أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 27 - صـ 145

جلسة أول فبراير سنة 1976

برياسة السيد المستشار محمود كامل عطيفه نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد عادل مرزوق، ويعيش محمد رشدى، وأحمد موسى، وأحمد طاهر خليل.

(29)
الطعن رقم 1596 لسنة 45 القضائية

(1) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما يوفره". محكمة الموضوع. "نظرها الدعوى والحكم فيها". إثبات. "بوجه عام".
عدم التزام المحكمة بتعقب الدفاع فى مناحى دفاعه الموضوعى والرد عليها.
( 2 ) إثبات. "قرائن". قصد جنائى. عود. إخفاء أشياء مسروقة. حكم. "ما لا يعيبه فى نطاق التدليل".
استدلال الحكم بسوابق المتهم كقرينة على علمه بالسرقة. لا يتعارض مع نفيه ظرف العود.
متى يعيب التناقض. الحكم؟
(3) وصف التهمة. إخفاء أشياء مسروقة. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تعديل وصف التهمة". دفاع. "الاخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
عدم تقيد محكمة الموضوع بالوصف المسبغ على الواقعة.
حقها فى ردها إلى الوصف القانونى السليم. حد ذلك. استبعاد المحكمة ظرف العود من وصف الواقعة. لا يستوجب لفت نظر الدفاع عن المتهم.
(4) محكمة الجنايات. "نظرها الدعوى والحكم فيها". اختصاص. "اختصاص محكمة الجنايات". إجراءات المحاكمة. التزام محكمة الجنايات بالفصل فى الجنحة. ما دامت لم تتبين أنها كذلك إلا بعد تحقيق.
(5) عقوبة. "تقدير العقوبة". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير العقوبة".
تقدير العقوبة فى الحدود المقررة قانونا. موضوعى.
1 - محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب الدفاع فى كل جزئية يبديها من مناحى دفاعه الموضوعى والرد على كل منها على استقلال. طالما أن فى قضائها بالإدانة استنادا إلى الأدلة التى ساقتها ما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التى ساقها المتهم لحملها على عدم الأخذ بها.
2 - إن استدلال الحكم بالسوابق الواردة بصحيفة الحالة الجنائية للطاعن على ماضيه فى الجريمة واتخاذها قرينة - مع الأدلة الأخرى - على توافر علمه بالسرقة سائغ ولا يتعارض مع نفيه ظرف العود لعدم توافر شروطه المنصوص عليها فى القانون، إذ التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة.
3 - الأصل أن محكمة الموضوع لا تتقيد بالوصف القانونى الذى تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذى ترى هى أنه الوصف القانونى السليم. ولما كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتى كانت مطروحة بالجلسة - وهى إخفاء الأشياء المتحصلة من جريمة السرقة - هى بذاتها الواقعة التى اتخذها الحكم المطعون فيه - بعد أن تحقق ركناها المادى والمعنوى - أساسا للوصف الجديد الذى دان الطاعن به دون أن تضيف إليها المحكمة شيئا جديدا بل نزلت بها - حين استبعدت ظروف العود - إلى وصف أخف من الوصف المبين بأمر الإحالة واعتبرت الواقعة جنحة إخفاء مسروقات مجردة من أى ظرف مشدد، ولم يتضمن هذا التعديل إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر جديدة تختلف عن الواقعة الأولى، فإن ذلك لا يخول الطاعن إثارة دعوى الإخلال بحق الدفاع لأن دفاعه فى الجريمة المرفوعة بها الدعوى يتناول بالضرورة الجريمة التى نزلت إليها المحكمة المؤسسة على الواقعة بذاتها.
4 - إذا لم تر محكمة الجنايات أن الواقعة - كما هى مبينة فى أمر الإحالة - جنحة إلا بعد التحقيق - فإنه يتعين عليها أن تحكم فيها، ولما كان الثابت من الأوراق أن الدعوى قدمت بوصفها جناية إخفاء أشياء متحصلة من جريمة سرقة بعود منطبقة على المواد 44/ 1 مكرر و49 و51 من قانون العقوبات، إلا أن المحكمة لم تتبين أن الواقعة المطروحة عليها جنحة لعدم توافر ظرف العود إلا بعد أن قامت بتحقيقها فإنها إذ تصدت للحكم فيها تكون قد التزمت صحيح القانون ولا محل للنعى عليها من هذه الناحية.
5 - من المقرر أن تقدير العقوبة فى الحدود المقررة قانونا مما يدخل فى سلطة محكمة الموضوع بغير أن تكون ملزمة ببيان الأسباب التى دعتها إلى توقيع العقوبات بالقدر الذى ارتأته.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من 1 - ... ... ... 2 - ... ... ... 3 - ... ... ... 4 - ... ... ... (الطاعن) بأنهم فى يوم 13 مارس سنة 1972 بدائرة قسم شبرا محافظة القاهرة ( المتهمون الثلاثة الأول ) سرقوا موقدى الغاز وملحقاتهما المبينتين رصفا وقيمة بالتحقيقات والمملوكتين لمدرسة رمسيس الإعدادية للبنين، وكان ذلك بواسطة التسور والكسر من الخارج حالة كون المتهم الأول عائدا وسبق الحكم عليه بثلاث عقوبات مقيدة للحرية لسرقات الأخيرة منها بالحبس سنة مع الشغل فى القضية رقم 329 سنة 1967 جنح إمبابة بتاريخ 16 يناير سنة 1970( المتهم الرابع ) (الطاعن ) أخفى الأشياء المسروقة سالفة الذكر مع علمه بسرقتها حالة كونه عائدا سبق الحكم عليه بعشر عقوبات مقيدة للحرية لسرقات وشروع فيها اثنتان منها بالحبس مع الشغل لمدة سنة فى القضيتين 5768 سنة 1951 أبو حماد و261 سنة 1955 بور سعيد وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقا لمواد الاتهام. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت غيابيا بالنسبة للمتهم الثالث وحضوريا للباقين عملا بالمادة 44/ 1 مكررا من قانون العقوبات بالنسبة للمتهم الرابع (الطاعن)، (أولا) بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات. (ثانيا) بمعاقبة المتهم الثانى بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات وتغريمه 500 ج وإلزامه برد ما لم يضبط من الأشياء المستولى عليها وبعزله من وظيفته. (ثالثا) بمعاقبة كل من المتهمين الثالث والرابع بالحبس مع الشغل لمدة سنتين. فطعن المحكوم عليه الرابع (الطاعن) فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إخفاء أشياء متحصلة من سرقة قد شابه خطأ فى الإسناد وقصور وتناقض فى التسبيب، كما انطوى على إخلال بحق الدفاع وخطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم استند فى إثبات ركن العلم إلى ما أسنده للمتهمين بالسرقة من قول بأنهم باعواالطاعن الأجهزة المسروقة لأنهم اعتادوا بيع ما يسرقونه له فى حين أن المتهم الأول الذى باعه هذا الأجهزة عدل عن ذلك ونفى عنه العلم بالسرقة، فضلا عن أن قولهم هذا كان وليد إكراه وقع عليهم. كما أغفل الحكم دفاع الطاعن بشراء الأجهزة المضبوطة بثمن مناسب لها. واستدل على علمه بالسرقة بما قرره ضابط المباحث من ضبط ثمانى أنابيب بوتاجاز لديه مع أن هذه الواقعة مكذوبة. وعول فى هذا الصدد على سوابق الطاعن الجنائية مناقضا بذلك إهداره لدلالتها على توافر ظرف العود فى حقه. هذا إلى أن المحكمة عدلت وصف الاتهام باستبعاد ظرف العود دون تنبيه الطاعن أو المدافع عنه إلى الوصف الجديد، وكان يتعين عليها القضاء بعدم اختصاصها بنظر الدعوى بالنسبة له ما دامت تبينت أن الواقعة المسندة إليه جنحة، فضلا عن خطئها إذ أنزلت به أقصى العقوبة فسوت فى العقاب بينه وبين المتهم الثالث الذى دانته بجناية السرقة، وكل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة إخفاء الأشياء المتحصلة من سرقة التى دان بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم أنه استند - فيما استند إليه - فى إثبات علم الطاعن بالسرقة إلى ما استخلصته المحكمة من قول المتهمين بالسرقة بأنهم باعوه الأجهزة المسروقة جريا على عادتهم ببيع ما يسرقونه له، ولم يأخذ بالأقوال التى عدل إليها المتهم الأول، وإذ كان الطاعن لا يجحد فى أسباب طعنه شراءه الأجهزة المضبوطة لديه من المتهم الأول ولا ينازع فى أن ما حصله الحكم من أقوال المتهمين بالسرقة له أصله فى الأوراق، وكان لمحكمة الموضوع الأخذ بأقوال المتهم ى حق نفسه وفى حق غيره وإن عدل عنها بعد ذلك ما دامت قد اطمأنت إليها، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الشأن من دعوى الخطأ فى الإسناد لا يعدو أن يكون مجادلة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأديا إلى مناقضة الصورة التى ارتسمت فى وجدان قاضى الموضوع بالدليل الصحيح وهو ما لا يقبل لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من مراجعة محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع بأن أقوال المتهمين بالسرقة كانت وليدة إكراه وقع عليهم ولم يتقدم بأى طلب فى هذا الصدد، فإنه لا يكون له من بعد أن ينعى على المحكمة قعودها عن الرد على دفاع لم يثر أمامها ولا يقبل منه التحدى بذلك الدفاع الموضوعى لأول مرة أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب الدفاع فى كل جزئية يبديها من مناحى دفاعه الموضوعى والرد على كل منها على استقلال. طالما أن فى قضائها بالإدانة استنادا إلى الأدلة التى ساقتها ما يفيد إطراحها جميع الاعتبارات التى ساقها المتهم لحملها على عدم الأخذ بها، فلا يعيب الحكم سكوته عن الرد صراحة على جزئية أثارها الدفاع فى شأن تناسب ثمن شراء الطاعن للأجهزة المضبوطة إذ أن فى قضائه بإدانة الطاعن للأدلة السائغة التى أوردها ما يفيد ضمنا أنه أطرح ذلك الدفاع ولم ير فيه ما يغير عقيدته التى خلص إليها، وفوق ذلك فإن الحكم قد أشار إلى أن الطاعن تردى فى دفاعه بشأن تحديد ثمن الشراء بما يفيد إطراحه لهذا الدفاع لظهور فساده. لما كان ذلك، وكان ما يتغياه الطاعن فيما أثاره - بشأن كذب واقعة ضبط ثمانى أنابيب بوتاجاز لديه - إنما هو التشكيك فى الدليل المستمد من أقوال ضابط المباحث التى اطمأنت إليها المحكمة وأخذت بها، فإن ما يثيره الطاعن لا يعدو أن يكون من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تلتزم المحكمة بالرد عليها ولا يقبل معاودة التصدى لها أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان استدلال الحكم بالسوابق الواردة بصحيفة الحالة الجنائية للطاعن على ماضيه فى الجريمة واتخاذها قرينة - مع الأدلة الأخرى - على توافر علمه بالسرقة سائغ ولا يتعارض مع نفيه ظرف العود لعدم توافر شروطه المنصوص عليها فى القانون، إذ التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة، فإن النعى على الحكم بدعوى التناقض فى التسبيب لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان الأصل أن محكمة الموضوع لا تتقيد بالوصف القانونى الذى تسبغه النيابة العامة على الفعل المسند إلى المتهم متى رأت أن ترد الواقعة بعد تمحيصها إلى الوصف الذى ترى هى أنه الوصف القانونى السليم. ولما كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة والتى كانت مطروحة بالجلسة - وهى إخفاء الأشياء المتحصلة من جريمة السرقة - هى بذاتها الواقعة التى اتخذها الحكم المطعون فيه - بعد أن تحقق ركناها المادى والمعنوى - أساسا للوصف الجديد الذى دان الطاعن به دون أن تضيف إليها المحكمة شيئا جديدا بل نزلت بها - حين استبعدت ظروف العود - إلى وصف أخف من الوصف المبين بأمر الإحالة واعتبرت الواقعة جنحة إخفاء مسروقات مجردة من أى ظرف مشدد، ولم يتضمن هذا التعديل إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر جديدة تختلف عن الواقعة الأولى، فإن ذلك لا يخول الطاعن إثارة دعوى الإخلال بحق الدفاع لأن دفاعه فى الجريمة المرفوعة بها الدعوى يتناول بالضرورة الجريمة التى نزلت إليها المحكمة المؤسسة على الواقعة بذاتها - ومع هذا - فإن الثابت بمحضر جلسة المحاكمة أنه لم يفت الدفاع عن الطاعن تناول الوصف الجديد بعد أن تمسك بعدم توافر ظرف العود لرد الاعتبار إليه بحكم القانون، مما تنتفى معه قالة الإخلال بحق الدفاع. أما القول بأنه كان يتعين على المحكمة وقد تبينت أن الواقعة جنحة أن تقضى بعدم اختصاصها بنظرها فإنه مردود بأن المادة 382 من قانون الإجراءات الجنائية صريحة فى أنه إذا لم تر محكمة الجنايات أن الواقعة - كما هى مبينة فى أمر الاحالة - جنحة إلا بعد التحقيق - فإنه يتعين عليها أن تحكم فيها، ولما كان الثابت من الأوراق أن الدعوى قدمت بوصفها جناية إخفاء أشياء متحصلة من جريمة سرقة بعود منطبقة على المواد 44/ 1 مكرر و49 و51 من قانون العقوبات إلا أن المحكمة لم تتبين أن الواقعة المطروحة عليها جنحة لعدم توافر ظرف العود إلا بعد أن قامت بتحقيقها فإنها إذ تصدت للحكم فيها تكون قد التزمت صحيح القانون ولا محل للنعى عليها من هذه الناحية. ولما كان من المقرر أن تقدير العقوبة فى الحدود المقررة قانونا مما يدخل فى سلطة محكمة الموضوع بغير أن تكون ملزمة ببيان الأسباب التى دعتها إلى توقيع العقوبة بالقدر الذى ارتأته فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد يكون فى غير محله. لما كان ما تقدم، فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.