أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 27 - صـ 90

جلسة 25 من يناير سنة 1976

برياسة السيد المستشار/ جمال صادق المرصفاوى رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى محمود الاسيوطى، ومحمد عادل مرزوق، ويعيش محمد رشدى، وأحمد على موسى.

(19)
الطعن رقم 1342 لسنة 45 القضائية

1 - إثبات "شهادة". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". إكراه.
وزن أقوال الشاهد موضوعى. شرط الأخذ بها صدورها عنه طواعية واختيارا.
2 - إثبات. "شهادة". إكراه دفوع. "الدفع بالإكراه". حكم. "تسبيبه تسبيب معيب". نقض. "أسباب الطعن".
الدفع ببطلان أقوال الشاهد لصدورها تحت تأثير الإكراه. جوهرى. وجوب مناقشته والرد عليه بأسباب سائغة. مثال لرد غير سائغ على الدفع.
1 - الأصل أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التى يؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء عليها وإن كان مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه إلا أنه يشترط فى أقوال الشاهد التى يعول عليها أن تكون صادرة عنه اختيارا وهى لا تعتبر كذلك إذا صدرت أثر إكراه أيا كان نوعه وكائنا ما كان قدره.
2 - من المقرر أن الدفع ببطلان أقوال الشاهد لصدورها تحت تأثير الإكراه هو دفع جوهرى يتعين على محكمة الموضوع أن تعرض له بالمناقشة للوقوف على وجه الحق فيه، فإذا ما أطرحته تعين أن تقيم ذلك على أسباب سائغة، لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه تبريرا لإطراحه دفاع الطاعنين بوقوع إكراه على الشهود المذكورين غير سائغ وليس من شأنه أن يؤدى إلى ما رتب عليه، ذلك بأن قول الحكم باطمئنانه إلى أقوال الشهود لإدلائهم بها فور ارتكاب الحادث وأمام النيابة العامة، لا يصلح ردا على القول بصدورها نتيجة إكراه، لأن فى ذلك من الحكم مصادرة على المطلوب، إذ أن هذه الأقوال ينعى عليها بأنها فى وقت الإدلاء بها وأمام الجهة التى سمعتها، إنما كانت وليدة إكراه، كما أن سكوت الشهود عن الإفضاء بواقعة الاكراه فى تحقيق النيابة ليس من شأنه أن ينفى حتما وقوع هذا الإكراه. وإذ كان الدفاع قد استمسك ببطلان أقوال الشهود سالفى الذكر - وهم يمثلون جميع شهود الرؤية فى الحادث - بعد أن حدد هؤلاء الشهود أمام المحكمة الإكراه الذى نالهم من رجال الشرطة فى وقائع معينة كما سلف البيان - فإن دفاع الطاعنين يعد - فى صورة هذه الدعوى - دفاعا جوهريا إذ يترتب عليه - لو صح - تغير وجه الرأى فيها فقد كان لزاما على المحكمة أن تسقطه حقه من التحقيق بلوغا إلى غاية الأمر فيه أما وهى لم تفعل وكانت الأسباب التى أوردتها لتنفيذه لا تؤدى إلى ذلك. فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوبا بقصور أدى به إلى فساد فى الاستدلال بما يعيبه ويستوجب نقضه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما فى يوم 16 من أغسطس سنة 1973 بدائرة مركز بنى سويف محافظة بنى سويف (المتهم الأول) قتل عمدا إسرائيل معوض مسعود مع سبق الإصرار والترصد بأن عقد العزم والنية على قتله وأعد لذلك سلاحا (بلطة) وانتظره فى المكان الذى أيقن قدومه منه وما أن شاهده حتى انهال عليه ضربا بالبلطة التى كانت معه قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته (المتهم الثانى) اشترك مع المتهم الأول وذلك بطريق المساهمة والاتفاق بأن شغل المجنى عليه بالحديث فتمكن الأول من الاعتداء على المجنى عليه بالضرب وتمت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهما بالقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات بنى سويف قضت حضوريا عملا بالمواد 40/2 و3 و41 و230 و231 و232 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة خمسة عشر عاما ومعاقبة المتهم الثانى بالسجن لمدة عشر سنوات. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض .. إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه المحكوم عليهما على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان أولهما بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ودان الآخر بالاشتراك فى هذه الجريمة قد شابه إخلال بحق الدفاع وفساد فى الاستدلال، ذلك بأن المدافع عن الطاعنين أثار فى دفاعه أن شهود الاثبات ...... و ...... و ...... قرروا بالجلسة بأن ما سبق أن صدر عنهم من أقوال وتعرف على الطاعنين أمام النيابة العامة بعد يومين من وقوع الحادث إنما كان نتيجة إكراه وقع عليهم من رجال الشرطة الحاضرين إلا أن المحكمة لم تعن بتحقيق هذا الدفاع الجوهرى وردت عليه ردا غير سائغ.
وحيث إنه يبين من محضر جلسة المحاكمة أن شهود الإثبات ...... و ...... و ...... وهم شهود الرؤية فى الحادث - نفوا أمام المحكمة معرفتهم للجناة فيه وأرجعوا ما صدر عنهم من أقوال وتعرف على الطاعنين أمام النيابة العامة إلى ما وقع عليهم من رجال الشرطة من إكراه أفصح عنه الشاهد الأول بقوله "قعدوا يومين يضربوا فى" والشاهدة الثانية فى قولها "من شدة الإهانة فى المركز"، وعبر عنه الشاهد الأخير بقوله "من القتل" - أى الضرب - وأضاف تبريرا لعدم إفضائه بواقعة الإكراه لمحقق النيابة بأنه قد سئل فى حضور رجال المباحث فأوجس منهم خيفة، وكان بوجهه ورم خفيف. وأثار الدفاع فى مرافعته بطلان الأقوال والتعرف الذى صدر من أولئك الشهود لأنه كان وليد إكراه ما كانوا يستطيعون الإفضاء به أمام النيابة العامة إذ تم سؤالهم فى حضور رجال الشرطة. كما يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه استند أساسا فى قضائه إلى اطمئنانه إلى الأقوال التى أدلى بها أولئك الشهود فى تحقيق النيابة العامة قائلا فى ذلك "لحصولها فور ارتكاب الحادث وأمام النيابة وقبل التأثير على الشهود ولم يقل أحد منهم عند سؤاله بالنيابة بحصول ثمة اكراه عليه". لما كان ذلك، وكان الأصل أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التى يؤدى فيها شهادته وتعويل القضاء عليها وإن كان مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه إلا أنه يشترط فى أقوال الشاهد التى يعول عليها أن تكون صادرة عنه اختيارا وهى لا تعتبر كذلك إذا صدرت أثر إكراه أيا كان نوعه وكائنا ما كان قدره. كما أنه من المقرر أن الدفع ببطلان أقوال الشاهد لصدورها تحت تأثير الإكراه هو دفع جوهرى يتعين على محكمة الموضوع أن تعرض له بالمناقشة للوقوف على وجه الحق فيه، فإذا ما أطرحته تعين أن تقيم ذلك على أسباب سائغة. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم المطعون فيه تبريرا لإطراحه دفاع الطاعنين بوقوع إكراه على الشهود المذكورين غير سائغ وليس من شأنه أن يؤدى إلى ما رتبه عليه، ذلك بأن قول الحكم باطمئنانه إلى أقوال الشهود لإدلائهم بها فور ارتكاب الحادث وأمام النيابة العامة، لا يصلح ردا على القول بصدورها نتيجة إكراه، لأن فى ذلك من الحكم مصادره على المطلوب، إذ أن هذه الأقوال ينعى عليها بأنها فى وقت الإدلاء بها وأمام الجهة التى سمعتها، إنما كانت وليدة إكراه، كما أن سكوت الشهود عن الإفضاء بواقعة الإكراه فى تحقيق النيابة ليس من شأنه أن ينفى حتما وقوع هذا الإكراه. وإذ كان الدفاع قد استمسك ببطلان أقوال الشهود سالفى الذكر - وهم يمثلون جميع شهود الرؤية فى الحادث - بعد أن حدد هؤلاء الشهود أمام المحكمة الإكراه الذى نالهم من رجال الشرطة فى وقائع معينة كما سلف البيان - فإن دفاع الطاعنين يعد - فى صورة هذه الدعوى - دفاعا جوهريا إذ يترتب عليه - لو صح - تغيير وجه الرأى فيها فقد كان لزاما على المحكمة أن تسقطه حقه من التحقيق بلوغا إلى غاية الأمر فيه أما وهى لم تفعل وكانت الأسباب التى أوردتها لتنفيذه لا تؤدى إلى ذلك. فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوبا بقصور أدى به إلى فساد فى الاستدلال بما يعيبه ويستوجب نقضه والإعادة دون حاجة إلى بحث باقى أوجه الطعن.