أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 27 - صـ 225

جلسة 16 من فبراير سنة 1976

برياسة السيد المستشار حسن على المغربى، وعضوية السادة المستشارين/ محمد صلاح الدين الرشيدى، وفاروق محمود سيف النصر، ومحمد صفوت القاضى، والسيد إبراهيم عيد.

(45)
الطعن رقم 1814 لسنة 45 القضائية

(1) محال عامة. محكمة الموضوع. "سلطتها فى استخلاص الصورة الصحيحة" حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(1) العبرة بكون المحل عاما. بحقيقة الواقع.
(2 و3 و4) إثبات. "شهود". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". محكمة. "سلطتها فى تقدير الدليل".
(2) لمحكمة الموضوع استخلاص الصورة الصحيحة لوقائع الدعوى من سائر العناصر المطروحة على بساط البحث.
(3) تقدير أقوال الشهود موضوعى.
(4) أخذ المحكمة بأقوال شاهد. مفاده إطراح. جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لعدم كفاية الأخذ بها.
(5) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
الطلب الجازم. ماهيته.
مجرد تساؤل الدفاع لا يعد طلبا جازما.
(6) محال عامة - تلبس - رجال السلطة العامة.
حق رجال السلطة العامة فى دخول المحال العامة - نطاقه ؟ مراقبة تنفيذ القوانين واللوائح دون التعرض لحرية الأشخاص أو استكشاف الأشياء المغلقة - إلا فى حالة التلبس.
(7) إثبات. "اعتراف" حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
خطأ المحكمة فى تسمية الإقرار إعترافا لا ينال من سلامة حكمها طالما لم يترتب عليه وحده الأثر القانونى للاعتراف.
(8) إثبات. "بوجه عام". - شهادة - محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع فى الأخذ بأقوال شاهد بالنسبة لمتهم دون آخر. أساس ذلك ؟
1 - من المقرر أن العبرة فى المحال العامة ليست بالأسماء التى تعطى لها ولكن بحقيقة الواقع من أمرها.
2 - الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصرالمطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصل فى الأوراق.
3 - إن وزن أقوال الشهود وتقديره مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه بغير معقب.
4 - متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها - وإذ كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم لحقيقة المكان الذى ضبط به الطاعن، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة فى هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها فى شأنه أمام محكمة النقض.
5 - إن الطلب الذى تلتزم محكمة الموضوع باجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذى يقرع سمع المحكمة ويصر عليه مقدمه - وعلى ذلك فتساؤل الدفاع عن الطاعن "عن معاينة النيابة لمكان الحادث" لا يعد طلبا بالمعنى السابق ذكره إذ هو لا يعدو أن يكون تعيبا لتحقيق النيابة بما يراه فيه من نقص دون أن يتمسك بطلب استكماله.
6 - الأصل أن لرجال السلطة العامة فى دوائر اختصاصهم دخول المحال العامة المفتوحة للجمهور لمراقبة القوانين واللوائح - وهو إجراء ادارى مقيد بالغرض سالف البيان ولا يجاوزه إلى التعرض إلى حرية الأشخاص أو إستكشاف الأشياء المغلقة غير الظاهرة ما لم يدرك الضابط بحسه وقبل التعرض لها كنة ما فيها مما يجعل أمر حيازتها أو إحرازها تبيح التفتيش، فيكون التفتيش فى هذه الحالة قائما على حالة التلبس لا على حق ارتياد المحال العامة والاشراف على تنفيذ القوانين واللوائح.
7 - إن خطأ المحكمة فى تسمية الإقرار إعترافا لا يقدح فى سلامة حكمها طالما أن ذلك الاقرار قد تضمن من الدلائل ما يعزز أدلة الدعوى الأخرى وما دامت المحكمة لم ترتب عليه وحده الأثر القانونى للاعتراف وهو الاكتفاء به والحكم على الطاعن بغير سماع شهود.
8 - من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود فى حق أحد المتهمين وتطرح ما لا تطمئن إليه منها فى حق متهم آخر دون أن يعد هذا تناقضا منها يعيب حكمها ما دام تقدير الدليل موكولا إليها وحدها ومما دام يصح فى العقل أن يكون الشاهد صادقا فى ناحية من أقواله وغير صادق فى ناحية أخرى.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين فى قضية الجناية رقم 60 سنة 1970 المقيدة بالجدول الكلى برقم 774 سنة 1970، بأنهم بدائرة قسم مصرالقديمة محافظة القاهرة: أحرزوا وحازوا جوهرا مخدرا (حشيشا) وكان ذلك بقصد التعاطى والاستعمال الشخصى دون أن يكون مرخصا لهم بذلك بموجب تذكرة طبية وفى غير الأحوال المصرح بها قانونا، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمواد 1 و2 و37 و42 من القانون رقم 182 سنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 سنة 1966 والبند 12 من الجدول رقم 1 فقرر ذلك، ومحكمة جنايات القاهرة قضت فى الدعوى حضوريا عملا بمواد الاتهام (أولا) بحبس المتهم (الطاعن) ستة شهور مع الشغل وبتغريمه خمسمائة جنيه وبمصادرة المخدر والأدوات المضبوطة (ثانيا) ببراءة كل من المتهمين الباقين مما أسند إليهم. فطعن الأستاذ ...... المحامى عن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة إحراز مخدر بقصد التعاطى قد شابه قصور فى التسبيب وإخلال بحق الدفاع، وانطوى على خطأ فى تطبيق القانون وتناقض وفساد فى الاستدلال، ذلك بأن الطاعن دفع ببطلان القبض والتفتش تأسيسا على أن مكان ضبطه هو جزء من حديقة مسورة مملوكة لوالده وليس مقهى عاما يجوز لرجل الضبط القضائى دخوله بغير إذن من النيابة العامة، وأنه طلب تحقيقا لذلك إجراء معاينة بيد أن الحكم التفت عن هذا الطلب ولم يعرض له إيرادا وردا وجاء رده على الدفع قاصرا ومخطئا فى القانون، كما أنه عول على أن اعترافا صدر من الطاعن لضابط الشرطة بتعاطيه المخدر مع أنه لم يعترف وما أسند إليه لا يعد فى صحيح القانون اعترافا وقد أصر الطاعن على الإنكار فى جميع مراحل التحقيق والمحاكمة واطرح أقوال شهود الاثبات فى شأن من قضى ببرائتهم من المتهمين فى حين أنه عول عليها فى إدانة الطاعن مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة إحراز جوهر مخدر بقصد التعاطى التى دان الطاعن بها وأورده على ثبوتها فى حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن العبرة فى المحال العامة ليست بالأسماء التى تعطى لها ولكن بحقيقة الواقع من أمرها، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أخذا بأقوال ضابط المباحث ورجلى الشرطة اللذين كانا يرافقانه أن المكان الذى ضبط به الطاعن هو مقهى عام يغشاه الجمهور بلا تفريق ولا تمييز بينهم، وكان الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها، وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقديره مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التى تراها وتقدره التقدير الذى تطمئن إليه بغير معقب، وإذا ما كان الأصل أنه متى أخذت المحكمة بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال شهود الإثبات وصحة تصويرهم لحقيقة المكان الذى ضبط به الطاعن، فإن ما يثيره الطاعن من منازعه فى هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعى فى تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها فى شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الطلب الذى تلتزم محكمة الموضوع باجابته أو الرد عليه هو الطلب الجازم الذى يقرع سمع المحكمة ويصر عليه مقدمه، وكان الثابت بمحضر جلسة المحاكمة هو أن الدفاع عن الطاعن قال أنه "يتساءل هل عاينت النيابة مكان الحادث "فإن ما ذكره الدفاع فى هذا الخصوص لا يعد طلبا بالمعنى السابق ذكره إذ هو لا يعدو أن يكون تعيبا لتحقيق النيابة بما يراه فيه من نقص دون أن يتمسك بطلب استكماله. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض للدفع ببطلان التفتيش ورد عليه بقوله: "أن المحكمة تلتفت عن الدفع ببطلان التفتيش لما ثبت من أقوال شهود الإثبات الذين اطمأنت المحكمة إلى أقوالهم من أنهم أثر دخولهم المقهى اشتموا رائحة احتراق الحشيش وشاهدوا جوزتين مشتعلتين يحملهما كا من المتهمين الثانى والثالث الأمر الذى تكون معه الجريمة فى حالة تلبس تبيح لرجل الضبطية القضائية التفتيش وترى المحكمة أن أقوال شهود الإثبات فى هذا الشأن قد أيدها وأكدها ما ثبت من تقرير التحليل من وجود آثار حشيش بالمعسل المحترق وحجرى الجوزة المضبوطتين وغسالتهما لا يؤثر فى ذلك ما ثبت من هذا التقرير من خلو المياه المضبوطة بكل من الجوزتين من آثار الحشيش. لما ثبت من أقوال الكيماوى الشرعى الذى ناقشته المحكمة بالجلسة من أن تدخين الحشيش بالجوزة لا يترك أثرا للحشيش بمياهها لأن مادة الحشيش لا تذوب فى الماء وترى المحكمة أنه لا تثريب على شهود الإثبات فى دخولهم المقهى إذ أنه محل عام معد لارتياد الكافة" وهذا الذى انتهى إليه الحكم كاف وسائغ وصحيح فى القانون ذلك بأن الأصل هو أن لرجال السلطة العامة فى دوائر إختصاصهم دخول المحال العامة المفتوحة للجمهور لمراقبة القوانين واللوائح وهوإجراء ادراى مقيد بالغرض سالف البيان ولا يجاوزه إلى التعرض إلى حرية الأشخاص أو إستكشاف الأشياء المغلقة غير الظاهرة ما لم يدرك الضابط بحسه وقبل التعرض لها كنة ما فيها مما يجعل أمر حيازتها أو إحرازها تبيح التفتيش، فيكون هذا التفتيش فى هذه الحالة قائما على حالة التلبس لا على حق ارتياد المحال العامة والاشراف على تنفيذ القوانين واللوائح، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أخذا بأقوال الشهود أنهم إثر دخولهم المقهى اشتم الضابط رائحة الحشيش تنبعث فى أرجائه وشاهد جوزتين مشتعلتين يحمل إحداها المتهم الثانى ويناولها للطاعن الذى ما أن وقع بصره على الضابط حتى قدم له قطعة من الحشيش كانت بيده فقام بتفتيشه فعثر بجيب قميصه العلوى على قطعة أخرى مما يشكل قيام حالة جريمة متلبس بها تبيح التفتيش والقبض، ومن ثم يكون ما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه وإن عول فى قضائه - ضمن ما عول - على ما أسماه "باعتراف المتهم للضابط بتعاطى الحشيش" إلا أنه لما كان الثابت - على ما يبين من الحكم - أن الطاعن قد أقر للضابط بتعاطى المخدر، فإن خطأ المحكمة فى تسمية هذا الإقرار إعترافا لا يقدح فى سلامة حكمها طالما أن ذلك الاقرار قد تضمن من الدلائل ما يعزز أدلة الدعوى الأخرى وما دامت المحكمة لم ترتب عليه وحده الأثر القانونى للاعتراف وهو الاكتفاء به والحكم على الطاعن بغير سماع شهود، ومن ثم يضحى منعاه فى هذا الشأن غير قويم. لما كان ذلك، وكان من حق محكمة الموضوع أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود فى حق أحد المتهمين وتطرح ما لا تطمئن إليه منها فى حق متهم آخر دون أن يعد هذا تناقضا منها يعيب حكمها ما دام تقدير الدليل موكولا إليها وحدها ومما دام يصح فى العقل أن يكون الشاهد صادقا فى ناحية من أقواله وغير صادق فى ناحية أخرى، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استخلص إدانة الطاعن إستخلاصا سائغا لا تناقض فيه، فإن ما يثيره فى هذا الخصوص يكون فى غير محله. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.