أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ891

جلسة 3 من ديسمبر سنة 1979

برياسة السيد المستشار عادل برهان نور نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ شرف الدين خيرى، وفوزى المملوك، وفوزى أسعد، وهاشم قراعة.

(190)
الطعن رقم 1082 لسنة 49 القضائية

(1) مواد مخدرة. قصد جنائى. إثبات. "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير قصد الاتجار فى المخدر. موضوعى.
الاطمئنان للتحريات كمسوغ لإصدار إذن التفتيش. وإطراحها وأقوال محرر محضرها فى خصوص توافر قصد الاتجار. لا تناقض.
(2) دفوع. "الدفع ببطلان إذن التفتيش". تفتيش. "الدفع ببطلان إذن التفتيش". إثبات. "بوجه عام". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الدفع ببطلان إذن التفتيش. وجوب أن يكون صريحا. قول المتهم. إنه قد بين عدم دقة التحريات وأنها غير صحيحة. ليس دفعا صريحا. إبداء هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض. مشروط بأن يحمل الحكم مقوماته.
تقدير جدية التحريات. موضوعى.
(3) إثبات. "بوجه عام". "معاينة". "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تحديد الأشخاص للمسافات. أمر تقديرى. الخلاف فيه بين أقوال الشهود والمعاينة لا ينال من شهادتهم.
(4) إثبات. "شهود". "بوجه عام". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
المرجع فى وزن أقوال الشهود واستخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. إلى محكمة الموضوع.
(5) إثبات. "بوجه عام". "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق المحكمة أن تحيل فى بيان شهادة الشاهد إلى ما أوردته من أقوال شاهد آخر. ما دامت هذه الأقوال متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
1 - من المقرر أن إحراز المخدر بقصد الاتجار هو واقعة مادية يستقل قاضى الموضوع بالفصل فيها طالما يقيمها على ما ينتجها وأن التناقص الذى يعيب الحكم هو الذى يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة، وأن من حق المحكمة أن تعول فى تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ولها فى سبيل ذلك أن تجزىء هذه التحريات فتأخذ منها ما تطمئن إليه مما تراه مطابقاً للحقيقة وتطرح ما عداه، ومن سلطتها التقديرية أيضاً أن ترى فى تحريات الشرطة ما يسوغ الإذن بالتفتيش ولا ترى فيها ما يقنعها بأن إحراز المتهم للمخدر كان بقصد الاتجار أو التعاطى أو الاستعمال الشخصى متى بنت ذلك على اعتبارات سائغة.
2 - إذا كان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان إذن التفتيش وكان هذا الدفع من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التى لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم تكن مدونات الحكم تحمل مقوماته لأنه يقتضى تحقيقاً تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة، ولا يقدح فى ذلك أن يكون الدفاع عن الطاعن قد ضمن مرافعته قوله أنه "قد بين عدم الدقة فى التحريات وأنها غير صحيحة" إذ هو قول مرسل على إطلاقه يفيد الترجيح ولا يحمل على الدفع الصريح ببطلان إذن التفتيش الذى يجب إبداؤه فى عبارة صريحة تشتمل على بيان المراد منه، هذا فضلاً عن أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لاصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التى يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، وإذ كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التى بنى عليها إذن التفتيش وكفايتها لتسويغ إجرائه فلا معقب عليها فى ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص يكون ولا محل له ولا على المحكمة إن هى إلتفتت عن الرد عليه.
3 - إن تحديد الأشخاص للمسافات أمر تقديرى وليس من شأن الخلاف فيه - بفرض قيامه - بين أقوال الشهود والمعاينة أن يهدر شهادة الشهود ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صحتها.
4 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزلة المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه بغير معقب عليها، ومتى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الإعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، لما كان ذلك، وكانت المحكمة فى الدعوى الماثلة قد اطمأنت إلى أقوال شاهدى الإثبات وصحة تصويرهما للواقعة فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعى حول تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرتها فى شأنه أمام محكمة النقض.
5 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل فى بيان أقوال الشاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهما متفقة مع ما استند إليه الحكم منها وكان الطاعن لا يجادل فى أن أقوال ....... فى التحقيقات متفقة مع أقوال ...... التى أحال عليها الحكم، فإن منعى الطاعن فى هذا الشأن يكون فى غير محله.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر بأنهما فى يوم 19 فبراير سنة 1975 بدائرة قسم المنشية محافظة الاسكندرية - أحرزا بقصد الاتجار جوهرا مخدرا (حشيشا) فى غير الأحوال المصرح بها قانونا، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً بمعاقبة كل من المتهمين بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وتغريمهما خمسمائة جنيه ومصادرة المخدرات المضبوطة. بوصف أن إحرازهما للجوهر المخدر كان بغير قصد الاتجار أو التعاطى أو الاستعمال الشخصى، فطعن المحكوم عليه الأول فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحراز جوهر مخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطى أو الاستعمال الشخصى فقد شابه التناقض والقصور فى التسبيب، ذلك بأنه حصل صورة الواقعة بما يفيد توافر قصد الاتجار فى المخدرات لدى الطاعن، ولكنه عاد فى موضع آخر ونفى عنه ذلك القصد كما دفع الحاضر مع الطاعن ببطلان إذن التفتيش لابتنائه على تحريات غير جدية غير أن الحكم لم يعرض لهذا الدفع الجوهرى ويرد عليه بما يفنده وقضى بإدانة الطاعن حملاً على أقوال الضابطين رغم بعدها عن الحقيقة ورغم تعارضها مع ما أثبتته المعاينة فى شأن تحديد المسافة التى كانت بينهما وبين الطاعن قبيل ضبطه كما أورد الحكم مؤدى أقوال أحد شاهد الإثبات ولكنه اكتفى بالإحالة عليها فى بيان مؤدى أقوال الآخر. وأن كل ذلك مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أن ..... و..... علما من تحرياتهما السرية أن الطاعن يحوز مادة مخدرة فاستصدر إذنا بضبطه وتفتيشه وانتقل إلى محل تجارته حيث وجداه يحادث المتهم الثانى فتولى الرائد ..... ضبط الطاعن والتحفظ على قبضة يده اليسرى التى حاول أن يتخلص مما بها لم يمكنه وانتزع منها لفافة من الورق وجد بها قطعة ثبت من تقرير التحليل أنها لمخدر الحشيش وتزن أربعة جرامات، وقد أورد الحكم فى بيانه لمؤدى أقوال الضابط الذى باشر القبض والتفتيش أن تحرياته السرية دلت على أن الطاعن يتجر فى المواد المخدرة، ثم خلص الحكم إلى إدانة الطاعن بعد أن نفى عنه قصد الاتجار بقوله "ولا تظاهر المحكمة ما ذهبت إليه النيابة من أن إحراز المتهم الأول (الطاعن) للمخدر الذى ضبط معه كان بقصد الاتجار نظراً لضآلة الكمية الخاصة به وعدم وجود أدوات وزن أو تقطيع معه أو ضبطه يتعامل فى المخدر - أما ما ورد فى التحريات بخصوص هذا الشأن وقد جاء مرسلاً ولا تطمئن المحكمة إليه كما لا تطمئن إلى سطر فى محضر ضبط الواقعة من اعتراف منسوب إليه كما لم ينهض من الأدلة ما يثبت أنه أحرز المخدر بقصد التعاطى أو الاستعمال الشخصى". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن إحراز المخدر بقصد الاتجار هو واقعة مادية يستقل قاضى الموضوع بالفصل فيها طالما يقيمها على ما ينتجها - على ما جاء بالحكم فيما تقدم - وأن التناقض الذى يعيب الحكم هو الذى يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة، وأن من حق المحكمة أن تعول فى تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة ولها فى سبيل ذلك أن تجزىء هذه التحريات فتأخذ منها ما تطمئن إليه مما تراه مطابقاً للحقيقة وتطرح ما عداه، ومن سلطتها التقديرية أيضاً أن ترى فى تحريات الشرطة ما يسوغ الإذن بالتفتيش ولا ترى فيها ما يقنعها بأن إحراز المتهم للمخدر كان بقصد الاتجار أو التعاطى أو الاستعمال الشخصى متى بنت ذلك على اعتبارات سائغة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أظهر اطمئنانه إلى التحريات كمسوغ لإصدار الإذن بالتفتيش ولكنه لم ير فيها وفى أقوال الضابط محررها ما يقنعه بأن إحراز الطاعن للمخدر كان بقصد الاتجار وأقام تقريره فى ذلك على ما يسوغه - فإن ما يثيره الطاعن من دعوى التناقض يكون غير صحيح. لما كان ذلك، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان إذن التفتيش وكان هذا الدفع من الدفوع القانونية المختلطة بالواقع التى لا تجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض ما لم تكن مدونات الحكم تحمل مقوماته لأنه يقتضى تحقيقاً تنأى عنه وظيفة هذه المحكمة، ولا يقدح فى ذلك أن يكون الدفاع عن الطاعن قد ضمن مرافعته قوله "أنه قد بين عدم الدقة فى التحريات وأنها غير صحيحة" إذ هو قول مرسل على إطلاقه يفيد الترجيح ولا يحمل على الدفع الصريح ببطلان إذن التفتيش الذى يجب إبداؤه فى عبارة صريحة تشتمل على بيان المراد منه، هذا فضلاً عن أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لإصدار الإذن بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التى يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، وإذ كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية الاستدلالات التى بنى عليها إذن التفيتش وكفايتها لتسويغ إجرائه فلا معقب عليها فى ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص يكون ولا محل له ولا على المحكمة إن هى إلتفتت عن الرد عليه. لما كان ذلك، وكان تحديد الأشخاص للمسافات أمر تقديرى وليس من شأن الخلاف فيه - بفرض قيامه - بين أقوال الشهود والمعاينة أن يهدر شهادة الشهود ما دامت المحكمة قد اطمأنت إلى صحتها، وكان من المقرر أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق، وأن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزلة المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه بغير معقب عليها، ومتى أخدت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الإعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها. لما كان ذلك، وكانت المحكمة فى الدعوى الماثلة قد اطمأنت إلى أقوال شاهدى الإثبات وصحة تصويرهما للواقعة فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعى حول تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرتها فى شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل فى بيان أقوال الشاهد إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت أقوالهما متفقة مع ما استند إليه الحكم منها، وكان الطاعن لا يجادل فى أن أقوال النقيب ....... فى التحقيقات متفقة مع أقوال الرائد ....... التى أحال عليها الحكم - فإن منعى الطاعن فى هذا الشأن يكون فى غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعا.