أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 27 - صـ 482

جلسة 10 من مايو سنة 1976

برياسة السيد المستشار حسن على المغربى، وعضوية السادة المستشارين/ محمد صلاح الدين الرشيدى، وقصدى إسكندر عزت، وإسماعيل محمود حفيظ، ومحمد صفوت القاضى.

(106)
الطعن رقم 159 لسنة 46 القضائية

(1) محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "بوجه عام".
الإحاطة بالدعوى عن بصر وبصيرة وخلو الحكم من عيوب التسبيب والخطأ فى تطبيق القانون. شروط صحة الحكم بالبراءة عند الشك فى إسناد التهمة.
(4،3،2) دفوع. "الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعى". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". أسباب الاباحة وموانع العقاب. "الدفاع الشرعى". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
(2) العبرة فى تقدير قيام حالة الدفاع الشرعى. بما يراه المدافع. طالما كان تقديره مقبولا.
(3) أساس حق الدفاع الشرعى هو رد العدوان. الاعتداء على المهاجم بعد تجريده من أداة العدوان. معاقب عليها قانونا.
(4) استخلاص توافر حق الدفاع الشرعى. موضوعى. بشرط أن يكون سائغا.
1 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تقضى بالبراءة متى تشككت فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت عليه، غير أن ذلك مشروط بأن يشتمل حكمها على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وأدلة الثبوت التى قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة وخلا حكمها من الخطأ فى القانون ومن عيوب التسبيب.
2 - إن العبرة فى تقدير قيام حالة الدفاع الشرعى ومقتضياته هى بما يراه المدافع فى الظروف المحيطة، بشرط أن يكون تقديره مبنيا على أسباب معقولة تبرره.
3 - إن حق الدفاع الشرعى لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه إنما شرع لرد العدوان، ولما كان المطعون ضده قد تمكن من انتزاع المطواة من يد المجنى عليه فصار أعزلا من السلاح لا يستطيع به اعتداء، فإن ما وقع من المطعون ضده بعد انتزاعه السلاح من المجنى عليه ثم موالاة طعنه به إنما هو اعتداء معاقب عليه ولا يصح فى القانون اعتباره دفاعا شرعيا.
4 - القول بقيام حالة الدفاع الشرعى وإن كان فى الأصل من الأمور الموضوعية التى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها، إلا أنه يشترط فى ذلك أن يكون تقديرها سائغا متفقا وصحيح القانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده: أنه بدائرة مركز تلا محافظة المنوفية: قتل ..... الشهير بـ .... عمدا بأن طعنه بآلة حادة (مطواة) عدة طعنات قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بمادة الاتهام، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات شبين الكوم قضت فى الدعوى حضوريا ببراءة المتهم مما أسند إليه. فطعنت النيابة العامة فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده تأسيسا على أنه كان فى حالة دفاع شرعى عن النفس قد شابه قصور فى التسبيب وخطأ فى تطبيق القانون، ذلك بأن الحكم إذ دلل على توافر هذه الحالة فقد جزأ الاعتراف الصادر من المطعون ضده والثابت فى الأوراق وأغفل وقائع وردت على لسانه ولم يعرض لها رغم ما فى دلالتها من انتفاء حالة الدفاع الشرعى، ذلك أن المطعون ضده قرر بالتحقيقات أنه عندما سقط هو والمجنى عليه على الأرض من فوق الدراجة التى كانا يركبانها وجثم هو على المجنى عليه تماسكا وانتزع منه المطواة التى كانت معه وطعنه بها عدة طعنات فى رقبته وأن المجنى عليه لم يكن باستطاعته الاستمرار فى الاعتداء بعد أن أخذ منه المطواة، وإذا أسقط الحكم المطعون فيه تلك الأقوال ولم يعرض لها إيرادا لها وردا على ما فى دلالتها من انتفاء حالة الدفاع الشرعى فإنه يكون قاصر البيان مخطئا فى تفهم وقائع الدعوى مما أدى إلى ترديه فى الخطأ فى تطبيق القانون.
وحيث أن الحكم المطعون فيه بنى قضاءه بالبراءة على قوله: "وحيث أن المتهم وقد سدد طعنات إلى المجنى عليه من المطواة فإنه كان فى حالة دفاع شرعى. ينهض ويقطع فى التدليل على تلك الحالة وجود إصابات قطعية به كشف عنها الكشف الطبى والتقرير الطبى الشرعى فالواقع أن المجنى عليه سدد إلى المتهم طعنات من المطواة التى كان يحملها أثناء المشادة بينهما فسقطا من الدراجة أرضا وحاول المجنى عليه أن يعاود طعنه بالمطواة إلا أن المتهم انتزعها منه ومن خوفه سدد إلى المجنى عليه طعنات فأحدث به الإصابات التى أودت بحياته". لما كان ذلك وكان من المقرر أنه وإن كان لمحكمة الموضوع أن تقضى بالبراءة متى تشككت فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم أو لعدم كفاية أدلة الثبوت عليه، غير أن ذلك مشروط بأن يشتمل حكمها على ما يفيد أنها محصت الدعوى وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت التى قام الاتهام عليها عن بصر وبصيرة وخلا حكمها من الخطأ فى القانون ومن عيوب التسبيب - ولما كان يبين من المفردات التى ضمت تحقيقا لوجه الطعن أن المطعون ضده قرر فى التحقيقات أنه لم يكن فى استطاعة المجنى عليه الاعتداء بعد أن انتزع منه المطواة وأنه جثم فوقه وانهال عليه بالطعنات - انتقاما منه - فدل بذلك على مبلغ قوته من المجنى عليه، كما ثبت من تقرير الصفة التشريحية أن بالمجنى عليه تسع إصابات قطعية وطعنيه أغلبها بالوجه والعنق وكان من المقرر إن العبرة فى تقدير قيام حالة الدفاع الشرعى ومقتضاته هى بما يراه المدافع فى الظروف المحيطة بشرط أن يكون تقديره مبنيا على أسباب معقولة تبرره، لما كان ذلك، وكان الحكم الطعون فيه قد أغفل من اعتراف المطعون ضده ما يفيد أنه كان يبغى إنتقاما من المجنى عليه وأن الأخير لم يكن فى حالة يستطيع معها أن يخيف المطعون ضده بعد أن انتزع منه السلاح الذى كان معه، كما أنه لم يثبت أنه وقع من المجنى عليه بعد انتزاع المطواة من يده فعل يخشى منه حصول اعتداء أو استمرار فى إعتداء وكان حق الدفاع الشرعى لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه إنما شرع لرد العدوان ولما كان المطعون ضده قد تمكن من إنتزاع المطواة من يد المجنى عليه فصار أعزلا من السلاح لا يستطيع به اعتداء فإن ما وقع من المطعون ضده بعد انتزاعه السلاح من المجنى عليه ثم موالاة طعنه به إنما هو اعتداء معاقب عليه ولا يصح فى القانون اعتباره دفاعا شرعيا لما كان ذلك وكان ما ذهبت إليه المحكمة من القول بقيام حالة الدفاع الشرعى وإن كان فى الأصل من الأمور الموضوعية التى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها إلا أنه يشترط فى ذلك أن يكون تقديرها سائغا متفقا وصحيح القانون وهو ما لم يتوفر فى خصوص هذه الواقعة ومن ثم فإن الحكم يكون معيبا متعينا نقضه والاحالة.