مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والأربعون - الجزء الثالث (من يونيه سنة 2001 إلى آخر سبتمبر 2001) - صــ 2103

(246)
جلسة 12 من يونية سنة 2001

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ جمال السيد دحروج نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: كمال زكى عبد الرحمن اللمعى، ومحمود إبراهيم عطا الله، وسالم عبد الهادى محروس جمعة، ومنير صدقى يوسف خليل نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3702 لسنة 42 القضائية

( أ ) دعوى - الدفع بعدم الاختصاص - بحثه يسبق الشكل
من المسلمات أن القضاء تحدد ولايته بالزمان والمكان والموضوع - هذه الولاية تقوم على مراعاة مبادئ وأسس النظام العام. بحث ولاية المحكمة يسبق الشكل والموضوع - تطبيق.
(ب) تحكيم - التحكيم الإجبارى - عدم اختصاص محاكم مجلس الدولة والقضاء العادى بالمنازعات التى ينعقد الفصل فيها لهيئة التحكيم الإجبارى.
المواد 56، 66، 67 من قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر برقم 97 لسنة 1983 - المشرع قصر الفصل فى المنازعات التى تقع بين شركات القطاع العام بعضها وبعض أو بين هذه الشركات وبين الجهات الحكومية المركزية والمحلية وبين هيئات القطاع العام ومؤسساته - عن طريق التحكيم دون غيره - مؤدى ذلك - عدم اختصاص محاكم مجلس الدولة أو محاكم القضاء المدنى بنظر هذه المنازعات سواء فى مرحلة الدعوى أو الطعن - لا يغير من ذلك نصوص المواد الأولى، الأولى من الباب الأول، 9، 52 من القانون رقم 27 لسنة 1994 فى شأن التحكم فى المواد المدنية والتجارية - ذلك أن المتتبع لأحكام هذا القانون يتبين له أنه لا يعالج حالات التحكيم الإجبارى التى تضمنتها أحكام القانون رقم 97 لسنة 1983 - التحكيم فى القانون 27 لسنة 1994 اختيارى - كما أن التحكيم فى القانون الأخير يختلف عن التحكيم الذى كانت تنظمه قبل ذلك أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 فى المواد من 501 إلى 513 - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم السبت الموافق 4/ 5/ 1996 أودع الاستاذ ........ المحامى بصفته وكيلاً عن الطاعن تقرير الطعن المثال قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا - طعنا عن حكم هيئة التحكيم بوزارة العدل بجلسة 31/ 1/ 1996 فى التحكيم رقم 113 لسنة 1989 والذى قضى أولاً - بإلزام المحتكم ضدها الأولى برد قيمة خطاب الضمان رقم 603/ 1983 بمبلغ 86926.810 جنيه، ثانياً: بأداء مبلغ 26881 جنيه المحجوزة تحت يد الهيئة المحتكم ضدها الأولى وثالثاً: إلزام الهيئة المحتكم ضدها الأولى برد خطابى الضمان الصادرين من الهيئة القومية للتشييد والبناء بمبلغى (86962 جنيها، 90000 جنيه) رابعا الزام الهيئة المحتكم ضدها الأولى بالمصاريف ومبلغ عشرين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة.
وقد تم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده الأول فقط وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الطعن وإحالته بحالته إلى هيئات التحكيم المختصة بوزارة العدل، مع إبقاء الفصل فى المصروفات.
وقد تدوول نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون، ثم أمام هذه الدائرة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 12/ 12/ 2000 حكمت المحكمة بوقف الطعن جزائياً لمدة شهر، وفى 17/ 2/ 2001 قامت الهيئة الطاعنة بتنفيذ ما أمرت به المحكمة وأعلنت الممثل القانونى ببنك القاهرة فرع طلعت حرب، وعين لنظر الطعن بجلسة 20/ 2/ 2001 وبجلسة 27/ 3/ 2001 قدم الحاضر عن البنك (المطعون ضده الثانى) مذكرة دفاع التمس فيها الحكم بعدم اختصاص المحكمة بنظر الطعن ببطلان حكم التحكيم المطعون عليه لكون النزاع مدنياً وليس إدارياً وثانياً: الحكم بإخراج البنك من الطعن بلا مصاريف بعد أن قام بتسييل خطاب الضمان رقم 603 لسنة 1982 الصادر فى 9/ 8/ 1983 لصالح الجهة المستفيدة وهى الهيئة الطاعنة.
وبذات الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم فى الطعن بجلسة اليوم 12/ 6/ 2001 وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إنه من المسلمات أن القضاء تحدد ولايته بالزمان والمكان والموضوع وهذه الولاية تقوم على مراعاة مبادئ وأسس النظام العام، والبحث فى ولاية المحكمة ومدى اختصاصها بنظر النزاع والفصل فيه ينبغى أن يكون سابقا على البحث فى شكل الطعن أو موضوعه، ومن ثم فإنه يتعين البحث فى مدى اختصاص المحكمة الإدارية العليا بنظر الطعن الماثل.
ومن حيث إن حكم هيئة التحكيم المطعون فيه صدر من هيئة التحكيم المشكلة بقرار وزير العدل اعمالا لأحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر برقم 97 لسنة 1983 بعد إحالته إليها من محكمة جنوب القاهرة الابتدائية بحكمها الصادر بجلسة 19/ 2/ 1989 فى الدعوى رقم 14438 لسنة 1987.
ومن حيث إن المادة 56 من القانون رقم 97 لسنة 1983 سالف الذكر تنص على أن "يفصل فى المنازعات التى تقع بين شركات القطاع العام بعضها وبعض أو بين شركة قطاع عام من ناحية وبين جهة حكومية مركزية أو محلية أو هيئة عامة أو هيئة قطاع عام أو مؤسسة عامة من ناحية أخرى عن طريق التحكيم دون غيره على الوجه المبين فى هذا القانون".
وتنص المادة 66 من ذات القانون على أن "تكون أحكام هيئات التحكيم نهائية ونافذة وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من وجوه الطعن، ويسلم مكتب التحكيم إلى من صدر الحكم لصالحه صورة منه بديلة بالصيغة التنفيذية.
وتنص المادة (67) من ذات القانون على أن "لا ترفع جميع المنازعات المتعلقة بتنفيذ الحكم إلى هيئة التحكيم التى أصدرته".
ومفاد هذه النصوص أن المشرع فى القانون 97 لسنة 1983 قصر الفصل فى المنازعات التى تقع بين شركات القطاع العام بعضها وبعض أو بين شركات القطاع العام وبين الجهات الحكومية المركزية والمحلية وبين هيئات القطاع العام ومؤسساته - عن طريق التحكيم دون غيره على الوجه المبين فى ذلك القانون، ومن ثم فإنه لا يكون لمحاكم مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى أو محاكم القضاء المدنى ثمة اختصاص بنظر النزعات الناشئة بين هيئات ومؤسسات عامة وإحدى شركات القطاع العام سواء فى مرحلة الدعوى أو فى مرحلة الطعن وذلك إعمالاً لعمومية نص المادة 56 سالفة الذكر الذى عبر عن ذلك صراحة بالنص "..... عن طريق التحكيم دون غيره......"ونص المادة 66 الذى جعل أحكام هذه الهيئات نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى وجه من وجوه الطعن. وبما يتعين معه الحكم بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الطعن الماثل ولا يغير من ذلك صدور القانون رقم 27 لسنة 1994 فى شأن التحكيم فى المواد المدنية والتجارية ونصه فى المادة الأولى من قانون الإصدار على أن "يعمل بأحكام القانون المرافق على كل تحكيم قائم وقت نفاذه أو يبدأ بعد نفاذه ولو استند إلى اتفاق تحكيم سبق إبرامه قبل نفاذ هذا القانون" ونص فى المادة الأولى من الباب الأول من القانون والمعدلة بالقانون رقم 9 لسنة 1997 على أن (مع عدم الاخلال بأحكام الاتفاقات الدولية المعمول بها فى جمهورية مصر العربية تسرى أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التى يدور حولها النزاع إذا كان هذا التحكيم يجرى فى مصر أو كان تحكيماً تجارياً دولياً يجرى فى الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون.
وبالنسبة إلى منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة، ولا يجوز التفويض فى ذلك".
ونصه فى المادة (9) من ذات القانون على أن "1 - يكون الاختصاص بنظر مسائل التحكيم التى يجعلها هذا القانون إلى القضاء المصرى للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً، سواء جرى فى مصر أو فى الخارج فيكون الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى فى مصر.
2 - وتظل المحكمة التى ينعقد لها الاختصاص وفقاً للفقرة السابقة دون غيرها صاحبة الاختصاص حتى انتهاء جميع إجراءات التحكيم. "ونصه فى المادة (52) فقرة ثانية على جواز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقاً للأحكام المبينة فى المادتين 53، 54 وتحديد الاختصاص فى غير حالات التحكيم التجارى الدولى لمحكمة الدرجة الثانية التى تتبعها المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع." - ذلك أن المتتبع لأحكام هذا القانون والمستعرض لمواده يتبين له أن هذا القانون لا يعالج حالات التحكيم الإجبارى التى تضمنتها أحكام القانون رقم 97 لسنة 1983 بشأن هيئات القطاع العام وشركاته فى المواد من 56 إلى 69 منه والتى جعلت الاختصاص بنظر كافة المنازعات بين هيئات القطاع العام والحكومة أو بين هيئات القطاع العام وشركات القطاع العام للهيئة التى تشكل بمناسبة كل نزاع بقرار من وزير العدل - واللجوء إلى هذه الهيئة إجبارياً فى حالة قيام النزاع، ولا يحتاج إلى اتفاق مسبق بين طرفيه سواء فى صورة شرط فى عقد أو فى صورة مشارطة تحكيم - وهو يختلف عن التحكيم الذى ينظمه قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادرة بالقانون رقم 27 لسنة 1994، وكذلك التحكيم الذى كانت تنظمه قبل ذلك أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 فى المواد من 501 إلى 513 - التى ألغيت بنص المادة الثالثة من القانون رقم 27 لسنة 1994 - إذ التحكيم المنصوص عليه فى القانون الأخير يختلف فى طبيعته وشروطه عن التحكيم المنصوص عليه فى القانون 97 لسنة 1983 والتحكيم طبقاً للقانون 27 لسنة 1994 اختيارى وليس إجبارياً، ويتم باتفاق مسبق لطرفيه وتحدد شروطه وأوضاعه مشارطة التحكيم التى تبرم بين طرفيه بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية فى المسائل التى يجوز فيه الصلح، وقد اشترط المشرع أن يكون هذا الاتفاق مكتوباً فى صورة اتفاق على التحكيم أو فى صورة شرط فى العقد يشير إلى التحكيم وأجاز لطرفى التحكيم الاتفاق على القانون الواجب التطبيق والإجراءات التى تتبعها هيئة التحكيم وهو ما يؤكد الصفة الاختيارية فى اللجوء إلى التحكيم طبقاً لأحكام هذا القانون والتى تختلف عن أحكام التحكيم الإجبارى المنصوص عليها فى القانون 97 لسنة 1983 سالف الذكر.
ومن حيث إن الثابت من أوراق الطعن الماثل أن الهيئة الطاعنة قد أقامت طعنها طالبة الحكم ببطلان حكم هيئة التحكيم رقم 113 أ لسنة 1989 والصادر من هيئة التحكيم المشكلة بقرار المستشار وزير العدل لنظر النزاع القائم بين شركة النيل العامة للمقاولات وهى إحدى شركات القطاع العام وقت نظر النزاع، وبين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وبنك القاهرة إعمالاً لأحكام المادة 56 من القانون رقم 97 لسنة 1983، وأسست طعنها على بطلان تشكيل هيئة التحكيم التى شكلت من عدد زوجى، وبطلان التحكيم لاستبعاده القانون الواجب بالتطبيق، وبطلان حكم التحكيم للقصور فى التسبيب وكانت أحكام هيئة التحكيم وفقاً لأحكام هذا القانون نهائية وغير قابلة للطعن فيها بأى طريق من طرق الطعن - وينعقد الاختصاص بنظر النزاعات المتعلقة بتنفيذ الحكم إلى هيئة التحكيم التى أصدرته، والثابت من مذكرة دفاع الشركة المطعون ضدها المقدمة بجلسة 4/ 4/ 1998 أن الهيئة الطاعنة استشكلت فى الحكم أمام هيئة التحكيم التى أصدرت الحكم ولا يزال الإشكال متداولاً أمامها.
ومن حيث إنه مما يؤكد ذلك ما أوردته المادة 41 من القانون رقم 203 لسنة 1991 بشأن قطاع الأعمال العام والتى نص على أن "طلبات التحكيم بين شركات القطاع أو بينها وبين جهة حكومية مركزية أو محلية أو هيئة عامة أو هيئة قطاع عام أو مؤسسة عامة التى قدمت قبل تاريخ العمل بهذا القانون وكذلك منازعات التنفيذ الوقتية فى الأحكام الصادرة فيها يستمر نظرها أمام هيئات التحكيم المشكلة طبقاً لأحكام قانون هيئات القطاع العام وشركاته الصادر بالقانون رقم 97 لسنة 1983 وطبقاً للإجراءات المنصوص عليها فيه. "والنزاع محل الطعن الماثل أحيل إلى هيئة التحكيم بتاريخ 19/ 2/ 1989 أى فى تاريخ سابق على العمل بالقانون رقم 203 لسنة 1991 ومن ثم تستمر هيئة التحكيم فى نظره رغم صدور قانون قطاع الأعمال العام الذى أجاز لهذه الشركات الاتفاق على التحكيم الاختيارى فى المادة 40 منه.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم فإنه يتعين الحكم بعدم اختصاص هذه المحكمة بنظر الطعن على حكم هيئة التحكيم المشكلة بوزارة العدل إعمالاً لأحكام القانون 97 لسنة 1983 وإلزام الهيئة الطاعنة المصروفات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الطعن فى الحكم الصادر من هيئة التحكيم المشكلة بقرار وزير العدل إعمالاً لأحكام القانون 97 لسنة 1983 محل الطعن الماثل وألزمت الهيئة الطاعنة المصروفات.