أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة الثلاثون - صـ 994

جلسة 30 من ديسمبر سنة 1979

برياسة السيد المستشار: محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ أحمد فؤاد جنينة، ومحمد حلمى راغب، وجمال الدين منصور، ومحمد محمود عمر.

(214)
الطعن رقم 1283 لسنة 49 القضائية

(1) قتل عمد. قصد جنائى. إثبات. "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل. أمر خفى. استظهاره. موضوعى.
إصابة المجنى عليه فى غير مقتل. لا يترتب عليها قانوناً. عدم توفر نية القتل.
(2) سبق إصرار. ترصد. إثبات. "بوجه عام".
تقدير توافر ظرفى سبق الإصرار والترصد. موضوعى.
(3) قتل عمد. قصد جنائى. سبق أصرار. فاعل أصلى. مسئولية جنائية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
استظهار الحكم اتفاق المتهمين على القتل. من معيتهم فى الزمان المكان ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعا وجهة واحدة فى تنفيذها وأن كلا منهم قصد قصد الآخر فى إيقاعها. كفايته لمساءلة كل منهم كفاعل أصلى.
(4) قتل عمد. "اقتران". ظروف مشددة. نقض. "أسباب الطعن. ما يقبل منها". عقوبة.
استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها. وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بأن تكون الجنايتان قد ارتكبا فى وقت واحد أو فى فترة قصيرة من الزمن. يتحقق به حكم المادة 234/ 2 عقوبات.
تقدير توافر ظرف الاقتران. موضوعى.
(5) إثبات. "اعتراف". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته فى الإثبات من سلطة محكمة الموضوع. حقها فى الأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه.
(6) مسئولية جنائية. إثبات. "خبرة". "بوجه عام" أسباب الإباحة وموانع العقاب. "الجنون والعاهة العقلية" حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
سلطة المحكمة فى تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى. عدم التزامها بإعادة المهمة إلى ذات الخبير أو باعادة مناقشته. مثال لرد سائغ على الدفع بانعدام المسؤولية بسبب مرض نفسى.
(7) دعوى مدنية. "الصفة فيها". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم جواز المنازعة فى صفة المدعى المدنى لأول مرة أمام محكمة النقض.
(8) دعوى مدنية. تضامن. تعويض. قتل عمد.
التضامن فى التعويض بين الفاعلين الذين أسهموا فى إحداث الضرر. واجب بنص القانون. ما دام قد ثبت اتحاد الفكرة والإرادة لديهم وقت الحادث على إيقاع الضرر بالمجنى عليه.
1 - من المقرر أن قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والامارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه كما استخلاص هذه النية فى عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية. وأن إصابة المجنى عليه فى غير مقتل لا تنفى معه قانوناً توفر نية القتل.
2 - من المقرر أن البحث فى توافر ظرفى سبق الإصرار والترصد عن اطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، فإن ما أورده الحكم - يتحقق به ظرفا سبق الاصرار والترصد على النحو المعرف قانوناً ويكون النعى على الحكم فى هذا الشأن غير سديد.
3 - لما كان ما أثبته الحكم كافياً بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على القتل من معيتهم فى الزمان والمكان، ونوع الصلة بينهم، وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة فى تنفيذها وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر فى إيقاعها، مما يترتب بينهم فى صحيح القانون تضامناً فى المسئولية الجنائية ومن ثم فإن كلاً منهم يكون مسئولاً عن جريمة القتل العمد المقترنة بجناية الشروع فى القتل التى وقعت تنفيذاً لقصدهم المشترك الذى بيتوا النية عليه باعتبارهم فاعليين أصليين طبقاً لنص المادة 29 من قانون العقوبات.
4 - لما كان ما يثيره الطاعنون من نعى على الحكم فى خصوص عدم توافر ظرف الاقتران مردوداً بأنه يكفى لتغليظ العقاب عملاً بالفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما وأن تكون الجنايتين قد ارتكبا فى وقت واحد أو فى فترة قصيرة من الزمن، وتقدير ذلك ما يستقل به قاضى الموضوع، فمتى قدر الحكم قيام رابطة المصاحبة الزمنية هذه لا تجوز إثارة الجدل فى ذلك أمام محكمة النقض.
5 - من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية من العناصر التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات ولها دون غيرها البحث فى صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الاكراه، ومتى تحققت بأن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بما لا معقب عليها.
6 - متى كان ما أورده الحكم يستقيم به اطراح دفاع الطاعن ذلك بأنه انتهى فى قضاء سليم لا مخالفة فيه للقانون إلى أن المرض الذى يدعيه الطاعن على فرض ثبوته لا يؤثر على سلامة عقله وصحة ادراكه وتتوافر معه مسئوليته الجنائية عن الفعل الذى وقع منه. وكان من المقرر أن للمحكمة كامل السلطة فى تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة أمامها، وأنها الخبير الأعلى فى كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها، وهى فى ذلك ليست ملزمة باعادة المهمة إلى الخبير أو باعادة مناقشته ما دام استنادها إلى الرأى الذى انتهت إليه هو استناد سليم لا يجافى المنطق والقانون وهو الأمر الذى لم يخطىء الحكم المطعون فيه فى تقديره، وكانت المحكمة قد كونت عقيدتها مما اطمأنت إليه من أدلة وعناصر فى الدعوى سائغة ولها مأخذها الصحيح من الأوراق، وكان تقدير أدلة الدعوى من اطلاقاتها فإن ما يثيره الطاعنون ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير الأدلة لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
7 - لما كان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن أحداً من الطاعنين قد تنازع فى صفة المدعين بالحقوق المدنية أمام محكمة الموضوع، فإنه لا يقبل الحديث عن هذه الصفة لأول مرة أمام محكمة النقض لانطوائه على منازعة تستدعى تحقيقاً موضوعياً.
8 - من المقرر أن التضامن فى التعويض بين الفاعلين الذين أسهموا فى إحداث الضرر واجب بنص القانون ما دام قد ثبت اتحاد الفكرة والإرادة لديهم وقت الحادث على إيقاع الضرر بالمجنى عليهم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم قتلوا عمدا ...... مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لذلك أداة حادة (بلطة) وترصدوه فى الطريق الموصل إلى سوق البلدة والذى أيقنوا مروره فيه فى مثل هذا الوقت من النهار حتى إذا ما ظفروا به اعتدى عليه المتهم الأول بأن ضربه بالبلطة فى رأسه قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هى أنه فى نفس المكان والزمان سالفى الذكر شرعوا عمداً مع سبق الإصرار والترصد فى قتل كل من ...... و...... بأن بيتوا النية على قتلهما وعقدوا العزم المصمم على ذلك وأعدوا لذلك الأدوات سالفة الذكر وكمنوا لهما فى الطريق الذى أيقنوا مرورهما فيه وما أن ظفروا بهما حتى فاجؤوهما بالاعتداء عليهما على النحو المبين بالتحقيقات وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو فرار المجنى عليهما ومدراكتهما بالعلاج. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك. وادعى ورثة المجنى عليه مدنياً قبل المتهمين بمبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض. كما ادعى المجنى عليه مدنياً قبل المتهمين بمبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً عملاً بالمواد 45، 46 ، 230، 231، 232، 234 من قانون العقوبات بمعاقبة الطاعن الأول بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وبمعاقبة كل من الطاعنين الآخرين بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وبإلزام المتهمين متضامنين بأن يدفعوا إلى المدعيتين...... ،....... مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض وأن يدفعوا متضامنين إلى المدعى بالحق المدنى مبلغ مائتى جنيه على سبيل التعويض النهائى. فطعن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد المقترن بجنايتى شروع فى قتل مع سبق الاصرار والترصد. قد شابه قصور فى التسبيب وفساد فى الاستدلال وخطأ فى تطبيق القانون وإخلال بحق الدفاع وبطلان فى الاجراءات، ذلك بأنه لم يدلل على توافر نية القتل فى حق كل من الطاعنين - تدليلاً كافياً - مع أن إصابات المجنى عليهما ..... و..... مجرد جروح بسيطة ليست فى مقتل، كما أنه استدل على توافر ظرفى سبق الاصرار والترصد بما لا يسوغ به توافرهما، مما كان يقتضى استبعاد هذين الظرفين وبالتالى انتفاء المسئولية التضامنية للطاعنين ليكون كل منهم مسئولا عن فعله وحده بما يغير وجه الرأى فى الدعوى، كما أن الحكم آخذ الطاعنين بحكم الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات على الرغم من عدم توافر ظرف الاقتران فى الواقعة إذ أن الجرائم المسندة إلى الطاعنين يجمعها سلوك إجرامى وقصد جنائى واحد بما يخضعها لحكم الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات، هذا إلى أن الدفاع تمسك ببطلان اعتراف الطاعن الثالث لأنه جاء وليد إكراه ودفع بعدم مسئوليته عن الحادث لاصابته بمرض عقلى يعفيه من العقاب، وطلب مناقشة الطبيب الشرعى فيما انتهى إليه تقريره فى هذا الشأن، بيد أن المحكمة التفتت عن هذا الدفاع ولم تستجب لهذا الطلب - وأخيراً فقد قضت المحكمة فى الدعوى المدنية دون أن تتحقق من صفة المدعيين بالحقوق المدنية وألزمت الطاعنين متضامنين بتعويض الضرر بغير سند لهذا التضامن، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد المقترن بجناية شروع فى قتل مع سبق الإصرار والترصد التى دان الطاعنين بها، وأورد على ثبوتها فى حقهم أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والامارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه فإن استخلاص هذه النية فى عناصر الدعوى موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية. وكانت إصابة المجنى عليه فى غير مقتل لا تنفى معه قانوناً توفر نية القتل، ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل بقوله "وحيث إنه عن قصد القتل فهو متوافر فى حق المتهمين من استعمال آلات قاتلة "بلط" واستهدافهم مقاتل المجنى عليهم وتعدد الضربات بالنسبة للمجنى عليه........ كما ورد فى التحقيقات على لسان الشاهدين......... و....... أن المتهم الأول......... طلب من باقى المتهمين الإجهاز على باقى المجنى عليهم لأنه أجهز على المجنى عليه........." وإذ كان ما أورده الحكم على النحو المتقدم كافياً وسائغاً فى التدليل على ثبوت نية القتل لدى الطاعنين فإنه لا محل للنعى عليه فى هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لظرفى سبق الإصرار والترصد وكشف عن توافرهما فى قوله: "وحيث إنه عن ظرف سبق الإصرار فهو قائم فى حق المتهمين من أقوال شهود الإثبات الذين تطمئن المحكمة إلى اقوالهم - بقيامهم بإعداد وسيلة الجريمة وتجهيز البندقية التى أطلقت على المجنى عليه....... ولكنها كذبت ثم قيامهم بالاعتداء على المجنى عليهم بالبلط وعلمهم بتوجه المجنى عليهم للسوق ولذلك عقدوا العزم على الاعتداء على المجنى عليهم فى هدوء وروية لما فى صدورهم من حقد وضغينة بسبب اتهام المجنى عليه...... بقتل....... واستمرار المنازعات بينهم - وحيث إن ظرف الترصد فهو قائم فى حق المتهمين وذلك لتربصهم للمجنى عليهم أثناء ذهابهم إلى السوق فى الطريق الذى أيقنوا أنهم سيمرون منه لبيعهم البقرة وذلك وفقاً لما جاء بأقوال الشهود سالفى الذكر التى تطمئن إليها هذه المحكمة كل الاطمئنان والانتظار فترة من الزمن حتى قدم المجنى عليهم وما أن مر المجنى عليهم من ذلك المكان حتى قام المتهمون بالاعتداء عليهم". وكان من المقرر أن البحث فى توافر ظرفى سبق الإصرار والترصد عن اطلاقات قاضى الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلا مع ذلك الاستنتاج، فإن ما أورده الحكم - يتحقق به ظرفا سبق الاصرار والترصد على النحو المعرف قانوناً ويكون النعى على الحكم فى هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما انتهى الحكم - فيما تقدم - كافياً بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على القتل من معيتهم فى الزمان والمكان، ونوع الصلة بينهم، وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة فى تنفيذها وأن كلاً منهم قصد قصد الآخر فى إيقاعها، مما يترتب بينهم فى صحيح القانون تضامناً فى المسئولية الجنائية ومن ثم فإن كلاً منهم يكون مسئولاً عن جريمة القتل العمد المقترنة بجناية الشروع فى القتل التى وقعت تنفيذاً لقصدهم المشترك الذى بيتوا النية عليه باعتبارهم فاعلين أصليين طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنون من نعى على الحكم فى خصوص عدم توافر ظرف الاقتران مردوداً بأنه يكفى لتغليظ العقاب عملاً بالفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بأن تكون الجنايتان قد ارتكبا فى وقت واحد أو فى فترة قصيرة من الزمن، وتقدير ذلك مما يستقل به قاضى الموضوع، فمتى قدر الحكم قيام رابطة المصاحبة الزمنية هذه لا تجوز إثارة الجدل فى ذلك أمام محكمة النقض، وإذ كان الثابت من مدونات الحكم أنه تحدث عن توافر ظرف الاقتران فى قوله: "وحيث إنه عن ظرف الاقتران فإن الثابت من الأوراق ومن أقوال الشهود سالفى الذكر وفق ما سلف البيان أن المتهمين قد قتلوا المجنى عليه....... مع سبق الإصرار والترصد وأعدوا لذلك آلات حادة "بلط" واعتدى عليه المتهم الأول......... بأن ضربة بالبلطة على رأسه قاصداً من ذلك قتله وأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته وقد اقترنت الجناية بجناية أخرى هى أن المتهمين شرعوا فى قتل كل من المجنى عليهما السيد..... و.....، وأن هذه الجناية مستقلة عن الجناية السابقة وقد ارتكبتا فى فترة قصيرة من الزمن والرابطة الزمنية موجودة بين الجريمتين وأن الجريمتين فى مسرح واحد وارتكبت كل جريمة بفعل مستقل تكونت منها جناية قائمة بذاتها. وقد جمعتها رابطة زمنية بما يتحقق من الاقتران المنصوص عليه فى الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات". فإن ما ذهب إليه الحكم من ذلك صحيح فى القانون ويتحقق به معنى الاقتران المنصوص عليه فى الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات. فضلاً عن أنه لما كانت العقوبة الموقعة على الطاعنين - وهى الأشغال المؤقتة - تدخل فى الحدود المقررة لجناية القتل مجردة عن أى ظرف مشدد فلا مصلحة للطاعنين فيما أثاروه من تخلف ظرفى سبق الإصرار والترصد أو ظرف الاقتران. لما كان ذلك، كان من المقرر أن الاعتراف فى المسائل الجنائية من العناصر التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات ولها دون غيرها البحث فى صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الاكراه ومتى تحققت أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بما لا معقب عليها، وكان الحكم قد عرض لما دفع به المدافع عن الطاعنين من بطلان اعتراف الطاعن الثالث لأنه كان وليد إكراه ورد عليه بقوله "وحيث إن المحكمة لا ترى أن هناك إكراه قد وقع على المتهم الثالث للإدلاء بهذه الأقوال لأن المحكمة لا تطمئن إلى ما قرره هذا المتهم من أن اعترافاته لم يملها عليه أحد وكما قرر أن الإصابة التى حدثت به من دفوعه من على دابته وبذلك ترى المحكمة أنه لم يكن ثمة إكراه أو تعذيب وقع عليه للإدلاء باعترافاته والتى لم تأخذ منها المحكمة سوى تواجده هو المتهم الثانى ........ على مسرح الجريمة". وكانت المحكمة بما أوردته فيما سلف قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أن اعتراف الطاعن الثالث إنما كان من طواعية واختيار ولم يكن نتيجة أى إكراه، فإن النعى عليه بأنه وليد إكراه يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم قد انتهى إلى رفض الدفع بعدم مسئولية الطاعن الثالث فى قوله "وحيث إن المحكمة ترى أنه بالنسبة لمسئولية المتهم....... فإنه من المقرر أن الحالات النفسية ليست فى الأصل من موانع العقاب كالجنون والعاهة فى العقل اللذين يجعلان الجانى فاقد الشعور والاختيار فى عمله وقت ارتكاب الجريمة وفقاً لنص المادة 62 من قانون العقوبات وأن المرض العقلى الذى يوصف بأنه جنون أو عاهة فى العقل وتنعدم به المسئولية الجنائية قانوناً هو ذلك المرض الذى من شأنه أن يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأمراض والأحوال النفسية التى لا تفقد الشخص شعوره وإداركه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية، وتطمئن المحكمة كل الاطمئنان إلى ما ورد فى التقرير الطبى الذى توقع على المتهم....... بتاريخ 15/ 11/ 1976 وما جاء فى نتيجته من أن هذا المتهم لم يكن يعانى من المرض العقلى إبان الحادث الذى تم فى 8/ 9/ 1974 وأنه يعتبر مسئول فى القضية موضوع التحقيق ومن ثم تلتفت عما أثاره الدفاع فى هذا الشأن من طلب مناقشة الطبيب الشرعى فى مدى مسئولية المتهم كما تلتفت عما قدمه المتهم من كشوف طبية فى هذا الشأن وترى المحكمة أن المتهم وفق ما تقدم مسئول مسئولية كاملة عن فعله". ولما كان ما أورده الحكم فيما سلف يستقيم به اطراح دفاع الطاعن ذلك بأنه انتهى فى قضاء سليم لا مخالفة فيه للقانون إلى أن نوع المرض الذى يدعيه الطاعن - على فرض ثبوته - لا يؤثر على سلامة عقله وصحة ادراكه وتتوافر معه مسئوليته الجنائية عن الفعل الذى وقع منه. لما كان ذلك. وكان من المقرر أن للمحكمة كامل السلطة فى تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعى المطروحة أمامها، وأنها الخبير الأعلى فى كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها، وهى فى ذلك ليست ملزمة باعادة المهمة إلى ذات الخبير أو بإعادة مناقشته ما دام استنادها إلى الرأى الذى انتهت إليه هو استناد سليم لا يجافى المنطق والقانون وهو الأمر الذى لم يخطىء الحكم المطعون فيه فى تقديره، وكانت المحكمة قد كونت عقيدتها مما اطمأنت إليه من أدلة وعناصر فى الدعوى سائغة ولها مأخذها الصحيح من الأوراق، وكان تقدير أدلة الدعوى من اطلاقاتها فإن ما يثيره الطاعنون ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير الأدلة لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن أحدا من الطاعنين قد نازع فى صفة المدعين بالحقوق المدنية أمام محكمة الموضوع، فإنه لا يقبل الحديث عن هذه الصفة لأول مرة أمام محكمة النقض لانطوائه على منازعة تستدعى تحقيقا موضوعيا. لما كان ذلك، وكان ما قضى به الحكم من تضامن الطاعنين فى التعويض صحيحاً فى القانون ما دام أن مفاد ما أثبته الحكم أن المتهمين قد تطابقت إرادتهم على الاعتداء على المجنى عليهم، إذ من المقرر أن التضامن فى التعويض بين الفاعلين الذين أسهموا فى إحداث الضرر واجب بنص القانون ما دام قد ثبت اتحاد الفكرة والإرادة لديهم وقت الحادث على إيقاع الضرر بالمجنى عليهم - كما هو الشأن فى الدعوى المطروحة - لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.