أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 735

جلسة أول أكتوبر سنة 1979

برياسة السيد المستشار حسن على المغربى، نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ عادل برهان نور، وشرف الدين خيرى، ومصطفى جميل مرسى، وهاشم قراعة.

(155)
الطعن رقم 591 لسنة 49 القضائية

(1) تفتيش. "التفتيش بإذن". دفوع. "الدفع ببطلان التفتيش". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". إثبات. "بوجه عام". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط. موضوعى. إطمئنان المحكمة إلى وقوع الضبط بناء على الإذن. كفايته ردا عليه.
(2) إثبات "شهود". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
أخذ المحكمة بأقوال شهود الإثبات. مفاده إطراح جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
إلتفات المحكمة عن قول المدافع عن المتهم. إن ذويه أخبروه قبل صدور إذن التفتيش. بالقبض على المتهم. لا عيب. أساس ذلك. حقها فى الأعراض عن أقوال شهود النفى. دون بيان العلة.
(3) إثبات. "بوجه عام". "شهود". "خبرة". تفتيش. "الدفع ببطلان التفتيش". دفوع. "الدفع ببطلان التفتيش". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير المحكمة مناسبة الزمن الذى استغرقه الضابط للانتقال من مقر النيابة مصدره إذن التفتيش إلى مكان تنفيذه من واقع انتقالها ومراعاتها ما استجد من تزايد فى المرور وكثافته. سائع. الاستعانة فى ذلك بخبير. غير لازمة.
1 - من المقرر أن الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط إنما هو دفاع موضوعى يكفى للرد عليه. إطمئنان المحكمة إلى وقوع الضبط بناء على الإذن أخذا بالأدلة التى أوردتها - لما كان ذلك - وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شاهد الإثبات وصحة تصويره للواقعة وأن الضبط كان بناء على إذن النيابة العامة بالتفتيش إستناداً إلى اقواله وإلى ما جاء بمحضر المعاينة التى أجرتها بنفسها، وكان الطاعن لا ينازع فى أن ما حصله الحكم فى هذا الخصوص له مأخذه الصحيح من الأوراق فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها فى شأنه أمام محكمة النقض.
2 - من المقرر أنه متى أخذت المحكمة بأقوال شهود الإثبات فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الإعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطمئنانها إلى أقوالهم ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعن من قرائن للتشكيك فى أقوال الشاهد. كذلك لا محل لما يثيره من التفات المحكمة عن أقوال شاهدى النفى وما أبداه المدافع عنه من أن ذويه اتصلوا به قبل صدور إذن التفتيش وأخبروه بالقبض عليه لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفى ما دامت لا تثق بما شهدوا به دون أن تكون ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم أو الرد عليها رداً صريحاً فقضاؤها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التى بينتها يفيد دلالة أنها أطرحت شهادتهم ولم تر الأخذ بها.
3 - من المقرر أن محكمة الموضوع هى الخبير الأعلى فى كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها ما دامت المسائل المطروحة ليست من المسائل الفنية البحتة التى لا تسطيع أن تشق فيها طريقها بنفسها لإبداء الرأى فيها وأن لها كامل السلطة فى عدم الاستعانة برأى خبير فى أمر ما تبينته من عناصر الدعوى وما باشرته بنفسها من إجراءات ولما كان ما فصل فيه الحكم المطعون فيه فى شأن تقدير مناسبة الزمن الذى استغرقه شاهد الإثبات فى تنفيذ إذن التفتيش وأبدى الرأى فيه مستهديا بالإجراء الذى اتخذته المحكمة بانتقالها لمكان الضبط لا يدخل فى عداد المسائل الفنية البحتة التى لا تستطيع المحكمة تبيانها بنفسها مع ما يقتضيه من مقارنة وموازنة بين الظروف التى لابست الانتقال لإجراء الضبط فى الماضى وتلك التى لابست انتقال المحكمة للمعاينة وإنما هو لا يعدو أن يكون أمرا من أمور الواقع العادية مما تملك المحكمة كامل السلطة التقديرية فى بحثه وتمحيصه ولا يصح أن ينغلق دونها طريق أبداء الرأى فيه بنفسها ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إذا ما هى استدلت على صحة تقديرها فى هذا الشأن بما باشرته بنفسها من انتقال دون الاستعانة برأى خبير وإستمدت فيه ما يبرر اقتناعها بتصوير شاهد الإثبات بما لا تعسف فيه ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق فيكون ما ينعاه الطاعن فى هذا الصدد غير سديد.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أحرز بقصد الاتجار جوهرا مخدرا (أفيونا) فى غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك، ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمواد 1، 2، 34/ 1، أ، 36، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند رقم 1 من الجدول رقم 1 الملحق بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة ثلاث سنوات وبغرامه قدرها ثلاثة آلاف من الجنيهات وبمصادرة الجوهر المخدر المضبوط. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز جوهر الإفيون المخدر بقصد الاتجار قد شابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال ذلك بأن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان القبض والتفتيش مستدلا على ذلك بأن مدة الخمس وخمسين دقيقة من الساعة التاسعة و35 دقيقة صباحا وقت صدور الإذن من نيابة المخدرات الكائنة بمجمع الجلاء الساعة العاشرة والنصف وهو الوقت المحدد لتسليم الطاعن المخدر للمرشد لا تسمح لهذا الأخير بالتوجه إلى منزل الطاعن بدائرة البركة قسم المطرية ومفاوضته فى صفقة مخدرات وعقدها ثم قيام الطاعن بحمل المخدر والسير به إلى الطريق العام بعيدا عن البلدة وتواجد الضابط فى هذه المنطقة قبل العاشرة والنصف بيد أن الحكم المطعون فيه أطرح هذا الدفع بتبرير غير سائغ وأخذ بتصوير الضابط للواقعة على الرغم من غموض أقواله ولم يرد على ما أثاره الدفاع عن الطاعن من أن الضابط أخفى شخصية المرشد وسلم بأنه لم يعطه مالا ليدفع منه ثمن المخدر المطلوب شراؤه والذى لم يحدد نوعه وكميته ولم يبرر تحديد مكان التسليم خارج البلدة فضلاً عن عجزه عن الإرشاد إلى هذا المكان عند إجراء المعاينة بمعرفة المحكمة متعللاً بمرور حوالى عشر سنوات على الواقعة كما تساند الحكم فى إطراح ذلك الدفع إلى المعاينة التى أجرتها المحكمة على الرغم من أن المعاينة لا تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها إذ أن انتقال المحكمة لم يتم فى وقت مماثل لوقت الضبط ولا باستعمال سيارة وسيارة جيب مماثلين للسيارتين اللتين استعملهما المرشد السرى والضابط فى الانتقال ولأن انتقال المحكمة جاء بعد حوالى عشر سنوات على الواقعة وفى ظروف مغايرة للظروف التى تم فيها الضبط وهو ما أشار إلى بعضه الحكم المطعون فيه وقد كان الربط بين الظروف التى أتمت فيها المحكمة انتقالها وتلك التى لابست الانتقال لإجراء الضبط فى الماضى يقتضى - للمغايرة بينهما - من المحكمة ألا تقحم نفسها فيه دون الاستعانة بأهل الفن والخبرة باعتبار ذلك عملا فنيا بحتا لا يصح أن يستقل قاضى الموضوع بالقطع فيه. هذا بالإضافة إلى أن الحكم أغفل أقوال شاهدى النفى اللذين قروا بالتحقيقات أن الطاعن ضبط بمنزلهما بناحية البركة فى الثامنة صباحاً وما أبداه محامى الطاعن من أن ذويه اتصلوا به قبل التاسعة صباحاً وأخبروه بالقبض عليه وطلبوا فيه حضور التحقيق معه، كل ذلك ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التى دان بها وساق على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها استمدها من أقوال ضابط المباحث ومن تقرير المعمل الكيماوى وبعد أن أورد مؤداها فى عبارات كافية عرض لدفع الطاعن بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط وفنده وأطرحه بقوله: "ومن حيث إن هذا الدفع مردود بأن المحكمة تطمئن إلى أقوال الشاهد المذكور وتثق بها وبما هو ثابت من التحقيقات من أن محضر التحريات قد حرر فى الساعة الثامنة من صباح يوم 14/ 11/ 1967 ومن استصداره الإذن بالقبض والتفتيش من النيابة العامة بناء عليه فى الساعة 9 و35 دقيقة من صباح ذات اليوم ومن تمام تنفيذه فى حوالى الساعة الحادية عشرة صباحاً على النحو الوارد بأقواله وترى أن الوقت الذى استغرقه منذ إصدار الإذن لحين إجراء الضبط والتفتيش مناسب فى الظروف التى تم فيها تنفيذ الاذن وهو ما أكدته المعاينة التى أجرتها المحكمة خصوصا إذا ما لوحظ أنها أجريت فى الساعة 2 مساء وهو وقت الذروة فى الازدحام وبعد حوالى عشر سنوات مضت على وقوع الحادث فى وقت ازدحمت فيه المدينة بمختلف أنواع السيارات وأقيمت العديد من إشارات المرور وكان يوم المعاينة كذلك يوما مطيراً كل ذلك يؤكد سلامة ما ذكره الضابط فى هذا الخصوص وليس فيما أثاره الدفاع فى هذا الصدد ما يشكك فى صحة هذا الإجراء وسلامته ولهذا فإن المحكمة لا تعول على هذا الدفاع وتطرحه جانباً". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الدفع بصدور الإذن بالتفتيش بعد الضبط إنما هو دفاع موضوعى يكفى للرد عليه إطمئنان المحكمة إلى وقوع الضبط بناء على الإذن أخذاً بالأدلة التى أوردتها وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شاهد الإثبات وصحة تصويره للواقعة وأن الضبط كان بناء على إذن النيابة العامة بالتفتيش إستناداً إلى اقواله وإلى ما جاء بمحضر المعاينة التى أجرتها بنفسها وكان الطاعن لا ينازع فى أن ما حصله الحكم فى هذا الخصوص له مأخذه الصحيح من الأوراق فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها فى شأنه أمام محكمة النقض. ولما كان من المقرر أنه متى أخذت المحكمة بأقوال شهود الإثبات فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الإعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها دون أن تكون ملزمة ببيان علة اطمئنانها إلى أقوالهم ومن ثم فلا محل لما يثيره الطاعن من قرائن للتشكيك فى أقوال الشاهد كذلك لا محل لما يثيره من التفات المحكمة عن أقوال شاهدى النفى وما أبداه المدافع عنه من أن ذويه اتصلوا به قبل صدور إذن التفتيش وأخبروه بالقبض عليه لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفى ما دامت لا تثق بما شهدوا به دون أن تكون ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم أو الرد عليها رداً صريحاً فقضاؤها بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التى بينتها يفيد دلالة أنها أطرحت شهادتهم ولم تر الأخذ بها، لما كان ذلك، وكان من القواعد المقررة أن لمحكمة كامل السلطة التقديرية فى تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة أمامها وأن لها أن تورد فى حكمها من محضر المعاينة ما يكفى لتبرير اقتناعها بالأدلة المطروحة وأن تقديرها لمدلول المعاينة إنما هو تقدير موضوعى لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض ما دام لا يخرج عن موجب الاقتضاء العقلى والمنطقى، وكان الحكم فى معرض رده على الدفع ببطلان القبض والتفتيش قد أورد مواقيت تحرير محضر التحريات وصدور الإذن وواقعة الضبط ثم عرض لبيان اطمئنان المحكمة لسلامة تصوير شاهد الإثبات واستغراقه زمناً مناسباً فى تنفيذ الإذن مسترشداً فى هذا الصدد بالزمن الذى استغرقه انتفال المحكمة من مبنى النيابة مصدرة الإذن إلى مكان الضبط - والذى يسلم الطاعن فى طعنه بأنه استغرق خمس وأربعون دقيقة - فى تأكيد سلامة تصوير الشاهد وكان حساب هذا الزمن وإصافته إلى ساعة صدور الإذن مؤداه صحة التتيجة التى رتبها عليه الحكم فإن استدلاله فى هذا الصدد لا يكون معيباً ولا ينال منه بل يدعمه أن انتقال المحكمة تم فى الظروف التى أشار إليها الحكم من إجرائه فى يوم مطير وفى ساعة ذروة المرور وفى وقت ازدحمت فيه المدينة باعداد متزايدة من السيارات واستحدثت فى الطرق عدة إشارات للمرور وهى الظروف التى ينعى عليها الطاعن بمغايرتها لما كانت عليه ظروف الانتقال للضبط إذ أن ملاحظة المحكمة لهذه الظروف إنما كانت على نحو ينبىء عن ادخالها فى اعتبارها وأنها قصدت من إيرادها بيان أن الانتقال أضحى أكثر صعوبة وبطنا منه فى تاريخ الواقعة وفى ذلك تسويغ أكثر لتصوير الشاهد ودلالة واضحة على وجوب الأخذ بالنتيجة التى انتهى إليها الحكم من باب الأولى، ولما كان من المقرر أن محكمة الموضوع هى الخبير الأعلى فى كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها ما دامت المسائل المطروحة ليست من المسائل الفنية البحتة التى لا تسطيع أن تشق فيها طريقها بنفسها لإبداء الرأى فيها وأن لها كامل السلطة فى عدم الاستعانة برأى خبير فى أمر تتبينه من عناصر الدعوى وما باشرته بنفسها من إجراءات ولما كان ما فصل فيه الحكم المطعون فيه فى شأن تقدير مناسبة الزمن الذى استغرقه شاهد الإثبات فى تنفيذ إذن التفتيش وأبدى الرأى فيه مستهدياً بالإجراء الذى اتخذته المحكمة بانتقالها لمكان الضبط لا يدخل فى عداد المسائل الفنية البحتة التى لا تستطيع المحكمة تبيانها بنفسها مع ما يقتضيه من مقارنة وموازنة بين الظروف التى لابست الانتقال لإجراء الضبط فى الماضى وتلك التى لابست انتقال المحكمة للمعاينة وإنما هو لا يعدو أن يكون أمراً من أمور الواقع العادية مما تملك المحكمة كامل السلطة التقديرية فى بحثه وتمحيصه ولا يصح أن ينغلق دونها طريق إبداء الرأى فيه بنفسها ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إذا ما هى استدلت على صحة تقديرها فى هذا الشأن بما باشرته بنفسها من انتقال دون الاستعانة برأى خبير وإستمدت فيه ما يبرر اقتناعها بتصوير شاهد الإثبات بما لا تعسف فيه ولا تنافر مع حكم العقل والمنطق فيكون ما ينعاه الطاعن فى هذا الصدد غير سديد، لما كان ما تقدم جميعه فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.