أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 27 - صـ 128

جلسة 26 من يناير سنة 1976

برياسة السيد المستشار/ جمال صادق المرصفاوى رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ حسن على المغربى، ومحمد صلاح الدين الرشيدى، وقصدى اسكندر عزت، وفاروق محمود سيف النصر.

(25)
الطعن رقم 5175 لسنة 45 القضائية

(1) نقض "أسباب الطعن. إيداعها".
التقرير بالطعن بالنقض دون إيداع الأسباب. أثره. عدم قبوله شكلا.
(2) إثبات. "اعتراف". اعتراف. إكراه. محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل". موظفون عموميون. مأمورو الضبط القضائى.
تقدير صحة الاعتراف وقيمته فى الإثبات - موضوعى. ما دام سائغا.
سلطان الوظيفة فى حد ذاته لا يعد إكراها. ما دام لم يستطل بالأذى ماديا أو معنويا إلى المدلى بالاقوال. مجرد حضور ضابط الشرطة التحقيق. لا يعد اكراها.
(3) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع."سلطتها فى تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع فى التعويل على تحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة.
(4) إثبات. "خبرة". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الجزم بما لم يجزم به الخبير. حق لمحكمة الموضوع. ما دام سائغا.
(5) قتل عمد. قصد جنائى. إثبات. "بوجه عام".
قصد القتل. أمر خفى. إدراكه بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى. استخلاص هذا القصد. موضوعى.
(6) قتل عمد. قصد جنائى. سبق إصرار. إثبات. "بوجه عام".
سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجانى.
إستخلاصه موضوعى. ما دامت ظروف الدعوى وعناصرها. لا تتنافر مع هذا الاستخلاص.
1 - لما كان الطاعن وإن قرر بالطعن بالنقض فى الميعاد إلا أنه لم يودع أسبابا لطعنه مما يتعين معه القضاء بعدم قبوله شكلا بحكم المادة 34 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.
2 - من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه نتيجة إكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيمه على أسباب سائغة، إذ أن سلطان الوظيفة فى ذاته - كوظيفة رجل الشرطة - بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وإمكانيات لا يعد إكراها ما دام هذا السلطان لم يستطل فى الواقع بأذى ماديا كان أو معنويا إلى المدلى بالأقوال أو بالاعتراف إذ الخشية فى ذاتها مجردة لا تعد إكراها لا معنى ولا حكما إلا إذا ثبت أنها قد أثرت فعلا فى إرادة المدلى فحملته على أن يدلى بما أدلى فعلى المحكمة أن تعرض لما يثار من ذلك بالتمحيص ابتغاء الوقوف على وجه الحق فيه وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة.
3 - لا تثريب على المحكمة إن هى أخذت بتحريات رجال المباحث ضمن الأدلة التى استندت إليها. لما هو مقرر من أن للمحكمة أن تعول فى تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة.
4 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد انتهت فى استدلال سليم ومنطق سائغ إلى أن الإصابات التى أحدثها الطاعنون بالمجنى عليه كانت نتيجة اعتدائهم عليه بالضرب بالعصى فإن النعى على الحكم فى هذا الخصوص بالقصور يكون على غير أساس.
5 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر إنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية.
6 - سبق الإصرار هو حالة ذهنية تقوم بنفس الجانى تستفاد من الوقائع والظروف التى يستخلص منها توافره والبحث فى وجوده أو عدم وجوده من إطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر مع ذلك الاستنتاج.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من: 1- ...... و 2 - ...... ( الطاعنين الأول والثانى ). و 3 -...... و 4 - ( الطاعن الثالث ) بانهم فى يوم 4 مايو سنة 1970 بدائرة مركز الزقازيق محافظة الشرقية: أولا - المتهمين الثلاثة الأول - قتلوا ...... الشهير ...... عمدا مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك عصيا واستدرجوا المجنى عليه إلى المكان المبين بالتحقيقات وانهالوا عليه ضربا بالعصى قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. ثانيا - المتهم الرابع - اشترك مع المتهمين سالفى الذكر فى ارتكاب جريمة القتل سالفة البيان بطريقى الاتفاق والمساعدة بأن اتفق معهم على ارتكابها وساعدهم فى ذلك بالذهاب معهم إلى مكان الحادث لشد أزرهم فوقعت الجريمة بناء على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة. طلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام. وادعى كل من ...... و...... - والدى المجنى عليه - مدنيا قبل المتهمين بمبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات الزقازيق قضت غيابيا بالنسبة إلى المتهم الثالث وحضوريا بالنسبة إلى الباقين عملا بالمواد 40 و41/ 2 - 3 و230 و231 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل منهم بالأشغال الشاقة عشر سنوات وألزمتهم بأن يدفعوا للمدعيين بالحقوق المدنية مبلغ خمس مائة جنيه والمصروفات المدنية وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهما ...... و...... فى هذا الحكم بطريق النقض، كما طعن المحكوم عليه ...... فى الحكم ذاته ... إلخ.


المحكمة

من حيث أن الطاعن الثالث ...... وإن قرر بالطعن بالنقض فى ميعاد إلا أنه لم يودع أسبابا لطعنه مما يتعين معه القضاء بعدم قبوله شكلا عملا بحكم المادة 34، من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.
وحيث إن الطعن المقدم من كل من المحكوم عليهما الأول والثانى - ...... و...... - استوفى الشكل المقرر فى القانون. وحيث أن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه - إذ دانهما بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار - قد شابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال ذلك بأن الدفاع كان قد تمسك ببطلان اعتراف الطاعن الثالث لصدوره منه تحت تأثير إكراه وقع عليه من رجال الشرطة ظل متوافرا حتى إدلائه به أمام النيابة العامة لحضور الضابط معه أثناء مباشرتها التحقيق إلا أن الحكم عول أساسا على الاعتراف ورد على ذلك الدفاع ردا غير سائغ فضلا عن أن هذا الاعتراف لم يكن يعد إلا قولا لمتهم على متهمين آخرين لم يرد ما يؤيده سوى تحريات الشرطة التى لا تصلح دليلا بذاتها، كما أن الحكم وإن أشار إلى إصابات المجنى عليه جملة فإنه لم يبينها فى تفصيل، وقد قطع بأنها حدثت من الضرب بعصا فى حين أن تقرير الصفة التشريحية لم يقطع بذلك، وفوق ذلك فان نية القتل لم تكن متوافرة فى حق الطاعن ولا سبق الاصرار لأن الحادث إنما كان مشاجرة نشبت نتيجة لمشاجرة سابقة فتكون الواقعة فى حقيقتها مجرد ضرب أفضى إلى موت.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التى دان بها الطاعنين وأورد على ثبوتها فى حقهما أدلة سائغة مستمدة من اعتراف الطاعن الثالث وتحريات رجال الشرطة وما ثبت من تقرير الصفة التشريحية ومعاينة مكان الحادث، ولما كان من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية من عناصر الاستدلال التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات فلها تقدير عدم صحة ما يدعيه المتهم من أن اعترافه نتيجة إكراه بغير معقب عليها ما دامت تقيمه على أسباب سائغة، إذ أن سلطان الوظيفة فى ذاته - كوظيفة رجل الشرطة - بما يسبغه على صاحبه من اختصاصات وإمكانيات لا يعد إكراها ما دام هذا السلطان لم يستطل فى الواقع بأذى ماديا كان أو معنويا إلى المدلى بالأقوال أو بالاعتراف إذ الخشية فى ذاتها مجردة لا تعد إكراها لا معنى ولا حكما إلا إذا ثبت أنها قد أثرت فعلا فى إرادة المدلى فحملته على أن يدلى بما أدلى فعلى المحكمة أن تعرض لما يثار من ذلك بالتمحيص ابتغاء الوقوف على وجه الحق فيه وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغة وكانت المحكمة قد عرضت لما أثاره الدفاع حول اعتراف الطاعن الثالث وأطرحت ما أثير للأسباب السائغة التى أوردتها وأبانت أنها اقتنعت بصدق ذلك الاعتراف وأنه يمثل الحقيقة فإن ما يثيره الطاعنان فى هذا الشأن ينحل فى واقعه إلى جدل موضوعى فى تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض لما كان ذلك، وكان لا تثريب على المحكمة إن هى أخذت بتحريات رجال المباحث ضمن الأدلة التى استندت إليها لما هو مقرر من أن للمحكمة أن تعول فى تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشرطة باعتبارها معززة لما ساقته من أدلة كما هى الحال فى الحكم المطعون فيه، لما كان ذلك، وكان الحكم قد أورد من تقرير الصفة الشريحية بيانا لإصابات المجنى عليه ومواضعها وسببها وصلتها بالوفاة مما تنتفى به قالة القصور وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الخبير فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها، وكانت المحكمة قد انتهت فى استدلال سليم ومنطق سائغ إلى أن الإصابات التى أحدثها الطاعنون بالمجنى عليه كانت نتيجة اعتدائهم عليه بالضرب بالعصى فإن النعى على الحكم فى هذا الخصوص يكون على غير أساس، لما كان ما تقدم، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية، كما أن سبق الإصرار هو حالة ذهنية تقوم بنفس الجانى تستفاد من الوقائع والظروف التى يستخلص منها توافره والبحث فى وجوده أوعدم وجوده من إطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها وما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلا مع ذلك الاستنتاج، لما كان ذلك، وكان الحكم قد دلل تدليلا سائغا واضحا على توفر نية القتل وظرف سبق الإصرار، فإن النعى عليه يكون غير سديد، ومن ثم فإن الطعن يكون برمته مستوجبا للرفض.