أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 700

جلسة 17 من يونيه سنة 1979

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ أحمد فؤاد جنينة، والدكتور أحمد رفعت خفاجى، وأحمد طاهر خليل، ومحمد حلمى راغب.

(148)
الطعن رقم 1937 لسنة 48 القضائية

1 - خطأ. مسئولية جنائية. إثبات. "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب" نقض "أسباب الطعن - ما لا يقبل منها". قتل خطأ. إصابة خطأ. خطأ طبى.
تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه. موضوعى.
- عدم إلتزام محكمة الموضوع بتعقب المتهم فى مناحى دفاعه الموضوعى. اطمئنانها إلى الأدلة التى عولت عليها. مفاده إطراحها جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
2 - إثبات. "بوجه عام". قرائن. حكم "تسبيبه - تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن - ما لا يقبل منها". قتل خطأ. إصابة خطأ.
العبرة فى المحاكمات الجنائية باقتناع قاضى الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه. عدم اشتراط أن يكون كل دليل قاطعا فى كل جزئية من جزئيات الدعوى. كفاية أن تكون فى مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ولو عن طريق الاستنتاج.
سماح المتهم - وهو صيدلى - لعامله لديه بتعبئة أملاح السلوفات فى عبوات صغيرة - تعبئتها بدلاً منها مادة البزموت السامة. تناول المجنى عليهم لها ووفاة بعضهم وإصابة الآخرين. مساءلة المتهم عن جريمتى القتل والاصابة الخطأ. سائغة.
3 - إثبات "خبرة". "بوجه عام "محكمة الموضوع. "سلطتها فى نظر الدعوى". رابطة سببية. حكم "تسبيبه - تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم. لها الجزم بما لم يجزم به متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.
1 - تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه هو من المسائل الموضوعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة لها أصلها فى الأوراق. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم فى كل جزئية يثيرها فى مناحى دفاعه الموضوع إذ فى اطمئنانها إلى الأدلة التى عولت عليها ما يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطراحها إياها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بإدانة الطاعن إستناداً إلى أدلة الثبوت التى أوردها واطمأن إليها فى ثبوت ركن الخطأ فى حق الطاعن وهى أدلة سائغة مستمدة من أصلها الثابت فى الأوراق، فإن الحكم يكون بريئاً من قالة القصور فى التسبيب الذى رماه به الطاعن.
2 - العبرة فى المحاكمات الجنائية هى باقتناع قاضى الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، ولا يشترط أن تكون الأدلة التى يعتمد عليها الحكم بحيث ينبىء كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما أنتهت إليه، كما لا يشترط فى الدليل بأن يكون صريحا دالا بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفى أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات - لما كان ذلك - وكان الحكم المطعون فيه قد أقتنع من الوقائع التى ثبتت لديه والقرائن التى استخلصها أن الطاعن قد عهد إلى العاملة ...... - على خلاف ما تفرضه عليه أصول مهنته - بتعبئة أملاح السلفات فى عبوات صغيرة فقامت بتعبئة مادة البنزموت السامة فى تلك العبوات بدلاً من أملاح سلفات الماغنسيوم وتناول المجنى عليه محتويات بعض تلك العبوات فظهرت عليهم أعراض التسمم بالبزموت مما أدى إلى وفاة بعضهم وإيذاء الآخرين، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الوجه من النعى لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فى شأن تصوير وقوع الحادث وحق محكمة الموضوع فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستنباط معتقدها من الأدلة المطروحة عليها - والتى لا يجادل الطاعن فى أن لها أصلها من الأوراق - واطراح ما رأت الالتفات عنه منها مما لا تقبل مصادرتها فيه أو الخوض فى مناقشته أمام محكمة النقض.
3 - لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعى فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى حسبما كشفت عنها قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها، كما أن لها كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم فى الدعوى. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم فى أصول الاستدلال بالتحدث فى حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر فى تكوين عقيدتها، ولها أن تفاضل بين تقارير الخبراء وتأخذ بما تراه وتطرح ما عداه إذ أن الأمر يتعلق بسلطتها فى تقدير الدليل، ومتى كان الحكم المطعون فيه قد أخذ بتقرير الطبيب الشرعى دون باقى التقارير المقدمة فى الدعوى واستخلص من ذلك توافر رابطة السببين بين خطأ الطاعن ووفاة وإصابة المجنى عليهم، فإن منعى الطاعن فى هذا الصدد يكون غير قويم.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أولا - تسبب خطأ فى موت كل من ...... و....... و...... وكان ذلك نتيجة اخلاله إخلالا جسيما بما تفرضه عليه أصول مهنته بأن أوكل القيام بتحضير دواء لإحدى العاملات بصيدليته فى حين أنه المكلف بذلك فاختلطت بالدواء شوائب سامة وعند التعبئة وتناولها المجنى عليهم فحدثت بكل منهم الإصابات المبينة بالتقارير الطبية المرفقة والتى أودت بحياتهم. (ثانياً) تسبب خطأ فى إيذاء كل من ...... و..... و...... وكان ذلك راجعا إلى إخلاله إخلالا جسيما بما تفرضه عليه أصول مهنته على النحو المبين بالتهمة الأولى فى شأن تعبئة الدواء والذى تناوله كل من المجنى عليهم فحدثت بهم الإصابات المبينة بالتقارير الطبية المرفقة. وطلبت عقابه بالمادتين 238/ 2، 244/ 2 من قانون العقوبات، وادعى ...... و....... مدنياً قبل المتهم بمبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح محرم بك الجزئية قضت حضورياً عملاً بمادتى الإتهام بتغريم المتهم مائة جنيه عن التهمتين وبالزام المتهم بأن يؤدى للمدعيين بالحقوق المدنية مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. استأنفت النيابة العامة هذا الحكم كما استأنفه المحكوم عليه. ومحكمة الإسكندرية الإبتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئنافين شكلاً وفى الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمتى القتل والإصابة الخطأ قد شابه قصور فى التسبيب وانطوى على فساد فى الاستدلال، ذلك بأنه أغفل الرد على ما دفع به الطاعن أمام المحكمة الاستئنافية من انتفاء ركن الخطأ فى حقه إذ أنه لم يخالف أصول مهنته لأن تعبئة مادة سلفات الماغنسيوم التى بيعت للمجنى عليه تمت تحت إشرافه وأن تحليل ما كان معبأ لديه من تلك المادة لم يسفر عن وجود شوائب ضارة أو سامة بها. كما استخلص الحكم دون سند من الأوراق أن العاملة بالصيدلية قامت بتعبئة مادة البزموت السامة بدلاً من سلفات الماغنسيوم ورتب على ذلك إدانة الطاعن مع أن تقرير الطبيب الشرعى قد انتهى إلى أن مادة البزموت غير سامة ولم يجزم التقرير بسبب الوفاة نظراً لخلو مادة سلفات الماغنسيوم التى جرى تحليلها من أية مواد سامة وأرجع التقرير إحتمال وجود المادة السامة فيما استعملته والدة المجنى عليهم فى إذابة مادة السلفات، وكل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به أركان جريمتى القتل والإصابة الخطأ اللتين دان الطاعن بهما، وأورد على ثبوتهما فى حقه أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه هو من المسائل الموضوعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة لها أصلها فى الأوراق، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم فى كل جزئية يثيرها فى مناحى دفاعه الموضوع إذ فى اطمئنانها إلى الأدلة التى عولت عليها ما يفيد اطراحها جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطراحها إياها. ولما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بإدانة الطاعن إستناداً إلى أدلة الثبوت التى أردها واطمأن إليها فى ثبوت ركن الخطأ فى حق الطاعن وهى أدلة سائغة مستمدة من أصلها الثابت فى الأوراق، فإن الحكم يكون بريئاً من قالة القصور فى التسبيب الذى رماه به الطاعن. لما كان ذلك، وكانت العبرة فى المحاكمات الجنائية هى باقتناع قاضى الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم، ولا يشترط أن تكون الأدلة التى يعتمد عليها الحكم بحيث ينبىء كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما أنتهت إليه، كما لا يشترط فى الدليل بأن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفى أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات - لما كان ذلك - وكان الحكم المطعون فيه قد أقتنع من الوقائع التى ثبتت لديه والقرائن التى استخلصها أن الطاعن قد عهد إلى العاملة......... -على خلاف ما تفرضه عليه أصول مهنته - بتعبئة أملاح السلفات فى عبوات صغيرة فقامت بتعبئة مادة البنزموت السامة فى تلك العبوات بدلاً من أملاح سلفات الماغنسيوم وتناول المجنى عليهم محتويات بعض تلك العبوات فظهرت عليهم أعراض التسمم بالبزموت مما أدى إلى وفاة بعضهم وإيذاء الآخرين، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الوجه من النعى لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا فى شأن تصوير وقوع الحادث وحق محكمة الموضوع فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى واستنباط معتقدها من الأدلة المطروحة عليها - والتى لا يجادل الطاعن فى أن لها أصلها من الأوراق - واطراح ما رأت الالتفات عنه منها مما لا تقبل مصادرتها فيه أو الخوض فى مناقشته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعى فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى حسبما كشفت عنها قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها، كما أن لها كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم فى الدعوى، وكان من المقرر أن المحكمة لا تلتزم فى أصول الاستدلال بالتحدث فى حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر فى تكوين عقيدتها، ولها أن تفاضل بين تقارير الخبراء وتأخذ بما تراه وتطرح ما عداه إذ أن الأمر يتعلق بسلطتها فى تقدير الدليل، ومتى كان الحكم المطعون فيه قد أخذ بتقرير الطبيب الشرعى دون باقى التقارير المقدمة فى الدعوى واستخلص من ذلك توافر رابطة السبيية بين خطأ الطاعن ووفاة وإصابة المجنى عليهم، فإن منعى الطاعن فى هذا الصدد يكون غير قويم. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا ومصادرة الكفالة.