاصر لوقوع الاتهام المسند إليه. عدم جدواه. طالما لم يكن من شأنه نفى جرائم الإختلاس والتزوير المسندة إليه.
- عدم إلتزام المحكمة بمتابعة المتهم فى مناحى دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة فيه.
1 - الأصل أن من حق المتهم أن يحضر التحقيق الذى تجريه النيابة فى تهمة موجه إليه إلا أن القانون قد أعطى النيابة إستثناء من هذه القاعدة - حق إجراء التحقيق فى غيبة المتهم إذا رأت لذلك موجباً فإذا أجرت النيابة تحقيقاً ما فى غيبة المتهم فيكون ذلك من حقها ولا بطلان فيه، وكل ما للمتهم هو التمسك لدى محكمة الموضوع بما قد يكون فى التحقيقات من نقص أو عيب حتى تقدرها وهى على بينة من أمرها.
2 - تنص المادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية فى فقرتها الأولى على أنه "لا يجوز من مناقشة المتهم إلا إذا قبل ذلك، بما مفاده أن الاستجواب بما يعنيه من مناقشة المتهم على وجه مفصل فى الأدلة القائمة فى الدعوى إثباتاً أو نفياً أثناء نظرها سواء كان ذلك من المحكمة أو من الخصوم أو المدافعين عنهم - لما له من خطورة ظاهرة - لا يصح إلا بناء على طلب المتهم نفسه يبديه فى الجلسة بعد تقديره لموقفه وما تقتضيه مصلحته باعتباره صاحب الشأن الأصلى فى الإدلاء بما يريد الإدلاء به لدى المحكمة - وإذ كان ذلك - وكان الطاعن لم يطلب إلى المحكمة استجوابه فيما نسب إليه بل اقتصر على إنكار التهمة عند سؤاله عنها وهو لا يدعى فى طعنه بأن المحكمة منعته من إبداء ما يروم من أقوال أو دفاع، فإن ما ينعاه على الحكم من إخلال بحق الدفاع بقالة أن المحكمة لم تقم من تلقاء نفسها باستجوابه فى التهمة المسندة إليه - يكون غير سديد.
3 - خولت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية المحكمة تقرير تلاوة الشهادة السابق إبداؤها فى التحقيق الابتدائى أو محضر جمع الاستدلالات أو أمام الخبير إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك وهى وإن وردت فى الباب الثانى من الكتاب الثانى من ذلك القانون الخاص بمحاكم المخالفات والجنح إلا أن حكمها واجب الاتباع أمام محاكم الجنايات عملا بالفقرة الأولى من المادة 381 من القانون نفسه، وإذ كان الثابت أن محامى الطاعن وإن استهل مرافعته بطلب سماع الشهود الغائبين إلا أنه ما لبث أن عاد فتنازل صراحة عن سماعهم إكتفاء بتلاوة أقوالهم فى التحقيقات ثم مضى فى مرافعته إلى أن اختتمها بطلب الحكم ببراءة الطاعن مما نسب إليه فلا تثريب على المحكمة إن هى قضت فى الدعوى دون سماع الشهود الغائبين - لما كان ذلك، فإن النعى على الحكم فى هذا الصدد لا يكون له محل.
4 - لم يحدد القانون الجنائى طريقة إثبات معينة فى دعاوى التزوير فللقاضى الجنائى أن يكون اعتقاده فيها دون التقيد بدليل معين - لما كان ذلك - وكانت المحكمة قد ذكرت الأدلة والاعتبارات التى إستمدت منها ثبوت الإدانة وكانت هذه الأدلة والاعتبارات من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها من ثبوت وقائع التزوير فى حق الطاعن، وكان لا حرج على المحكمة إن هى اعتمدت فى إثبات التزوير على شهادة الشهود وما أسفر عنه اطلاعها على المحررات المزورة لتعلق ذلك بسلطتها فى تقدير الدليل فإن الجدل فى ذلك لا يقبل أمام محكمة النقض - لما كان ذلك - وكانت الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيد القاضى فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقى الأدلة - بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، وكان جماع ما أورده الحكم من الأدلة والقرائن التى اطمأنت المحكمة إليها يسوغ ما رتب عليه ويصح استدلال الحكم به على ثبوت وقائع الاختلاس والتزوير فى حق الطاعن واطراح ما أثاره من دفاع فى هذا الشأن فإن النعى على الحكم بالفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب لا يكون له محل.
5 - لما كان ما يثيره الطاعن بشأن إصابة زراعه فى وقت معاصر لتاريخ الحادث ما لا أثر له على مسئوليته عن جرائم الاختلاس والتزوير التى قارفها - إذ ليس من شأنه نفى الفعل أو إثبات استحالة حصوله، وكانت المحكمة لا تلتزم بأن تتبع المتهم فى مناحى دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة تثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة - التى أوردها الحكم فإن ما يثيره الطاعن فى جملته لا يكون له محل وينحل إلى جدل موضوعى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: (أولاً) بصفته موظفا عموميا من مأمورى التحصيل "موظف الإصلاح الزراعى ومدير جمعية قلين البلد الزراعية" اختلس مبلغ 3941 ج و16 مليماً والمملوكة لبنك التسليف الزراعى والمسلمة إليه بسبب وظيفته. (ثانياً) بصفته سالفة الذكر ارتكب تزويرا فى أوراق أميرية هى حوافظ متحصلات النقدية أرقام 65050 و26260 و36256 و36259 و36295 و3296 بطريق الاصطناع بأن حررها على غرار صور الحوافظ الصحيحة وأثبت بها مبالغ أقل من تلك المبالغ الثابتة فى الأصول الصحيحة لتلك الحوافظ. (ثالثاً) إستعمل الأوراق المزورة سالفة الذكر المبينة بوصف التهمة الثانية بأن قدمها بعد تزويرها للموظف المختص ببنك التسليف الزراعى بقلين لتحرير قسائم الاستمارات 24 حسابات من واقعها مع علمه بتزويرها. (رابعاً) بصفته سالفة الذكر ارتكب تزويراً فى أوراق أميرية هى أصول قسائم الاستمارات 24 حسابات المجموعة ( أ ) أرقام 3452 و43587 و43764 و163415 و174310 و174349 و174495 وذلك بطريق الإضافة بأن أضاف أرقام وكلمات غير الأرقام والكلمات الثابتة بها وذلك لزيادة القيمة الثابتة أصلاً بتلك القسائم على خلاف الحقيقة. (خامساً) إستعمل الأوراق الأميرية سالفة الذكر المبينة بوصف التهمة الرابعة بأن قدمها بعد تزويرها لمراجع حسابات منطقة الإصلاح الزراعى بقلين كدليل على توريده للمبالغ الثابتة بها مع علمه بتزويرها، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بقرار الإتهام، فقرر ذلك، ومحكمة جنايات كفر الشيخ قضت حضورياً عملا بالمواد 112/ 2 و118 و211 و214 مع تطبيق المادتين 17 و32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبعزله من وظيفته وبإلزامه برد مبلغ 3941 ج و16 مليماً (ثلاثة آلاف وتسعمائة وواحد وأربعين جنيها وستة عشر مليماً) وبتغريمه مثل هذا المبلغ. فطعن وكيل المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض .. إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن، هو البطلان فى الإجراءات والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن تحقيقات النيابة العامة قد تمت فى غيبة الطاعن مما كان يقتضى من المحكمة استكمال أوجه النقص فيها باستجوابه تفصيلا فيما أسند إليه وسماع باقى الشهود الغائبين أما وأن المحكمة لم تفعل فإن حكمها يكون معيبا بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا الوجه من الطعن مردود، ذلك بأن ما يثيره الطاعن من أن تحقيقات النيابة العامة قد جرت فى غيبته لا يعدو أن يكون تعييباً لإجراءات الدعوى السابقة على المحاكمة. ولا يبين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن أو المدافع عنه قد أثير أى منهما هذا النعى فلا يقبل طرحه لأول مرة أمام محكمة النقض. ومع ذلك فإنه وإن كان من حق المتهم أن يحضر التحقيق الذى تجريه النيابة فى تهمة موجهه إليه إلا أن القانون قد أعطى النيابة استثناء من هذه القاعدة - حق إجراء التحقيق فى غيبة المتهم إذا رأت لذلك موجباً فإذا أجرت النيابة تحقيقاً ما فى غيبة المتهم فيكون ذلك من حقها ولا بطلان فيه، وكان ما للمتهم هو التمسك لدى محكمة الموضوع بما قد يكون فى التحقيقات من نقص أو عيب حتى تقدرها وهى على بينة من أمرها. كما أن المادة 274 من قانون الإجراءات الجنائية إذ نصت فى فقرتها الأولى على أنه "لا يجوز استجواب المتهم إلا إذا قبل ذلك". قد أفادت بأن الاستجواب بما يعنيه من مناقشة المتهم على وجه مفصل فى الأدلة القائمة فى الدعوى إثباتاً أو نفياً أثناء نظرها سواء كان ذلك من المحكمة أو من الخصوم أو المدافعين عنهم - لما له من خطورة ظاهرة - لا يصح إلا بناء على طلب المتهم نفسه بيديه فى الجلسة بعد تقديره لموفقه وما تقتضيه مصلحته باعتباره صاحب الشأن الأصلى فى الإدلاء بما يريد الإدلاء به لدى المحكمة. وإذ كان ذلك، وكان الطاعن لم يطلب إلى المحكمة استجوابه فيما نسب إليه بل اقتصر على إنكار التهمة عند سؤاله عنها وهو لا يدعى فى طعنه بأن المحكمة منعته من إبداء ما يروم من أقوال أو دفاع، فإن ما ينعاه على الحكم من إخلال بحق الدفاع بقالة أن المحكمة لم تقم من تلقاء نفسها باستجوابه فى التهمة المسندة إليه - يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية قد خولت المحكمة تقرير تلاوة الشهادة السابق إبداؤها فى التحقيق الابتدائى أو محضر جمع الاستدلالات أو أمام الخبير إذا ما قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك وهى وإن وردت فى الباب الثانى من الكتاب الثانى من ذلك القانون الخاص بمحاكم المخالفات والجنح إلا أن حكمها واجب الإتباع أمام محاكم الجنايات عملا بالفقرة الأولى من المادة 381 من القانون نفسه، وإذ كان الثابت أن محامى الطاعن وإن استهل مرافعته بطلب سماع الشهود الغائبين إلا أنه ما لبث أن عاد فتنازل صراحة عن سماعهم إكتفاء بتلاوة أقوالهم فى التحقيقات ثم مضى فى مرافعته إلى أن اختتمها بطلب الحكم ببراءة الطاعن مما نسب إليه فإنه تثريب على المحكمة إن هى قضت فى الدعوى دون سماع الشهود الغائبين. لما كان ذلك، فإن النعى على الحكم فى هذا الصدد لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى باقى أوجه الطعن، هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم الاختلاس وتزوير المحررات الرسمية واستعمالها مع العلم بتزويرها قد شابه الفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب، ذلك بأنه استخلص دون سند مقبول أن الطاعن باشر منفرداً كافة أفعال الاختلاس والتزوير التى شملها التحقيق وأسند إليه ارتكاب التزوير فى الإيصالات رقم (24) الخاصة بالبنك بقالة أن التزوير سافر من السهل كشفه مع أن إثبات التزوير ينبغى فيه الاستعانة بأهل الخبرة ولا يجوز للمحكمة أن تحل نفسها فيه محل الخبير ومع ذلك فإن ما أورده الحكم من أن الطاعن وحده هو الذى قارف أفعال الاختلاس والتزوير لا يعدو أن يكون استخلاصاً قوامه الظن والتخمين وليس الجزم واليقين، كما أنه فى مجموعه لا يدحض احتمال تعرض الخزينة للعبث خلال الفترة التى سبقت عملية الجرد، ثم إن التحقيق قد دل على أن الطاعن كان مصاباً بكسر فى زراعه إستمر به طيلة ثلاثة أشهر من مدة خدمته التى لم تتجاوز خمسة شهور ما يتعذر عليه معه الانفراد بارتكاب جميع وقائع التزوير أو حتى تحرير الاستمارات رقم 24 الخاصة بالبنك. وعلى الرغم من أن الدفاع قد أثار ذلك كله بجريحا لرواية الشهود إلا أن الحكم لم يعرض له بالرد أو المناقشة مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله: "إن المتهم........ وهو موظف عام بالإصلاح الزراعى انتدب للعمل مديراً للجمعية الزراعية بقلين، وكانت طبيعة هذا العمل تقتضيه تحصيل مبالغ من المتعاملين مع تلك الجمعية وبنك التسليف الزراعى ثم توريد ما حصله لذلك البنك وتقتضيه كذلك استلام مبالغ من البنك المذكور لصرفها لأعضاء الجمعية سالفة الذكر ولمستحقيها وهو بهذه الصفة يعتبر من مأمورى التحصيل، وقد تمكن بهذه الصفة فى الفترة من 9/ 4/ 1967 حتى 23/ 8/ 1967 من أن يختلس بنية التملك من المبالغ التى حصلها لحساب البنك والإصلاح الزراعى وما كان فى عهدته ومبلغ 3941 ج و16 م وكانت طريقته فى ذلك، على ما بان من الاطلاع على المستندات وأوراق الدعوى هى تدوين المبالغ عند تحصيلها فى أصول حوافظ صحيحة تحفظ بالجمعية ثم يحرر غيرها مزورة يدون بها المبلغ الباقى بعد استبعاد ما قرر اختلاسه ليقوم بتوريد ما أثبته فيها إلى البنك الى يعطيه (إيصال 24 يفيد الإيداع، فيعود إلى تزوير هذا الإيصال ليجعله مطابقاً لحافظة التحصيل الأولى الصحيحة والتى سوف يرفقه بها تدليلاً على التوريد. وقد بلغ ما اختلسه بهذه الطريقة ثلاثة آلاف جنيه وستمائة مليم. كما اختلس قيمة شيكين قام بصرفهما من البنك وقيمتهما 330 ج و216 م كما تبين عند جرد الخزينة عهدته عجز آخر مقداره 60 ج و755 م فأصبح مجموع ما اختلسه مبلغ 3941 ج و16 م وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن الاطلاع على إيصالات التحصيل والإيداع والشيكين اللذين قام بصرفهما من البنك وتقرير جرد عهدته وهى أدلة مردودة إلى أصولها الثابتة فى الأوراق ومن شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها وعرض الحكم لأوجه الدفاع التى يرددها الطاعن فى طعنه وأطرحها فى قوله "... أنه مردود بما شهد به فى الجلسة........ مراجع حسابات بنك التسليف من أن الموظف الذى يقوم بتحرير الإيصال رقم 24 يغاير ذلك الذى يتسلم المبالغ الثابتة بذلك الإيصال مما يهدر دفاع المتهم الذى ساقه بشأن إنفراد محرر ذلك الإيصال باستلام المبالغ المدونة به وترى المحكمة أن المتهم وحده الذى قام بتدبير كل خطوات الاختلاس منفردا بها وبما اختلسه فهو الذى قام بتحرير الحوافظ المزورة التى يحرر على سند منها الايصال رقم 24 ثم يقوم بتوريد المبلغ الثابت بهذا الإيصال ليقوم بعد استلامه بتزويره بجعله متفقاً وما حصله أصلاً إذ أنه لو لم يكن الأمر كذلك لاعترض على التصحيح الوارد فى الايصالات المزورة والتى ألمحت إليها المحكمة من قبل ذلك أن تزويرها على ما بين من اطلاع المحكمة عليها واضح جلى بحيث كان فى مكنة المتهم أن يكتشفه بمجرد تسلم الإيصالات وإن لم يكن هو فاعله فالتزوير فيها بين يسهل كشفه بالعين المجردة. وأما عن احتمال العبث بالخزينة عهدة المتهم فإنه مردود بما تفصح عنه الأوراق من أن شيئاً من ذلك لم يقع بجانب أن المتهم إذ انصرف من بنك التسليف بعد صرف الشيكين رقمى 143020، 143021 ترك مفاتيح تلك الخزينة بالبنك مما يثبت أنه لم يكن فى مكنته هو فتح الخزينة بعد ذلك وهو أمر يقطع بأنه قد اختلس قيمة هذين الشيكين لنفسه لإستحالة وضعها بالخزينة التى لم تكن بيده مفاتيحها بعد صرف قيمة الشيكين". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون الجنائى لم يحدد طريقة إثبات معينة فى دعاوى التزوير فللقاضى الجنائى أن يكون اعتقاده فيها دون التقيد بدليل معين، وكانت المحكمة قد ذكرت الأدلة والاعتبارات التى إستمدت منها ثبوت الإدانة وكانت هذه الأدلة والاعتبارات من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها من ثبوت وقائع التزوير فى حق الطاعن، وكان لا حرج على المحكمة إن هى اعتمدت فى إثبات التزوير على شهادة الشهود وما أسفر عنه اطلاعها على المحررات المزورة لتعلق ذلك بسلطتها فى تقدير الدليل فإن الجدل فى ذلك لا يقبل أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى فلا تنظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة، بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه وكان جماع ما أورده الحكم من الأدلة والقرائن التى اطمأنت المحكمة إليها يسوغ ما رتب عليه ويصح استدلال الحكم به على ثبوت وقائع الاختلاس والتزوير فى حق الطاعن واطراح ما أثاره من دفاع فى هذا الشأن، فإن النعى على الحكم بالفساد فى الاستدلال والقصور فى التسبيب لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بشأن إصابة زراعة فى وقت معاصر لتاريخ الحادث - بفرض صحته لا أثر له على مسئوليته عن جرائم الاختلاس والتزوير التى قارفها - إذ ليس من شأنه نفى الفعل أو إثبات استحالة حصوله، وكانت المحكمة لا تلتزم بأن تتبع المتهم فى مناحى دفاعه المختلفة والرد على كل شبهة يثيرها على استقلال إذ الرد يستفاد دلالة من أدلة الثبوت السائغة التى أوردها الحكم، فإن ما يثيره الطاعن فى جملته لا يكون له محل وينحل إلى جدل موضوعى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ومن ثم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.