أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 27 - صـ 238

جلسة 22 من فبراير سنة 1976

برياسة السيد المستشار جمال صادق المرصفاوى رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى محمد الاسيوطى، وعادل محمد مرزوق، ويعيش رشدى، ومحمد وهبة.

(48)
الطعن رقم 1836 لسنة 45 القضائية

(4،3،2،1) إثبات. "شهادة. بوجه عام" اعتراف. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(1) إيراد المحكمة. روايات الشهود المتعددة. غير لازم. كفاية إيراد ما تطمئن إليه منها.
(2) تناقض أقوال الشهود وتضاربها. لا يعيب الحكم ما دام قد استخلص الحقيقة منها استخلاصا سائغا.
(3) عدم إلتزام محكمة الموضوع بالرد على كل دفاع موضوعى. كفاية أخذها بأدلة الإدانة ردا عليه.
(4) تقدير صحة الإعتراف وقيمته فى الإثبات. موضوعى. ما دام سائغا.
(5) دفوع. "الدفع بقيام حق الدفاع الشرعى". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير قيام حالة الدفاع الشرعى". أسباب الإباحة. "الدفاع الشرعى".
تقدير قيام حالة الدفاع الشرعى أو انتفائها. موضوعى ما دام سائغا. مثال.
1 - من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل من الشهود - ان تعددت - وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به، بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ولها فى سبيل ذلك أن تأخذ بأقوالهم فى أية مرحلة من مراحل التحقيق دون بيان العلة.
2 - إن تناقض كل من الشهود أو تضاربهم فى أقوالهم، أو تناقض رواياتهم فى بعض تفصيلاتها - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم أو يقدح فى سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصا سائغا لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات على نحو يركن به إليها فى تكوين عقيدته.
3 - إن المحكمة لا تلتزم بالرد على كل دفاع موضوعى للمتهم اكتفاء أخذها بأدلة الإدانة، فمتى كانت قد أخذت بشهادة الشهود فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الإعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
4 - إن الاعتراف فى المسائل الجنائية من العناصر التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها، فإن لها - دون غيرها - البحث فى صحة ما ادعاه الطاعن من أن الاعتراف المعزو إليه بمحضر جمع الاستدلالات قد انتزع منه بطريق الإكراه، وما دامت هى قد تحققت - للأسباب السائغة التى ضمنتها حكمها - من أن الإعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إلى مطابقته للحقيقة والواقع فلا معقب عليها فى أخذها به.
5 - لما كانت المحكمة قد نفت أن المتهم كان فى حالة دفاع شرعى بقولها "هذا وليس بالأوراق ما يدل على أن - الطاعن - كان فى حالة دفاع شرعى عن نفسه ضد اعتداء صادر ضده من المجنى عليه الأول بل أنه قرر فى أقواله أنه كان قد انتزع السكين الذى كان الأخير ينوى أن يعتدى عليه بها - إن صح هذا الزعم منه - وبذا فإنه يكون قد اعتدى على المجنى عليه المذكور انتقاما منه بعد أن كان قد زال خطر اعتداء الأخير عليه وبعد أن صار أعزل من السلاح لا يستطيع به اعتداء وهو ما ينفى قيام حق الدفاع الشرعى الذى لم يشرع للقصاص أو الانتقام" وإذ كان هذا الذى أوردته المحكمة يسوغ به نفى حالة الدفاع الشرعى، وكان تقدير الوقائع التى يستدل منها على قيام هذه الحالة أو انتفائها إنما هو من الأمور التى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها فلا معقب طالما كان استدلالها سائغا.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 2 يوليه سنة 1968 بدائرة مركز زفتى محافظة الدقهلية (أولا) ضرب ...... عمدا بسكين فى صدره وظهره فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته (ثانيا) أحدث عمدا بـ ...... الإصابات المبينة بالتقرير الطبى والتى تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على العشرين يوما. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمادتين 236/ 1 و232/ 1 من قانون العقوبات. فقرر ذلك. وادعت مدنيا قبل المتهم بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضوريا عملا بمادتى الاتهام والمادة 32/ 2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات عن التهمتين وإلزامه بأن يدفع للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن المحكوم عليه ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتى ضرب أفضى فى إحداهما إلى الموت قد شابه قصور فى التسبيب واخلال بحق الدفاع وخطأ فى الإسناد، ذلك بأنه عول - فيما عول عليه - على شهادة كل من زوجة المجنى عليه وابنتها برؤيتها الحادث دون أن يشير إلى أن يشير إلى بعض أقوال لهما فى تحقيق النيابة العامة جاءت مغايرة لأقوالهما فى محضر جمع الاستدلات حاصلها ما قررته أخراهما فى موضع من التحقيق من أنها حين خرجت من المنزل ألفت والدها مصابا وملقى على الأرض ولم تشاهده وقت إصابته وأن والدتها كانت لا تزال نائمة فى المنزل وما قررته أولاهما كذلك من أنها لم تخرج من المنزل قبل الاعتداء على زوجها، وذلك على الرغم من استشهاد الدفاع بتلك الأقوال للتدليل على أن أحدا لم يشاهد الحادث حال وقوعه. كما أورد الحكم فى تحصيله شهادة الزوجية - المجنى عليها الأخرى - أن الطاعن أصابها بجرح فى بنصر يدها اليسرى، فى حين أنها لم تقل ذلك وإنما ذكرت - بمحضر جمع الاستدلالات وفى تحقيق النيابة - على السواء - أنها حاولت الإمساك بالطاعن فأصابتها السكين فى يدها اليسرى مما يؤكد أن تلك الإصابة - من بين إصابتها - لم تكن عمدية على خلاف ما انتهى إليه الحكم. هذا إلى أنه أطرح دفع الطاعن بأن اعترافه بمحضر جمع الاستدلالات كان نتيجة ضربه وتعذيبه استنادا إلى أن هذا الدفع لم يتأيد بدليل، إذ عندما سئل فى تحقيق النيابة قرر أن الضرب والتعذيب لم يتركا به أثرا وعلل السحج الذى وجد بوجنته اليسرى بأنه من أثر زحام الأهالى الذين تجمعوا لاقتياده من منزله إلى نقطة الشرطة عقب الحادث، مع أن رئيس النقطة لم يذكر أنه وقت انتقاله لمنزل الطاعن واقتياده إلى النقطة كان برفقته أحد من الأهالى، كما ظهر من الكشف الطبى الموقع على الطاعن أن تلك الإصابة تحدث من جسم صلب راض، فضلا عن أن السؤال الموجه إليه فى التحقيق عن سبب وجود السحج به لم يفصح عن موضع هذا السحج ولا يستفاد من إجابته عليه أنها كانت منصبة على السحج المشاهد بوجنته اليسرى خلافا لما أورده الحكم. وأخيرا فقد نفى الحكم حالة الدفاع الشرعى بقالة أنه ليس فى الأوراق ما يدل على قيامها رغم أن الطاعن قال إنه كان متخوفا من المجنى عليه وزوجته وابنتهما اللتين حضرتا تحمل كل منها فأسا لضربه بها وقد جاءت أقوال والدة الطاعن مؤيدة لقيام تلك الحالة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مجمله أن مشاحنة نشبت بين المجنى عليه ووالدى الطاعن بسبب قيامهما بالاستيلاء على أتربة، تدخل الطاعن على أثرها للانتقام لوالديه وضرب المجنى عليه بسكين فأحدث به إصابتين إحداهما بيمين مقدم الصدر والأخرى بيمين خلفه ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الإصابة الأولى أفضت إلى موته، كما أحدث بزوجة الأخير - المجنى عليها الأخرى - سحجا قطعيا بنهاية بنصر اليد اليسرى وآخر رضيا بالركبة اليمنى أعجزها مدة لا تزيد على عشرين يوما. وأورد على ثبوت هذه الواقعة أدلة مستمدة من شهادة كل من زوجة المجنى عليه وابنتهما ورئيس النقطة وشاهدين آخرين ومن إعتراف الطاعن بمحضر جمع الاستدلالات ومن تقرير الصفة التشريحية والتقرير الطبى الموقع على الزوجة، وهى أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتب عليها، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن محكمة الموضوع غير ملزمة بسرد روايات كل من الشهود - أن تعددت - وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به، بل حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه ولها فى سبيل ذلك أن تأخذ بأقوالهم فى أية مرحلة من مراحل التحقيق دون بيان العلة. كما أن تناقض كل من الشهود أو تضاربهم فى أقوالهم، أو تناقض رواياتهم فى بعض تفصيلاتها - بفرض حصوله - لا يعيب حكمها أو يقدح فى سلامته ما دام قد استخلص الحقيقة من أقوالهم استخلاصا سائغا لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات على نحو يركن به إليها فى تكوين عقيدته، وكانت المحكمة لا تلتزم بالرد على كل دفاع موضوعى للمتهم اكتفاء بأخذها بأدلة الإدانة، فمتى كانت قد أخذت بشهادة الشهود فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الإعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن حول شهادتى زوج المجنى عليه وبنته اللتين عول عليهما الحكم غير سديد. لما كان ذلك، وكانت دعوى الخطأ فى الاسناد بشأن إصابة الزوجة المجنى عليها فى بنصر يدها اليسرى غير مقبولة لأن الحكم - فضلا عن أنه اعتبر جريمتى الضرب، المفضى إلى الموت والبسيط، اللتين دان الطاعن بهما - جريمة واحدة إعمالا للفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع عليه تبعا لذلك العقوبة المقررة للجريمة الأولى الأشد وحدها - فإنه قد أثبت فى حقه أنه أحدث بالمجنى عليها عمدا أيضا إصابة ركبتها اليمنى وهو ما يكفى وحده لتحقق إرتكابه جريمة الضرب البسيط، ومن ثم تنتفى مصلحته - على أية حال - وفى هذا المنعى. لما كان ذلك، وكان الاعتراف فى المسائل الجنائية من العناصر التى تملك محكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير صحتها وقيمتها فى الإثبات، فإن لها - دون غيرها - البحث فى صحة ما ادعاه الطاعن من أن الاعتراف المعزو إليه بمحضر جمع الاستدلالات قد انتزع منه بطريق الإكراه، وما دامت هى قد تحققت - للأسباب السائغة التى ضمنتها حكمها - من أن الإعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إلى مطابقته للحقيقة والواقع فلا معقب عليها فى أخذها به ومن ثم ينحل ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص إلى جدل موضوعى حول سلطتها فى تقدير أدلة الدعوى وهو ما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة النقض. أما ما يرمى به الحكم، بقالة أن السحج المشاهد بوجنته اليسرى لم يكن هو المعنى بالإصابة التى علل حدوثها بالزحام، فمردود بأنه لم يزعم أنه كان مصابا بغير هذا السحج. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد نفت أنه كان فى حالة دفاع شرعى بقولها "هذا وليس بالأوراق ما يدل على أنه - الطاعن - كان فى حالة دفاع شرعى عن نفسه ضد اعتداء صدر ضده من المجنى عليه الأول بل أنه قرر فى أقواله أنه كان قد انتزع السكين الذى كان الأخير ينوى أن يعتدى عليه بها - إن صح هذا الزعم منه - وبذا فإنه يكون قد اعتدى على المجنى عليه المذكور إنتقاما منه بعد أن كان قد زال خطر اعتداء الأخير عليه وبعد أن صار اعزل من السلاح لا يستطيع به اعتداء وهو ما ينفى قيام حالة الدفاع الشرعى الذى لم يشرع للقصاص أو الانتقام". وإذ كان هذا الذى أوردته المحكمة يسوغ به نفى حالة الدفاع الشرعى، وكان تقدير الوقائع التى يستدل منها على قيام هذه الحالة أو انتفائها إنما هو من الأمور التى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها فلا معقب طالما كان استدلالها سائغا، فإنه لا يقبل من الطاعن معاودة الجدل فى هذا الشأن أمام محكمة النقض، لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.