أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 872

جلسة 3 من ديسمبر سنة 1979

برياسة السيد المستشار عادل برهان نور نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ شرف الدين خيرى، ومصطفى جميل مرسى، وفوزى المملوك، وهاشم قراعة.

(187)
الطعن رقم 842 لسنة 49 القضائية

(1) (1) قانون. "تفسيره". "تطبيقه". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". خلو رجل. إيجار أماكن. إشتراك.
التحرز فى تفسير القوانين الجنائية. واجب. غموض النص. لا يحول دون تفسيره. على هدى. قصد المشرع. القياس فى مجال التأثيم. محظور.
(2) إيجار أماكن. خلو رجل. قانون. "تفسيره". "تطبيبقه". حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما يقبل منها". إشتراك.
إقتضاء المؤجر مالكاً كان أم مستأجراً أجر لغيره. مقدم إيجار أو أية مبالغ إضافية بسبب تحرير عقد الإيجار. أو خارج نطاقه. زيادة عن التأمين والأجرة المنصوص عليهما فى العقد. مؤثم.
مناسبة تحرير عقد الإيجار هما مقتضى حظر اقتضاء المبالغ الإضافية. أساس ذلك؟. قصر الإعفاء من العقوبة المنصوص عليها فى المادة 45 من القانون 52 لسنة 1969 - المقابلة للمادة 77 من القانون 49 لسنة 1977 - على الوسيط أو المستأجر دافع خلو الرجل كشريك للمؤجر فى جريمته.
إقتضاء المستأجر بالذات أو بالواسطة من المؤجر أو المالك أية مبالغ فى مقابل إنهاء عقد الإيجار وإخلاء المكان المؤجر. لا تأثيم. مخالفة ذلك. خطأ فى تأويل القانون.
مدى التزام المالك بدفع المبالغ المحددة بالمواد 49 وما بعدها من القانون 49 لسنة 1977 كتعويض فى حالات إخلاء العين المؤجرة لهدمها وإعادة بنائها؟.
(3) دعوى مدنية. "مدى اختصاص المحاكم الجنائية بنظرها". "الحكم فيها". إختصاص.
شروط قبول الدعوى المدنية التابعة أمام المحكمة الجنائية؟.
القضاء بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المدنية. واجب. متى ثبت أن الفعل جوهر الدعوى الجنائية غير معاقب عليه قانوناً.
(4) نقض. "حالات الطعن. الخطأ فى تطبيق القانون". محكمة النقض. "سلطتها".
متى يكون لمحكمة النقض تصحيح الحكم والقضاء وفقاً للقانون.
(5) نقض. "نطاق الطعن". "الحكم فى الطعن".
وحدة الواقعة. وحسن سير العدالة. إتصال وجه النعى بغير الطاعن من المحكوم عليهم. يوجب نقض الحكم بالنسبة له.
1 - الأصل أنه يجب التحرز فى تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة فى ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل وأنه فى حالة غموض النص فإن الغموض لا يحول دون تفسير النص على هدى ما يستخلص من قصد المشرع، مع مراعاة ما هو مقرر من أن القياس محظور فى مجال التأثيم.
2 - من الواضح أن الشارع إنما يؤثم - بالإضافة إلى فعل إقتضاء المؤجر من المستأجر مقدم إيجار - أن يتقاضى منه أية مبالغ إضافية بسبب تحرير عقد الإيجار أو خارج نطاقه زيادة عن التأمين والأجرة المنصوص عليها فى العقد سواء كان ذلك المؤجر مالك العقار أو مستأجره الذى يبتغى إلى تأجيره إلى غيره فتقوم فى جانبه حينئذ صفة المؤجر ومناسبة تحرير عقد الإيجار وهما مناط حظر اقتضاء تلك المبالغ الإضافية، وذلك بهدف الحيلولة دون استغلال حاجة الطرف المستأجر الملحة إلى شغل المكان المؤجر - نتيجة ازدياد أزمة الإسكان المترتبة على زيادة عدد السكان زيادة فاحشة قد حملت المشرع على التدخل لتنظيم العلاقة بين مالكى العقارات ومستأجريها بقصد حماية الجمهور من استغلال مالكى العقارات لحاجته إلى المسكن. وهو كالغذاء والكساء من ضروريات الحياة الأساسية، فأرسى الأسس الموضوعية لتحديد أجرة المساكن فى المواد 10 و11 و12 من القانون رقم 52 لسنة 1969، وحظر على المؤجرين فى المادتين 17 و45 إقتضاء أى مبالغ بالذات أو بالوساطة تزيد على تلك الأجرة والتأمين المنصوص عليهما فى العقد - ومن ثم فإن هذه الحظر بمقضيات تأثيمه لا يسرى إلى على المستأجر الذى يقدم على التأجير من الباطن إلى غيره. ولا يغير من هذا النظر ما ورد فى نص المادة 45 من ذات القانون فى شأن إعفاء المستأجر والوسيط من العقوبة إذا أبلغ أو أعترف بالجريمة، ذلك أن الثابت من المناقشات التى دارت فى مجلس الأمة عن نظر مشروع هذا القانون أن الشارع قصد بحكم الاعفاء المستأجر الذى يدفع مبلغ الخلو المحظور إلى المؤجر فيكون قد شارك بفعله هذا فى وقوع الجريمة محل العقوبة وكذلك الحال بالنسبة للوسيط فرأى المجلس قصر الإعفاء منها عليهما - دون المؤجر - باعتبار أن هذه هى الوسيلة الناجعة لضبط جرائم خلو الرجل، ومن ثم فإن حكم الإعفاء لا ينصرف إلى حالة المستأجر الذى يتقاضى خلو الرجل بوصفه مؤجراً من الباطن إلى غيره. ومما يزيد الأمر وضوحاً فى تبيان قصد المشرع فى تحديد نطاق التأثيم أنه عند إعادة صياغة حكم الحظر المقرر بالمادة 26 من القانون رقم 49 لسنة 1977 بشأن تأجيره وبيع الأماكن - وهى التى حلت محل المادة 17 من القانون السابق رقم 52 لسنة 1969 دون أى تغيير فى مضمون القاعدة - أفصح الشارع بجلاء وفى دقة تقطع دابر أى لبس عمن هو مقصود بالحظر المؤثم فنصت تلك المادة على أنه "لا يجوز للمؤجر مالكاً كان أو مستأجراً بالذات أو بالوساطة اقتضاء أى مقابل أو أتعاب بسبب تحرير العقد أو أى مبلغ إضافى خارج نطاق عقد الإيجار زيادة على التأمين والأجرة المنصوص عليها فى العقد كما لا يجوز بأية صورة من الصور للمؤجر أن يتقاضى أى مقدم إيجار بل إنه مما يؤكد قصد الشارع إلى عدم تأثيم ما يتقاضاه المستأجر من المالك من مبالغ تعويضاً عن ترك العين المؤجرة له ما نص عليه فى المواد 49 وما بعدها من القانون الأخير من إلزام المالك بأن يدفع للمستأجر المبالغ المحددة فى هذه المواد على سبيل التعويض فى حالات الإخلاء المترتبة على ما استحدثه من أحكام فى شأن هدم المبانى لإعادة بنائها بشكل أوسع. ولما كان مفاد ذلك جميعه أن المستأجر الذى يتقاضى بالذات أو بالوساطة من المؤجر أو المالك أية مبالغ فى مقابل إنهاء عقد الإيجار وإخلاء المكان المؤجر يخرج عن دائرة التأثيم ولا يحل عقابه طبقاً لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1969 الذى استند إليه الحكم المطعون فيه أو أى قانون آخر فإن الحكم المطعون فيه وقد خالف هذا النظر وقضى بمعاقبة كل من الطاعن والمحكوم عليه (الوسيط) عن واقعة إقتضاء مبلغ من النقود من المطعون ضده وهو مالك العين المؤجرة مقابل إنهاء العلاقة الإيجارية بنيهما ورد العين المؤجرة إليه - يكون قد بنى على خطأ فى تأويل القانون، وكان يتعين على المحكمة القضاء ببراءة المتهمين عملاً بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية باعتبار أن الواقعة غير معاقب عليها قانوناً.
3 - متى كان يتعين على المحكمة القضاء ببراءة المتهمين عملا بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية باعتبار أن الواقعة غير معاقب عليها قانوناً. وكان من المقرر طبقاً للمادتين 220 و253 من هذا القانون أن ولاية محكمة الجنح والمخالفات تقتصر بحسب الأصل على نظر ما يطرح أمامها من تلك الجرائم واختصاصها بنظر الدعوى المدنية الناشئة عنها. استثناء من القاعدة مبنى على الارتباط بين الدعويين ووحدة السبب الذى تقام عليه كل منهما ومشروط فيه ألا تنظر الدعوى المدنية إلا بالتبعية للدعوى الجنائية بحيث لا يصح رفعها استقلالاً أمام المحكمة الجنائية، ومؤدى ذلك أن المحاكم الجنائية لا يكون لها ولاية الفصل فى الدعوى المدنية متى كان الفعل محل الدعوى الجنائية ومناط الدعوى المدنية المرفوعة تبعاً لها غير معاقب عليه قانوناً - كما هو الحال فى الدعوى الراهنة - فإنه كان يتعين على المحكمة أن تقضى بعدم اختصاها بنظر الدعوى المدنية.
4 - من المقرر أنه متى كان العيب الذى شاب الحكم المطعون فيه مقصوراً على الخطأ فى تأويل القانون بالنسبة للواقعة كما صار إثباتها فى الحكم فإنه يتعين حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها فى المادة 39 من القانون 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن تحكم المحكمة فى الطعن وتصحح الخطأ وتحكم بمقضى القانون.
5 - متى كان هذا الوجه من الطعن يتصل بالمحكوم عليه الآخر الذى لم يطعن على الحكم ونظراً لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة للطاعن والمحكوم عليه الآخر.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم (أولاً) (المتهم الأول) بصفته مستأجرا تقاضى بالواسطة مبلغ من النقود المبين وصفاً وقيمة بالتحقيقات من المدعى بالحق المدنى فى مقابل إخلائه للمحل المؤجر له. (ثانياً): (المتهمان الثانى والثالث) توسطا فى تقاضى المبلغ سالف الذكر والمبين بالتحقيقات وذلك لتوصيله للمتهم الأول مقابل إخلائه للعين المؤجرة. وطالب عقابهم بالمواد 17، 45 من القانون رقم 52 لسنة 1969. وادعى المطعون ضده قبل المتهمين مدنياً بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح قسم ميت غمر قضت حضورياً عملاً بالمادة 304/ 1، من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهمين مما أسند إليهم ورفض الدعوى المدنية وألزمت المدعى بالحق المدنى والمصروفات. فاستأنف المدعى بالحق المدنى ومحكمة المنصورة الابتدائية (بهئية استئنافية) قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وبإجماع الآراء بالغاء الحكم المستأنف بالنسبة للمتهمين الأول والثانى وتغريم كل منهما مبلغ عشرين جنيها وألزمتهما متضامنين بأن يؤديا للمدعى بالحق المدنى مبلغ واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت وألزمتهما المصاريف وتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض .. إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه - وهو مستأجر - بجريمة خلو الرجل وألزمه بالتعويض عن واقعة اقتضائه بالوساطة من المؤجر - المطعون ضده - مبلغاً من النقود مقابل إخلائه المحل المؤجر من هذا الأخير إليه فقد أخطأ فى تطبيق القانون ذلك بأن أحكام القانون رقم 52 لسنة 1969 - الذى استند إليه الحكم - لا تؤثم فعل المستأجر الذى يتقاضى "خلو رجل" إلا فى حالة قيامه بتأجير العين من الباطن أو التنازل عن ايجارها إلى مستأجر آخر أما المستأجر الذى يتقاضى من مالك العين المؤجرة مبلغاً من النقود لتعويضه نظير تركها له كما هو الحال فى واقعة الدعوى فلا عقاب عليه، مما يكون معه الحكم المطعون فيه معيباً بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أن المدعى بالحقوق المدنية (المطعون ضده) أبلغ الشرطة فى 3 أبريل سنة 1975 بأن المتهم الأول (الطاعن) الذى يستأجر منه محلاً بالطابق الأول من ملكه بناحية ميت غمر بموجب عقد إيجار مؤرخ أول أكتوبر سنة 1973 - طلب منه مبلغ 300 جنيه مقابل إخلاء المحل المؤجر وتسليمه إليه واتفق معه على أن يتم دفع المبلغ عن طريق المتهم الثانى (.............) عند تسليم مفاتيح المحل وعقد الإيجار. وبعد استئذان النيابة العامة أعد رئيس وحدة المباحث كميناً تم فيه ضبط المتهم الثانى بتاريخ 5 أبريل سنة 1975 وهو يستلم من المدعى بالحقوق المدنية أوراق النقد السابق أخذ أرقامها ويسلم إليه عقد إيجار المحل المبرم بينه وبين الطاعن والقفل والمفتاح، واعترف المتهم الثانى للضابط بأنه تسلم المبلغ من المطعون ضده لتوصيله إلى الطاعن مقابل إنهاء العلاقة الإيجارية بينهما، ثم أورد الحكم نص المادتين 17 و45 من القانون رقم 52 لسنة 1969 - الذى قضى بمقتضاه بمعاقبة الطاعن والمتهم الثانى (الوسيط) مع إلزامهما بالتعويض المدنى للمطعون ضده وعرض إلى الدفع المبدى بعدم تأثيم الواقعة موضوع المحاكمة واطرحه بقوله: "إن مفاد الفقرة الثانية من المادة 45 أن المستأجر الذى يقع تحت طائلة العقاب هو المستأجر الذى اقتضى خلو الرجل سواء مقابل تركه العين ليتسلمها المؤجر أو يستأجرها من دفع خلو الرجل من مالكها مباشرة أو مقابل تأجيرها إليه من الباطن ومن ثم فإن ما دفع به المتهمون فى مذكرة دفاعهم من عدم تأثيم القانون للواقعة المسندة إليهم. لا سند له من الواقع والقانون وتلتفت المحكمة عن هذا الدفع". لما كان ذلك، وكان الأصل أنه يجب التحرز فى تفيسر القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة فى ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل وأنه فى حالة غموض النص فإن الغموض لا يحول دون تفسير النص على هدى ما يستخلص من قصد المشرع، مع مراعاة ما هو مقرر من أن القياس محظور فى مجال التأثيم. لما كان ذلك، وكان يببن من استقراء التشريعات التى تناولت تنظيم العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين أو أحكام القانون رقم 121 سنة 1947 جاءت - عند صدوره - خلواً من النص على تأثيم ما قد يتقاضاه المؤجرين من المستأجرين من مبلغ إضافية خارج نطاق عقد الإيجار، مما حدا بالمشرع إلى إصدار القانون رقم 11 سنة 1962 بإضافة فقرة جديدة إلى المادة 16 من القانون رقم 121 سنة 1947 تنص على أنه "يعاقب بالعقوبة المشار إليها كل مؤجر يتقاضى أى مبلغ إضافى خارج نطاق عقد الإيجار كخلو رجل أو ما يماثله من المستأجر مباشرة أو عن طريق وسيط فى الإيجار وفى الحالة الأخيرة تطبق العقوبة ذاتها على الوسيط وأفصح الشارع عن الهدف الذى تغياه من هذا التعديل فيما تضمنته المذكرة الإيضاحية للقانون من أن: "بعض المؤجرين مازالوا يحصلون على مبالغ إضافية خارج نطاق الإيجار كخلو رجل تحايلاً منهم على (قوانين تخفيض إيجار الأماكن) التى قصد منها حماية المستأجر من مغالاة المؤجرين فى تقدير الإيجار.... وأن المدة السادسة من القانون رقم 121 سنة 1947 تنص على التزام المؤجر برد أية مبالغ يحصل عليها من المستأجر خارج نطاق عقد الإيجار سواء حصل عليها مباشرة أو عن طريق وسيط فى الإيجار وهذه المبالغ على ما يعرف اصطلاحاً بخلو الرجل أو أى مبالغ أخرى يحصل عليها المؤجر دون سبب مشروع والغرض من تقرير هذا الحكم هو حماية الآثار التى استهدفها المشرع من تحديد الإيجار لصالح المستأجرين إلا أن القانون لم يضع جزاء على مخالفة هذا المادة ضمن العقوبات التى نص عليها المادة 16 منه... لذلك يقتضى الأمر ادراج هذه المخالفة ضمن المخالفات الأخرى التى تستوجب الجزاء الجنائى الوارد بهذه المادة وتطبيقها على المؤجر أو وسيط الإيجار فى حالة الحصول على هذه المبالغ......." ثم بعد ذلك وإذ صدر القانون رقم 52 سنة 1969 - الذى حصلت الواقعة موضوع الدعوى الراهنة فى ظله - فقد نص فى المادة 17 منه على أنه: "لا يجوز للمؤجر بالذات أو بالوساطة اقتضاء أى مقابل أو أتعاب بسبب تحرير العقد أو أى مبلغ إضافى خارج نطاق عقد الإيجار زيادة عن التأمين والأجرة المنصوص عليها فى العقد. ويسرى هذا الحظر أيضاً على المستأجر كما لا يجوز بأى صورة من الصور للمؤجر إقتضاء مقدم إيجار. "كما نصت المادة 45 من هذا القانون على أنه: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور وبغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يخالف أحكام المادة 17 سواء كان مؤجراً أو مستأجراً أو وسيطاً. ويعفى من العقوبة كل من المستأجر والوسيط إذا أبلغ أو اعترف بالجريمة "وأبان مناقشة مشروع هذا القانون فى مجلس الأمة أجاب السيد رئيس المجلس على تساؤل أحد الأعضاء بأن الحكمة من إضافة الفقرة التى تقضى بسريان الحظر على المستأجر إلى المادة 17 - هى منع المؤجر من الباطن من أن يقتضى مقدماً من الذى يؤجر له". ولما كان الواضح من استقراء تلك النصوص والأعمال التشريعية التى اقترنت باصداره أن الشارع إنما يؤثم - بالإضافة إلى فعل إقتضاء المؤجر من المستأجر مقدم إيجار - أن يتقاضى منه أية مبالغ إضافية بسبب تحرير عقد الإيجار أو خارج نطاق زيادة عن التأمين والأجرة المنصوص عليها فى العقد. سواء كان ذلك المؤجر مالك العقار أو مستأجره الذى يبتغى تأجيره إلى غيره فتقوم فى جانبه حينئذ صفة المؤجر ومناسبة تحرير عقد الإيجار وهما مناط حظر اقتضاء تلك المبالغ الإضافية، وذلك بهدف الحيلولة دون استغلال حاجة الطرف المستأجر الملحة إلى شغل المكان المؤجر نتيجة ازدياد أزمة الاسكان المترتبة على زيادة عدد السكان زيادة فاحشة قد حملت المشرع على التدخل لتنظيم العلاقة بين مالكى العقارات ومستأجريها بقصد حماية الجمهور من استغلال مالكى العقارات لحاجته إلى المسكن وهو كالغذاء والكساء من ضروريات الحياة الأساسية، فأرسى الأسس الموضوعية لتحديد أجرة المساكن فى المواد 10 و11 و12 من القانون رقم 52 لسنة 1969 وحظر على المؤجرين فى المادتين 17 و45 إقتضاء أى مبالغ بالذات أو بالوساطة تزيد على تلك الأجرة والتأمين المنصوص عليهما فى العقد ومن ثم فإن هذه الحظر بمقضيات تأثيمه لا يسرى إلى على المستأجر الذى يقدم على التأجير من الباطن إلى غيره. ولا يغير من هذا النظر ما ورد فى نص المادة 45 من ذات القانون فى شأن إعفاء المستأجر والوسيط من العقوبة إذا أبلغ أو أعترف بالجريمة، ذلك أن الثابت من المناقشات التى دارت فى مجلس الأمة عند نظر مشروع هذا القانون أن الشارع قصد بحكم الإعفاء المستأجر الذى يدفع مبلغ الخلو المحظور إلى المؤجر فيكون قد شارك بفعله هذا فى وقوع الجريمة محل العقوبة وكذلك الحال بالنسبة للوسيط فرأى المجلس قصر الإعفاء منها عليهما - دون المؤجر - باعتبار أن هذه هى الوسيلة الناجعة لضبط جرائم خلو الرجل، ومن ثم فإن حكم الإعفاء لا ينصرف إلى حالة المستأجر الذى يتقاضى خلو الرجل بوصفه مؤجراً من الباطن إلى غيره. ومما يزيد الأمر وضوحاً فى تبيان قصد المشرع فى تحديد نطاق التأثيم أنه عند إعادة صياغة حكم الحظر المقرر بالمادة 26 من القانون رقم 49 لسنة 1977 بشأن تأجير وبيع الأماكن - وهى التى حلت محل المادة 17 من القانون السابق رقم 52 لسنة 1969 دون أى تغيير فى مضمون القاعدة - أفصح الشارع بجلاء وفى دقة تقطع دابر أى لبس عمن هو مقصود بالحظر المؤثم فنصت تلك المادة على أنه "لا يجوز للمؤجر مالكاً كان أو مستأجراً بالذات أو بالوساطة اقتضاء أى مقابل أو أتعاب بسبب تحرير العقد أو أى مبلغ إضافى خارج نطاق عقد الإيجار زيادة على التأمين والأجرة المنصوص عليهما فى العقد كما لا يجوز بأية صورة من الصور للمؤجر أن يتقاضى أى مقدم إيجار". بل إنه مما يؤكد قصد الشارع إلى عدم تأثيم ما يتقاضاه المستأجر من المالك من مبالغ تعويضاً عن ترك العين المؤجرة له ما نص عليه فى المواد 49 وما بعدها من القانون الأخير من إلزام المالك بأن يدفع للمستأجر المبالغ المحددة فى هذه المواد على سبيل التعويض فى حالات الإخلاء المترتبة على ما استحدثه من أحكام فى شأن هدم المبانى لإعادة بنائها بشكل أوسع. ولما كان مفاد ذلك جميعه أن المستأجر الذى يتقاضى بالذات أو بالوساطة من المؤجر أو المالك أية مبالغ فى مقابل إنهاء عقد الإيجار وإخلاء المكان المؤجر يخرج عن دائرة التأثيم ولا يحل عقابه طبقاً لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1969 الذى استند إليه الحكم المطعون فيه أو أى قانون آخر، فإن الحكم المطعون فيه وقد خالف هذا النظر وقضى بمعاقبة كل من الطاعن والمحكوم عليه (الوسيط) عن واقعة اقتضاء مبلغ من النقود من المطعون ضده وهو مالك العين المؤجرة مقابل إنهاء العلاقة الإيجارية بنيهما ورد العين المؤجرة إليه - يكون قد بنى على خطأ فى تأويل القانون وكان يتعين على المحكمة القضاء ببراءة المتهمين عملاً بالمادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية باعتبار أن الواقعة غير معاقب عليها قانوناً. لما كان ذلك، وكان من المقرر طبقاً للمادتين 220 و253 من هذا القانون أن ولاية محكمة الجنح والمخالفات تقتصر بحسب الأصل على نظر ما يطرح أمامها من تلك الجرائم واختصاصها بنظر الدعوى المدنية الناشئة عنها - استثناء من القاعدة مبنى على الارتباط بين الدعويين ووحدة السبب الذى تقام عليه كل منهما ومشروط فيه ألا تنظر الدعوى المدنية إلا بالتبعية للدعوى الجنائية بحيث لا يصح رفعها استقلالاً أمام المحكمة الجنائية، ومؤدى ذلك أن المحاكم الجنائية لا يكون لها ولاية الفصل فى الدعوى المدنية متى كان الفعل محل الدعوى الجنائية ومناط الدعوى المدنية المرفوعة تبعاً لها غير معاقب عليه قانوناً - كما هو الحال فى الدعوى الراهنة - فإنه كان يتعين على المحكمة أن تقضى بعدم اختصاها بنظر الدعوى المدنية. لما كان ذلك، وكان العيب الذى شاب الحكم المطعون فيه مقصوراً على الخطأ فى تأويل القانون بالنسبة للواقعة كما صار إثباتها فى الحكم فإنه يتعين حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها فى المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن تحكم المحكمة فى الطعن وتصحح الخطأ وتحكم بمقضى القانون وإذ كان هذا الوجه من الطعن يتصل بالمحكوم عليه الآخر ..... الذى لم يطعن على الحكم ونظراً لوحدة الواقعة وحسن سير العدالة فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة للطاعن والمحكوم عليه الآخر والقضاء ببراءتهما مما أسند إليهما وبعدم اختصاص محكمة الجنح بنظر الدعوى المدنية المرفوعة عليهما من المطعون ضده مع إلزامه بمصروفاتها.


(1) راجع فى ذات المعنى مجموعة أحكام النقض - السنة 26 صـ 718.