أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 27 - صـ 215

جلسة 15 من فبراير سنة 1976

برياسة السيد المستشار محمود كامل عطيفة نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى محمود الأسيوطى، وعادل مرزوق، وأحمد فؤاد جنينة، ومحمد وهبة.

(43)
الطعن رقم 1809 لسنة 45 القضائية

(1) مسئولية جنائية. مسئولية مدنية. خطأ. قتل خطأ. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الخطأ المستوجب للمسئولية".
تقدير الخطأ المستوجب للمسئولية الجنائية والمدنية. موضوعى.
(2) محكمة استئنافية. تحقيق. "التحقيق بمعرفة المحكمة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
محكمة ثانى درجة تحكم على مقتضى الأوراق. عدم التزامها بإجراء تحقيق إلا ما ترى لزوما له.
حق محكمة الموضوع فى الإعراض على أوجه الدفاع. متى وضحت الواقعة لديها أو كان وجه الدفاع المبدى. غير منتج. بشرط بيان العلة.
(3) حكم. "ما لا يعيبه فى نطاق التدليل". إثبات. "بوجه عام". متى لا يعيب الخطأ فى الإسناد. الحكم ؟
(4). محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". إثبات. "شهود".
وزن أقوال الشاهد وتقدير ظروف الادلاء بها. موضوعى.
حق المحكمة فى الأخذ بالشهادة السماعية.
1 - تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه مدنيا وجنائيا مما يتعلق بموضوع الدعوى.
2 - لما كان يبين من محاضر جلسات محكمة أول درجة أن المدافع عن الطاعن لم يطلب سماع شهادة المهندس الفنى، وكانت محكمة ثانى درجة إنما تحكم فى الأصل على مقتضى الأوراق وهى لا تجرى من التحقيقات إلا ما ترى هى لزوما لإجرائه ولا تلتزم إلا بسماع الشهود الذين كان يجب سماعهم أمام محكمة أول درجة فإذا لم تر من جانبها حاجة إلى سماعهم وكان المدافع عن الطاعن وإن أبدى طلب سماع الشاهد أمام المحكمة الاستئنافية فإنه يعتبر متنازلا عنه بسكوته عن التمسك به أمام محكمة أول درجة. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عرض لهذا الطلب وأطرحه لما ثبت لدى المحكمة من المعاينة من أن التلفيات قد حدثت بسيارة الطاعن بعد اصطدامها بالسيارة الأخرى وأن وقوفها بعد ذلك على يمين الطريق متصور مع طبائع الأمور، وكان من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة وهو ما أوضحته فى حكمها بما يستقيم به إطراح ذلك الدفاع، فإن منعى الطاعن على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع يكون غير سديد.
3 - إن الخطأ فى الإسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر فى عقيدة المحكمة.
4 - إن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع، ومن حق المحكمة أن تعتمد فى قضائها بالإدانة على أقوال شاهد سمع على سبيل الاستدلال بغير حلف يمين إذ مرجع الأمر كله إلى ما تطمئن إليه من عناصر الاستدلال وليس فى القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة وكانت تمثل الواقع فى الدعوى.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة كلا من (1) ...... (الطاعن) (2) ...... بأنهما فى يوم 4 يناير سنة 1973 بدائرة مركز كوم امبو محافظة أسوان: (أولا) تسببا خطأ فى موت ...... متأثرة بالإصابات المبينة بالتقرير الطبى وكان ذلك ناشئا عن إهمالهما وعدم احترازهما بأن قادا سيارتيهما دون أن يتخذا الحيطة الواجبة فاصطدمت سيارة كل منهما بسيارة الآخر وأصيبت المجنى عليها من جراء ذلك بالإصابات التى أودت بحياتها (ثانيا) تسببا خطأ فى إصابة كل من ...... و...... بالإصابات المبينة بالتقرير الطبى وكان ذلك ناشئا عن إهمالهما وعدم احترازهما بأن قادا سيارتيهما دون أن يتخذا الحيطة الواجبة فاصطدمت سيارة كل منهما بسيارة الآخر ونتج عن ذلك إصابة المجنى عليهم المذكورين بالإصابات سالفة البيان (ثالثا) قادا سيارتهما بحالة تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر وطلبت عقابهما بالمواد 244/ 1 و238 من قانون العقوبات والمواد 1 و2 و80 و81 و88 و90 من القانون رقم 449 لسنة 1955 وقرار الداخلية. ومحكمة كوم امبو الجزئية قضت حضوريا للأول وغيابيا للثانى عملا بمواد الاتهام بحبس كل منهما سنتين مع الشغل وكفالة عشرين جنيها لإيقاف التنفيذ. فاستأنف المحكوم عليه الأول (الطاعن) هذا الحكم. ومحكمة أسوان الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن الاستاذ ...... المحامى بصفته وكيلا عن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمةة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتى القتل والاصابة الخطأ قد شابه قصور فى التسبيب وإخلال بحق الدفاع وانطوى على خطأ فى الإسناد وفساد فى الاستدلال، ذلك بأن المدافع عن الطاعن أثار فى مرافعته أن ما أسفرت عنه المعاينة من وجود سيارة الطاعن واقفة بأقصى يمين الطريق دون أثار فرامل لها وما أثبته تقرير المهندس الفنى من وجود عطب بها يدلان على أن الحادث وقع بخطأ المتهم الآخر وحده الذى كان يقود سيارته بسرعة كبيرة وانحرف يسارا لمفاداة سيارة أمامه فاصطدم بسيارة الطاعن التى كانت على تلك الحالة فى الاتجاه المضاد له وطلب من المحكمة الاستئنافية مناقشة المهندس الفنى لبيان أن العطب الذى وجده بسيارة الطاعن كان يحول دون تحركها من مكانها إلا أن المحكمة اغفلت هذا الدفاع ولم تستجب إلى طلبه وبسبب الرد عليه أسندت إلى الطاعن القول بأنه بسيارة المتهم الآخر حال محاولته مفاداة سيارة أمامه والمرور منها على خلاف الثابت بالأوراق، واعتمدت فى ادانته على أقوال المجنى عليهم الأجانب التى نقلت عنهم بواسطة مترجم دون حلف اليمين. وعول على تقديرهم لسرعة سيارة الطاعن مع أنهم - وهم ركاب سيارة المتهم الآخر - كان يتعذر عليهم تحديد سرعة سيارته القادمه فى الاتجاه المضاد، وكل ذلك يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتى القتل والإصابة الخطأ اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما فى حقه أدلة من شأنها أ ن تؤدى إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه استظهر ركن الخطأ فى حق الطاعن بما دلل عليه من أقوال الشهود، ومن المعاينة من أنه كان يسير بسيارته بسرعة فى ظروف كان يحتم عليه فيها الإقلال من سرعته ومن أنه حاول المرور من السيارة التى كانت أمامه دون أن تكون حالة الطريق تسمح بذلك. ولما كان
تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه مدنيا وجنائيا مما يتعلق بموضوع الدعوى، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق. وإذ ما كان الحكم قد خلص فى منطق سائغ وتدليل مقبول إلى ما يوفر قيام ركن الخطأ فى جانب الطاعن، فإن ما يثيره فى هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان يبين من محاضر جلسات محكمة أول درجة أن المدافع عن الطاعن لم يطلب سماع شهادة المهندس الفنى، وكانت محكمة ثانى درجة إنما تحكم فى الأصل على مقتضى الأوراق وهى لا تجرى من التحقيقات إلا ما ترى هى لزوما لإجرائه ولا تلتزم إلا بسماع الشهود الذين كان يجب سماعهم أمام محكمة أول درجة، فإذا لم تر من جانبها حاجة إلى سماعهم وكان المدافع عن الطاعن وإن أبدى طلب سماع الشاهد أمام المحكمة الاستئنافية فإنه يعتبر متنازلا عنه بسكوته عن التمسك به أمام محكمة أول درجة. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عرض لهذا الطلب وأطرحه لما ثبت لدى المحكمة من المعاينة من أن التلفيات قد حدثت بسيارة الطاعن بعد اصطدامها بالسيارة الأخرى وأن وقوفها بعد ذلك على يمين الطريق متصور مع طبائع الأمور، وكان من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج فى الدعوى - كما هو الشأن فى الدعوى الماثلة - فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة وهو ما أوضحته فى حكمها بما يستقيم به إطراح ذلك الدفاع، فإن منعى الطاعن على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الوضح من مساق الحكم أن المحكمة قد استخلصت الواقعة - حسبما اقتنعت بها - من أقوال الشهود ومن المعاينة ولم يكن لأقوال الطاعن أثر فى اقتناعها وعقيدتها - فإن خطأ الحكم فيما نقله من أقوال الطاعن بصدد الرد على دفاعه الموضوعى - بفرض حصوله - لا يؤثر على سلامة استدلاله، لما هو مقرر من أن الخطأ فى الإسناد لا يعيب الحكم ما لم يتناول من الأدلة يؤثر فى عقيدة المحكمة. لما كان ذلك، وكان وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التى يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء عليها مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع، وكان المقرر أن من حق المحكمة أن تعتمد فى قضائها بالادانة على أقوال شاهد سمع على سبيل الاستدلال بغير حلف يمين، إذ مرجع الأمر كله إلى ما تطمئن إليه من عناصر الاستدلال، وليس فى القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة وكانت تمثل الواقع فى الدعوى، فإن ما يثيره فى باقى أوجه الطعن ينحل إلى جدل موضوعى فى شأن تقدير الأدلة مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه ولا مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.