أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 27 - صـ 201

جلسة 15 من فبراير سنة 1976

برياسة السيد المستشار محمود كامل عطيفة، نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى الاسيوطى، وعادل مرزوق، ويعيش رشدى، ومحمد وهبة.

(41)
الطعن رقم 1797 لسنة 45 القضائية

(1) استجواب. إجراءات "إجراءات التحقيق". تحقيق. "التحقيق بمعرفة النيابة".
جواز استجواب المتهم أو مواجهته بغير دعوة محاميه فى حالتى التلبس والسرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة. تقدير ذلك للمحقق تحت رقابة محكمة الموضوع.
(2) إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته فى الإثبات. موضوعى. ما دام سائغا.
(3) إثبات. شهادة حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
ورود الشهادة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها. غير لازم. كفاية أن تكون مؤدية إليها باستنتاج سائغ.
(4) إثبات "بوجه عام". خبرة "محكمة الموضوع". نظرها الدعوى والحكم فيها".
حق محكمة الموضوع فى الجزم بما لم يجزم به الخبير.
(5) محكمة الموضوع "سلطتها فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى"
حق محكمة الموضوع فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى" وطرح ما عداها. ما دام استخلاصها سائغا.
6 - نيابة عامة. محكمة النقض "سلطتها". إعدام.
عرض النيابة القضية المقضى فيها حضوريا بالإعدام على محكمة النقض. مقبول. سواء قدم فى الميعاد المقرر أو بعده. أساس ذلك؟
1 - إن المادة 124 - التى أحالت إليها المادة 111 - من قانون الإجراءات الجنائية إذ نصت على عدم استجواب المتهم أو مواجهته - فى الجنايات - إلا بعد دعوة محاميه للحضور إن وجد، قد استثنت من ذلك حالتى التلبس والسرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة، وإذ كان تقدير هذه السرعة متروكا للمحقق تحت رقابة محكمة الموضوع فما دامت هى قد أقرته عليه للأسباب السائغة التى أوردتها ودللت بها على توافر الخوف من ضياع الأدلة فلا يجوز للطاعن - من بعد - مصادرتها فى عقيدتها أو مجادلتها فيما انتهت إليه.
2 - إن الاعتراف فى المسائل الجنائية هو من العناصر التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات، فلها - دون غيرها - البحث فى صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، وطالما أن المحكمة قد تحققت من أن اعتراف الطاعن سليم مما يشوبه واطمأنت إلى مطابقته للحقيقة والواقع، فلها أن تأخذ به بما لا معقب عليها وإن كان قد عدل عنه بعد ذلك.
3 - الأصل أنه لا يشترط فى شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفى أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدى إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذى رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها.
4 - لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لا يجزم به الطبيب الشرعى فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى حسبما كشف عنها قد أيدت عندها وأكدته لديها.
5 - من حق محكمة الموضوع أن تستخلص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق.
6 - إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت هذه القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها فى الحكم، عملا بنص المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، بعد ميعاد الأربعين يوما المبين بالمادة 34 من ذلك القانون وطلبت إقرار الحكم، إلا أن تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة، بل أن محكمة النقض تتصل بالدعوى - ما دام الحكم صادرا فيها حضوريا بعقوبة الإعدام - بمجرد عرضها عليها وتفصل فيها لتستبين - من تلقاء نفسها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من أخطاء أو عيوب، يستوى فى ذلك أن يكون عرض النيابة فى الميعاد المحدد أو بعد فواته، ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة العامة لهذه القضية.


الوقائع

إتهمت النيابة الطاعن بأنه فى يوم 18 مارس سنة 1974 بدائرة مركز قوص محافظة قنا قتل ...... بأن طعنها بسكين فى وجهها ورقبتها عدة طعنات قاصدا قتلها فأحدث بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياتها. وقد اقترنت هذه الجناية بجنايتين أخريين هما أنه فى الزمان والمكان سالفى الذكر (أولا) شرع فى وقاع المجنى عليها سالفة الذكر بغير رضاها بأن أمسكها من خصرها وطرحها أرضا وجثم فوقها بقصد وقاعها وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مقاومة المجنى عليها له الأمر المنطبق على نصوص المواد 45 و46 و267/ 1 من قانون العقوبات. (ثانيا) وضع النار عمدا فى مسكن المجنى عليها المذكورة بأن جذب خرطوم اسطوانة الغاز الموجودة به وأشعله بعود ثقاب الأمر المنطبق على نصوص المادة 252 من قانون العقوبات. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادة 234/ 1 - 2 من قانون العقوبات. فقرر ذلك. وادعى ... (زوج المجنى عليها) بصفته الشخصية وبصفته وليا شرعيا على ولديه القاصرين مدنيا قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات قنا قررت إحالة أوراق الدعوى إلى فضيلة مفتى الجمهورية لإبداء رأيه فيها وحددت جلسة للنطق بالحكم. وبجلسة ... قضت المحكمة المذكورة حضوريا عملا بمادة الاتهام وبإجماع الآراء بمعاقبة المتهم بالإعدام شنقا وبإلزامه بأن يؤدى للمدعى بالحق المدنى عن نفسه وبصفته مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمةة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة قتل عمد اقترنت بها جنايتان أخريان هما الشروع فى وقاع أنثى بغير رضاها ووضع النار عمدا فى محل مسكون قد أقيم على إحراءات باطلة وانطوى على مخالفة للقانون وشابه إخلال بحق الدفاع وفساد فى الاستدلال وقصور وتناقض فى التسبيب، ذلك بأنه على الرغم من حضور محام مع الطاعن منذ بدء التحقيق واستمراره لفترة طويلة فقد قام المحقق باستجوابه فور تقدم ضابط المباحث إليه بمحضر نسب للطاعن اعترافه فيه دون دعوة محاميه للحضور - بالمخالفة لنص الفقرة الأولى من المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية - الأمر الذى ترتب عليه بطلان هذا الاستجواب. ومع تمسك المدافع عنه بهذا الدفع فقد كان الاعتراف المستمد من الاستجواب الباطل هو الركيزة التى قام عليها أساسا قضاء الحكم بالإدانة. هذا إلى أن الطاعن قد عدل بعد ذلك عن هذا الاعتراف ودفع أيضا بأنه كان وليد إكراه وقع عليه من الضابط، ومع ذلك فلم يعن الحكم بتحقيق هذا الدفاع ورد على الدفعين بما لا يصلح ردا. هذا إلى أن باقى الأدلة التى تساند إليها الحكم فى قضائه - فضلا عن أنها قائمة على الاستنتاج - لا تفيد ثبوت الواقعة. كما أن تقارير التحليل، قد بنيت على الاحتمال ولا يبين منها أن الدماء التى بالإحراز - المنسوب للطاعن أنه لوثها - هى من فصيله دمائه أو أن آثار دماء المجنى عليها قد علقت به، وهو ما ينفى المقاومة والتماسك اللذين سجلهما الحكم. كل ذلك بالإضافة إلى أن الحكم لم يعن بتقصى تصوير الطاعن للواقعة بأن من قارفها شخص غيره، ولا بإيراد الأدلة استقلالا على نية قتل المجنى عليها، كما لم يدلل على توافر أركان جريمتى الشروع فى وقاعها ووضع النار عمدا فى مسكنها. بل أنه جاء بتصويرين متناقضين لهذه الجريمة الأخيرة إذ بعد أن خلص إلى أن النار اقتصرت على جثة المجنى عليها فقط عاد فقال إن الطاعن استهدف إحراق مسكنها بمحتوياته.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن المجنى عليها كانت تعمل إخصائية للخدمات بمصنع السكر بمدينة قوص وتقيم بالمدينة السكنية المخصصة لإقامة العاملين به وعائلاتهم فى شقة بالطابق الثالث مع زوجها وكيل إدارة الإنتاج بالمصنع وطفليها وكان الطاعن يعمل تحت رئاستها ثم نقل إلى عمل آخر بنفس المصنع وقد اعتاد التردد على مسكن الزوجين ليعد لهما - أسوة بغيرهما من العاملين بالمصنع - نوعا من الخبز تخصص فى صناعته، فضلا عن قيامه أحيانا بتنظيف المسكن مما أتاح له العلم بمناحيه علاوة على علمه بميعاد ذهاب كل من الزوجين إلى عمله، ولكن تردده كان باذن مسبق من الزوج وفى عطلة الجمعة دون غيرها، وإذ حدثته نفسه بالاعتداء على عرض المجنى عليها فى دارها فقد استأذن رئيسه - فى اليوم السابق على الحادث - فى التغيب عن عمله يوم وقوعه، وفيه غادر منزله فى الصباح مفهما زوجته أنه فى طريقه إلى عمله كالمعتاد وتوجه إلى المدينة السكنية متخذا مجلسا له على مقربة من مسكن المجنى عليها يرقب تحركات زوجها وطفليها. وما أن تحقق من خروج الزوج إلى عمله والطفلين إلى مدرستهما وأن المجنى عليها صارت وحيدة فى الشقة تتأهب بدورها للتوجه إلى عملها كعادتها فى الثامنة صباحا، حتى صعد نحو الساعة السابعة والنصف إلى شقتها زاعما إليها أنه قد حضر لاسترداد الأوعية التى كان قد صنع فيها الخبز فسمحت له بإحضارها من المطبخ وأغلقت الباب وتقدمته إلى هناك وهى ما زالت ترتدى ملابس النوم، وعندئذ أحاط خصرها بذراعيه واحتضنها بقوة فقاومته بأن أخذت تدفعه بيديها ولكنه طرحها أرضا وجثم فوقها يريد مواقعتها بغير رضاها وهى مستميتة فى مقاومته فحدثت بكليهما إصابات خدشية ظفرية نتيجة المقاومة والتماسك، وكانت إبان ذلك قد أطلقت صرخة استغاثة فكم فاها وضغط على رقبتها فغابت عن وعيها. وإذ سمع طرقا على باب المسكن وامتنع عليه قضاء وطره منها وخشى افتضاح أمره وفصله من عمله فقد عقد النية فى التو واللحظة على قتلها والتقط لهذا الغرض سكينا - ألفاها على منضدة بالمطبخ - وانهال بها طعنا على وجهها ورقبتها بقصد إزهاق روحها ولم يتركها إلا جثة هامدة، وأصيب هو أثناء ذلك بجرحين داميين فى يده اليمنى من السكين. ثم عمد إلى اسطوانة الغاز فأخفى السكين خلفها وانتزع خرطومها من الموقد وأشعل فيه عودا من الثقاب وسدد اللهب إلى الجزء الأسفل من جسد المجنى عليها ثم أغلق باب المطبخ الداخلى قاصدا من ذلك إحراق الجثة وإشعال النار فى المسكن بمحتوياته للايهام بأن المجنى عليها قد توفيت محترقة وحاول هو الخروج من باب الشقة ولكنه فوجئ بخادم الجارة القاطنة بالشقة العلوية وببائعة اللبن فأعاد غلقه بسرعة، وإذ كانت تلك الجارة اثر سماعها صرخة الاستغاثة - قد طرقت الباب الخارجى للمطبخ، فقد أيقن أنه أحيط به ولم يجد ملجأ للهرب فقصد إلى غرفة النوم ينقب دون جدوى فى محتوياتها عسى أن يجد مسدسا أو سلاحا يستخدمه فى الفرار فلوث من جرحى يده بعض هذه المحتويات ثم لم يجد بدا من الإمساك بافريز شرفة غرفة النوم وإسقاط نفسه على مكان منزرع بالحشائش ومنزرع عن الأعين فسقط فوق الأسلاك المعدة لنشر الملابس بالشقة السفلية وهوى منها على الأرض عاجزا عن الحركة لما لحق به من إصابات حيث تم ضبطه بواسطة بعض العاملين بالمصنع ونقله إلى المستشفى. وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذه الصورة أدلة مستمدة - على التوالى - من اعتراف الطاعن فى تحقيق النيابة ومن شهادة كل من رئيس وحدة مباحث المركز - الذى قدم محضر تحريات تضمن اعتراف الطاعن - وجارة المجنى عليها التى سمعت صرخة استغاثتها، وعاملين بالمصنع شاهدا الطاعن فى مكان سقوطه أسفل سكن المجنى عليها، وآخرين انتقلا إلى شقتها اثر الحادث، وعامل خامس شاهد الطاعن فى مجلسه على مقربة من سكن المجنى عليها قبيل الحادث، وزوج المجنى عليها، وكذا رئيس الطاعن فى العمل، ثم من أقوال الحدثين خادم الجارة سالفة الذكر وبائعة اللبن، ومما ثبت من المعاينة وضبط السكين المستعملة فى الحادث ملوثة بالدماء وتقرير الصفة التشريحية والتقرير الطبى الشرعى الخاص بإصابات الطاعن وتقارير المعامل الطبية بمصلحة الطب الشرعى - لما كان ذالك - وكان البين من المفردات المضمومة أن الطاعن سئل فى تحقيق النيابة عندما أمكن استجوابه بالمستشفى فى 19 من مارس سنة 1974 - اليوم التالى للحادث - عما إذا كان لديه محام للدفاع عنه فأجاب بالنفى، ثم أعيد سؤاله بالمستشفى فى 20 من مارس سنة 1974 ولم يحضر معه محام لأول مرة إلا عند النظر فى مد حبسه إحتياطيا فى 21 من مارس سنة 1974، ثم تم استجوابه فى اليوم التالى مباشرة بمسكن المجنى عليها وقد عرض الحكم لدفعى المدافع عنه ببطلان هذا الاستجواب وبأن الاعتراف المستمد منه كان وليد إكراه - هو ضربه على قدميه من ضابط المباحث - ورد عليهما بقوله "أ - أن الدفع ببطلان الاستجواب وما ترتب عليه من اعتراف للمتهم - الطاعن - لعدم دعوة محاميه للحضور قبل الاستجواب وفقا لنص المادة 124 من قانون الإجراءات الجنائية، هو دفع لا يصادف محله من القانون والواقع إذ الثابت أن المحقق قدم إليه فى يوم الجمعة 22/ 3/ 1974 - وهو يوم عطلة رسمية - محضر تحريات تضمن إعترافا للمتهم، وقد ردد الأخير هذا الاعتراف لمحقق عندما واجهه به واصطحبه لإجراء المعاينة بإرشاده، ومن ثم فقد كان الأمر يحتم المسارعة باستجواب هذا المتهم المعترف لتلقى إعترافه، وذلك خوفا من ضياع الأدلة خاصة ومع ما قد يسفر عنه هذا الاستجواب من وجوب اتخاذ إجراءات عاجلة يقتضيها صالح التحقيق، وهو ما يجوز للمحقق دون دعوة محاميه للحضور وفقا لصريح نص المادة 124/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية التى يستند إليها الدفاع. ب - أن القول بأن اعتراف المتهم جاء وليد تهديد وإكراه وأنه اعتراف غير مطابق للواقع، هو قول لا دليل عليه ومردود بأن الثابت من مناظرة قاضيه له لدى النظر فى امتداد حبسه بجلسة 27/ 3/ 1974 أنه لم يشاهد بقدميه أية إصابات ظاهرة، بل أن المتهم نفسه أقر بالجلسة أمام المحكمة بعدم حصول أية إصابات به بقدميه، كما أن وكيل النيابة المحقق تلقى اعترافه فى غير رقبة من رجال الشرطة كما هو ثابت بمحضر التحقيق مما تنتفى معه مظنة التهديد المقول به، الأمر الذى يكون معه هذا الاعتراف صادرا عن طواعية واختيار وتأخذ المحكمة صاحبه به لمطابقته للواقع". فإن هذا الذى أورده الحكم صحيح فى القانون وسائغ فى الرد على دفعى الطاعن، ذلك بأن المادة 124 - التى أحالت إليها المادة 199 - من قانون الإجراءات الجنائية إذ نصت على عدم جواز استجواب المتهم أو مواجهته - فى الجنايات - إلا بعد دعوة محاميه للحضور إن وجد، قد استثنت من ذلك حالتى التلبس والسرعة بسبب الخوف من ضياع الأدلة، وإذ كان تقدير هذه السرعة متروكا للمحقق تحت رقابة محكمة الموضوع فما دامت هى قد أقرته عليه للأسباب السائغة النى أوردتها - على النحو المتقدم - ودللت بها على توافر الخوف من ضياع الأدلة فلا يجوز للطاعن - من بعد - مصادرتها فى عقيدتها أو مجادلتها فيما انتهت إليه، هذا فضلا عن أنه لم يزعم أن اسم محاميه كان قد أعلن بالطريق الذى رسمته المادة 124 سالفة الذكر - سواء بتقرير فى قلم كتاب المحكمة أو إلى مأمور السجن - وهو مناط الاستفادة من حكمها. كما وإن الاعتراف فى المسائل الجنائية هو من العناصر التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات، فلها - دون غيرها - البحث فى صحة ما يدعيه المتهم من أن الإعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، وطالما أن المحكمة قد تحققت - للأسباب التى ساقتها فيما سلف والتى من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها - من أن إعتراف الطاعن سليم مما يشوبه واطمأنت إلى مطابقته للحقيقة والواقع، فلها أن تأخذ به بما لا معقب عليها وإن كان قد عدل عنه بعد ذلك. لما كان ذلك، وكان الأصل أنه لا يشترط فى شهادة الشهود أن تكون واردة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفى أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدى إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشهود بالقدر الذى رووه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، كما أنه لا يشترط أن تكون الأدلة - التى عزز بها الحكم اعتراف الطاعن - بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى، إذ الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حده دون باقى الأدلة، بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة فى اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه من صحة ذلك الاعتراف، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة فى سلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى والتحقيقات التى تمت فيها لا يخرج عن كونه جدلا موضوعيا فى سلطة محكمة الموضوع فى وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم إذ عرض إلى الاحتمال الوارد فى التعليق على تقارير التحليل قد انتهى إلى الجزم بأن التلوثات التى بالإحراز هى من فصيلة دماء الطاعن وذلك فى قوله "وأثبت الطبيب الشرعى تعليقا على تقرير المعامل أن معنى عبارة (لم يعثر على أجلوتينوجين) أنه إما أن فصيلة الدم الملوث للمضبوطات كانت ( )، أى من فصيلة دم المتهم - الطاعن - أو كانت من أى فصيلة أخرى ثم حدث تحليل بالاجلوتينوجين فلم يمكن العثور عليه عند الفحص. وهذا الاحتمال الأخير تستبعده المحكمة فى واقع هذه الدعوى من ظروفها وملابساتها وقد ثبت فى نفس الوقت أنه لم يعثر على (أجلوتينوجين) بعينات الدماء التى أشارت إليها المحكمة فيما تقدم على الوجه المفصل آنفا والمأخوذة من ملابس المتهم - بلاط ممشى الحديقة - الحشائش والطين وجزء من مشبك غسيل - قطعة من مفرش السرير - فوطة الوجه - قصاصات سجادة حجرة النوم - قطعة غطاء المرتبة - جزء ستارة فتحة المطبخ... إن عدم العثور على الاجلوتينوجين بتلك العينات الثمانى المشار إليها إنما هو لكونها من فصيلة ( ) فصيلة دم المتهم خاصة وأن بعض هذه العينات أخذ من ملابسه الملطخة بالدماء على أثر سقوطه من الطابق الثالث كما أن بعضها أخذ من مكان سقوطه وارتطامه بالأرض ومما ينتفى معه فى نفس الوقت الاحتمال الآخر الذى أورده الطبيب الشرعى فى هذا الخصوص تعليقا على تقرير المعامل الطبية على ما سلف بيانه". وكان لمحكمة الموضوع أن تجزم بما لم يجزم به الطبيب الشرعى فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى - حسبما كشفت عنها - قد أيدت عندها وأكدته لديها، وكانت المحكمة - علاوة على اعتراف الطاعن الذى أخذت به - قد استدلت كذلك بالدليل الفنى على المقاومة والتماسك اللذين أوردتهما فى حكمها، وذلك فى قولها "وقد جاء الواقع المادى الذى كشف عنه التقرير الطبى الشرعى مصداقا لذلك كله إذ أثبت وجود سحجات خدشية ظفرية عديدة بكل من المتهم - الطاعن - وضحيته على ما أوضحته المحكمة تفصيلا لابد وأن تكون قد حدثت بكليهما نتيجة لتلك المقاومة وهذا التماسك".
فإن منعى الطاعن فى هذا الشأن ينحل إلى جدل فى تقدير هذا الدليل مما يستقل به محكمة الموضوع بغير معقب عليها من محكمة النقض. لما كان ذلك وكان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق، وكانت المحكمة قد استخلصت من وقائع الدعوى وأدلة الثبوت فيها أن الطاعن اقترف الجريمة التى دين بها وأقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة سائغة لها أصلها الثابت بأوراق الدعوى، فإن النعى على الحكم إغفاله تصوير الطاعن من أن آخر غيره هو مرتكب الحادث يكون من قبيل الجدل الموضوعى فى مسائل واقعية مما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر نية القتل فى قوله "وحيث إن نية القتل ثابتة قبل المتهم - الطاعن - ثبوتا أكيدا من ظروف الدعوى وملابساتها ومن اعترافه الصريح بأنه قصد إلى إزهاق روح المجنى عليها خوفا من افتضاح أمره وفصله من عمله لو ثابت إلى رشدها، ومن استعماله فى جريمته سلاحا حادا قاتلا (سكينا) انهال بها طعنا على المجنى عليها فى وجهها (ذقنها) وعنقها، وهى لا شك من المقاتل، وقد سدد لها العديد من الطعنات على الوجه الذى أوضحه تقرير الصفة التشريحية بغية الاجهاز عليها ولم يتركها إلا بعد أن فاضت روحها وتحقق من وفاتها، الأمر الذى يقطع بتوافر نية القتل فى حقه" وكان قصد القتل أمرا خفيا لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والامارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه، ومن ثم فإن استخلاص نية القتل من عناصر الدعوى موكول إلى محكمة الموضوع فى حدود سلطتها التقديرية ما دام تدليلها على توافرها كافيا، ولما كان الحكم قد دلل - فيما سلف بيانه - على قيام هذه النية تدليلا كافيا، فإن هذا حسبه ليبرأ من قالة القصور فى بيان تلك النية. لما كان ذلك، وكان الحكم قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التى أثبتها فى حق الطاعن وأقام على ذلك الأدلة السالف الإشارة إليها والمؤدية إلى ما رتبه الحكم عليها. وكان لا يوجد ثمة تعارض بين قول الحكم - فى موضع منه - أن النار اقتصرت على جثة المجنى عليها فقط وبين ما أورده - فى موضع آخر - من أن الطاعن كان يهدف من تسديد النار إلى الجثة احراقها مع المسكن بمحتوياته - للايهام بأن المجنى عليها قد توفيت محترقة - فإن تعييب الحكم بالتناقض فى التسبيب لا يكون له محل. هذا إلى انتفاء مصلحة الطاعن فيما ينعاه على الحكم بشأن جناية وضع النار عمدا فى مسكن المجنى عليها التى تلت جناية قتلها، إذ بحسب الحكم أنه دلل على توافر أركان جناية القتل العمد هذه وجناية الشروع فى وقاع المجنى عليها بغير رضاها التى تقدمتها كى يستقيم قضاؤه بالاعدام - لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا. وحيث إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت هذه القضية على محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها فى الحكم، عملا بنص المادة 46 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، بعد ميعاد الأربعين يوما المبين بالمادة 24 من ذلك القانون وطلبت إقرار الحكم، إلا أن تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة، بل أن محكمة النقض تتصل بالدعوى - ما دام الحكم صادرا فيها حضوريا بعقوبة الإعدام - بمجرد عرضها عليها وتفصل فيها لتستبين - من تلقاء نفسها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من أخطاء أو عيوب، يستوى فى ذلك أن يكون عرض النيابة فى الميعاد المحدد أو بعد فواته، ومن ثم يتعين قبول عرض النيابة العامة لهذه القضية.
وحيث أنه لما تقدم بيانه فى الطعن من المحكوم عليه، ولأن الأدلة التى ساقها الحكم فى حقه مردودة إلى أصلها فى الأوراق - حسبما يبين من المفردات - وإذ جاء الحكم خلوا من أى مخالفة للقانون أو خطأ فى تطبيقه أو فى تأويله ومبرأ من البطلان، وصدر من محكمة مشكلة وفقا للقانون ولها ولاية الفصل فى الدعوى، ولم يصدر بعده قانون أصلح يسرى على واقعة الدعوى، فإنه يتعين اقراره.