أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 27 - صـ 369

جلسة 29 من مارس سنة 1976

برياسة السيد المستشار حسن على المغربى وعضوية السادة المستشارين/ قصدى إسكندر عزت، وفاروق محمود سيف النصر، و إسماعيل محمود حفيظ، و محمد صفوت القاضى.

(79)
الطعن رقم 1495 لسنة 45 القضائية

(1) إثبات. "بوجه عام". "أوراق رسمية. أوراق عرفية". حكم. تسبيبه. تسبيب غير معيب".
كفاية تقدير المحكمة مطابقة الصورة العرفية. لمستند قدم لها. للصورة الرسمية. ما دام لذلك ما يسوغه.
(2) دعوى مدنية. "تركها". دعوى جنائية. "نظرها والحكم فيها". دفوع. "الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية".
ترك الدعوى المدنية. لا تأثير على الدعوى الجنائية. سواء كان تحريكها بمعرفة النيابة العامة. أو المدعى بالحق المدنى. المادة 260 إجراءات.
التنازل عن الشكوى. شموله الدعويين الجنائية والمدنية.
(3) دعوى جنائية. "سقوط الحق فى تحريكها". ميعاده. "سقوط الحق فى تحريك الدعوى الجنائية".
بدء سريان الميعاد المنصوص عليه فى المادة3/ 2 إجراءات. من يوم علم المجنى عليه يقينا بالجريمة ومرتكبها. لا عبرة بعلم وكيله فى هذا الصدد.
(4) محاماة. دعوى جنائية. "تحريكها". بطلان. وكالة.
عدم حصول المحامى على الإذن المنصوص عليه فى المادة 133 من قانون المحاماة رقم 61 لسنة 1968، مخالفة مهنية. لا تجرد العمل الإجرائى من أثاره. إشتراط توكيل خاص فى الادعاء المباشر. غير لازم.
(5) حراسة الطوارئ. أهلية. دعوى مدنية. دعوى جنائية. حجز.
خضوع الشخص لحراسة الطوارئ. لا ينتقص من أهليته. هو بمثابة حجز يغل يده فى إدارة أمواله والتصرف فيها.
حق الخاضع للحراسة. التقاضى بشخصه. إذا ما لحقه ضرر من جريمة وقعت على نفسه. أو مست شرفه واعتباره.
(6) سب. جريمة. "أركانها". إثبات. "بوجه عام". حكم. "تسبيب غير معيب".
تقديم مذكرة تحوى عبارات تخدش الشرف والاعتبار. فى دعوى يتحقق به جريمة السب العلنى أساس ذلك.
(7) مسئولية جنائية. أساس الإباحة وموانع العقاب. "استعمال حق مقرر قانونا". سب.
حكم المادة 30 عقوبات. تطبيق لمبدأ عام. هو حرية الدفاع. بالقدر الذى يستلزمه هذا الحق. تجاوز ذلك. تحقق المساءلة.
1 - لما كان الثابت أن المدعى بالحق المدنى تقدم بصورة رسمية من المذكرة موضوع التداعى - المقدمة فى الدعوى رقم .... مستعجل القاهرة صادرة من قلم الكتاب فى ..... مواقع ملف الدعوى، وكان ملف الدعوى قد فقد بسبب الحريق على ما يبين من إفادة قلم الكتاب المؤرخة ..... - مما يستحيل معه إمكان مضهاة هذه الصورة على الأصل - بيد أنه إذ كان الثابت من مطالعة محضر جلسة 8 من يناير سنة 1970 أمام محكمة أول درجة أن المدعى بالحق المدنى تقدم بصورة عرفية من المذكرة مثار الاتهام فعرضتها المحكمة على المتهم فقرر أنها مقدمه منه وأنها مطابقة للمذكرة المودعة بملف تلك الدعوى. لما كان ذلك، وكان البين أن هذه الصورة العرفية مطابقة للصورة الرسمية المقدمة من قلم الكتاب، فإن المحكمة لتطمئن إزاء كل ما تقدم إلى صحتهما ومطابقتهما للأصل الذى كان مودعا ملف الدعوى، ومن ثم فإن ما يثيره المدافع عن المستأنف - مؤخرا - فى هذا الشأن لا يكون له محل.
2 - أن الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بعد أن قضى باعتبار المدعى بالحق المدنى تاركا لدعواه المدنية مردود، بأن ترك الدعوى المدنية لا يؤثر - على ما نصت عليه المادة 260 من قانون الإجراءات الجنائية على الدعوى الجنائية - يستوى فى ذلك أن تكون الدعوى الجنائية قد حركت بمعرفة النيابة العامة أو عن طريق المدعى بالحق المدنى، بل أنه حتى فى الجرائم التى علق فيها القانون تحريك الدعوى الجنائية على شكوى من المجنى عليه، فإن تركه لدعواه وكذلك الحكم لو كان المجنى عليه قد قدم الشكوى وحرك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر بصحيفة واحدة، ذلك لأن ترك الدعوى المدنية خلاف التنازل عن الشكوى فهو لا يتضمنه كما لا يستوجبه وهو بوصفه تنازلا عن إجراءات الدعوى المدنية يجب أن يقدر بقدره بحيث لا ينسحب إلى غيره من إجراءات الدعوى الجنائية، ولأن الترك هو محض أثر قانونى يقتصر على ما ورد بالصحيفة بشأن إجراءات الدعوى المدنية دون غيرها فلا يعدمها دلالتها كورقة تنطوى على تعبير عن إرادة المجنى عليه فى التقدم بشكواه يكفى لحمل الدعوى الجنائية على متابعة سيرها وحدها باعتبارها صاحبة الولاية الاصلية عليها، ومن ثم تظل الدعوى الجنائية قائمة ومن حق المحكمة بل فى واجبها الفصل فيها ما دام إنها قد قامت صحيحة ولم يتنازل المجنى عليه عن شكواه، لما كان ذلك، فإن ما يثيره المستأنف فى هذا الصدد يكون غير سديد.
3 - إن الدفع بسقوط حق المدعى المدنى فى تحريك الدعوى الجنائية عن جريمة السب لمضى ثلاثة أشهر من تاريخ علمه بتلك الجريمة قبل رفع الدعوى بها مردود بدوره،بأن علم المجنى عليه بالجريمة ومرتكبها الذى يبدأ منه سريان مدة الثلاثة أشهر - التى نصت عليها المادة 3/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية - والتى يترتب على مضيها عدم قبول الشكوى - يجب أن يكون علما يقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا فلا يجرى الميعاد فى حق المجنى عليه إلا من اليوم الذى يثبت فيه قيام هذا العلم اليقينى. وإذ كان المدعى بالحق المدنى قد قرر فى صحيفة دعواه أنه ما علم بواقعة السب إلا فى يوم تقديمه لصحيفة دعواه المباشرة لقلم الكتاب فى 6 من أكتوبر سنة 1969، وكان ما ذهب المستأنف من أنه سلم صورة المذكرة - التى تضمنت عبارات السب - إلى المدعى بالحق المدنى فى 25 يونيه سنة 1969 جاء قولا مرسلا، وكان لا دليل فى الأوراق على أن المدعى بالحق المدنى قد علم بالجريمة وبمرتكبها علما يقينا فى تاريخ معين سابق على يوم تقديمه لصحيفة دعواه فى 6 من أكتوبر سنة 1969 المعلنة للمتهم فى 6 من ديسمبر سنة 1969، وكان لا وجه لترتيب علم المدعى بالحق المدنى على علم وكيله لأنه ترتيب حكمى يقوم على الافتراض، فإن ما يثيره المستأنف فى هذا الشأن يكون على غير أساس.
4 - أن الدفع ببطلان تحريك الدعوى الجنائية بالدعوى المدنية الموقعة صحيفتها من محامٍ لم يحصل على إذن من مجلس النقابة الفرعية بقبول الوكالة فى الدعوى ضد المتهم وهو محام مثله على ما تقضى به المادة 133 من قانون المحاماة رقم 61 سنة 1968 - مردود، بأن هذه المخالفة المهنية - بفرض حصولها - لا تستتبع تجريد العمل الإجرائى الذى قام به محام المدعى بالحق المدنى من آثاره القانونية، كما أنه ليس بصائب ما أثاره المستأنف من عدم قبول الدعوى لأن محامى المدعى بالحق المدنى قدم صحيفة الإدعاء المباشر دون أن يصدر له توكيل خاص منه ذلك أن المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية لا تشترط ذلك إلا فى حالة تقديم الشكوى ولا ينسحب حكمها على الادعاء المباشر.
5 - أنه عن الدفع بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية لخضوع المدعى بالحق المدنى لأحكام حراسة الطوارئ،فإن المشرع إذ خول لرئيس الجمهورية بمقتضى القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ سلطة اتخاذ تدابير من بينها إصدار الأمر بفرض الحراسة، إنما قصد وضع نظام لإدارة أموال الخاضعين للحراسة يغل يدهم عن إدارتها أو التصرف فيها فلا يكون لهم تبعا لذلك حق التقاضى بشأنها، وليس فى ذلك نقص فى أهلية الخاضع للحراسة وإنما هو بمثابة حجز على أمواله يقيد من سلطته عليها فيباشرها نيابة عنه الحارس المعين طبقا للقانون. بيد أن هذا القيد لا يعتدى إلى حق الخاضع للحراسة فى التقاضى بشخصه إذا ما لحقه ضرر من جريمة وقعت على نفسه أو مست شرفه واعتباره، ومن ثم فإن ما يثيره المستأنف فى هذا المنحى يكون غير قويم.
6 - إن تهمة السب ثابتة فى حق المستأنف فى العبارات الواردة فى مذكرة دفاعه المقدمة فى الدعوى رقم ...... مستعجل القاهرة، والتى أقر أمام محكمة أول درجة بجلسة 8 من أكتوبر سنة 1971 بصدورها عنه ومسئوليته عما جاء بها، والتى أسند فيها إلى المدعى بالحق المدنى أنه "كان يعمل بالسلك القضائى ثم انحرف نحو الجريمة ففصل من عمله وأراد أن يشتغل بالمحاماة فأبت لجنة القيد أن ينضم إلى صفوف المحامين نصابا عالميا" - وهى عبارات تنطوى على خدش للشرف والاعتبار وقد توافر ركن العلانية قانونا بتقديم المذكرة للمحكمة وتداولها بين أيدى الموظفين المختصين كنتيجة حتمية لإيداعها ملف الدعوى.
7 - من المقرر أن حكم المادة 309 من قانون العقوبات ليس إلا تطبيقا لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذى يستلزمه وأن هذا الحق أشد ما يكون إرتباطا بالضرورة الداعية إليه، وكانت المحكمة تسرى أن ما أورده المستأنف فى مذكرته من عبارات على ما سبق البيان - مما لا يستلزمه الدفاع عن حق موكلته فى هذه الدعوى ولا تمتد إليه حماية القانون، فإن ما يثيره المستأنف فى هذا الصد يكون على غير أساس.


الوقائع

أقام المدعى بالحقوق المدنية دعواه بالطريق المباشر أمام محكمة جنح الأزبكية الجزئية قيدت بجدولها برقم 7672 لسنة 1970 ضد الطاعن و....... - التى حكم ببراءتها - متهما إياه بأنه فى خلال شهر سبتمبر سنة 1969 بدائرة قسم الأزبكية محافظة القاهرة: (أولا) قدف فى حقه بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة 171 من قانون العقوبات بأمور ثابتة بمذكرته المودعة بملف القضية رقم 6974 لسنة 1969 مستعجل القاهرة لو صدقت لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبة المقررة فى المادة 336 وما بعدها من قانون العقوبات وأوجبت احتقاره عند أهله وذويه (ثانيا) سبه بالألفاظ السابقة المدونة بالمذكرة سالفة الذكر وهى تتضمن خدشا للشرف والاعتبار. وطلبت عقابه بالمواد 302 و306 و307 و308 من قانون العقوبات وإلزامه أن يدفع له مبلغ واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية بالنسبة إلى التهمة الأولى ببراءة المتهم من التهمة الأولى وتغريمه عشرة جنيهات عن التهمة الثانية مع إلزامه أن يدفع للمدعى بالحقوق المدنية مبلغ واحد وخمسين جنيها على سبيل التعويض المؤقت ومصاريف الدعوى المدنية. فاستأنف المتهم. ومحكمة القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت فى الدعوى بقبول الاستئناف شكلا ورفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض. وقضى فى طعنه بقبوله شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة القاهرة الابتدائية لتحكم فيها من جديد هيئة استئنافية أخرى. أعيدت الدعوى ثانية إلى المحكمة المشار إليها وقضت فيها حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من عقوبة جنائية وفى الدعوى المدنية باعتبار المدعى بالحقوق المدنية تاركا لدعواه المدنية وألزمته مصروفاتها عن الدرجتين. فطعن الأستاذ...... المحامى بصفته وكيلا عن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن الوقائع - حسبما تبينتها المحكمة - توجز فى أن المدعى بالحق المدنى ...... أقام هذه الدعوى بطريق الادعاء المباشر ضد...... المحامى وموكلته........ بصحيفة طلب فيها من النيابة العامة تحريك الدعوى ضدهما بوصف أنهما فى خلال شهر سبتمبر سنة 1969 ارتكبا جريمتى القذف والسب بالعبارات المبينة بها والواردة فى مذكرة دفاعهما فى الدعوى رقم 6974سنة 1969 مستعجل القاهرة بأن نسبا إليه أنه "كان يعمل بالسلك القضائى ثم انحرف نحو جريمة ففصل من عمله وأراد أن، يشتغل بالمحاماة فأبت لجنة القيد أن تضم إلى صفوف المحامين نصابا عالميا" وهى عبارات تنطوى على المساس بشرفه واعتباره وتدعو - لو صدقت - لعقابه واحتقاره عند أهله وذويه ،وانتهى المدعى بالحق المدنى إلى طلب عقابهما بالمواد 302 و306 و307 و308 من قانون العقوبات وإلزامهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 51 جنيها على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف.وبتاريخ 21/ 1/ 1971 قضت محكمة أول درجة ببراءة المتهمة الثانية مما أسند إليها وبراءة المتهم الأول من تهمة القذف وتغريمه عشرة جنيهات عن تهمة السب وإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدنى مبلغ 51 ج على سبيل التعويض المؤقت ومصاريف الدعوى المدنية.
وحيث إن المتهم الأول........ طعن على هذا الحكم بالاستئناف وأقام دفاعه على الأسانيد التالية: (أولا) أن الدعوى الجنائية وقد أقيمت بطريق الادعاء المباشر عن جريمة يلزم فيها الشكوى من المجنى عليه، فإن القضاء من المحكمة الاستئنافية - بعد نقض الحكم للمرة الأولى - باعتبار المدعى بالحق المدنى تاركا لدعواه المدنية إلغاء يرتب إلغاء جميع إجراءات الخصومة بما فى ذلك رفع الدعوى الجنائية التى أقيمت مع الدعوى المدنية بصحيفة واحدة ويوجب القضاء بإنقضاء الدعوى الجنائية. (ثانيا) سقوط حق المدعى بالحق المدنى فى تحريك الدعوى الجنائية لعدم شكواه عن السب المزعوم فى مذكرته الدعوى رقم 6974 سنة 1969 مستعجل القاهرة المسلمة إليه صورتها فى 25 يونيه 1969 خلال ثلاثة شهور من هذا التاريخ عملا بنص المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية. (ثالثا) بطلان تحريك الدعوى الجنائية بالدعوى المدنية الموقعة صحيفتها من محام لم يحصل على إذن من مجلس النقابة الفرعية بقبول الوكالة فى الدعوى ضد المتهم وهو محام مثله عملا بنص المادة 133 من قانون المحاماة. (رابعا) عدم قبول الدعوى الجنائية لعدم وجود توكيل يخول موقع الصحيفة حق الشكوى من موضعها. (خامسا) عدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية لخضوع المدعى بالحق المدنى لأحكام حراسة الطوارئ. وانتهى المدافع عن المستأنف فى ختام مرافعته إلى أن الصورة الرسمية للمذكرة مثار الإتهام المقدمة من المدعى بالحق المدنى لا تطابق الأصل الذى يجب الرجوع إليه.
وحيث إنه إذ كان الثابت أن المدعى بالحق المدنى تقدم بصورة رسمية من المذكرة موضوع التداعى - المقدمة فى الدعوى رقم 6974 سنة 1969 مستعجل القاهرة صادر عن قلم الكتاب فى 28 من أبريل سنة 1970 من واقع ملف الدعوى، وكان ملف الدعوى قد فقد بسبب الحريق على ما يبين من إفادة قلم الكتاب المؤرخة 24 من فبراير سنة 1974 - مما يستحيل معه إمكان مضاهاة هذه الصورة على الأصل - بيد أنه إذ كان الثابت من مطالعة محضر جلسة 8 من يناير سنة 1970 أمام محكمة أول درجة أن المدعى بالحق المدنى تقدم بصورة عرفية من المذكرة مثار الاتهام فعرضتها المحكمة على المتهم فقرر أنها مقدمة منه وأنها مطابقة للمذكرة المودعة بملف تلك الدعوى لما كان ذلك، وكان البين أن هذه الصورة العرفية مطابقة للصورة الرسمية المقدمة من قلم الكتاب، فإن المحكمة تطمئن إزاء كل ما تقدم إلى صحتهما ومطابقتهما للأصل الذى كان مودعا ملف الدعوى، ومن ثم فإن ما يثيره المدافع عن المستأنف - مؤخرا - فى هذا الشأن لا يكون له محل.
وحيث إنه عن الدفع بانقضاء الدعوى الجنائية بعد أن قضى باعتبار المدعى بالحق المدنى تاركا لدعواه المدنية فمردود، ذلك أن ترك الدعوى المدنية لا يؤثر - على ما نصت عليه المادة 260 من قانون الإجراءات الجنائية - يستوى فى ذلك أن تكون الدعوى الجنائية قد حركت بمعرفة النيابة العامة أو عن طريق المدعى بالحق المدنى، بل أنه حتى فى الجرائم التى علق فيها القانون تحريك الدعوى الجنائية على شكوى من المجنى عليه، فإن تركه لدعواه المدنية لا يؤدى إلى انقضاء الدعوى الجنائية إلا إذا تنازل عن شكواه أيضا فضلا عن تركه لدعواه وكذلك الحكم لو كان المجنى عليه قد قدم الشكوى وحرك الدعوى الجنائية بالطريق المباشر بصحيفة واحدة، ذلك لأن ترك الدعوى المدنية خلاف التنازل عن الشكوى فهو لا يتضمنه كما لا يستوجبه، وهو بوصفه تنازلا عن إجراءات الدعوى المدنية يجب أن يقدر بقدره بحيث لا ينسحب إلى غيره من إجراءات الدعوى الجنائية، ولأن الترك هو محض أثر قانونى يقتصر على ما ورد بالصحيفة بشأن إجراءات الدعوى المدنية دون غيرها فلا يعدمها دلالتها كورقة تنطوى على تعبير عن إرادة المجنى عليه فى التقدم بشكواه يكفى لحمل الدعوى الجنائية على متابعة سيرها بعد أن تحركت تحريكا صحيحا واستردت النيابة العامة كامل حريتها فى مباشرتها وحدها باعتبارها صاحبة الولاية الأصلية عليها، ومن ثم تظل الدعوى الجنائية قائمة ومن حق المحكمة بل من واجبها الفصل فيها ما دام أنها قد قامت صحيحة ولم يتنازل المجنى عليه عن شكواه. لما كان ذلك، فإن ما يثيره المستأنف فى هذا الصدد يكون غير سديد.
وحيث إنه عن الدفع بسقوط حق المدعى بالحق المدنى فى تحريك الدعوى الجنائية عن جريمة السب لمضى ثلاثة أشهر من تاريخ علمه بتلك الجريمة قبل رفع الدعوى بها فمردود بدوره، ذلك أن علم المجنى عليه بالجريمة ومرتكبها الذى يبدأ منه سريان مدة الثلاثة أشهر التى نصت عليها المادة 3/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية - والتى يترتب على مضيها عدم قبول الشكوى - يجب أن يكون علما يقينيا لا ظنيا ولا افتراضيا فلا يجرى الميعاد فى حق المجنى عليه إلا من اليوم الذى يثبت فيه قيام هذا العلم اليقينى. وإذ كان المدعى بالحق المدنى قد قرر فى صحيفة دعواه أنه ما علم بواقعة السب إلا فى يوم تقديمه لصحيفة دعواه المباشرة لقلم الكتاب فى 6 من أكتوبر سنة 1969، وكان ما ذهب إليه المستأنف من أنه سلم صورة المذكرة - التى تضمنت عبارات السب - إلى المدعى بالحق المدنى فى 25 يونيه سنة 1969 جاء قولا مرسلا، وكان لا دليل فى الأوراق على أن المدعى بالحق المدنى قد علم بالجريمة وبمرتكبها علما يقينيا فى تاريخ معين سابق على يوم تقديمه لصحيفة دعواه فى 6 من أكتوبر سنة 1969 المعلنة للمتهم فى 6 من ديسمبر سنة 1969، وكان لا وجه لترتيب علم المدعى بالحق المدنى على علم وكيله لأنه ترتيب حكمى يقوم على الافتراض، فإن ما يثيره المستأنف فى هذا الشأن يكون على غير أساس.
وحيث إن الدفع ببطلان تحريك الدعوى الجنائية بالدعوى المدنية الموقعة صحيفتها من محام لم يحصل على إذن من مجلس النقابة الفرعية بقبول الوكالة فى الدعوى ضد المتهم وهو محام مثله على ما تقضى به المادة 133 من قانون المحاماة رقم 61 سنة 1968 مردود، بأن هذه المخالفة المهنية - بفرض حصولها - لا تستتبع تجريد العمل الإجرائى الذى قام به محام المدعى بالحق المدنى من آثاره القانونية، كما أنه ليس بصائب ما أثاره المستأنف من عدم قبول الدعوى لأن محامى المدعى بالحق المدنى قدم صحيفة الإدعاء المباشر دون أن يصدر له توكيل خاص منه، ذلك أن المادة الثالثة من قانون الاجراءات الجنائية لا تشترط ذلك الا فى حالة تقديم الشكوى ولا ينسحب حكمها على الادعاء المباشر.
وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية لخضوع المدعى بالحق المدنى لأحكام حراسة الطوارئ، فإن المشرع إذ خول لرئيس الجمهورية بمقتضى القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ سلطة اتخاذ تدابير من بينها إصدار الأمر بفرض الحراسة، إنما قصد وضع نظام لإدارة أموال الخاضعين للحراسة يغل يدهم عن إدارتها أو التصرف فيها فلا يكون لهم تبعا لذلك حق التقاضى بشأنها، وليس فى ذلك نقص فى اهلية الخاضع للحراسة وإنما هو بمثابة حجز على أمواله يقيد من سلطته عليها فيباشرها نيابة عنه الحارس المعين طبقا للقانون. بيد أن هذا القيد لا يعتدى إلى حق الخاضع للحراسة فى التقاضى بشخصه إذا ما لحقه ضرر من جريمة وقعت على نفسه أو مست شرفه واعتباره، ومن ثم فإن ما يثيره المستأنف فى هذا المنحى يكون غير قويم.
وحيث إنه عن الموضوع فإن تهمة السب ثابتة فى حق المستأنف من العبارات الواردة فى مذكرة دفاعه المقدمة فى الدعوى رقم 6947 لسنة 1969 مستعجل القاهرة، والتى أقر أمام محكمة أول درجة بجلسة 8 من أكتوبر سنة 1971 بصدورها عنه ومسئوليته عما جاء بها، والتى أسند فيها إلى المدعى بالحق المدنى أنه "كان يعمل بالسلك القضائى ثم انحرف نحو الجريمة ففصل من عمله وأراد أن يشتغل بالمحاماة فأبت لجنة القيد أن ينضم إلى صفوف المحامين نصابا عالميا" - وهى عبارات تنطوى على خدش للشرف والاعتبار وقد توافر ركن العلانية قانونا بتقديم المذكرة للمحكمة وتداولها بين أيدى الموظفين المختصين كنتيجة حتمية لإيداعها ملف الدعوى. أماما أثاره المستأنف بشأن الإعفاء المقرر فى المادة 309 من قانون العقوبات، فإن البين من الأوراق أن المذكرة مثار الاتهام قد قدمت فى الدعوى رقم 6974 مستعجل القاهرة التى أقام المدعى بالحق المدنى وآخرون ضد المدعى عليها...... ابتغاء الحكم بعدم الاعتداد بالحجز الموقع منها على أموالهم تحت يد الحراسة العامة بعد الإفراج عنها بالقرار الجمهورى رقم 804/ 1968 نفاذا للحكم رقم 786 سنة 1961 مدنى كلى القاهرة - والتى قالوا شرحا لها أنه إذ أشهر إفلاسهم فقد كان من المتعين على المدعى عليها إعلان السنديك بمحضر الحجز وإذ أغفلت ذلك فإن الحجز يكون قد وقع باطلا - فتقدم المتهم - بوصفه محاميا عن المدعى عليها بالمذكرة التى اشتملت على عبارات السب - مؤسسا دفاعه فيها على أن المدعى بالحق المدنى .... لم يشهر إفلاسه وأن باقى المدعيين - لم يقدموا دليلا على إشهار إفلاسهم وتعين سنديك للتفليسة وانتهى المتهم فى مذكرته إلى طلب الحكم أصليا بعدم جواز نظر الدعوى السابقة الفصل فيها، واحتياطيا برفضها، ومن باب الاحتياط الكلى برفضها بالنسبة إلى المدعى بالحق المدنى. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن حكم المادة 309 من قانون العقوبات ليس إلا تطبيقا لمبدأ عام هو حرية الدفاع بالقدر الذى يستلزمه، وأن هذا الحق أشد ما يكون ارتباطا بالضرورة الداعية إليه، وكانت المحكمة ترى أن ما أورده المستأنف فى مذكرته من عبارات على ما سبق البيان - مما لا يستلزمه الدفاع عن حق موكلته فى هذه الدعوى ولا تمتد إليه حماية القانون، فإن ما يثيره المستأنف فى هذا الصدد يكون على غير أساس.
وحيث إنه بالبناء على ما تقدم تكون تهمة السب المستندة إلى المستأنف قد توافرت أركانها وقام الدليل على صحتها فى حقه، ومن ثم يكون الحكم المستأنف فى محله إذ قضى بإدانته عنها، ويكون الاستئناف قد بنى على غير أساس سليم، ويتعين لذلك رفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به فى الدعوى الجنائية.