أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 27 - صـ 409

جلسة 11 من أبريل سنة 1976

برياسة السيد المستشار جمال صادق المرصفاوى رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى الأسيوطى، وعادل مرزوق، ويعيش رشدى، وأحمد موسى.

(89)
الطعن رقم 39 لسنة 46 القضائية

(1) محكمة الموضوع "سلطتها فى تعديل وصف التهمة". قانون. "تطبيقه" وصف التهمة.
التزام المحكمة بتطبيق صحيح القانون. عدم تقيدها بالوصف المسبغ على الواقعة أو بالقانون المطلوب العقاب به.
(2) اختصاص "الاختصاص الولائى". "اختصاص محاكم أمن الدولة". أوامرعسكرية.
حق المحاكم العادية فى تطبيق الأوامر العكسرية والفصل فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لها.
- اختصاص محاكم أمن الدولة بهذه الجرائم. لا يسلب المحاكم العادية اختصاصها بها. أساس ذلك ؟
(3) عقوبة. "إيقاف تنفيذها". قانون "تطبيقه. إلغاؤه".
الأمر بوقف تنفيذ العقوبة المقضى بها عن جريمة عبور الحدود المصرية الليبية خارج نطاق بوابة السلوم. خطأ فى القانون. لمخالفته الأمر العسكرى رقم 8 لسنة 1972 "مطروح". لا يدرأ هذا الخطأ صدور الأمر العسكرى رقم 15 لسنة 1973 علة ذلك ؟
عدم جواز الرجوع إلى القانون العام فيما نظمه قانون خاص.
التشريع العام اللاحق. لا ينسخ ضمنا التشريع الخاص السابق.
1 - المحكمة ملزمة بأن تنزل الحكم الصحيح للقانون على الواقعة التى رفعت بها الدعوى غير مقيدة فى ذلك بالوصف الذى أسبغ على هذه الواقعة بالقانون الذى طلب عقاب المتهم طبقا لأحكامه.
2 - انزال المحاكم الأحكام الوارده بالأوامر العسكرية على الوقائع الجنائية غير ممتنع عليها بل هو من واجبها، ذلك بأن قانون حالة الطوارئ الصادر بالقرار بقانون رقم 162 لسنة 1958 إذ نص فى المادة الخامسة منه على أنه "مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد تنص عليها القوانين المعمول بها يعاقب كل من خالف الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه بالعقوبات المنصوص عليها فى تلك الأوامر" وفى الفقرة الأولى من المادة السابعة منه على أن "تفصل محاكم أمن الدولة الجزئية والعليا فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه"، وفى المادة التاسعة منه على أنه "يجوز لرئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجرائم التى يعاقب عليها القانون العام"، فإنه بذلك يكون قد حصر اختصاص هذه المحاكم - وما هى إلا محاكم استثنائية - فى الفصل فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، ولو كانت فى الأصل مؤثمة بالقوانين المعمول بها وكذلك فى الجرائم المعاقب عليها بالقانون العام التى تحال إليها من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه. بينما لم يسلب المحاكم صاحبة الولاية العامة شيئا البتة من اختصاصها الأصيل الذى أطلقته الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 ليشمل الفصل فى كافة الجرائم - إلا ما استثنى بنص خاص - وبالتالى يشمل هذا الاختصاص الفصل فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه عملا بأحكام قانون حالة الطوارئ حتى ولو لم تكن فى الأصل مؤثمة بالقوانين المعمول بها، ذلك لأن الشارع لم يورد فى هذا القانون أو فى أى تشريع آخر نصا بأفراد محاكم أمن الدولة بالفصل - وحدها دون سواها - فى أى نوع من الجرائم، ولو كان الشارع قد أراد ذلك لعمد إلى الافصاح عنه صراحة على غرار نهجه فى الأحوال المماثلة كقانون السلطة القضائية سالف الذكر الذى عنى بإيراد عبارة "دون غيرها" وترديدها قرين كل اختصاص فى المادة 83 منه التى تنص على أن "تختص دوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض دون غيرها بالفصل فى الطلبات التى يقدمها رجال القضاء والنيابة العامة... كما تختص الدوائر المذكورة دون غيرها بالفصل فى طلبات التعويض عن تلك القرارات وتختص أيضا دون غيرها بالفصل فى المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت.
3 - لما كانت واقعة مغادرة أراضى الجمهورية بغير حمل جواز سفر وبدون الحصول على إذن خاص "تأشيرة" ومن غير الأماكن المخصصة لذلك التى رفعت بها الدعوى على المطعون ضده وعوقب عنها، إنما يحكمها علاوة على القانون رقم 97 لسنة 1959 - الذى أنزل الحكم المطعون فيه بموجبه العقاب على المطعون ضده - الأمر العسكرى رقم 8 لسنة 1972 (مطروح) الذى صدر من بعد ذلك القانون وعمل به قبل وقوع الفعل والذى يحظر إيقاف تنفيذ العقوبة فى الجرائم المنصوص عليها فيه ومنها جريمة عبور الحدود المصرية الليبية خارج نطاق بوابة السلوم، فإن الحكم المطعون فيه إذ أمر - بالمخالفة لأحكام ذلك الأمر العسكرى - بإيقاف تنفيذ العقوبة، المقضى بها على المطعون ضده بالحكم المستأنف عن الجرائم الثلاث المسندة إليه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون. ولا يدرأ عنه هذا الخطأ صدور الأمر رقم 15 لسنة 1973 من نائب الحاكم العسكرى العام بتاريخ 25 من أبريل سنة 1973 من بعد وقوع الواقعة وقبل الحكم المطعون فيه - قاضيا فى مادته الأولى بأن يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تجاوز مائتى جنيه أو باحدى هاتين العقوبتين كل من دخل أقليم الدولة أو خرج منه أو حاول ذلك من غير الأماكن المحددة لذلك أو بدون الحصول على الإذن المنصوص عليه فى المادة 4 من القانون رقم 89 لسنة 1960 فى شأن دخول وإقامة الأجانب بأراضى الجمهورية والخروج منها، وخاليا من نص مانع من إيقاف تنفيذ العقوبة. ذلك بأنه "لما كان المقرر - وفق القاعدة العامة الواردة بالمادة الثانية من القانون المدنى - أنه لا يجوز إلغاء نص تشريعى إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع وإذ كان الأمر العسكرى رقم 8 لسنة 1972 (مطروح) والأمر العسكرى رقم 15 لسنة 1973 كلاهما بمنزله سواء فى مدرج التشريع، وكان هذا الأمر اللاحق لم ينص صراحة على إلغاء الأمر السابق، بل قد خلت نصوصه وحتى ديباجته البتة من أية إشارة إلى الأمر السابق، لما كان ذلك، وكان الأمر اللاحق إنما هو تشريع عام، فيما انتظمه من أحكام فى شأن دخول أقليم الدولة والخروج منه بعامة، فى حين أن الأمر العسكرى رقم 8 لسنة 1972 الصادر من محافظة مطروح بوصفه حاكما عسكريا لهذه المحافظة إنما هو تشريع خاص - مستقل بما انتظم من تجريم وعقاب، ونطاقه مقصور على محافظة مطروح - راعى فيه مصدره إعتبارات محلية قدرها واستهدف من أجلها، بما ضمنه من عقوبة لا زالت هى الأشد، مكافحة ظاهرة التسلل - فى دائرة هذه المحافظة وحدها وبذاتها - عبر الحدود المصرية الليبية بخاصة فقد بقى بذلك هذا التشريع الخاص السابق استثناء من التشريع العام اللاحق ماضيا فى تحقيق الغرض الذى سن من أجله، لما هو مقرر من أنه مع قيام قانون خاص لا يرجع إلى أحكام قانون عام إلا فيما لم ينتظمه القانون الخاص من أحكام وأن التشريع العام اللاحق لا ينسخ ضمنا التشريع الخاص السابق بل يظل التشريع الخاص قائما.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه فى يوم 21 من يوليو سنة 1972 بدائرة قسم الرمل محافظة الإسكندرية: (أولا) وهو متمتع بجنسية جمهورية مصر العربية غادرا أراضى الجمهورية دون أن يكون حاملا لجواز سفر قانونى. (ثانيا) بوصفه سالف الذكر غادر أراضى الجمهورية دون أن يكون حاصلا على تأشيرة أو إذن خاص الجهة المختصة. (ثالثا) غادر أراضى الجمهورية من غير الأماكن المخصصة لذلك. وطلبت عقابه بالمواد 1 و2 و3 و5 و14 من القانون رقم 97 لسنة 1959، والأمر العسكرى رقم 8 لسنة 1972. ومحكمة جنح الرمل الجزئية قضت غيابيا عملا بمواد الإتهام بتغريم المتهم بخمسين جنيها عن التهم الثلاث عارض، وقضى فى معارضته باعتبارها كأن لم تكن. فاستأنف المتهم هذا الحكم ومحكمة الإسكندرية الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت حضوريا بقبول الإستئناف شكلا ورفضه موضوعا وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بايقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم. فطعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ أمر بايقاف تنفيذ العقوبة المقضى بها على المطعون ضده بالحكم المستأنف عن جرائم مغادرة أراضى الجمهورية بغير حمل جواز سفر وبدون الحصول على إذن خاص "تأشيرة" من السلطة المختصة ومن غير الأماكن المخصصة لذلك، قد أخطأ فى تطبيق القانون. ذلك بأن واقعة المغادرة المرفوعة بها الدعوى إنما هى عبور الحدود المصرية الليبية الذى يحكمه علاوة على القانون رقم 97 لسنة 1959 - فى شأن جوازات السفر المعدل بالقانون رقم 78 لسنة 1968 الذى أنزل الحكم بموجبه العقاب على المطعون ضده - الأمر رقم 8 لسنة 1972 الصادر فى 9 من يناير سنة 1972 من الحاكم العسكرى لمحافظة مطروح بشأن مكافحة التسلل والمعمول به فى اليوم ذاته وهو يحظر فى المادة الثانية منه إيقاف تنفيذ العقوبة فى الجرائم المنصوص عليها فيه.
وحيث إنه يبين من الأوراق أن النيابة العامة رفعت الدعوى الجنائية على المطعون ضده بوصف أنه فى يوم 21 من يوليو سنة 1972 بدائرة قسم الرمل (1) وهو مصرى الجنسية غادر أراضى الجمهورية دون أن يكون حاملا لجواز سفر قانونى. (2) بصفته سالفة الذكر غادر أراضى الجمهورية دون أن يكون حاصلا على إذن خاص "تأشيرة" من الجهة المختصة. (3) غادر أراضى الجمهورية من غير الأماكن المخصصة لذلك، وطلبت عقابه طبقا لأحكام القانون رقم 97 لسنة 1959، فقضت محكمة أول درجة غيابيا بتغريمه خمسين جنيها عن الجرائم الثلاث - عملا بمواد الاتهام مع مراعاة خكم الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات لوقوع الجرائم لغرض واحد وارتباطها ارتباطا لا يقبل التجزئة. فلما عارض قضت باعتبار معارضته كأن لم تكن، وإذ استأنف قضت محكمة ثانى درجة حضوريا فى 5 نوفمبر سنة 1973 - بحكمها المطعون فيه - بتأييد الحكم المستأنف وأمرت بايقاف تنفيذ العقوبة. وقد أورد الحكم المستأنف - المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه - ضمن بيان واقعة الدعوى أن المغادرة كانت من الأراضى المصرية إلى الأراضى الليبية.
وحيث إنه وإن كان القانون رقم 97 لسنة 1959 خلوا من نص مانع من ايقاف تنفيذ أية عقوبة من عقوبات الجرائم المنصوص عليها فيه، إلا أنه لما كان الأمر رقم 8 لسنة 1972 - سالف البيان - يعاقب فى الفقرة الأولى من مادته الأولى كل من عبر أو حاول اجتياز الحدود المصرية الليبية خارج نطاق بوابة السلوم أو دون إتمام الإجراءات اللازمه للتصريح له بالمرور منها بالحبس مع الشغل مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيها ولا تزيد على مائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويحظر فى مادته الثانية إيقاف تنفيذ العقوبة فى الجرائم المنصوص عليها فيه. وكانت العقوبة فى هذا الأمر أشد من العقوبات المقررة بالقانون رقم 97 لسنة 1959 للجرائم التى دين بها المطعون ضده، إذ تعاقب المادة 12 من هذا القانون على الجريمة الثانية - مغادرة الأراضى بدون الحصول على إذن خاص "تأشيرة" بالحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسين جنيها أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتعاقب المادة 14 منه على كل من الجريمتين الأخريين بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين جنيها ولا تزيد على مائتى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. وكانت المحكمة ملزمة بأن تنزل الحكم الصحيح للقانون على الواقعة التى رفعت بها الدعوى غير مقيدة فى ذلك بالوصف الذى أسبغ على هذه الواقعة ولا بالقانون الذى طلب عقاب المتهم طبقا لأحكامه. وكان إنزال المحاكم الأحكام الوارده بالأوامر العسكرية على الوقائع الجنائية غير ممتنع عليها، بل هو من واجبها، ذلك بأن قانون حالة الطوارئ الصادر بالقرار بقانون رقم 162 لسنة 1958 إذ نص فى المادة الخامسة منه على أنه "مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد تنص عليها القوانين المعمول بها يعاقب كل من خالف الأوامر الصادرة من رئيس الجمورية أو من يقوم مقامه بالعقوبات المنصوص عليها فى تلك الأوامر وفى الفقرة الأولى من المادة السابعة منه على أن "تفصل محاكم أمن الدولة الجزئية والعليا فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه"، وفى المادة التاسعة منه على أنه "يجوز لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجرائم التى يعاقب عليها القانون العام" فإنه بذلك يكون قد حصر اختصاص هذه المحاكم وما هى إلا محاكم استثنائية - فى الفصل فى الجرئم التى تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، ولو كانت فى الأصل مؤثمة بالقوانين المعمول بها، وكذلك فى الجرائم المعاقب عليها بالقانون العام التى تحال إليها من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه. بينما لم يسلب المحاكم صاحبة الولاية العامة شيئا البتة من اختصاصها الأصيل الذى أطلقته الفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 ليشمل الفصل فى كافة الجرائم - إلا ما استثنى بنص خاص - وبالتالى يشمل هذا الاختصاص الفصل فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه عملا بأحكام قانون حالة الطوارئ حتى ولو لم تكن فى الأصل مؤثمة بالقوانين المعمول بها، ذلك لأن الشارع لم يورد فى هذا القانون أو فى أى تشريع آخر نصا بأفراد محاكم أمن الدولة بالفصل - وحدها دون سواها - فى أى نوع من الجرائم. ولو كان الشارع قد أراد ذلك لعمد إلى الافصاح عنه صراحة على غرار نهجه فى الأحوال المماثلة كقانون السلطة القضائية سالف الذكر الذى عنى بإيراد عبارة "دون غيرها " وترديدها قرين كل اختصاص فى المادة 83 منه التى تنص على أن "تختص دوائر المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض دون غيرها بالفصل فى الطلبات التى يقدمها رجال القضاء والنيابة العامة... كما تختص الدوائر المذكورة دون غيرها بالفصل فى طلبات التعويض عن تلك القرارات وتختص أيضا دون غيرها بالفصل فى المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت... " لما كان ذلك، وكانت الواقعة التى رفعت بها الدعوى على المطعون ضده وعوقب عنها إنما يحكمها علاوة على القانون رقم 97 لسنة 1959 - الذى أنزل الحكم المطعون فيه بموجبه العقاب على المطعون ضده - الأمر العسكرى رقم 8 لسنة 1972 (مطروح) الذى صدر من بعد ذلك القانون وعمل به قبل وقوع الفعل متضمنا ما سلف بيانه من أحكام، وذلك فيما تضمنته تلك الواقعة من جريمة عبور الحدود المصرية الليبية خارج نطاق بوابة السلوم، فإن الحكم المطعون فيه، إذ أمر - بالمخالفة لتلك الأحكام - بإيقاف تنفيذ العقوبة، المقضى بها على المطعون ضده بالحكم المستأنف عن الجرائم الثلاث المسندة إليه، يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون. ولا يدرأ عنه هذا الخطأ صدور الأمر رقم 15 لسنة 1973 من نائب الحاكم العسكرى العام بتاريخ 25 من أبريل سنة 1973 - من بعد وقوع الواقعة وقبل الحكم المطعون فيه - قاضيا فى مادته الأولى بأن يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تجاوز مائتى جنيه أو بأحدى هاتين العقوبتين كل من دخل أقليم الدولة أو خرج منه أو حاول ذلك من غير الأماكن المحددة لذلك أو بدون الحصول على الإذن المنصوص عليه فى المادة 4 من القانون رقم 89 لسنة 1960 فى شأن دخول وإقامة الأجانب بأراضى الجمهورية والخروج منها، وخاليا من نص مانع من إيقاف تنفيذ العقوبة. ذلك بأنه، لما كان المقرر - وفق القاعدة العامة الواردة بالمادة الثانية من القانون المدنى - أنه "لا يجوز إلغاء نص تشريعى إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء، أو يشتمل على نص يتعارض مع نص التشريع القديم، أو ينظم من جديد الموضوع الذى سبق أن قرر قواعده ذلك التشريع، وإذ كان الأمر العسكرى رقم 8 لسنة 1972 (مطروح) والأمر العسكرى رقم 15 لسنة 1973 كلاهما بمنزله سواء فى مدرج التشريع، وكان هذا الأمر اللاحق لم ينص صراحة على إلغاء الأمر السابق - بل قد خلت نصوصه وحتى ديباجته البتة من أية إشارة إلى الأمر السابق - لما كان ذلك، وكان الأمر اللاحق إنما هو تشريع عام، فيما انتظمه من أحكام فى شأن دخول إقليم الدولة والخروج منه بعامة، فى حين أن الأمر العسكرى رقم 8 لسنة 1972 الصادر من محافظة مطروح بوصفه حاكما عسكريا لهذه المحافظة إنما هو تشريع خاص - مستقل بما انتظم من تجريم وعقاب، ونطاقه مقصور على محافظة مطروح - راعى فيه مصدره اعتبارات محلية قدرها واستهدف من أجلها، بما ضمنه من عقوبة لا زالت هى الأشد، مكافحة ظاهرة التسلل - فى دائرة هذه المحافظة وحدها وبذاتها - عبر الحدود المصرية الليبية بخاصة فقد بقى بذلك هذا التشريع الخاص السابق استثناء من التشريع العام اللاحق ماضيا فى تحقيق الغرض الذى سن من أجله، لما هو مقرر من أنه مع قيام قانون خاص لا يرجع إلى أحكام قانون عام إلا فيما لم ينتظمه القانون الخاص من أحكام وأن التشريع العام اللاحق لا ينسخ ضمنا التشريع الخاص السابق بل يظل التشريع الخاص قائما، ومن ثم يتعين تصحيح الحكم المطعون فيه بتأييد الحكم المستأنف وذلك بغير حاجة إلى التعرض للجريمتين الأوليين - مغادرة أراضى الجمهورية بغير حمل جواز سفر، وبدون الحصول على إذن خاص "تأشيرة - لأن كلتيهما ليست بذات عقوبة أشد من عقوبة الجريمة الثالثة سالفة الذكر، وبالتالى إلى بحث أثر صدور قرار نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية رقم 1574 لسنة 1972 بتاريخ 23 من أغسطس سنة 1972 - من بعد وقوع الفعل - مضيفا مادة جديدة برقم 31 مكررا إلى القرار رقم 63 لسنة 1959 بتنفيذ بعض أحكام القانون رقم 97 اسنة 1959 تنص على أنه "يجوز للمصريين مغادرة البلاد إلى دول اتحاد الجمهوريات العربية بالبطاقة الشخصية أو العائلية الصادرة طبقا للقانون رقم 260 لسنة 1960 فى شأن الاحوال المدنية متى كانت تحمل صور المسافرين بها وذلك دون حاجة إلى تأشيرة خروج".